الخميس، 10 يونيو 2021

مسالة اراد طلاق امراة له قد وطيها لم يحل له ان يطلقها في حيضتها والتعقيب

انظر التعقيبات في اخر الصفحة في شكل روابط

مسالة اراد طلاق امراة له قد وطيها لم يحل له ان يطلقها في حيضتها بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ كِتَابُ الطَّلَاقِ 1945 -  

 

مَسْأَلَةٌ: مِنْ الطَّلَاقِ - مَنْ أَرَادَ طَلَاقَ امْرَأَةٍ لَهُ قَدْ وَطِئَهَا: لَمْ يَحِلَّ لَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا فِي حَيْضَتِهَا، وَلَا فِي طُهْرٍ وَطِئَهَا فِيهِ. فَإِنْ طَلَّقَهَا طَلْقَةً أَوْ طَلْقَتَيْنِ فِي طُهْرٍ وَطِئَهَا فِيهِ، أَوْ فِي حَيْضَتِهَا: لَمْ يَنْفُذْ ذَلِكَ الطَّلَاقُ وَهِيَ امْرَأَتُهُ كَمَا كَانَتْ، إلَّا أَنْ يُطَلِّقَهَا كَذَلِكَ ثَالِثَةً أَوْ ثَلَاثَةً مَجْمُوعَةً فَيَلْزَمُ. فَإِنْ طَلَّقَهَا فِي طُهْرٍ لَمْ يَطَأْهَا فِيهِ فَهُوَ طَلَاقُ سُنَّةٍ لَازِمٌ - كَيْفَمَا أَوْقَعَهُ - إنْ شَاءَ طَلْقَةً وَاحِدَةً، وَإِنْ شَاءَ طَلْقَتَيْنِ مَجْمُوعَتَيْنِ، وَإِنْ شَاءَ ثَلَاثًا مَجْمُوعَةً. فَإِنْ كَانَتْ حَامِلًا مِنْهُ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ: فَلَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا حَامِلًا وَهُوَ لَازِمٌ، وَلَوْ إثْرَ وَطْئِهِ إيَّاهَا فَإِنْ كَانَ لَمْ يَطَأْهَا قَطُّ فَلَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا فِي حَالِ طُهْرِهَا وَفِي حَالِ حَيْضَتِهَا - إنْ شَاءَ - وَاحِدَةً، وَإِنْ شَاءَ اثْنَتَيْنِ وَإِنْ شَاءَ ثَلَاثًا. فَإِنْ كَانَتْ لَمْ تَحِضْ قَطُّ، أَوْ قَدْ انْقَطَعَ حَيْضُهَا طَلَّقَهَا أَيْضًا كَمَا قُلْنَا فِي الْحَامِلِ مَتَى شَاءَ. وَفِيمَا ذَكَرْنَا اخْتِلَافٌ فِي ثَلَاثَةِ مَوَاضِعَ -: أَحَدُهَا - هَلْ يَنْفُذُ الطَّلَاقُ الَّذِي هُوَ بِدْعَةٌ مُخَالِفٌ لِأَمْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَمْ لَا يَنْفُذُ؟ وَالثَّانِي - هَلْ طَلَاقُ الثَّلَاثِ بِدْعَةٌ أَمْ لَا؟ وَالثَّالِثُ - صِفَةُ طَلَاقِ السُّنَّةِ. بُرْهَانُ مَا قُلْنَا: قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا}[الأحزاب: 49] فَأَبَاحَ عَزَّ وَجَلَّ طَلَاقَ الَّتِي لَمْ تُمَسَّ بِالْوَطْءِ، وَلَمْ يَحُدَّ فِي طَلَاقِهَا وَقْتًا، وَلَا عَدَدًا: فَوَجَبَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ هَذَا حُكْمُهَا - وَإِنْ دَخَلَ بِهَا، وَطَالَ مُكْثُهَا مَعَهُ، وَلَا أَشْفَرَهَا فَحَمَلَتْ مِنْ ذَلِكَ، لِأَنَّهُ لَمْ يَمَسَّهَا. وَلَا تَكُونُ بِذَلِكَ مُحْصَنَةً، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَسْتَثْنِ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا}[مريم: 64] . وَالْمُفَرِّقُ بَيْنَ هَذِهِ الْأَحْكَامِ مُتَنَاقِضٌ شَارِعٌ مِنْ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ. فَإِنْ قِيلَ: فَمِنْ أَيْنَ حَكَمْتُمْ بِذَلِكَ فِي الْكِتَابِيَّاتِ إذَا طَلَّقَهُنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَأَنْتُمْ تُبْطِلُونَ الْقِيَاسَ؟ قُلْنَا: لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ}[المائدة: 49] وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ}[الأنفال: 39] وَأَخَصُّ مِنْ هَذَا كُلِّهِ بِجَوَابِ هَذَا السُّؤَالِ قَوْله تَعَالَى: {لا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً}[البقرة: 236] الْآيَةَ، فَعَمَّ عَزَّ وَجَلَّ جَمِيعَ النِّسَاءِ، وَلَمْ يَخُصَّ مُؤْمِنَةً مِنْ كَافِرَةٍ - فَهَذَا قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي غَيْرِ الْمَوْطُوءَةِ. وَأَمَّا فِي الْمَوْطُوءَةِ فَقَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا}[الطلاق: 1] وَالْعِدَّةُ لَا تَكُونُ مِنْ الطَّلَاقِ إلَّا فِي مَوْطُوءَةٍ فَعَلَّمَنَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ كَيْفَ يَكُونُ طَلَاقُ الْمَوْطُوءَةِ، وَأَخْبَرَنَا أَنَّ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ، وَأَنَّ مَنْ تَعَدَّاهَا ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ. فَصَحَّ أَنَّ مَنْ ظَلَمَ وَتَعَدَّى حُدُودَ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - فَفِعْلُهُ بَاطِلٌ مَرْدُودٌ، لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ» . فَصَحَّ أَنَّ الطَّلَاقَ الْمَذْكُورَ لَا يَكُونُ إلَّا لِلْعِدَّةِ كَمَا أَمَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ. فَنَظَرْنَا بَيَانَ مُرَادِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بِقَوْلِهِ: {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ}[الطلاق: 1] فَوَجَدْنَا مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ نا أَبِي نا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ " طَلَّقْت امْرَأَتِي عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - وَهِيَ حَائِضٌ فَذَكَرَ ذَلِكَ عُمَرُ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: «مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا ثُمَّ لِيَدَعْهَا حَتَّى تَطْهُرَ ثُمَّ تَحِيضَ حَيْضَةً أُخْرَى فَإِذَا طَهُرَتْ فَلْيُطَلِّقْهَا قَبْلَ أَنْ يُجَامِعَهَا أَوْ يُمْسِكَهَا، فَإِنَّهَا الْعِدَّةُ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ أَنْ تَطْلُقَ لَهَا النِّسَاءُ» فَكَانَ هَذَا بَيَانًا لَا يَحِلُّ خِلَافُهُ، وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْخَبَرُ بِنُقْصَانٍ عَمَّا أَوْرَدْنَاهُ -: مِنْهَا - مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: سَمِعْتُ يُونُسَ بْنَ جُبَيْرٍ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ طَلَّقْت امْرَأَتِي - وَهِيَ حَائِضٌ - فَأَتَى عُمَرُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - «مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا فَإِذَا طَهُرَتْ فَإِنْ شَاءَ طَلَّقَهَا؟» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَرُوِّينَا الْأَخْذَ بِهَذَا عَنْ عَطَاءٍ - قَالَ عَلِيٌّ: وَزِيَادَةُ الْعَدْلِ لَا يَحِلُّ تَرْكُ الْأَخْذِ بِهَا - وَهُوَ خَبَرٌ وَاحِدٌ، عَنْ قِصَّةٍ وَاحِدَةٍ، فِي مَقَامٍ وَاحِدٍ وَأَمَّا طَلَاقُ الْحَامِلِ - فَكَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ أَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ نا وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ مَوْلًى لِطَلْحَةَ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -: «مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا، ثُمَّ لِيُطَلِّقْهَا طَاهِرًا، أَوْ حَامِلًا» . وَأَمَّا الَّتِي لَمْ تَحِضْ - أَوْ قَدْ انْقَطَعَ حَيْضُهَا - فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَجْمَلَ لَنَا إبَاحَةَ الطَّلَاقِ، وَبَيَّنَ لَنَا طَلَاقَ الْحَامِلِ، وَطَلَاقَ الَّتِي تَحِيضُ، وَلَمْ يَحُدَّ لَنَا تَعَالَى فِي الَّتِي لَمْ تَحِضْ، وَلَا فِي الَّتِي انْقَطَعَ حَيْضُهَا حَدًّا، فَوَجَبَ أَنَّهُ تَعَالَى أَبَاحَ طَلَاقَهَا مَتَى شَاءَ الزَّوْجُ، إذْ لَوْ كَانَ لَهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي وَقْتِ طَلَاقِهَا شَرْعٌ لَبَيَّنَهُ عَلَيْنَا ". ثُمَّ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي الطَّلَاقِ فِي الْحَيْضِ إنْ طَلَّقَ الرَّجُلُ كَذَلِكَ، أَوْ فِي طُهْرٍ وَطِئَهَا فِيهِ، هَلْ يَلْزَمُ ذَلِكَ الطَّلَاقُ أَمْ لَا؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: ادَّعَى بَعْضُ الْقَائِلِينَ بِهَذَا أَنَّهُ إجْمَاعٌ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَقَدْ كَذَبَ مُدَّعِي ذَلِكَ، لِأَنَّ الْخِلَافَ فِي ذَلِكَ مَوْجُودٌ، وَحَتَّى لَوْ لَمْ يَبْلُغْنَا لَكَانَ الْقَاطِعُ - عَلَى جَمِيعِ أَهْلِ الْإِسْلَامِ - بِمَا لَا يَقِينَ عِنْدَهُ بِهِ، وَلَا بَلَغَهُ عَنْ جَمِيعِهِمْ -: كَاذِبًا عَلَى جَمِيعِهِمْ. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ وَهْبِ بْنِ نَافِعٍ أَنَّ عِكْرِمَةَ أَخْبَرَهُ: أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ: الطَّلَاقُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ -: وَجْهَانِ حَلَالٌ، وَوَجْهَانِ حَرَامٌ، فَأَمَّا الْحَلَالُ فَأَنْ يُطَلِّقَهَا مِنْ غَيْرِ جِمَاعٍ أَوْ حَامِلًا مُسْتَبِينًا حَمْلُهَا، وَأَمَّا الْحَرَامُ فَأَنْ يُطَلِّقَهَا حَائِضًا أَوْ حِينَ يُجَامِعَهَا لَا يَدْرِي أَيَشْتَمِلُ الرَّحِمُ عَلَى الْوَلَدِ أَمْ لَا؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَمِنْ الْمُحَالِ أَنْ يُخْبِرَ ابْنَ عَبَّاسٍ عَمَّا هُوَ جَائِزٌ بِأَنَّهُ حَرَامٌ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ عَنْ الْأَعْمَشِ أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ قَالَ: مَنْ طَلَّقَ كَمَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى فَقَدْ بَيَّنَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ، وَمَنْ خَالَفَ فَإِنَّا لَا نُطِيقُ خِلَافَهُ -: نا يُونُسُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ نا ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحِيمِ نا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ الْخُشَنِيُّ نا ابْنُ بَشَّارٍ نا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَبْدِ الْمَجِيدِ الثَّقَفِيُّ نا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ فِي الرَّجُلِ يُطَلِّقُ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ، قَالَ ابْنُ عُمَرَ: لَا يُعْتَدُّ لِذَلِكَ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ كَانَ لَا يَرَى طَلَاقًا مَا خَالَفَ وَجْهَ الطَّلَاقِ، وَوَجْهَ الْعِدَّةِ، وَكَانَ يَقُولُ: وَجْهُ الطَّلَاقِ: أَنْ يُطَلِّقَهَا طَاهِرًا عَنْ غَيْرِ جِمَاعٍ، وَإِذَا اسْتَبَانَ حَمْلُهَا -: نا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نَبَاتٍ نا عَبَّاسُ بْنُ أَصْبَغَ نَا مُحَمَّدُ بْنُ قَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ الْخُشَنِيُّ نا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى نا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ نا حُمَامُ بْنُ يَحْيَى عَنْ قَتَادَةَ عَنْ خِلَاسِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّهُ قَالَ فِي الرَّجُلِ يُطَلِّقُ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ؟ قَالَ: لَا يُعْتَدُّ بِهَا. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَالْعَجَبُ مِنْ جُرْأَةِ مَنْ ادَّعَى الْإِجْمَاعَ عَلَى خِلَافِ هَذَا - وَهُوَ لَا يَجِدُ فِيمَا يُوَافِقُ قَوْلَهُ فِي إمْضَاءِ الطَّلَاقِ فِي الْحَيْضِ، أَوْ فِي طُهْرٍ جَامَعَهَا فِيهِ -: كَلِمَةً عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - غَيْرَ رِوَايَةٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَدْ عَارَضَهَا مَا هُوَ أَحْسَنُ مِنْهَا عَنْ ابْنِ عُمَرَ، وَرِوَايَتَيْنِ سَاقِطَتَيْنِ عَنْ عُثْمَانَ، وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ. إحْدَاهُمَا - رُوِّينَاهَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ ابْنِ سَمْعَانَ عَنْ رَجُلٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ كَانَ يَقْضِي فِي الْمَرْأَةِ الَّتِي يُطَلِّقُهَا زَوْجُهَا وَهِيَ حَائِضٌ أَنَّهَا لَا تَعْتَدُّ بِحَيْضَتِهَا تِلْكَ وَتَعْتَدُّ بَعْدَهَا ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ. وَالْأُخْرَى - مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ عَنْ قَيْسِ بْنِ سَعْدٍ مَوْلَى ابْنِ عَلْقَمَةَ عَنْ رَجُلٍ سَمَّاهُ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّهُ قَالَ فِيمَنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ: يَلْزَمُهُ الطَّلَاقُ وَتَعْتَدُّ بِثَلَاثِ حِيَضٍ سِوَى تِلْكَ الْحَيْضَةِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: بَلْ نَحْنُ أَسْعَدُ بِدَعْوَى الْإِجْمَاعِ هَاهُنَا لَوْ اسْتَجَزْنَا مَا يَسْتَجِيزُونَ - وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ ذَلِكَ - وَذَلِكَ أَنَّهُ لَا خِلَافَ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ قَاطِبَةً، وَفِي جُمْلَتِهِمْ جَمِيعُ الْمُخَالِفِينَ لَنَا فِي ذَلِكَ فِي أَنَّ الطَّلَاقَ فِي الْحَيْضِ أَوْ فِي طُهْرٍ جَامَعَهَا فِيهِ: بِدْعَةٌ نَهَى عَنْهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - مُخَالِفَةٌ لِأَمْرِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَإِذْ لَا شَكَّ فِي هَذَا عِنْدَهُمْ: فَكَيْفَ يَسْتَجِيزُونَ الْحُكْمَ بِتَجْوِيزِ الْبِدْعَةِ الَّتِي يُقِرُّونَ أَنَّهَا بِدْعَةٌ وَضَلَالَةٌ؟ أَلَيْسَ بِحُكْمِ الْمُشَاهَدَةِ مُجِيزَ الْبِدْعَةِ مُخَالِفًا لِإِجْمَاعِ الْقَائِلِينَ بِأَنَّهَا بِدْعَةٌ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَاحْتَجُّوا مِنْ الْآثَارِ -: بِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ نا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ أَنَّ نَافِعًا أَخْبَرَهُمْ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ - وَهِيَ حَائِضٌ - فَسَأَلَ عُمَرُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - عَنْ ذَلِكَ؟ فَقَالَ: «مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا ثُمَّ لِيُمْسِكْهَا حَتَّى تَطْهُرَ ثُمَّ تَحِيضَ ثُمَّ تَطْهُرَ ثُمَّ إنْ شَاءَ أَمْسَكَ بَعْدَ ذَلِكَ، وَإِنْ شَاءَ طَلَّقَ قَبْلَ أَنْ يَمَسَّ، فَتِلْكَ الْعِدَّةُ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى أَنْ تَطْلُقَ لَهَا النِّسَاءُ» وَهِيَ وَاحِدَةٌ. وَمِنْ طَرِيق مُسْلِمٍ - حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ نا يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ رَبِّهِ نا مُحَمَّدُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنِي الزُّبَيْدِيُّ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ فَذَكَرَ طَلَاقَهُ لِامْرَأَتِهِ وَهِيَ حَائِضٌ، وَقَالَ فِي آخِرِهِ: فَرَاجَعْتهَا وَحُسِبَتْ لَهَا التَّطْلِيقَةُ الَّتِي طَلَّقْتهَا. وَبِمَا فِي بَعْضِ تِلْكَ الْآثَارِ مِنْ قَوْلِ ابْنِ عُمَرَ: مَا يَمْنَعُنِي أَنْ أَعْتَدَّ بِهَا. وَفِي بَعْضِهَا: فَمَهْ أَرَأَيْت إنْ عَجَزَ وَاسْتَحْمَقَ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: أَرْسَلْنَا إلَى نَافِعٍ وَهُوَ يَتَرَجَّلُ فِي دَارِ النَّدْوَةِ ذَاهِبًا إلَى الْمَدِينَةِ - وَنَحْنُ مَعَ عَطَاءٍ - هَلْ حُسِبَتْ تَطْلِيقَةُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ امْرَأَتَهُ حَائِضًا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -؟ قَالَ: نَعَمْ. وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ: رِوَايَةً مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْبَاقِي بْنِ قَانِعٍ عَنْ أَبِي يَحْيَى السَّاجِيِّ نا إسْمَاعِيلُ بْنُ أُمَيَّةَ الذَّرَّاعُ نا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - «، مَنْ طَلَّقَ فِي بِدْعَةٍ أَلْزَمْنَاهُ بِدْعَتَهُ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: كُلُّ هَذَا لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ: أَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ الْمَذْكُورُ - فَمَوْضُوعٌ بِلَا شَكٍّ - لَمْ يَرْوِهِ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ الثِّقَاتِ إنَّمَا هُوَ مِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ الذَّرَّاعِ، فَإِنْ كَانَ الْقُرَشِيُّ الصَّغِيرُ الْبَصْرِيُّ - وَهُوَ بِلَا شَكٍّ - فَهُوَ ضَعِيفٌ مَتْرُوكٌ، وَإِنْ كَانَ غَيْرُهُ - فَهُوَ مَجْهُولٌ لَا يُعْرَفُ مَنْ هُوَ؟ وَمِنْ طَرِيقِ - عَبْدِ الْبَاقِي بْنِ قَانِعٍ رَاوِي كُلَّ كِذْبَةٍ، الْمُنْفَرِدُ بِكُلِّ طَامَّةٍ وَلَيْسَ بِحُجَّةٍ، لِأَنَّهُ تَغَيَّرَ بِآخِرَةٍ - ثُمَّ لَوْ صَحَّ - وَلَمْ يَصِحَّ قَطُّ - لَكَانَ لَا حُجَّةَ فِيهِ، لِأَنَّهُ كَانَ مَعْنَى قَوْلِهِ " أَلْزَمْنَاهُ بِدْعَتَهُ " أَيْ كَمَا قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ}[الإسراء: 13] وَلَيْسَ فِيهِ - أَنَّهُ يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِإِمْضَاءِ حُكْمِ بِدْعَتِهِ، وَتَجْوِيزِ مَا فِي الدِّينِ، وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ، كَمَا يَقُولُونَ هُمْ فِيمَنْ بَاعَ بَيْعًا لَا يَحِلُّ، أَوْ نَكَحَ نِكَاحًا بِبِدْعَةٍ وَفِي سَائِرِ الْأَحْكَامِ وَلَا فَرْقَ. وَأَمَّا خَبَرُ نَافِعٍ - فَمَوْقُوفٌ عَلَيْهِ لَيْسَ فِيهِ: أَنَّهُ سَمِعَهُ مِنْ ابْنِ عُمَرَ فَبَطَلَ الِاحْتِجَاجُ بِهِ. وَأَمَّا مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ " فَمَهْ أَرَأَيْت إنْ عَجَزَ وَاسْتَحْمَقَ " فَلَا بَيَانَ فِي هَذَا اللَّفْظِ بِأَنَّ تِلْكَ الطَّلْقَةَ عُدَّتْ لَهُ طَلْقَةٌ، وَالشَّرَائِعُ لَا تُؤْخَذُ بِلَفْظٍ لَا بَيَانَ فِيهِ، بَلْ قَدْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ الزَّجْرَ عَنْ السُّؤَالِ عَنْ هَذَا، وَالْإِخْبَارَ بِأَنَّهُ عَجَزَ وَاسْتَحْمَقَ فِي ذَلِكَ، وَالْأَظْهَرُ فِيمَا هَذِهِ صِفَتُهُ أَنْ لَا يُعْتَدَّ بِهِ، وَأَنَّهُ سَقْطَةٌ مِنْ فِعْلِ فَاعِلِهِ، لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي دِينِ اللَّهِ تَعَالَى حُكْمٌ نَافِذٌ يَسْتَحْمِقُ الْحَاكِمُ بِهِ وَيَعْجِزُ، بَلْ كُلُّ حُكْمٍ فِي الدِّينِ فَالْمُنَفِّذُ لَهُ مُسْتَغْفِلٌ كَيِّسٌ - وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. وَأَمَّا مَا رُوِيَ مِنْ قَوْلِهِ: " مَا يَمْنَعُنِي أَنْ أَعْتَدَّ بِهَا " وَقَوْلُهُ " وَحُسِبَتْ لَهَا التَّطْلِيقَةُ الَّتِي طَلَّقْتهَا " فَلَمْ يَقُلْ فِيهِ: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - حَسَبَهَا تَطْلِيقَةً، وَلَا أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - هُوَ الَّذِي قَالَ لَهُ: أَعْتَدَّ بِهَا طَلْقَةً، إنَّمَا هُوَ إخْبَارٌ عَنْ نَفْسِهِ - وَلَا حُجَّةَ فِي فِعْلِهِ وَلَا فِعْلِ أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -. وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ الَّذِي فِي آخِرِهِ «وَهِيَ وَاحِدَةٌ» فَهَذِهِ لَفْظَةٌ أَتَى بِهَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ وَحْدَهُ؛ وَلَا نَقْطَعُ عَلَى أَنَّهَا مِنْ كَلَامِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -؛ وَمُمْكِنٌ أَنْ تَكُونَ مِنْ قَوْلِ مَنْ دُونَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَالشَّرَائِعُ لَا تُؤْخَذُ بِالظُّنُونِ. ثُمَّ لَوْ صَحَّ يَقِينًا أَنَّهَا مِنْ كَلَامِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - لَكَانَ مَعْنَاهُ -: وَهِيَ وَاحِدَةٌ أَخْطَأَ فِيهَا ابْنُ عُمَرَ، أَوْ وَهِيَ قَضِيَّةٌ وَاحِدَةٌ لَازِمَةٌ لِكُلِّ مُطَلِّقٍ. وَالظَّاهِرُ - أَنَّهُ مِنْ قَوْلِ مَنْ دُونَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - مُخْبِرًا بِأَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ طَلَّقَهَا طَلْقَةً وَاحِدَةً، وَقَدْ ذَكَرْنَا قَبْلُ الرِّوَايَةَ الصَّحِيحَةَ مِنْ طَرِيقِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ فِيمَنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ حَائِضًا أَنَّهُ لَا يُعْتَدُّ بِذَلِكَ. وَيَكْفِي مِنْ هَذَا كُلِّهِ الْمُسْنَدُ الْبَيِّنُ الثَّابِتُ، الَّذِي رُوِّينَاهُ - مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد السِّجِسْتَانِيِّ قَالَ: نا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ نَا ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَيْمَنَ مَوْلَى عَزَّةَ يَسْأَلُ ابْنَ عُمَرَ قَالَ أَبُو الزُّبَيْرِ - وَأَنَا أَسْمَعُ - كَيْفَ تَرَى فِي رَجُلٍ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ حَائِضًا؟ فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: طَلَّقَ ابْنُ عُمَرَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - فَسَأَلَ عُمَرُ عَنْ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: إنَّ ابْنَ عُمَرَ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: فَرَدَّهَا عَلَيَّ وَلَمْ يَرَهَا شَيْئًا؟ وَقَالَ: إذَا طَهُرَتْ فَلْيُطَلِّقْ إذَا شَاءَ أَوْ لِيُمْسِكْ وَقَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - " يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ فِي قُبُلِ عِدَّتِهِنَّ ". قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا مِمَّا قُرِئَ ثُمَّ رُفِعَتْ لَفْظَةُ " فِي قُبُلِ " وَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى {لِعِدَّتِهِنَّ}[الطلاق: 1] وَهَكَذَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ الدَّبَرِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ: أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عُمَرَ وَسَأَلَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَيْمَنَ - فَذَكَرَهُ نَصًّا - وَهَذَا إسْنَادٌ فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ، لَا يَحْتَمِلُ التَّوْجِيهَاتِ. وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: أَمْرُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - بِمُرَاجَعَتِهَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهَا طَلْقَةٌ يُعْتَدُّ بِهَا؟ فَقُلْنَا: لَيْسَ ذَلِكَ دَلِيلًا عَلَى مَا زَعَمْتُمْ، لِأَنَّ ابْنَ عُمَرَ - بِلَا شَكٍّ - إذْ طَلَّقَهَا حَائِضًا فَقَدْ اجْتَنَبَهَا، فَإِنَّمَا أَمَرَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِرَفْضِ فِرَاقِهِ لَهَا وَأَنْ يُرَاجِعَهَا كَمَا كَانَتْ قَبْلُ، بِلَا شَكٍّ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: الْوَرَعُ إلْزَامُهُ تِلْكَ الطَّلْقَةَ إذْ قَدْ يُطَلِّقُهَا بَعْدَ ذَلِكَ طَلْقَتَيْنِ فَتَبْقَى عِنْدَهُ، وَلَعَلَّهَا مُطَلَّقَةٌ ثَلَاثًا؟ . فَقُلْنَا: بَلْ هَذَا ضِدُّ الْوَرَعِ، إذْ تُبِيحُونَ فَرْجَهَا لِأَجْنَبِيٍّ بِلَا بَيَانٍ، وَإِنَّمَا الْوَرَعُ أَنْ لَا تُحَرَّمَ عَلَى الْمُسْلِمِ امْرَأَتُهُ الَّتِي نَحْنُ عَلَى يَقِينٍ مِنْ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَبَاحَهَا لَهُ وَحَرَّمَهَا عَلَى مَنْ سِوَاهُ إلَّا بِيَقِينٍ، وَأَمَّا بِالظُّنُونِ وَالْمُحْتَمَلَاتِ فَلَا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَالْعَجَبُ كُلُّهُ أَنَّهُمْ إنْ وَجَدُوا فِي الطَّلَاقِ فِي الْحَيْضِ مَا يَشْغَبُونَ بِهِ مِمَّا ذَكَرْنَا، فَأَيَّ شَيْءٍ وَجَدُوا فِي طَلَاقِهِ إيَّاهَا فِي طُهْرٍ وَطِئَهَا فِيهِ؟ فَإِنْ قَالُوا: قِسْنَاهُ عَلَى الطَّلَاقِ فِي الْحَيْضِ؟ قُلْنَا: هَذَا بَاطِلٌ مِنْ الْقِيَاسِ، وَلَوْ كَانَ الْقِيَاسُ حَقًّا لَكَانَ هَذَا مِنْهُ عَيْنَ الْبَاطِلِ، لِأَنَّهُ قِيَاسُ الشَّيْءِ عَلَى ضِدِّهِ: طُهْرٌ عَلَى حَيْضٍ، فَكَيْفَ وَالْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ؟ فَإِنْ قَالُوا: إنَّكُمْ تُلْزِمُونَهُ الطَّلَاقَ فِي الْحَيْضِ، وَفِي طُهْرٍ مَسَّهَا فِيهِ إذَا كَانَ طَلَاقًا ثَالِثًا أَوْ ثَلَاثَةً مَجْمُوعَةً، وَهِيَ غَيْرُ الْمَدْخُولِ بِهَا بِكُلِّ حَالٍ؟ قُلْنَا: نَعَمْ، لِأَنَّ قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ}[الطلاق: 1] لَا إشْكَالَ فِي أَنَّهُ تَعَالَى إنَّمَا أَمَرَ بِذَلِكَ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا فِيمَا كَانَ مِنْ الطَّلَاقِ دُونَ الثَّلَاثِ - وَفِي هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ أَفْتَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ابْنَ عُمَرَ، وَلَمْ يَأْمُرْ قَطُّ عَزَّ وَجَلَّ بِذَلِكَ فِي غَيْرِ مَدْخُولٍ بِهَا، وَلَا فِيمَنْ طَلَّقَ ثَالِثَةً، أَوْ ثَلَاثَةً مَجْمُوعَةً وَلَيْسَ فِي غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا عِدَّةُ طَلَاقٍ فَيَلْزَمُ أَنْ يُطَلِّقَ لَهَا، كَمَا بَيَّنَّا بِنَصِّ الْقُرْآنِ وقَوْله تَعَالَى: {لا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا}[الطلاق: 1] {فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ}[الطلاق: 2] وَلَيْسَ هَذَا فِي طَلَاقِ الثَّلَاثِ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ نا مَعْمَرٌ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ " أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَاحِدَةً وَهِيَ حَائِضٌ " وَذَكَرَ الْحَدِيثَ. وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ نا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ (أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ تَطْلِيقَةً وَاحِدَةً فَأَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُرَاجِعَهَا ثُمَّ يُمْسِكَهَا حَتَّى تَطْهُرَ ثُمَّ تَحِيضَ عِنْدَهُ حَيْضَةً أُخْرَى ثُمَّ يُمْهِلَهَا حَتَّى تَطْهُرَ مِنْ حَيْضَتِهَا، فَإِنْ أَرَادَ أَنْ يُطَلِّقَهَا فَلْيُطَلِّقْهَا حِينَ تَطْهُرُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُجَامِعَهَا، فَتِلْكَ الْعِدَّةُ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى أَنْ تَطْلُقَ لَهَا النِّسَاءُ. قَالَ ابْنُ عُمَرَ: أَأَنْت طَلَّقَتْ امْرَأَتَك مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ، فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَك بِذَلِكَ، وَإِنْ كُنْت طَلَّقْتهَا ثَلَاثًا فَقَدْ حُرِّمَتْ عَلَيْك حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَك، وَعَصَيْت رَبَّك فِيمَا أَمَرَك بِهِ مِنْ طَلَاقِ امْرَأَتِك) . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: قَدْ يُمْكِنُ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ أَرَادَ بِالْمَعْصِيَةِ مَنْ طَلَّقَهَا كَذَلِكَ دُونَ الثَّلَاثِ. وَأَمَّا الِاخْتِلَافُ فِي طَلَاقِ الثَّلَاثِ مَجْمُوعَةً - أَهُوَ بِدْعَةٌ أَمْ لَا؟ فَزَعَمَ قَوْمٌ أَنَّهَا بِدْعَةٌ، ثُمَّ اخْتَلَفُوا. فَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ - لَا يَقَعُ أَلْبَتَّةَ، لِأَنَّ الْبِدْعَةَ مَرْدُودَةٌ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ: بَلْ يُرَدُّ إلَى حُكْمِ الْوَاحِدِ الْمَأْمُورِ بِأَنْ يَكُونَ حُكْمُ الطَّلَاقِ كَذَلِكَ. قَالَتْ طَائِفَةٌ: بَلْ تَقَعُ كَمَا هُوَ، وَيُؤَدَّبُ الْمُطَلِّقُ كَذَلِكَ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لَيْسَتْ بِدْعَةً، وَلَكِنَّهَا سُنَّةٌ لَا كَرَاهَةَ فِيهَا. وَاحْتَجَّ مَنْ قَالَ: إنَّهَا تَبْطُلُ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ}[الطلاق: 1] الْآيَةَ. وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ}[البقرة: 228] إلَى قَوْله تَعَالَى {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ}[البقرة: 228] . وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ}[البقرة: 231] . قَالُوا: فَلَا يَكُونُ طَلَاقًا إلَّا مَا كَانَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ. قَالُوا: وَمَعْنَى قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {الطَّلاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ}[البقرة: 229] أَيْ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ كَمَا تَقُولُ: سِيرَ بِهِ فَرْسَخَانِ. وَذَكَرُوا مَا رُوِّينَاهُ - مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ نا سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُد نا ابْنُ وَهْبٍ نا مَخْرَمَةُ - هُوَ ابْنُ بُكَيْرِ بْنِ الْأَشَجِّ - عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سَمِعْتُ مَحْمُودَ بْنَ لَبِيدٍ قَالَ: «أَخْبَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - عَنْ رَجُلٍ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثَ تَطْلِيقَاتٍ جَمِيعًا فَقَامَ غَضْبَانَ ثُمَّ قَالَ: أَيَلْعَبُ بِكِتَابِ اللَّهِ وَأَنَا بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ، فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَا أَقْتُلُهُ» . قَالَ أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ: لَا أَعْلَمُ أَحَدًا رَوَاهُ غَيْرَ مَخْرَمَةَ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: أَمَّا قَوْلُهُمْ: " الْبِدْعَةُ مَرْدُودَةٌ " فَصَدَقُوا، وَلَوْ كَانَتْ بِدْعَةً لَوَجَبَ أَنْ تُرَدَّ وَتَبْطُلَ. وَأَمَّا الْآيَاتُ - فَإِنَّمَا نَزَلَتْ فِيمَنْ طَلَّقَ وَاحِدَةً أَوْ اثْنَتَيْنِ فَقَطْ. ثُمَّ تَسْأَلُهُمْ عَمَّنْ طَلَّقَ مَرَّةً، ثُمَّ رَاجَعَ، ثُمَّ مَرَّةً، ثُمَّ رَاجَعَ ثَانِيَةً، ثُمَّ ثَالِثَةً، أَبِبِدْعَةٍ أَتَى؟ فَمَنْ قَوْلُهُمْ: لَا، بَلْ بِسُنَّةٍ؟ فَنَسْأَلُهُمْ: أَتَحْكُمُونَ لَهُ بِمَا فِي الْآيَاتِ الْمَذْكُورَاتِ؟ فَمِنْ قَوْلِهِمْ: لَا، بِلَا خِلَافٍ. فَصَحَّ أَنَّ الْمَقْصُودَ - فِي الْآيَاتِ الْمَذْكُورَاتِ - مَنْ أَرَادَ أَنْ يُطَلِّقَ طَلَاقًا رَجْعِيًّا؟ فَبَطَلَ احْتِجَاجُهُمْ بِهَا فِي حُكْمِ مَنْ طَلَّقَ ثَلَاثًا. وَأَمَّا قَوْلُهُمْ مَعْنَى قَوْلِهِ: {الطَّلاقُ مَرَّتَانِ}[البقرة: 229] أَنَّ مَعْنَاهُ: مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ فَخَطَأٌ، بَلْ هَذِهِ الْآيَةُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ}[الأحزاب: 31] أَيْ مُضَاعَفًا مَعًا. وَهَذِهِ الْآيَةُ أَيْضًا تَعْلِيمٌ لِمَا دُونَ الثَّلَاثِ مِنْ الطَّلَاقِ، وَهُوَ حُجَّةٌ لَنَا عَلَيْهِمْ، لِأَنَّهُمْ لَا يَخْتَلِفُونَ - يَعْنِي الْمُخَالِفِينَ لَنَا - فِي أَنَّ طَلَاقَ السُّنَّةِ هُوَ أَنْ يُطَلِّقَهَا وَاحِدَةً، ثُمَّ يَتْرُكَهَا حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا - فِي قَوْلِ طَائِفَةٍ مِنْهُمْ. وَفِي قَوْلِ آخَرِينَ مِنْهُمْ: أَنْ يُطَلِّقَهَا فِي كُلِّ طُهْرٍ طَلْقَةً -: وَلَيْسَ شَيْءٌ مِنْ هَذَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ، وَهُمْ لَا يَرَوْنَ مَنْ طَلَّقَ طَلْقَتَيْنِ مُتَتَابِعَتَيْنِ فِي كَلَامٍ مُتَّصِلٍ: طَلَاقَ سُنَّةٍ، فَبَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {الطَّلاقُ مَرَّتَانِ}[البقرة: 229] . وَأَمَّا خَبَرُ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ فَمُرْسَلٌ، وَلَا حُجَّةَ فِي مُرْسَلٍ - وَمَخْرَمَةُ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَبِيهِ شَيْئًا. وَأَمَّا قَوْلُ مَنْ قَالَ: إنَّ الثَّلَاثَ تُجْعَلُ وَاحِدَةً، فَإِنَّهُمْ احْتَجُّوا بِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ نا عَبْدُ الرَّزَّاقِ نا مَعْمَرٌ عَنْ ابْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ الطَّلَاقُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - وَأَبِي بَكْرٍ وَسَنَتَيْنِ مِنْ خِلَافَةِ عُمَرَ: طَلَاقُ الثَّلَاثِ وَاحِدَةً، فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: إنَّ النَّاسَ قَدْ اسْتَعْجَلُوا فِي أَمْرٍ كَانَ لَهُمْ فِيهِ أَنَاةٌ، فَلَوْ أَمْضَيْنَاهُ عَلَيْهِمْ؟ فَأَمْضَاهُ عَلَيْهِمْ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الدَّبَرِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ: أَخْبَرَنِي ابْنُ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ أَبَا الصَّهْبَاءِ قَالَ لِابْنِ عَبَّاسٍ: أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّهَا كَانَتْ الثَّلَاثُ تُجْعَلُ وَاحِدَةً عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - وَأَبِي بَكْرٍ وَصَدْرًا مِنْ إمَارَةِ عُمَرَ؟ قَالَ: نَعَمْ. وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ نا سُلَيْمَانُ بْنُ سَيْفٍ الْحَرَّانِيُّ نا أَبُو عَاصِمٍ هُوَ النَّبِيلُ - عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ ابْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ أَبَا الصَّهْبَاءِ قَالَ لِابْنِ عَبَّاسٍ: أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ الثَّلَاثَ كَانَتْ تُجْعَلُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبِي بَكْرٍ وَصَدْرًا مِنْ خِلَافَةِ عُمَرَ تُرَدُّ إلَى الْوَاحِدَةِ؟ قَالَ: نَعَمْ. وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ نا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ مَيْسَرَةَ عَنْ طَاوُسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَبِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد نا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ نا عَبْدُ الرَّزَّاقِ نا ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي بَعْضُ بَنِي أَبِي رَافِعٍ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «طَلَّقَ عَبْدُ يَزِيدَ أَبُو رُكَانَةَ وَإِخْوَتُهُ أُمَّ رُكَانَةَ - فَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَفِيهِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لَهُ: رَاجِعْ امْرَأَتَكَ أُمَّ رُكَانَةَ وَإِخْوَتِهِ؟ فَقَالَ: إنِّي طَلَّقْتُهَا ثَلَاثًا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: قَدْ عَلِمْتُ أَرْجِعْهَا وَتَلَا {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ}[الطلاق: 1] » . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: مَا نَعْلَمُ لَهُمْ شَيْئًا احْتَجُّوا بِهِ غَيْرَ هَذَا، وَهَذَا لَا يَصِحُّ، لِأَنَّهُ عَنْ غَيْرِ مُسَمًّى مِنْ بَنِي أَبِي رَافِعٍ وَلَا حُجَّةَ فِي مَجْهُولٍ، وَمَا نَعْلَمُ فِي بَنِي أَبِي رَافِعٍ مِنْ يُحْتَجُّ بِهِ إلَّا عُبَيْدُ اللَّهِ وَحْدَهُ وَسَائِرُهُمْ مَجْهُولُونَ. وَأَمَّا حَدِيثُ طَاوُسٍ - عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ الَّذِي فِيهِ أَنَّ الثَّلَاثَ كَانَتْ وَاحِدَةً وَتُرَدُّ إلَى الْوَاحِدَةِ وَتُجْعَلُ وَاحِدَةً فَلَيْسَ شَيْءٌ مِنْهُ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - هُوَ الَّذِي جَعَلَهَا وَاحِدَةً، أَوْ رَدَّهَا إلَى الْوَاحِدَةِ، وَلَا أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَلِمَ بِذَلِكَ فَأَقَرَّهُ، وَلَا حُجَّةَ إلَّا فِيمَا صَحَّ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَهُ أَوْ فَعَلَهُ أَوْ عَلِمَهُ فَلَمْ يُنْكِرْهُ وَإِنَّمَا يَلْزَمُ هَذَا الْخَبَرُ مَنْ قَالَ فِي قَوْلِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ: «كُنَّا نُخْرِجُ فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - صَاعًا مِنْ كَذَا» ، وَأَمَّا نَحْنُ فَلَا - وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. وَأَمَّا مَنْ قَالَ: إنَّهَا مَعْصِيَةٌ وَأَنَّهَا تَقَعُ فَإِنَّهُمْ مَوَّهُوا بِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ يَحْيَى بْنِ الْعَلَاءِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ الْوَلِيدِ الرُّصَافِيِّ الْعِجْلِيّ عَنْ إبْرَاهِيمَ - هُوَ ابْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنُ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ - عَنْ دَاوُد عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ: «طَلَّقَ جَدِّي امْرَأَةً لَهُ أَلْفَ تَطْلِيقَةٍ فَانْطَلَقَ أَبِي إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَا اتَّقَى اللَّهَ جَدُّكَ، أَمَّا ثَلَاثٌ فَلَهُ، وَأَمَّا تِسْعُمِائَةٍ وَسَبْعٌ وَتِسْعُونَ فَعُدْوَانٌ وَظُلْمٌ، إنْ شَاءَ اللَّهُ عَذَّبَهُ، وَإِنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُ» . وَرَوَاهُ بَعْضُ النَّاسِ عَنْ صَدَقَةَ بْنِ أَبِي عِمْرَانَ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: «طَلَّقَ بَعْضُ آبَائِي امْرَأَتَهُ فَانْطَلَقَ بَنُوهُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ أَبَانَا طَلَّقَ أُمَّنَا أَلْفًا فَهَلْ لَهُ مِنْ مَخْرَجٍ؟ فَقَالَ: إنَّ أَبَاكُمْ لَمْ يَتَّقِ اللَّهَ فَيَجْعَلْ مَخْرَجًا بَانَتْ مِنْهُ بِثَلَاثٍ عَلَى غَيْرِ السُّنَّةِ، وَتِسْعُمِائَةٍ وَسَبْعٌ وَتِسْعُونَ إثْمًا فِي عُنُقِهِ» . وَخَبَرٌ رُوِيَ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ شَاذَانَ عَنْ مُعَلَّى بْنِ مَنْصُورٍ عَنْ شُعَيْبِ بْنِ رُزَيْقٍ أَنَّ عَطَاءً الْخُرَاسَانِيَّ حَدَّثَهُمْ عَنْ الْحَسَنِ قَالَ: نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ " أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يُتْبِعَهَا تَطْلِيقَتَيْنِ أُخْرَيَيْنِ عِنْدَ الْقُرْأَيْنِ الْبَاقِيَيْنِ فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - «فَقَالَ: يَا ابْنَ عُمَرَ مَا هَكَذَا أَمَرَكَ اللَّهُ إنَّكَ قَدْ أَخْطَأْتَ السُّنَّةَ» وَذَكَرَ الْخَبَرَ، وَفِيهِ - فَقُلْت: «يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ كُنْتُ طَلَّقْتُهَا ثَلَاثًا أَكَانَ لِي أَنْ أُرَاجِعَهَا؟ قَالَ: لَا، كَانَتْ تَبِينُ وَتَكُونُ مَعْصِيَةً» . وَالْخَبَرُ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ آنِفًا مِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ الذَّرَّاعِ عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ عَنْ أَنَسٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ طَلَّقَ فِي بِدْعَةٍ أَلْزَمْنَاهُ بِدْعَتَهُ» . وَذَكَرُوا عَمَّنْ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - مَا ذَكَرْنَاهُ آنِفًا مِنْ قَوْلِ عُمَرَ فِي حَدِيثِ طَاوُسٍ: إنَّ النَّاسَ قَدْ اسْتَعْجَلُوا أَمْرًا كَانَتْ لَهُمْ فِيهِ أَنَاةٌ فَلَوْ أَمْضَيْنَاهُ عَلَيْهِمْ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ الْعَيْزَارِ أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: كَانَ عُمَرُ إذَا ظَفَرَ بِمَنْ طَلَّقَ ثَلَاثًا أَوْجَعَ رَأْسَهُ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: مَنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا طَلُقَتْ وَعَصَى رَبَّهُ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ ابْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ إذَا سُئِلَ عَمَّنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا؟ قَالَ: لَوْ اتَّقَيْت اللَّهَ لَجَعَلَ لَك مَخْرَجًا. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: لَا نَعْلَمُ لَهُمْ شَيْئًا يَشْغَبُونَ بِهِ إلَّا هَذَا، وَكُلُّهُ لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ - أَمَّا حَدِيثُ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ فَفِي غَايَةِ السُّقُوطِ، لِأَنَّهُ إمَّا مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ الْعَلَاءِ - وَلَيْسَ بِالْقَوِيِّ - عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ الْوَلِيدِ الْوَصَّافِيِّ - وَهُوَ هَالِكٌ - عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ - وَهُوَ مَجْهُولٌ لَا يُعْرَفُ. ثُمَّ هُوَ مُنْكَرٌ جِدًّا، لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ قَطُّ فِي شَيْءٍ مِنْ الْآثَارِ: أَنَّ وَالِدَ عُبَادَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَدْرَكَ الْإِسْلَامَ، فَكَيْفَ جَدُّهُ؟ وَهُوَ مُحَالٌ بِلَا شَكٍّ. ثُمَّ أَلْفَاظُهُ مُتَنَاقِضَةٌ فِي بَعْضِهَا " أَمَّا ثَلَاثٌ فَلَكَ " وَهَذَا إبَاحَةٌ لِلثَّلَاثِ، وَبَعْضُهَا بِخِلَافِ ذَلِكَ. وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ - فَفِي غَايَةِ السُّقُوطِ، لِأَنَّهُ عَنْ رُزَيْقِ بْنِ شُعَيْبٍ أَوْ شُعَيْبِ بْنِ رُزَيْقٍ الشَّامِيِّ - وَهُوَ ضَعِيفٌ - وَقَدْ ذَكَرْنَا ضَعْفَ إسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ الذَّرَّاعِ وَجَهَالَتَهُ فَبَطَلَ مَا شَغَبُوا بِهِ. وَلَمْ يَبْقَ بِأَيْدِيهِمْ شَيْءٌ - وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. وَأَمَّا مَا ذَكَرُوا عَنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فَالرِّوَايَةُ عَنْ عُمَرَ " نَرَى النَّاسَ قَدْ اسْتَعْجَلُوا شَيْئًا كَانَتْ لَهُمْ فِيهِ أَنَاةٌ " فَلَا دَلِيلَ فِيهِ عَلَى أَنَّ طَلَاقَ الثَّلَاثِ مَعْصِيَةٌ أَصْلًا وَهُوَ صَحِيحٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَلَا حُجَّةَ فِي أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - ". قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَلَا أَضْعَفُ مِنْ قَوْلِ مَنْ يُقِرُّ أَنَّهُ يُنَفِّذُ الْبِدْعَةَ وَيَحْكُمُ بِمَا لَا يَجُوزُ بِغَيْرِ نَصٍّ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى، وَلَا مِنْ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: ثُمَّ وَجَدْنَا مِنْ حُجَّةِ مَنْ قَالَ: إنَّ الطَّلَاقَ الثَّلَاثَ مَجْمُوعَةً سُنَّةٌ وَلَا بِدْعَةٌ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ}[البقرة: 230] فَهَذَا يَقَعُ عَلَى الثَّلَاثِ مَجْمُوعَةً وَمُفَرَّقَةً، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُخَصَّ بِهَذِهِ الْآيَةِ بَعْضُ ذَلِكَ دُونَ بَعْضٍ بِغَيْرِ نَصٍّ - وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى: {إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا}[الأحزاب: 49] عُمُومٌ لِإِبَاحَةِ الثَّلَاثِ وَالِاثْنَيْنِ وَالْوَاحِدَةِ، وقَوْله تَعَالَى: {وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ}[البقرة: 241] فَلَمْ يَخُصَّ تَعَالَى مُطَلَّقَةً وَاحِدَةً مِنْ مُطَلَّقَةٍ اثْنَتَيْنِ وَمِنْ مُطَلَّقَةٍ ثَلَاثًا. وَوَجَدْنَا مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ: أَنَّ سَهْلَ بْنَ سَعْدٍ السَّاعِدِيَّ أَخْبَرَهُ عَنْ حَدِيثِ اللِّعَانِ عُوَيْمِرٌ الْعَجْلَانِيُّ مَعَ امْرَأَتِهِ - وَفِي آخِرِهِ: أَنَّهُ قَالَ: «كَذَبْتُ عَلَيْهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ إنْ أَمْسَكْتُهَا فَطَلَّقَهَا ثَلَاثًا قَبْلَ أَنْ يَأْمُرَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ قَالَ: وَأَنَا مَعَ النَّاسِ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: لَوْ كَانَ طَلَاقُ الثَّلَاثِ مَجْمُوعَةً مَعْصِيَةً لِلَّهِ تَعَالَى لَمَا سَكَتَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - عَنْ بَيَانِ ذَلِكَ - فَصَحَّ يَقِينًا أَنَّهَا سُنَّةٌ مُبَاحَةٌ. وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: لَا يَخْلُو مِنْ أَنْ يَكُونَ طَلَّقَهَا وَهِيَ امْرَأَتُهُ، أَوْ طَلَّقَهَا وَقَدْ حُرِّمَتْ عَلَيْهِ، وَوَجَبَ التَّفْرِيقُ بَيْنَهُمَا، فَإِنْ كَانَ طَلَّقَهَا وَهِيَ امْرَأَتُهُ فَلَيْسَ هَذَا قَوْلُكُمْ، لِأَنَّ قَوْلَكُمْ أَنَّهَا بِتَمَامِ اللِّعَانِ تَبِينُ عَنْهُ إلَى الْأَبَدِ، وَإِنْ كَانَ طَلَّقَهَا أَجْنَبِيَّةً، فَإِنَّمَا نَحْنُ فِيمَنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ، لَا فِيمَنْ طَلَّقَ أَجْنَبِيَّةً؟ فَقُلْنَا: إنَّمَا طَلَّقَهَا وَهُوَ يُقَدِّرُ أَنَّهَا امْرَأَتُهُ - هَذَا مَا لَا يَشُكُّ فِيهِ أَحَدٌ فَلَوْ كَانَ ذَلِكَ مَعْصِيَةً لَسَبَقَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - إلَى هَذَا الِاعْتِرَاضِ، فَإِنَّمَا حُجَّتُنَا كُلُّهَا فِي تَرْكِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - الْإِنْكَارَ عَلَى مَنْ طَلَّقَ ثَلَاثًا مَجْمُوعَةً امْرَأَةً يَظُنُّهَا امْرَأَتَهُ، وَلَا يَشُكُّ أَنَّهَا فِي عِصْمَتِهِ فَقَطْ. فَإِنْ قَالُوا: لَيْسَ كُلُّ مَسْكُوتٍ عَنْ ذِكْرِهِ فِي الْأَخْبَارِ يَكُونُ تَرْكُ ذِكْرِهِ حُجَّةً؟ . فَقُلْنَا: نَعَمْ، هُوَ حُجَّةٌ لَازِمَةٌ إلَّا أَنْ يُوجَدَ بَيَانٌ فِي خَبَرٍ آخَرَ لَمْ يُذْكَرْ فِي هَذَا الْخَبَرِ فَحِينَئِذٍ لَا يَكُونُ السُّكُوتُ عَنْهُ فِي خَبَرٍ آخَرَ حُجَّةً. وَمِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ نَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ نا يَحْيَى - هُوَ ابْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ - عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَرَ نا الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ: «إنَّ رَجُلًا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا فَتَزَوَّجَتْ فَطَلَّقَ. فَسُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - أَتَحِلُّ لِلْأَوَّلِ؟ قَالَ: لَا، حَتَّى يَذُوقَ عُسَيْلَتَهَا كَمَا ذَاقَ الْأَوَّلُ» فَلَمْ يُنْكِرْ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - هَذَا السُّؤَالَ، وَلَوْ كَانَ لَا يَجُوزُ لَأَخْبَرَ بِذَلِكَ. وَخَبَرُ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ الْمَشْهُورُ -: رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ قَيْسٍ أَخْبَرَتْهُ: أَنَّ زَوْجَهَا ابْنَ حَفْصِ بْنِ الْمُغِيرَةِ الْمَخْزُومِيَّ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا ثُمَّ انْطَلَقَ إلَى الْيَمَنِ، فَانْطَلَقَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ فِي نَفَرٍ فَأَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - فِي بَيْتِ مَيْمُونَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ فَقَالُوا: إنَّ ابْنَ حَفْصٍ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا فَهَلْ لَهَا مِنْ نَفَقَةٍ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ «- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -: لَيْسَ لَهَا نَفَقَةٌ وَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ» وَذَكَرَ بَاقِيَ الْخَبَرِ. وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ نا عَبْدُ الرَّحْمَنِ - هُوَ ابْنُ مَهْدِيٍّ - عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي الْجَهْمِ قَالَ: سَمِعْت فَاطِمَةَ بِنْتَ قَيْسٍ فَذَكَرَتْ حَدِيثَ طَلَاقِهَا قَالَتْ «وَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: كَمْ طَلَّقَكَ؟ قُلْتُ: ثَلَاثًا، فَقَالَ: صَدَقَ، لَيْسَ لَكَ نَفَقَةٌ» وَذَكَرَتْ بَاقِيَ الْخَبَرِ. وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى نا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ نا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ قَالَتْ: «قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ زَوْجِي طَلَّقَنِي ثَلَاثًا وَأَنَا أَخَافُ أَنْ يَقْتَحِمَ عَلَيَّ؟ قَالَ: فَأَمَرَهَا فَتَحَوَّلَتْ» . وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى نا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ نا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا قَالَ: «لَيْسَ لَهَا سُكْنَى وَلَا نَفَقَةٌ» . فَهَذَا نَقْلُ تَوَاتُرٍ عَنْ فَاطِمَةَ بِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - أَخْبَرَهَا هِيَ وَنَفَرٌ سِوَاهَا بِأَنَّ زَوْجَهَا طَلَّقَهَا ثَلَاثًا. وَبِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - حَكَمَ فِي الْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا وَلَمْ يُنْكِرْ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - ذَلِكَ، وَلَا أَخْبَرَ بِأَنَّهُ لَيْسَ بِسُنَّةٍ - وَفِي هَذَا كِفَايَةٌ لِمَنْ نَصَحَ نَفْسَهُ. فَإِنْ قِيلَ: إنَّ الزُّهْرِيَّ رَوَى عَنْ أَبِي سَلَمَةَ هَذَا الْخَبَرَ فَقَالَ فِيهِ: إنَّهَا ذَكَرَتْ أَنَّهُ طَلَّقَهَا آخِرُ ثَلَاثَ تَطْلِيقَاتٍ - وَرَوَى الزُّهْرِيُّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ أَنَّ زَوْجَهَا أَرْسَلَ إلَيْهَا بِتَطْلِيقَةٍ كَانَتْ بَقِيَتْ لَهَا مِنْ طَلَاقِهَا - فَذَكَرَ الْخَبَرَ وَفِيهِ: فَأَرْسَلَ مَرْوَانُ إلَيْهَا قَبِيصَةُ بْنُ ذُؤَيْبٍ فَحَدَّثَتْهُ - وَذَكَرَ بَاقِيَ الْخَبَرِ؟ قُلْنَا: نَعَمْ، هَكَذَا رَوَاهُ الزُّهْرِيُّ، فَأَمَّا رِوَايَتُهُ مِنْ طَرِيقِ عُبَيْدِ اللَّهِ فَمُنْقَطِعَةٌ، لَمْ يَذْكُرْ عُبَيْدُ اللَّهِ ذَلِكَ عَنْهَا، وَلَا عَنْ قَبِيصَةَ عَنْهَا، إنَّمَا قَالَ: إنَّ فَاطِمَةَ طَلَّقَهَا زَوْجُهَا، وَأَنَّ مَرْوَانَ بَعَثَ إلَيْهَا قَبِيصَةَ فَحَدَّثَتْهُ. وَأَمَّا خَبَرُهُ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ فَمُتَّصِلٌ - إلَّا أَنَّ كِلَا الْخَبَرَيْنِ لَيْسَ فِيهِمَا: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - أَخْبَرَتْهُ هِيَ وَلَا غَيْرُهَا بِذَلِكَ - إنَّمَا الْمُسْنَدُ الصَّحِيحُ الَّذِي فِيهِ: أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - سَأَلَ عَنْ كَمِّيَّةِ طَلَاقِهَا وَأَنَّهَا أَخْبَرَتْهُ، فَهِيَ الَّتِي قَدَّمْنَا أَوَّلًا وَعَلَى ذَلِكَ الْإِجْمَالِ جَاءَ حُكْمُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -. وَكَذَلِكَ كُلُّ لَفْظٍ رُوِيَ بِهِ خَبَرُ فَاطِمَةَ مِنْ " أَبَتَّ طَلَاقِي "، " وَطَلَّقَهَا أَلْبَتَّةَ " " وَطَلَّقَهَا طَلَاقًا بَاتًّا " " وَطَلَاقًا بَائِنًا " فَلَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - وَقَفَ عَلَيْهِ أَصْلًا. فَسَقَطَ كُلُّ ذَلِكَ، وَثَبَتَ حُكْمُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَلَى مَا صَحَّ أَنَّهُ أَخْبَرَ بِهِ مِنْ أَنَّهُ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا فَقَطْ. وَأَمَّا الصَّحَابَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فَإِنَّ الثَّابِتَ عَنْ عُمَرَ الَّذِي لَا يَثْبُتُ عَنْهُ غَيْرُهُ مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ نا زَيْدُ بْنُ وَهْبٍ أَنَّهُ رَفَعَ إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ بِرَجُلٍ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ أَلْفًا فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: أَطَلَّقْت امْرَأَتَك؟ فَقَالَ: إنَّمَا كُنْت أَلْعَبُ، فَعَلَاهُ عُمَرُ بِالدَّرَّةِ وَقَالَ: إنَّمَا يَكْفِيَك مِنْ ذَلِكَ ثَلَاثٌ - فَإِنَّمَا ضَرَبَهُ عُمَرُ عَلَى الزِّيَادَةِ عَلَى الثَّلَاثِ، وَأَحْسَنَ عُمَرُ فِي ذَلِكَ، وَأَعْلَمَهُ أَنَّ الثَّلَاثَ تَكْفِي وَلَمْ يُنْكِرْهَا. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ جَاءَ رَجُلٌ إلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ فَقَالَ: إنِّي طَلَّقْت امْرَأَتِي أَلْفًا؟ فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ: بَانَتْ مِنْك بِثَلَاثٍ، وَاقْسِمْ سَائِرَهُنَّ بَيْنَ نِسَائِك - فَلَمْ يُنْكِرْ جَمْعَ الثَّلَاثِ. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ بُرْقَانَ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي يَحْيَى قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ فَقَالَ: طَلَّقْتُ امْرَأَتِي أَلْفًا؟ فَقَالَ: بَانَتْ مِنْك بِثَلَاثٍ - فَلَمْ يُنْكِرْ الثَّلَاثَ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: قَالَ رَجُلٌ لِابْنِ عَبَّاسٍ: طَلَّقْت امْرَأَتِي أَلْفًا؟ فَقَالَ لَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ: ثَلَاثٌ تُحَرِّمُهَا عَلَيْك، وَبَقِيَّتُهَا عَلَيْك وِزْرًا، اتَّخَذْت آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا - لَمْ يُنْكِرْ الثَّلَاثَ وَأَنْكَرَ مَا زَادَ. وَاَلَّذِي جَاءَ عَنْهُ مِنْ قَوْلِهِ لِمَنْ طَلَّقَ ثَلَاثًا ثُمَّ نَدِمَ " لَوْ اتَّقَيْت اللَّهَ لَجَعَلَ لَك مَخْرَجًا " وَهُوَ عَلَى ظَاهِرِهِ: نَعَمْ، إنْ اتَّقَى اللَّهَ جَعَلَ لَهُ مَخْرَجًا - وَلَيْسَ فِيهِ أَنَّ طَلَاقَهُ الثَّلَاثَ مَعْصِيَةٌ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ فَقَالَ: إنِّي طَلَّقْت امْرَأَتِي تِسْعًا وَتِسْعِينَ؟ فَقَالَ لَهُ ابْنُ مَسْعُودٍ: ثَلَاثٌ تُبِينُهَا وَسَائِرُهُنَّ عُدْوَانٌ. وَهَذَانِ خَبَرَانِ فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ لَمْ يُنْكِرْ ابْنُ مَسْعُودٍ، وَابْنُ عَبَّاسٍ الثَّلَاثَ مَجْمُوعَةً أَصْلًا، وَإِنَّمَا أَنْكَرَ الزِّيَادَةَ عَلَى الثَّلَاثِ. وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ نا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: طَلَاقُ السُّنَّةِ أَنْ يُطَلِّقَهَا طَاهِرًا مِنْ غَيْرِ جِمَاعٍ - وَهَذَا فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ فَلَمْ يَخُصَّ طَلْقَةً مِنْ طَلْقَتَيْنِ مِنْ ثَلَاثٍ. فَإِنْ قِيلَ: قَدْ رَوَى الْأَعْمَشُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَفِيهِ فَإِذَا حَاضَتْ وَطَهُرَتْ طَلَّقَهَا أُخْرَى، فَإِذَا حَاضَتْ وَطَهُرَتْ طَلَّقَهَا أُخْرَى؟ قُلْنَا: نَعَمْ، هَذَا أَيْضًا سُنَّةٌ - وَلَيْسَ فِيهِ أَنَّ مَا عَدَا ذَلِكَ حَرَامٌ وَبِدْعَةٌ. فَإِنْ قِيلَ: قَدْ رَوَيْتُمْ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ نا يَحْيَى بْنُ عَتِيقٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ قَالَ: قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ: لَوْ أَنَّ النَّاسَ أَخَذُوا بِأَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى فِي الطَّلَاقِ مَا يُبِيحُ رَجُلٌ نَفْسَهُ فِي امْرَأَةٍ أَبَدًا يَبْدَأُ فَيُطَلِّقُهَا تَطْلِيقَةً، ثُمَّ يَتَرَبَّصُ مَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ أَنْ تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا، فَمَتَى مَا شَاءَ رَاجَعَهَا؟ قُلْنَا هَذَا مُنْقَطِعٌ عَنْهُ، لِأَنَّ ابْنَ سِيرِينَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ عَلِيٍّ كَلِمَةً، ثُمَّ لَيْسَ فِيهِ أَيْضًا: أَنَّ مَا عَدَا ذَلِكَ مَعْصِيَةٌ وَلَا بِدْعَةٌ - لَا يُعْلَمُ عَنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - غَيْرُ مَا ذَكَرْنَا. وَأَمَّا التَّابِعُونَ - فَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ قَالَ: قَالَ رَجُلٌ لِشُرَيْحٍ الْقَاضِي: طَلَّقْت امْرَأَتِي مِائَةً؟ فَقَالَ: بَانَتْ مِنْك بِثَلَاثٍ؟ وَسَبْعٌ وَتِسْعُونَ إسْرَافٌ وَمَعْصِيَةٌ - فَلَمْ يُنْكِرْ شُرَيْحٌ الثَّلَاثَ، وَإِنَّمَا جَعَلَ الْإِسْرَافَ وَالْمَعْصِيَةَ مَا زَادَ عَلَى الثَّلَاثِ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ: طَلَاقُ الْعِدَّةِ أَنْ يُطَلِّقَهَا إذَا طَهُرَتْ مِنْ الْحَيْضَةِ بِغَيْرِ جِمَاعٍ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَلَمْ يَخُصَّ وَاحِدَةً مِنْ ثَلَاثٍ، مِنْ اثْنَتَيْنِ - لَا يُعْلَمُ عَنْ أَحَدٍ مِنْ التَّابِعِينَ - أَنَّ الثَّلَاثَ مَعْصِيَةٌ - صُرِّحَ بِذَلِكَ إلَّا الْحَسَنُ. وَالْقَوْلُ بِأَنَّ الثَّلَاثَ سُنَّةٌ: قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَأَبِي ذَرٍّ، وَأَصْحَابِهِمَا. وَأَمَّا صِفَةُ طَلَاقِ السُّنَّةِ فَقَدْ ذَكَرْنَا قَوْلَ ابْنِ مَسْعُودٍ آنِفًا فِي ذَلِكَ مِنْ طَرِيقِ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ - وَآخَرَ مِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَهُوَ أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ قَالَ: يُطَلِّقُهَا فِي طُهْرٍ لَمْ يَمَسَّهَا فِيهِ - ثُمَّ يَدَعُهَا حَتَّى تَحِيضَ، فَإِذَا طَهُرَتْ طَلَّقَهَا أُخْرَى - ثُمَّ يَدَعُهَا حَتَّى تَحِيضَ، فَإِذَا طَهُرَتْ طَلَّقَهَا ثَالِثَةً. وَقَالَ عَلِيٌّ: لَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا ثُمَّ يَدَعَهَا حَتَّى تُتِمَّ عِدَّتَهَا، أَوْ يُرَاجِعَهَا فِي الْعِدَّةِ إنْ شَاءَ. وَمِنْ قَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ الَّذِي ذَكَرْنَا قَوْلٌ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ -: وَمِثْلَهُ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ، وَعَنْ قَتَادَةَ عَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ. وَمِثْلَهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ - وَزَادَ فَإِنْ كَانَتْ يَئِسَتْ مِنْ الْمَحِيضِ فَلْيُطَلِّقْهَا عِنْدَ كُلِّ هِلَالٍ تَطْلِيقَةً - وَهُوَ قَوْلُ الشَّعْبِيِّ. وَمِمَّنْ كَرِهَ أَنْ يُطَلِّقَهَا أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدَةٍ: اللَّيْثُ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَمَالِكٌ، وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَعَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ الْمَاجِشُونِ، وَالْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ، وَأَبُو سُلَيْمَانَ، وَأَصْحَابُهُمْ. وَأَمَّا قَوْلُنَا فِي طَلَاقِ الْحَامِلِ، وَاَلَّتِي لَمْ يَطَأْهَا، وَاَلَّتِي لَمْ تَحِضْ، وَاَلَّتِي يَئِسَتْ مِنْ الْمَحِيضِ: فَإِنَّ النُّصُوصَ الَّتِي ذَكَرْنَا قَبْلُ وَإِنَّمَا جَاءَتْ فِي اللَّوَاتِي عِدَّتُهُنَّ الْأَطْهَارُ. وَأَمَّا الْحَامِلُ - فَلَيْسَ لَهَا أَقْرَاءٌ تُرَاعَى، وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - كَمَا أَوْرَدْنَاهُ قَبْلُ فِي صَدْرِ كَلَامِنَا فِي الطَّلَاقِ ثُمَّ لِيُطَلِّقْهَا طَاهِرًا أَوْ حَامِلًا - فَبَيَّنَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي الطَّاهِرِ أَنْ لَا يَطَأَهَا فِي ذَلِكَ الطُّهْرِ قَبْلَ أَنْ يُطَلِّقَهَا، وَأَجْمَلُ طَلَاقِ الْحَامِلِ {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا}[مريم: 64] وَأَمَّا الَّتِي لَمْ يَطَأْهَا - فَلَا عِدَّةَ عَلَيْهَا بِنَصِّ الْقُرْآنِ، فَلَيْسَتْ مِنْ اللَّاتِي قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِنَّ: {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ}[الطلاق: 1] فَلَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا كَمَا أَبَاحَ اللَّهُ تَعَالَى مَتَى شَاءَ قَالَ تَعَالَى: {لا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ}[البقرة: 236] . وَأَمَّا الَّتِي لَمْ تَحِضْ قَطُّ، أَوْ الَّتِي انْقَطَعَ حَيْضُهَا فَقَدْ قَالَ مَنْ ذَكَرْنَا: إنَّهُ يُطَلِّقُهَا عِنْدَ اسْتِهْلَالِ الْهِلَالِ وَهَذَا شَيْءٌ لَا نُوجِبُهُ، لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِإِيجَابِهِ قُرْآنٌ وَلَا سُنَّةٌ. فَإِنْ قِيلَ: أَلَمْ يَقُلْ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَاللائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللائِي لَمْ يَحِضْنَ}[الطلاق: 4] . قُلْنَا: نَعَمْ، وَقَدْ صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «الشَّهْرُ تِسْعَةٌ وَعِشْرُونَ يَوْمًا» فَمِنْ حَيْثُ ابْتَدَأَ بِالْعِدَّةِ فَإِذَا أَتَمَّ تِسْعَةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا فَهُوَ شَهْرٌ. بُرْهَانُ ذَلِكَ: قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ}[البقرة: 228] فَأَوْجَبَ عَزَّ وَجَلَّ مَا قُلْنَا، وَهُوَ أَنْ يَبْدَأَ بِعَدَدِ الشُّهُورِ مِنْ أَيِّ يَوْمٍ أَوْ لَيْلَةٍ شَاءَ الْعَادُّ، أَوْ مِنْ حَيْثُ تَجِبُ الْعِدَّةُ بِالْوَفَاةِ، أَوْ بِالشُّهُورِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. ١

٨:٠٠ م

٢ مسالة قال انت طالق ونوى اثنتين او ثلاثا مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ، وَنَوَى اثْنَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا فَهُوَ كَمَا نَوَى - سَوَاءٌ قَالَ ذَلِكَ وَنَوَاهُ فِي مَوْطُوءَةٍ أَوْ فِي غَيْرِ مَوْطُوءَةٍ. بُرْهَانُ ذَلِكَ - أَنَّنَا قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ طَلَاقَ الثَّلَاثِ مَجْمُوعَةً سُنَّةٌ وَأَنَّ اسْمَ الطَّلَاقِ يَقَعُ عَلَيْهَا، وَعَلَى الثِّنْتَيْنِ، وَعَلَى الْوَاحِدَةِ، فَإِذْ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَهُوَ مَا نَوَى مِنْ عَدَدِ الطَّلَاقِ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى» فَإِنْ لَمْ يَنْوِ عَدَدًا مِنْ الطَّلَاقِ فَهِيَ وَاحِدَةٌ، لِأَنَّهَا أَقَلُّ الطَّلَاقِ فَهِيَ الْيَقِينُ الَّذِي لَا شَكَّ فِيهِ أَنْ يَلْزَمَهُ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَلْزَمَ زِيَادَةٌ بِلَا يَقِينٍ - وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَاللَّيْثِ، وَالشَّافِعِيِّ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَأَبُو سُلَيْمَانَ، وَسُفْيَانُ، وَالْأَوْزَاعِيُّ: يَلْزَمُهُ وَاحِدَةٌ لَا أَكْثَرُ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

٨:٠٠ م

٣ مسالة قال لموطوءة انت طالق انت طالق انت طالق 1947 - مَسْأَلَةٌ: فَلَوْ قَالَ لِمَوْطُوءَةٍ: أَنْتِ طَالِقٌ أَنْتِ طَالِقٌ أَنْتِ طَالِقٌ - فَإِنْ نَوَى التَّكْرِيرَ لِكَلِمَتِهِ الْأُولَى وَإِعْلَامَهَا فَهِيَ وَاحِدَةٌ، وَكَذَلِكَ إنْ لَمْ يَنْوِ بِتَكْرَارِهِ شَيْئًا - فَإِنْ نَوَى بِذَلِكَ أَنَّ كُلَّ طَلْقَةٍ غَيْرُ الْأُخْرَى فَهِيَ ثَلَاثٌ إنْ كَرَّرَهَا ثَلَاثًا، وَلَا اثْنَتَانِ إنْ كَرَّرَهَا مَرَّتَيْنِ بِلَا شَكٍّ. فَلَوْ قَالَ لِغَيْرِ مَوْطُوءَةٍ مِنْهُ: أَنْتِ طَالِقٌ أَنْتِ طَالِقٌ أَنْتِ طَالِقٌ فَهِيَ طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَطْ، لِأَنَّ تَكْرَارَهُ لِلطَّلَاقِ وَقَعَ - وَهِيَ فِي غَيْرِ عِدَّةٍ مِنْهُ - إذْ لَا عِدَّةَ عَلَى غَيْرِ مَوْطُوءَةٍ بِنَصِّ الْقُرْآنِ وَهِيَ أَجْنَبِيَّةٌ بَعْدُ، وَطَلَاقُ الْأَجْنَبِيَّةِ بَاطِلٌ. وَاخْتَلَفَ النَّاسُ فِي هَذَا -: فَقَالَتْ طَائِفَةٌ كَمَا قُلْنَا. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: إنْ كَانَ وَصَلَ كَلَامَهُ وَلَا يَقْطَعُ بَعْضَهُ عَنْ بَعْضٍ فَهِيَ ثَلَاثٌ لَازِمَةٌ، وَإِنْ كَانَ فَرَّقَ بَيْنَ كَلَامِهِ بِسَكْتَةٍ فَهِيَ طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَطْ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: إنْ كَانَ ذَلِكَ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ فَهِيَ كُلُّهَا لَوَازِمُ سَوَاءٌ فَرَّقَ بَيْنَ كُلِّ طَلَاقٍ بِسَكْتَةٍ أَوْ لَمْ يُفَرِّقْ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ فِي مَجَالِسَ شَتَّى لَمْ يَلْزَمْ مِنْ الطَّلَاقِ إلَّا مَا كَانَ فِي الْمَجْلِسِ الْأَوَّلِ فَقَطْ. فَمِمَّنْ رُوِّينَا عَنْهُ مِثْلُ قَوْلِنَا: مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ: نا عَتَّابُ بْنُ بَشِيرٍ عَنْ خُصَيْفٍ عَنْ زِيَادِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ فِيمَنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا وَلَمْ يَكُنْ دَخَلَ بِهَا؟ قَالَ: هِيَ ثَلَاثٌ، فَإِنْ طَلَّقَهَا وَاحِدَةً ثُمَّ ثَنَّى ثُمَّ ثَلَّثَ لَمْ يَقَعْ عَلَيْهَا، لِأَنَّهَا قَدْ بَانَتْ بِالْأُولَى - وَصَحَّ هَذَا عَنْ خِلَاسٍ، وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ فِي أَحَدِ أَقْوَالِهِ، وَطَاوُسٍ، وَالشَّعْبِيِّ، وَعِكْرِمَةَ، وَأَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ، وَحَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ - وَرُوِّينَاهُ عَنْ مَسْرُوقٍ. وَرُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ نا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ مُطَرِّفِ بْنِ طَرِيفٍ قَالَ: سَأَلْت الْحَكَمَ بْنَ عُتَيْبَةَ عَمَّنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ، أَنْتِ طَالِقٌ، أَنْتِ طَالِقٌ؟ يَعْنِي لَمْ يَكُنْ دَخَلَ بِهَا؟ قَالَ: تَبِينُ بِالتَّطْلِيقَةِ الْأُولَى وَالثِّنْتَانِ الَّتِي أَتْبَعَ لَيْسَتَا بِشَيْءٍ، فَقُلْت لَهُ: عَمَّنْ تَحْفَظُهُ؟ قَالَ: عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ. وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَالْحَسَنِ بْنِ حَيٍّ، وَأَبِي حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَبِي ثَوْرٍ، وَأَبِي عُبَيْدٍ، وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ، وَأَصْحَابِهِمْ. وَالْقَوْلُ الثَّانِي - رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نا هُشَيْمٌ نا الْمُغِيرَةُ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ فِيمَنْ قَالَ لِغَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا: أَنْتِ طَالِقٌ، أَنْتِ طَالِقٌ، أَنْتِ طَالِقٌ - وَقَالَهَا مُتَّصِلَةً: لَمْ تَحِلَّ لَهُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ، فَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ ثُمَّ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ ثُمَّ سَكَتَ، ثُمَّ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ، بَانَتْ بِالْأُولَى وَلَمْ تَكُنْ الْأُخْرَيَانِ شَيْئًا - وَمِثْلُهُ سَوَاءً سَوَاءً عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ الْمُزَنِيّ - وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ - وَالْأَوْزَاعِيِّ، وَاللَّيْثِ. وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ - رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ نا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ قَالَ: قَالَ لِي مَنْصُورٌ: حُدِّثْتُ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: إذَا قَالَ لِلَّتِي لَمْ يَدْخُلْ بِهَا فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ: أَنْتِ طَالِقٌ، أَنْتِ طَالِقٌ، أَنْتِ طَالِقٌ، فَلَا تَحِلُّ لَهُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا، غَيْرَهُ - فَإِنْ قَامَ مِنْ مَجْلِسِهِ ذَلِكَ بَعْدَ أَنْ طَلَّقَ طَلْقَةً وَاحِدَةً ثُمَّ طَلَّقَ بَعْدَ ذَلِكَ، فَلَيْسَ بِشَيْءٍ. وَقَدْ جَاءَتْ رِوَايَاتٌ لَا بَيَانَ فِيهَا -: مِنْهَا - مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، وَجَابِرِ بْنِ زَيْدٍ، قَالَا جَمِيعًا: إذَا طَلُقَتْ الْبِكْرُ ثَلَاثًا فَهِيَ وَاحِدَةٌ. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نا هُشَيْمٌ أَنَا مَنْصُورٌ - هُوَ ابْنُ الْمُعْتَمِرِ - أَنَّ آخِرَ قَوْلِ الْحَسَنِ فِيمَنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا: أَنَّهُ إنْ شَاءَ خَطَبَهَا. وَمِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ أَبِي عَيَّاشٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَمَّنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ قَبْلَ أَنْ يَمَسَّهَا؟ قَالَ: طَلَاقُ الْبِكْرِ وَاحِدَةٌ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: لَمْ يَخُصُّوا مُفَرَّقَةً مِنْ مَجْمُوعَةٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِمُرَادِهِمْ. وَمِنْهَا أَيْضًا مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ عُمَرَ بْنِ رَاشِدٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ ثَوْبَانَ قَالَ: طَلَّقَ رَجُلٌ مِنْ مُزَيْنَةَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا قَبْلَ الدُّخُولِ، فَسَأَلَ ابْنَ عَبَّاسٍ وَعِنْدَهُ أَبُو هُرَيْرَةَ؟ فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: وَاحِدَةٌ تُبِينُهَا وَثَلَاثٌ تُحَرِّمُهَا؟ فَصَوَّبَهَا ابْنُ عَبَّاسٍ - وَهَذَا لَا يَصِحُّ، لِأَنَّ عُمَرَ بْنَ رَاشِدٍ ضَعِيفٌ. وَمِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ بُكَيْرِ بْنِ النُّعْمَانِ بْنِ أَبِي عَيَّاشٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ قَالَ فِيمَنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ الْبِكْرَ: وَاحِدَةٌ تُبِينُهَا، وَثَلَاثٌ تُحَرِّمُهَا - وَنَحْوُهُ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ، وَعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - فَلَمْ يُبَيِّنُوا مُفَرَّقَةً أَمْ مَجْمُوعَةً. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: أَمَّا مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ قَوْلِهِ ذَلِكَ فِي مَجْلِسٍ، وَبَيْنَ قَوْلِهِ ذَلِكَ فِي مَجْلِسَيْنِ فَدَعْوَى بِلَا بُرْهَانٍ، وَكَذَلِكَ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ قَوْلِهِ ذَلِكَ مُتَّصِلًا، وَبَيْنَ تَفْرِيقِهِ بَيْنَ ذَلِكَ بِالسُّكُوتِ هُوَ أَيْضًا قَوْلٌ لَا دَلِيلَ عَلَى صِحَّتِهِ - فَهُوَ سَاقِطٌ -. فَصَحَّ قَوْلُنَا، لِأَنَّهُ بِتَمَامِ قَوْلِهِ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ بَانَتْ وَحَلَّ لَهَا زَوْجٌ غَيْرُهُ - وَلَوْ مَاتَ لَمْ تَرِثْهُ - وَلَوْ مَاتَتْ لَمْ يَرِثْهَا - وَلَيْسَ فِي عِدَّةٍ مِنْهُ، فَطَلَاقُهُ لَهَا لَغْوٌ سَاقِطٌ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ

٨:٠١ م

٤ مسالة قال لغير موطوءة منه انت طالق ثلاثا 1948 - مَسْأَلَةٌ: فَلَوْ قَالَ لِغَيْرِ مَوْطُوءَةٍ مِنْهُ: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا؟ فَإِنْ كَانَ نَوَى فِي قَوْلِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ: أَنَّهَا ثَلَاثٌ فَهِيَ ثَلَاثٌ، فَإِنْ لَمْ يَنْوِ ذَلِكَ لَكِنْ نَوَى الثَّلَاثَ، إذْ قَالَ: ثَلَاثًا لَمْ تَكُنْ طَلَاقًا إلَّا وَاحِدَةً، لِأَنَّ بِتَمَامِ قَوْلِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ بَانَتْ مِنْهُ - فَصَارَ قَوْلُهُ " ثَلَاثًا " لَغْوًا لَا مَعْنَى لَهُ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

٨:٠١ م

٥ مسالة طلاق النفساء مَسْأَلَةٌ: وَطَلَاقُ النُّفَسَاءِ كَالطَّلَاقِ فِي الْحَيْضِ سَوَاءً سَوَاءً لَا يَلْزَمُ إلَّا أَنْ يَكُونَ ثَلَاثًا مَجْمُوعَةً أَوْ آخِرُ ثَلَاثٌ قَدْ تَقَدَّمَتْ مِنْهَا اثْنَتَانِ. بُرْهَانُ ذَلِكَ -: أَنَّهُ لَيْسَ إلَّا حَيْضٌ أَوْ طُهْرٌ - وَقَدْ ذَكَرْنَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّهُ نَهَى عَنْ الطَّلَاقِ فِي الْحَيْضِ، وَأَمَرَ بِالطَّلَاقِ فِي طُهْرٍ لَمْ يُجَامِعْهَا فِيهِ، أَوْ حَامِلًا» وَلَا خِلَافَ فِي أَنَّ دَمَ النِّفَاسِ لَيْسَ طُهْرًا، وَلَا هُوَ حَمْلٌ، فَلَمْ يَبْقَ إلَّا الْحَيْضُ فَهُوَ حَيْضٌ، وَلَمْ يَصِحَّ قَطُّ نَصٌّ بِأَنَّ النِّفَاسَ لَيْسَ حَيْضًا، بَلْ لَا خِلَافَ فِي أَنَّ لَهُ حُكْمُ الْحَيْضِ، مِنْ تَرْكِ الصَّلَاةِ، وَالصَّوْمِ، وَالْوَطْءِ وَقَدْ صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّ دَمَ الْحَيْضِ أَسْوَدُ يُعْرَفُ» فَصَحَّ أَنَّ كُلَّ دَمٍ أَسْوَدَ ظَهَرَ مِنْ فَرْجِ الْمَرْأَةِ فَهُوَ حَيْضٌ مَا لَمْ يَتَجَاوَزْ أَمَدَ الْحَيْضِ، وَمَا لَمْ يَكُنْ فِي حَمْلٍ. وَصَحَّ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ لِأُمِّ سَلَمَةَ، وَعَائِشَةَ: أُمَّيْ الْمُؤْمِنِينَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «إذْ حَاضَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا: أَنُفِسْتِ؟ قَالَتْ: نَعَمْ، فَسَمَّى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْحَيْضَ نِفَاسًا» . وَمِمَّنْ قَالَ بِقَوْلِنَا طَائِفَةٌ مِنْ السَّلَفِ -: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ، وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، قَالَ جَرِيرٌ عَنْ قَيْسِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ بُكَيْرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْأَشَجِّ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، وَقَالَ سُفْيَانُ: عَنْ ابْنِ جَرِيرٍ عَنْ عَطَاءٍ، قَالَ زَيْدٌ، وَعَطَاءٌ: إذَا طَلَّقَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ - وَهِيَ نُفَسَاءُ - لَمْ تَعْتَدَّ بِدَمِ نِفَاسِهَا فِي عِدَّتِهَا. وَقَالَ غَيْرُهُمَا غَيْرَ هَذَا -: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ مَطَرٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ قَالَ: قَالَ مَطَرٌ الْوَرَّاقُ عَنْ الْحَسَنِ فِي الَّتِي تَطْلُقُ وَهِيَ حَائِضٌ ثَلَاثَةً؟ قَالَ: تَعْتَدُّ بِهِ قَرْءًا مِنْ أَقْرَائِهَا. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ، قَالَ: يُكْرَهُ أَنْ يُطَلِّقَ امْرَأَتَهُ حَائِضًا كَمَا يُكْرَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا نُفَسَاءَ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَلَوْ أَنَّ امْرَأً طَلَّقَ امْرَأَتَهُ فِي طُهْرٍ لَمْ يَمَسَّهَا فِيهِ طَلَاقًا رَجْعِيًّا فَحَمَلَتْ مِنْ زِنًى، أَوْ مِنْ إكْرَاهٍ أَوْ مِنْ شُبْهَةٍ بِجَهَالَةٍ، فَإِنَّهَا تَنْتَقِلُ إلَى عِدَّةِ الْحَامِلِ فَتَنْقَضِي عِدَّتُهَا بِوَضْعِ حَمْلِهَا، لِأَنَّهَا زَوْجَتُهُ بَعْدُ، تَرِثُهُ وَيَرِثُهَا، وَيَلْحَقُهَا إيلَاؤُهُ، وَظِهَارُهُ، وَيُلَاعِنُهَا - إنْ قَذَفَهَا فَهِيَ مُطَلَّقَةٌ مِنْ ذَوَاتِ الْأَحْمَالِ. وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {وَأُولاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ}[الطلاق: 4] وَكَذَلِكَ تَنْتَقِلُ إلَى عِدَّةِ الْحَامِلِ الْوَفَاةُ إنْ مَاتَ - وَسَوَاءٌ حَمَلَتْ فِي الطُّهْرِ الْأَوَّلِ أَوْ الثَّانِي أَوْ الثَّالِثِ، فَإِنْ كَانَ الطَّلَاقُ ثَلَاثًا، أَوْ آخَرُ ثَلَاثٌ، أَوْ مُعْتَقَةٌ تَخَيَّرَتْ فِرَاقَهُ: لَمْ تَنْتَقِلْ إلَى عِدَّةِ الْوَفَاةِ، وَلَا إلَى عِدَّةٍ. لَكِنْ إنْ حَمَلَتْ فِي الطُّهْرِ الْأَوَّلِ عَدَّتْ جَمِيعَ حَمْلِهَا قُرْءًا ثُمَّ عَدَّتْ نِفَاسَهَا حَيْضًا، ثُمَّ تَأْتِي بِقُرْأَيْنِ بَعْدَهُ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ اعْتِدَادِهَا بِهِ قُرْءًا - وَلَوْ لَمْ يَبْقَ مِنْهُ إلَّا طَرْفَةُ عَيْنٍ - وَبَيْنَ اعْتِدَادِهَا بِهِ - وَلَوْ لَمْ يَمْضِ مِنْهُ إلَّا طَرْفَةُ عَيْنٍ - لِأَنَّ بَعْضَ الطُّهْرِ طُهْرٌ، فَإِنْ حَمَلَتْ فِي الطُّهْرِ الثَّانِي عَدَّتْ مُدَّةَ حَمْلِهَا قُرْءًا ثَانِيًا، ثُمَّ نِفَاسَهَا حَيْضًا، ثُمَّ عَلَيْهَا أَنْ تَأْتِيَ بِقُرْءٍ ثَالِثٍ، فَإِنْ حَمَلَتْ فِي الطُّهْرِ الثَّالِثِ عَدَّتْ مُدَّةَ حَمْلِهَا قُرْءًا، فَإِذَا وَضَعَتْ حَمْلَهَا بِأَوَّلِ دَمٍ يَظْهَرُ مِنْهَا تَمَّتْ عِدَّتُهَا، وَحَلَّتْ لِلْأَزْوَاجِ، لِأَنَّهَا قَدْ لَزِمَهَا الِاعْتِدَادُ بِالْأَقْرَاءِ بِنَصِّ الْقُرْآنِ فَلَا يَسْقُطُ عَنْهَا، فَلَوْ كَانَتْ مِمَّنْ لَا تَحِيضُ فَكَانَ طَلَاقُهَا بَائِنًا كَمَا ذَكَرْنَا. أَوْ كَانَتْ مُعْتَقَةً فَاخْتَارَتْ فِرَاقَهُ فَإِنَّهَا تَتَمَادَى عَلَى عِدَّةِ الشُّهُورِ وَتَحِلُّ لِلْأَزْوَاجِ بِتَمَامِهَا، وَلَا مَعْنَى لِلْحَمْلِ حِينَئِذٍ. وَكَذَلِكَ لَوْ حَمَلَتْ بَعْدَ مَوْتِهِ فَإِنَّهَا تَتَمَادَى عَلَى عِدَّتِهَا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرَ لَيَالٍ، ثُمَّ تَحِلُّ لِلْأَزْوَاجِ بِتَمَامِهَا - وَلَا يُرَاعَى الْحَمْلُ. وَإِنَّمَا نَعْنِي بِقَوْلِنَا " تَحِلُّ لِلْأَزْوَاجِ " أَنَّهَا يَحِلُّ لَهَا الزَّوَاجُ، وَأَمَّا الْوَطْءُ فَلَا أَلْبَتَّةَ، حَتَّى تَضَعَ حَمْلَهَا ثُمَّ تَطْهُرَ مِنْ دَمِ نِفَاسِهَا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

٨:٠٢ م

٦ مسالة من طلق امراته ثلاثا لم يحل له زواجها الا بعد زوج يطوها بنكاح صحيح مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا كَمَا ذَكَرْنَا لَمْ يَحِلَّ لَهُ زَوَاجُهَا إلَّا بَعْدَ زَوْجٍ يَطَؤُهَا فِي فَرْجِهَا بِنِكَاحٍ صَحِيحٍ فِي حَالِ عَقْلِهِ وَعَقْلِهَا وَلَا بُدَّ - وَلَا يُحِلُّهَا لَهُ وَطْءٌ فِي نِكَاحٍ فَاسِدٍ، وَلَا وَطْءٌ فِي دُبُرٍ، وَلَا وَطْؤُهَا فِي نِكَاحٍ صَحِيحٍ - وَهِيَ فِي غَيْرِ عَقْلِهَا بِإِغْمَاءٍ أَوْ بِسُكْرٍ أَوْ بِجُنُونٍ، وَلَا هُوَ كَذَلِكَ - فَإِنْ بَقِيَ مِنْ حِسِّهِ أَوْ مِنْ حِسِّهَا - فِي هَذِهِ الْأَحْوَالِ، أَوْ فِي النَّوْمِ - مَا تُدْرِكُ بِهِ اللَّذَّةَ أَحَلَّهَا ذَلِكَ إذَا مَاتَ ذَلِكَ الزَّوْجُ أَوْ طَلَّقَهَا، أَوْ انْفَسَخَ نِكَاحُهَا مِنْهُ بَعْدَ صِحَّتِهِ. وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ النِّكَاحُ صَحِيحًا ثُمَّ وَطِئَهَا فِي حَالٍ لَا يَحِلُّ فِيهِ الْوَطْءُ مِنْ صَوْمِ فَرْضٍ مِنْهُ، أَوْ مِنْهَا، أَوْ إحْرَامٍ كَذَلِكَ، أَوْ اعْتِكَافٍ كَذَلِكَ، أَوْ وَهِيَ حَائِضٌ: فَكُلُّ ذَلِكَ لَا يُحِلُّهَا - وَيُحِلُّهَا الْعَبْدُ يَتَزَوَّجُهَا، وَالذِّمِّيُّ - إنْ كَانَتْ هِيَ ذِمِّيَّةً - وَلَا يُحِلُّهَا - إنْ كَانَتْ أَمَةً -: وَطْءُ سَيِّدُهَا لَهَا. بُرْهَانُ ذَلِكَ: قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ}[البقرة: 230] فَفِي هَذِهِ الْآيَةِ عُمُومُ كُلِّ زَوْجٍ، وَلَا يَكُونُ زَوَاجًا إلَّا مَنْ كَانَ زَوَاجُهُ صَحِيحًا. وَأَمَّا مَنْ تَزَوَّجَ بِخِلَافِ مَا أَمَرَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فَلَيْسَ زَوْجًا، وَلَا عُدَّ زَوَاجًا، وَفِيهَا تَحْلِيلُ رَجْعَتِهِ لَهَا بَعْدَ طَلَاقِ الزَّوْجِ. وَبَقِيَ أَمْرُ الْوَطْءِ، وَأَمْرُ مَوْتِ الزَّوْجِ الثَّانِي، وَانْفِسَاخُ نِكَاحِهِ: فَوَجَدْنَا مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد السِّجِسْتَانِيِّ نَا مُسَدَّدٌ نا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ عَنْ الْأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ: «سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ رَجُلٍ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ - تَعْنِي ثَلَاثًا - فَتَزَوَّجَتْ غَيْرَهُ فَطَلَّقَهَا قَبْلَ أَنْ يُوَاقِعَهَا، أَتَحِلُّ لِزَوْجِهَا الْأَوَّلِ؟ قَالَتْ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لَا تَحِلُّ لِلْأَوَّلِ حَتَّى تَذُوقَ عُسَيْلَةَ الْآخَرِ وَيَذُوقَ عُسَيْلَتَهَا» . فَفِي هَذَا الْخَبَرِ زِيَادَةُ عُمُومِ حِلِّهَا لَهُ بِالْوَطْءِ لَا بِغَيْرِهِ، فَدَخَلَ فِي ذَلِكَ مَوْتُهُ، وَانْفِسَاخُ نِكَاحِهِ بَعْدَ صِحَّتِهِ، وَدَخَلَ فِي عُمُومِ ذَوْقِ الْعُسَيْلَةِ كُلُّ مَا ذَكَرْنَا قَبْلُ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَإِنَّمَا قُلْنَا " إنَّ وَطْءَ السَّيِّدِ لَا يُحِلُّهَا لِزَوْجِهَا الْمُطَلِّقِ لَهَا " لِأَنَّهُ لَيْسَ زَوْجًا، وَإِنَّمَا أَحَلَّهَا لَهُ تَعَالَى بَعْدَ أَنْ تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ. وَفِي كَثِيرٍ مِمَّا ذَكَرْنَا خِلَافٌ مِنْ ذَلِكَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، قَالَ: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نا هُشَيْمٌ أَنَا دَاوُد بْنُ أَبِي هِنْدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ فِي الْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا ثُمَّ تَتَزَوَّجُ؟ قَالَ سَعِيدٌ: أَمَّا النَّاسُ فَيَقُولُونَ: يُجَامِعُهَا، وَأَمَّا أَنَا فَإِنِّي أَقُولُ: إذَا تَزَوَّجَهَا بِتَزْوِيجٍ صَحِيحٍ لَا يُرِيدُ بِذَلِكَ إحْلَالًا، فَلَا بَأْسَ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا الْأَوَّلُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: كَانَ يَنْبَغِي لِمَنْ يَقُولُ فِي رَدِّهِ حَدِيثَ الْمَسْحِ عَلَى الْعِمَامَةِ وَحَدِيثَ الْخَمْسِ رَضَعَاتٍ إنَّ هَذَا زَائِدٌ عَلَى الْقُرْآنِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُؤْخَذَ مِنْهُ إلَّا مَا جَاءَ مَجِيءَ تَوَاتُرٍ أَنْ يَقُولَ بِقَوْلِ سَعِيدٍ هَهُنَا، لِأَنَّ خَبَرَ عَائِشَةَ فِي ذَوْقِ الْعُسَيْلَةِ زَائِدٌ عَلَى مَا فِي الْقُرْآنِ لَمْ يَأْتِ إلَّا مِنْ طَرِيقِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - الَّتِي مِنْ قِبَلِهَا جَاءَ خَبَرُ الْخَمْسِ رَضَعَاتٍ وَلَا فَرْقَ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَرُوِيَ غَيْرُ صَحِيحٍ مِنْ طَرِيقِ أَنَسٍ، وَابْنِ عُمَرَ. وَكَذَلِكَ يَنْبَغِي لِمَنْ قَالَ بِرَدِّ السُّنَّةِ الثَّانِيَةِ فِي أَنْ لَا يَتِمَّ بَيْعٌ إلَّا بِأَنْ يَفْتَرِقَا عَنْ مَوْضِعِهِمَا فَإِنَّ مِمَّا تَكْثُرُ بِهِ الْبَلْوَى أَنْ يَقُولَ بِقَوْلِ سَعِيدٍ، وَيَقُولَ: هَذَا مِمَّا تَكْثُرُ بِهِ الْبَلْوَى، فَلَوْ صَحَّ مَا خَفِيَ عَنْ سَعِيدٍ - وَجَاءَ عَنْ الْحَسَنِ: أَنَّهَا لَا تَحِلُّ لِزَوْجِهَا الْأَوَّلِ وَإِنْ وَطِئَهَا الثَّانِي إلَّا حَتَّى يُنْزِلَ فِيهَا. وَلَقَدْ يَنْبَغِي لِلْمَالِكِيِّينَ الْقَائِلِينَ: إنَّ التَّحْرِيمَ يَدْخُلُ بِأَرَقِّ الْأَسْبَابِ، وَلَا يَدْخُلُ التَّحْلِيلُ إلَّا بِأَغْلَظِ الْأَسْبَابِ، أَنْ يَقُولَ بِقَوْلِ الْحَسَنِ هَذَا - وَلَكِنَّ تَنَاقُضَهُمْ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ. وَاخْتَلَفُوا فِي الْمُسْلِمِ يُطَلِّقُ الْكِتَابِيَّةَ ثَلَاثًا فَتَتَزَوَّجُ كِتَابِيًّا وَيَطَؤُهَا ثُمَّ يَمُوتُ؟ فَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ، وَالزُّهْرِيُّ، وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَبُو سُلَيْمَانَ، وَأَصْحَابُهُمْ: أَنَّهَا قَدْ حَلَّتْ لِلْأَوَّلِ. وَقَالَ رَبِيعَةُ، وَمَالِكٌ: لَا يُحِلُّهَا - وَمَا نَعْلَمُ لَهُمْ شَغَبًا إلَّا قَوْلَهُمْ: لَيْسَ لَهُ طَلَاقٌ؟ فَقُلْنَا: فَكَانَ مَاذَا؟ أَيُّ شَيْءٍ فِي ذَلِكَ مِمَّا يَمْنَعُ مِنْ إحْلَالِهَا إنْ مَاتَ أَوْ انْفَسَخَ نِكَاحُهُ مِنْهَا. ثُمَّ نَسْأَلُهُمْ: إنْ تَزَوَّجَهَا وَوَطِئَهَا ثُمَّ أَسْلَمَ وَلَمْ يَطَأْهَا بَعْدَ إسْلَامِهِ ثُمَّ طَلَّقَهَا أَيُحِلُّهَا لَهُ أَمْ لَا؟ فَإِنْ قَالُوا: لَا يُحِلُّهَا لَهُ، بَطَلَ تَعْلِيلُهُمْ بِأَنَّهُ لَا طَلَاقَ لَهُ، إذْ قَدْ صَحَّ طَلَاقُهُ، وَإِنْ قَالُوا: بَلْ يُحِلُّهَا: نَقَضُوا قَوْلَهُمْ فِي أَنَّ وَطْءَ الزَّوْجِ الْكِتَابِيِّ لَا يُحِلُّهَا. وَأَمَّا اخْتِلَافُهُمْ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ، فَجُمْهُورُ النَّاسِ عَلَى هَذَا، إلَّا شَيْئًا رُوِيَ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ: أَنَّهُ يُحِلُّهَا - وَهَذَا خَطَأٌ، لِأَنَّهُ لَيْسَ زَوْجًا، وَلَوْ كَانَ زَوْجًا مَا حَلَّ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَهُمَا بِلَا مَعْنًى إلَّا فَسَادُ عَقْدِهِ فَقَطْ. وَأَمَّا الِاخْتِلَافُ فِي هَلْ يُحِلُّهَا وَطْءُ سَيِّدِهَا إنْ كَانَتْ أَمَةً؟ فَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ نَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ نا خَالِدٌ عَنْ مَرْوَانَ الْأَصْفَرِ عَنْ أَبِي رَافِعٍ، قَالَ: دَخَلْنَا عَلَى عُثْمَانَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ فَسَأَلْنَاهُ عَنْ رَجُلٍ كَانَتْ تَحْتَهُ أَمَةٌ فَطَلَّقَهَا فَبَانَتْ مِنْهُ، فَخَلَفَ عَلَيْهَا سَيِّدَهَا ثُمَّ خَلَا عَنْهَا، وَعِنْدَهُ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ، وَرَجُلٌ آخَرُ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَا جَمِيعًا: لَا بَأْسَ بِهِ. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ الْحَسَنِ: أَنَّ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ، وَالزُّبَيْرَ بْنَ الْعَوَّامِ كَانَا لَا يَرَيَانِ بَأْسًا بِالْأَمَةِ يُطَلِّقُهَا زَوْجُهَا فَيَتَسَرَّاهَا سَيِّدُهَا ثُمَّ يَتَزَوَّجُهَا زَوْجُهَا، قَالَا جَمِيعًا: إذَا لَمْ يُرِدْ السَّيِّدُ بِذَلِكَ إحْلَالَهَا فَلَيْسَ بِهِ بَأْسٌ. وَمِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ عَنْ أَشْعَثِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ الْحُمْرَانِيِّ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ: السَّيِّدُ زَوْجٌ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي الْعَبْدِ يَبِتُّ الْأَمَةَ أَنَّهُ يُحِلُّهَا أَنْ يَطَأَهَا سَيِّدُهَا - قَالَ عَطَاءٌ: مَنْ كَانَتْ زَوْجَتُهُ أَمَةً فَبَتَّهَا ثُمَّ ابْتَاعَهَا قَبْلَ أَنْ تَنْكِحَ غَيْرَهُ فَحَلَالٌ لَهُ وَطْؤُهَا، فَإِنْ وَطِئَهَا ثُمَّ أَعْتَقَهَا فَلَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا، فَإِنْ أَعْتَقَهَا قَبْلَ أَنْ يَطَأَهَا لَمْ تَحِلَّ لَهُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ؟ وَهَذَا تَقْسِيمٌ لَا بُرْهَانَ عَلَى صِحَّتِهِ. وَرُوِّينَا خِلَافَ هَذَا عَنْ غَيْرِهِمْ -: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ نا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ نا خَالِدٌ - هُوَ الْحَذَّاءُ - عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: حَتَّى تَحِلَّ لَهُ مِنْ حَيْثُ حُرِّمَتْ عَلَيْهِ - يَعْنِي: الْأَمَةَ تَطْلُقُ فَيَطَأَهَا سَيِّدُهَا دُونَ أَنْ تَتَزَوَّجَ زَوْجًا آخَرَ. وَبِهِ إلَى خَالِدٍ الْحَذَّاءِ عَنْ أَبِي مَعْشَرٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ عَنْ عَبِيدَةُ السَّلْمَانِيِّ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: لَا تَحِلُّ لَهُ إلَّا مِنْ حَيْثُ حُرِّمَتْ عَلَيْهِ - وَصَحَّ عَنْ مَسْرُوقٍ أَنَّهُ رَجَعَ إلَى الْقَوْلِ بَعْدَ أَنْ أَفْتَى بِقَوْلِ زَيْدٍ. وَأَمَّا هَلْ تَحِلُّ لِسَيِّدِهَا بِمِلْكِ الْيَمِينِ إذَا اشْتَرَاهَا بَعْدَ أَنْ كَانَتْ زَوْجَتُهُ وَطَلَّقَهَا ثَلَاثًا؟ فَقَدْ ذَكَرْنَا آنِفًا عَنْ عَطَاءٍ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جَرِيرٍ قُلْت لِعَطَاءٍ: رَجُلٌ بَتَّ أَمَةً ثُمَّ ابْتَاعَهَا وَلَمْ تَنْكِحْ بَعْدَهُ أَحَدًا، أَتَحِلُّ لَهُ؟ قَالَ: نَعَمْ، كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقُولُهُ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ عَنْ ابْنِ قُسَيْطٍ أَنَّ كَثِيرًا مَوْلَى الصَّلْتِ طَلَّقَهَا تَطْلِيقَتَيْنِ ثُمَّ اشْتَرَاهَا فَأَعْتَقَهَا؟ فَقَالَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ: لَوْ كُنْت وَطِئْتهَا بِمِلْكٍ حَلَّتْ لَك، وَلَكِنْ لَا تَحِلُّ لَك حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَك. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ زِيَادٍ الْأَعْلَمِ عَنْ الْحَسَنِ مِثْلُ قَوْلِ زَيْدٍ وَعَطَاءٍ سَوَاءً سَوَاءً - صَحَّ عَنْ غَيْرِهِمْ خِلَافٌ ذَلِكَ: رُوِّينَا: أَنَّهُ لَا تَحِلُّ لِسَيِّدِهَا بِمِلْكِ الْيَمِينِ إذَا اشْتَرَاهَا بَعْدَ أَنْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا عَنْ عُثْمَانَ، وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ - وَصَحَّ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّهُ كَرِهَ ذَلِكَ - وَصَحَّ عَنْ مَسْرُوقٍ، وَالنَّخَعِيِّ، وَعُبَيْدَةَ السَّلْمَانِيِّ، وَالشَّعْبِيِّ، وَابْنِ الْمُسَيِّبِ، وَسُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَلَا يَحِلُّ لِلسَّيِّدِ أَنْ يَرَى مِنْ عَوْرَتِهَا شَيْئًا إلَّا مَا يَرَى مِنْ حَرِيمَتِهِ، وَلَا أَنْ يَتَلَذَّذَ بِهَا، لِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ}[البقرة: 230] فَعَمَّ تَعَالَى وَلَمْ يَخُصَّ، بِخِلَافِ الْكِتَابِيَّةِ، وَالْحَائِضِ، وَالصَّائِمَةِ فَرْضًا، وَالْمُحْرِمَةِ، لِأَنَّ هَؤُلَاءِ إنَّمَا حُرِّمَ نِكَاحُهُنَّ فَقَطْ - وَهُوَ الْوَطْءُ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

٨:٠٣ م

٧ مسالة رغب المطلق ثلاثا الى من يتزوجها ويطوها ليحلها له 1951 - مَسْأَلَةٌ: فَلَوْ رَغَّبَ الْمُطَلِّقُ ثَلَاثًا إلَى مَنْ يَتَزَوَّجُهَا وَيَطَؤُهَا لِيُحِلَّهَا لَهُ فَذَلِكَ جَائِزٌ إذَا تَزَوَّجَهَا بِغَيْرِ شَرْطٍ لِذَلِكَ فِي نَفْسِ عَقْدِهِ لِنِكَاحِهِ إيَّاهَا، فَإِذَا تَزَوَّجَهَا فَهُوَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ طَلَّقَهَا، وَإِنْ شَاءَ أَمْسَكَهَا، فَإِنْ طَلَّقَهَا حَلَّتْ لِلْأَوَّلِ، فَلَوْ شَرَطَ فِي عَقْدِ نِكَاحِهَا أَنَّهُ يُطَلِّقُهَا إذَا وَطِئَهَا، فَهُوَ عَقْدٌ فَاسِدٌ مَفْسُوخٌ أَبَدًا، وَلَا تَحِلُّ لَهُ بِهِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَا ذَكَرْنَا قَبْلُ فِي كُلِّ نِكَاحٍ فَاسِدٍ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَقَالَ بَعْضُ الْقَائِلِينَ: لَا تَكُونُ حَلَالًا إلَّا بِنِكَاحِ رَغْبَةٍ لَا يَنْوِي بِهِ تَحْلِيلَهَا لِلَّذِي طَلَّقَهَا. وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِكَ بِأَثَرٍ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ نا عَمْرُو بْنُ مَنْصُورٍ نَا أَبُو نُعَيْمٍ - هُوَ الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ - عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ أَبِي قَيْسٍ - هُوَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ ثَرْوَانَ - عَنْ هُذَيْلِ بْنِ شُرَحْبِيلَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: «وَلَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْوَاشِمَةَ، وَالْمُسْتَوْشِمَةَ، وَالْوَاصِلَةَ، وَالْمَوْصُولَةَ - وَآكِلَ الرِّبَا وَمُؤَكِّلَهُ، وَالْمُحِلَّ وَالْمُحَلَّلَ لَهُ» . وَهَذَا خَبَرٌ لَا يَصِحُّ فِي هَذَا الْبَابِ سِوَاهُ، ثُمَّ آثَارٌ بِمَعْنَاهُ إلَّا أَنَّهَا هَالِكَةٌ - إمَّا مِنْ طَرِيقِ الْحَارِثِ الْأَعْوَرِ الْكَذَّابِ، أَوْ مِنْ طَرِيقِ إِسْحَاقَ الْفَرْوِيِّ - وَلَا خَيْرَ فِيهِ -. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي الْمُحَلِّلِ الْآثِمِ الْمَلْعُونِ، وَالْمُحَلَّلِ لَهُ الْآثِمِ الْمَلْعُونِ، مَنْ هُمَا؟ فَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ الْمُسَيِّبِ بْنِ رَافِعٍ عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ جَابِرٍ قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: لَا أُوتَى بِمُحِلٍّ وَلَا بِمُحَلَّلٍ إلَّا رَجَمْته. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي يَزِيدُ بْنُ عِيَاضِ بْنِ جُعْدُبَةَ أَنَّهُ سَمِعَ نَافِعًا يَقُولُ: إنَّ رَجُلًا سَأَلَ ابْنَ عُمَرَ عَنْ التَّحْلِيلِ؟ فَقَالَ لَهُ ابْنُ عُمَرَ: عَرَفْت عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ لَوْ رَأَى شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ لَرَجَمَ فِيهِ. ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: يَزِيدُ بْنُ عِيَاضِ بْنِ جُعْدُبَةَ كَذَّابٌ مَذْكُورٌ بِوَضْعِ الْحَدِيثِ. وَعَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَرِيكٍ الْعَامِرِيِّ، قَالَ: سَمِعْت ابْنَ عُمَرَ يَسْأَلُ عَمَّنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثُمَّ نَدِمَ، فَأَرَادَ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا رَجُلٌ يُحَلِّلُهَا لَهُ؟ فَقَالَ لَهُ ابْنُ عُمَرَ: كِلَاهُمَا زَانٍ، وَلَوْ مَكَثَا عِشْرِينَ سَنَةً. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ أَبِي غَسَّانَ الْمَدَنِيِّ عَنْ عُمَرَ بْنِ نَافِعٍ عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ ابْنَ عُمَرَ عَمَّنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا فَتَزَوَّجَهَا هَذَا السَّائِلُ عَنْ غَيْرِ مُؤَامَرَةٍ مِنْهُ، أَتَحِلُّ لِمُطَلَّقِهَا؟ قَالَ ابْنُ عُمَرَ: لَا، إلَّا بِنِكَاحِ رَغْبَةٍ، كُنَّا نَعُدُّهُ سِفَاحًا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمُرَادِيِّ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا مَرْزُوقٍ التُّجِيبِيَّ يَقُولُ: إنَّ رَجُلًا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا ثُمَّ نَدِمَا، وَكَانَ لَهُ جَارٌ فَأَرَادَ أَنْ يُحَلِّلَ بَيْنَهُمَا بِغَيْرِ عِلْمِهِمَا، فَسَأَلْت عَنْ ذَلِكَ عُثْمَانَ؟ فَقَالَ لَهُ عُثْمَانُ: لَا، إلَّا بِنِكَاحِ رَغْبَةٍ، غَيْرِ مُدَالَسَةٍ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُرَّةَ عَنْ الْحَارِثِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: آكِلُ الرِّبَا وَمُؤَكِّلُهُ وَشَاهِدَاهُ وَكَاتِبُهُ إذَا عَلِمُوا بِهِ، وَالْوَاصِلَةُ، وَالْمُسْتَوْصِلَةُ وَلَاوِي الصَّدَقَةِ، وَالْمُعْتَدِي، وَالْمُرْتَدُّ أَعْرَابِيًّا بَعْدَ هِجْرَتِهِ، وَالْمُحَلَّلُ لَهُ: مَلْعُونُونَ عَلَى لِسَانِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ الْقِيَامَةِ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ هُشَيْمٍ عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ عَنْ مَرْوَانَ الْأَصْفَرِ عَنْ أَبِي رَافِعٍ قَالَ: سُئِلَ عُثْمَانُ، وَعَلِيٌّ، وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ: عَنْ الْأَمَةِ، هَلْ يُحِلُّهَا سَيِّدُهَا لِزَوْجِهَا إذَا كَانَ لَا يُرِيدُ التَّحْلِيلَ؟ يَعْنِي: إذَا بَتَّ طَلَاقَهَا؟ فَقَالَ عُثْمَانُ، وَزَيْدٌ: نَعَمْ، فَقَامَ عَلِيٌّ غَضْبَانَ وَكَرِهَ قَوْلَهُمَا. وَعَنْ عَلِيٍّ: لُعِنَ الْمُحَلِّلُ وَالْمُحَلَّلُ لَهُ وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَمَعْمَرٍ، كِلَاهُمَا: عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ مَالِكِ بْنِ الْحَارِثِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ عَمَّنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ، كَيْفَ تَرَى فِي رَجُلٍ يُحِلُّهَا لَهُ؟ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مَنْ يُخَادِعْ اللَّهَ يَخْدَعْهُ. وَصَحَّ عَنْ قَتَادَةَ، وَالْحَسَنِ، وَالنَّخَعِيِّ، قَالُوا: إنْ نَوَى وَاحِدٌ مِنْ النَّاكِحِ، أَوْ الْمُنْكَحِ أَوْ الْمَرْأَةِ التَّحْلِيلَ، فَلَا يَصْلُحُ، فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لِلَّذِي طَلَّقَهَا، وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا - إذَا كَانَ نِكَاحُهُ عَلَى وَجْهِ التَّحْلِيلِ. وَرُوِيَ عَنْ الْحَسَنِ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ ذَلِكَ؟ فَقَالَ: اتَّقِ اللَّهَ وَلَا تَكُنْ مِسْمَارَ نَارٍ فِي حُدُودِ اللَّهِ - وَأَنَّهُ قَالَ: كَانَ الْمُسْلِمُونَ يَقُولُونَ: هُوَ التَّيْسُ الْمُسْتَعَارُ؟ وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: الْمُحَلِّلُ مَلْعُونٌ. وَرُوِيَ أَيْضًا عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَطَاوُسٍ. وَرُوِّينَا ذَلِكَ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ أَيْضًا. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نا هُشَيْمٌ أَنَا مُغِيرَةُ، وَيُونُسُ بْنُ عُبَيْدٍ، قَالَ مُغِيرَةُ عَنْ إبْرَاهِيمَ - وَقَالَ يُونُسُ عَنْ الْحَسَنِ ثُمَّ ذَكَرَهُ نَصًّا كَمَا أَوْرَدْنَاهُ. وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: إنْ تَزَوَّجَهَا لِيُحِلَّهَا لِلَّذِي طَلَّقَهَا فَأَعْجَبَتْهُ؟ قَالَ سُفْيَانُ: يُجَدِّدُ نِكَاحًا. وَقَالَ مَالِكٌ: إنْ نَوَى الزَّوْجُ الثَّانِي أَنْ يَتَزَوَّجَهَا لِيُحِلَّهَا لِلْأَوَّلِ؟ فَهُوَ نِكَاحٌ فَاسِدٌ مَفْسُوخٌ، وَلَهَا عَلَيْهِ الْمَهْرُ الَّذِي سُمِّيَ لَهَا، وَلَا تَحِلُّ بِوَطْئِهِ لِلْأَوَّلِ. وَذَهَبَ آخَرُونَ إلَى إجَازَةِ ذَلِكَ. كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ هِشَامٍ - هُوَ ابْنُ حَسَّانَ - عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، قَالَ: أَرْسَلَتْ امْرَأَةٌ إلَى رَجُلٍ فَزَوَّجَتْهُ نَفْسَهَا لِيُحِلَّهَا لِزَوْجِهَا؟ فَأَمَرَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أَنْ يُقِيمَ عَلَيْهَا، وَلَا يُطَلِّقَهَا، وَأَوْعَدَهُ أَنْ يُعَاقِبَهُ إنْ طَلَّقَهَا. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ كَانَ لَا يَرَى بَأْسًا بِالتَّحْلِيلِ إذَا لَمْ يَعْلَمْ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ بِهِ. وَقَالَ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ: إنْ تَزَوَّجَهَا ثُمَّ فَارَقَهَا لِتَرْجِعَ إلَى زَوْجِهَا وَلَمْ يَعْلَمْ الْمُطَلِّقُ وَلَا هِيَ بِذَلِكَ، وَإِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ مِنْهُ احْتِسَابًا؟ فَلَا بَأْسَ بِأَنْ تَرْجِعَ إلَى الْأَوَّلِ، فَإِنْ بَيَّنَ الثَّانِي ذَلِكَ لِلْأَوَّلِ بَعْدَ دُخُولِهِ بِهَا لَمْ يَضُرَّهُ ذَلِكَ. وَهُوَ قَوْلُ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، وَالْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ. وَصَحَّ عَنْ عَطَاءٍ فِيمَنْ نَكَحَ امْرَأَةً عَامِدًا مُحَلِّلًا ثُمَّ رَغِبَ فِيهَا فَأَمْسَكَهَا؟ قَالَ: لَا بَأْسَ بِذَلِكَ: وَرُوِّينَا عَنْ الشَّعْبِيِّ: لَا بَأْسَ بِالتَّحْلِيلِ إذَا لَمْ يَأْمُرْ بِهِ الزَّوْجُ. وَبِهِ يَقُولُ الشَّافِعِيُّ، وَأَبُو ثَوْرٍ، قَالَا جَمِيعًا: الْمُحَلِّلُ - الَّذِي يَفْسُدُ نِكَاحُهُ - هُوَ الَّذِي يَعْقِدُ عَلَيْهِ فِي نَفْسِ عَقْدِ النِّكَاحِ أَنَّهُ إنَّمَا يَتَزَوَّجُهَا لِيُحِلَّهَا ثُمَّ يُطَلِّقَهَا فَأَمَّا مَنْ لَمْ يَشْتَرِطْ ذَلِكَ عَلَيْهِ فِي عَقْدِ النِّكَاحِ فَهُوَ عَقْدٌ صَحِيحٌ لَا دَاخِلَةَ فِيهِ، سَوَاءٌ شَرَطَ ذَلِكَ عَلَيْهِ قَبْلَ الْعَقْدِ أَوْ لَمْ يَشْتَرِطْ - نَوَى ذَلِكَ فِي نَفْسِهِ أَوْ لَمْ يَنْوِهِ؟ - قَالَ أَبُو ثَوْرٍ: وَهُوَ مَأْجُورٌ. وَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ، وَأَصْحَابُهُ -: فَرَوَى بِشْرُ بْنُ الْوَلِيدِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ مِثْلَ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ سَوَاءً سَوَاءً. وَرُوِيَ أَيْضًا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ: أَنَّهُ إذَا نَوَى الثَّانِي تَحْلِيلَهَا لِلْأَوَّلِ لَمْ تَحِلَّ لَهُ بِذَلِكَ. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٍ. وَرُوِيَ عَنْ زُفَرَ بْنِ الْهُذَيْلِ، وَأَبِي حَنِيفَةَ: أَنَّهُ وَإِنْ اشْتَرَطَ عَلَيْهِ فِي نَفْسِ الْعَقْدِ أَنَّهُ إنَّمَا يَتَزَوَّجُهَا لِيُحِلَّهَا لِلْأَوَّلِ، فَإِنَّهُ نِكَاحٌ صَحِيحٌ، وَيُحْصَنَانِ بِهِ وَيَبْطُلُ الشَّرْطُ، وَلَهُ أَنْ يُمْسِكَهَا، فَإِنْ طَلَّقَهَا حَلَّتْ لِلْأَوَّلِ. وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ زُفَرَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: أَمَّا احْتِجَاجُ الْمَالِكِيِّينَ بِمَنْ ذَكَرْنَا مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فَهُوَ كُلُّهُ عَلَيْهِمْ لَا لَهُمْ. أَمَّا عُمَرُ - فَلَمْ يَأْتِ عَنْهُ بَيَانُ مَنْ هُوَ الْمُحَلِّلُ الْمَلْعُونُ الَّذِي يَسْتَحِقُّ الرَّجْمَ فَلَيْسُوا أَوْلَى بِهِ مِنْ غَيْرِهِمْ ثُمَّ قَدْ خَالَفُوا عُمَرَ فِي ذَلِكَ فَلَا يَرَوْنَ فِيهِ الرَّجْمَ. ثُمَّ قَدْ أَوْرَدْنَا عَنْ عُمَرَ إجَازَةَ طَلَاقِ الْمُحَلِّلِ - فَبَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ بِهِ. وَكَذَلِكَ الرِّوَايَةُ عَنْ عَلِيٍّ، وَابْنِ مَسْعُودٍ لَيْسَ فِيهَا " عَنْهُمَا " أَيْ الْمُحَلِّلِينَ هُوَ الْمَلْعُونُ؟ وَنَحْنُ نَقُولُ: إنَّ الْمَلْعُونَ هُوَ الَّذِي يَعْقِدُ نِكَاحَهُ مُعْلِنًا بِذَلِكَ فَقَطْ. وَأَمَّا عُثْمَانُ، وَزَيْدٌ - فَهُمْ مُخَالِفُونَ لَهُمَا فِي تِلْكَ الْفُتْيَا بِعَيَنِهَا فِي أَنَّ وَطْءَ السَّيِّدِ بِمِلْكِ الْيَمِينِ يُحَلِّلُهَا لِلَّذِي بَتَّهَا، وَمِنْ الْبَاطِلِ أَنْ يُحْتَجَّ بِقَوْلِهِمْ فِي مَوْضِعٍ وَلَا يُحْتَجَّ بِهِ فِي آخَرَ - هَذَا تَلَاعُبٌ بِالدِّينِ. وَأَمَّا ابْنُ عُمَرَ - فَقَدْ خَالَفُوهُ فِي أَنَّهُ زِنًى. وَأَمَّا ابْنُ عَبَّاسٍ فَلَيْسَ عَنْهُ بَيَانُ أَنَّ النِّكَاحَ فَاسِدٌ، وَلَا أَنَّهَا لَا تَحِلُّ بِهِ، وَكَمْ قَضِيَّةٍ خَالَفُوا فِيهَا ابْنَ عَبَّاسٍ؟ مَعَ أَنَّهُ لَا حُجَّةَ فِي أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -. وَأَمَّا الْخَبَرُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَنَّهُ «لَعَنَ الْمُحَلِّلَ وَالْمُحَلَّلَ لَهُ» ، فَنَعَمْ، كُلُّ مَا قَالَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَهُوَ حَقٌّ، إلَّا أَنَّنَا وَجَمِيعُ خُصُومِنَا لَا نَخْتَلِفُ فِي أَنَّ هَذَا اللَّفْظَ مِنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَيْسَ عُمُومًا لِكُلِّ مُحَلٍّ، وَلِكُلِّ مُحَلَّلٍ لَهُ، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ - وَأَعُوذُ بِاَللَّهِ، وَقَدْ أَعَاذَنَا اللَّهُ تَعَالَى مِنْ ذَلِكَ - لَلَعَنَ كُلَّ وَاهِبٍ وَكُلَّ مَوْهُوبٍ لَهُ، وَكُلَّ بَائِعٍ وَكُلَّ مُبْتَاعٍ لَهُ، وَكُلَّ نَاكِحٍ وَكُلَّ مُنْكَحٍ، لِأَنَّ هَؤُلَاءِ كُلُّهُمْ مُحِلُّونَ لِشَيْءٍ كَانَ حَرَامًا وَمُحَلَّلٌ لَهُمْ أَشْيَاءُ كَانَتْ حَرَامًا عَلَيْهِمْ، هَذَا مَا لَا شَكَّ فِيهِ. فَصَحَّ يَقِينًا أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إنَّمَا أَرَادَ بَعْضَ الْمُحِلِّينَ وَبَعْضَ الْمُحَلَّلِ لَهُمْ، فَإِذًا هَذَا كَالشَّمْسِ وُضُوحًا وَيَقِينًا لَا يُمْكِنُ سِوَاهُ فَلَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَنْسِبَ إلَيْهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنَّهُ أَرَادَ أَمْرَ كَذَا إلَّا بِيَقِينٍ مِنْ نَصٍّ وَارِدٍ لَا شَكَّ فِيهِ، وَإِلَّا فَهُوَ كَاذِبٌ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمُقَوِّلٌ لَهُ مَا لَمْ يَقُلْهُ، وَمُخْبِرٌ عَنْهُ بِالْبَاطِلِ، فَإِذَا هَذَا كُلُّهُ يَقِينٌ فَالْمُحِلُّ الْمَلْعُونُ، وَالْمُحَلَّلُ لَهُ كَذَلِكَ: إنَّمَا هُمَا بِلَا شَكٍّ مَنْ أَحَلَّ حَرَامًا لِغَيْرِهِ بِلَا نَصٍّ. ثُمَّ نَظَرْنَا -: هَلْ يَدْخُلُ فِي ذَلِكَ مَنْ تَزَوَّجَ وَفِي نِيَّتِهِ أَنْ يُحِلَّهَا لِمُطَلِّقِهَا ثَلَاثًا، أَمْ لَا يَدْخُلُ؟ فَوَجَدْنَا كُلَّ مَنْ يَتَزَوَّجُ مُطَلَّقَةً ثَلَاثًا فَإِنَّهُ بِوَطْئِهِ لَهَا مُحِلٌّ وَالْمُطَلِّقُ مُحَلَّلٌ لَهُ - نَوَى ذَلِكَ أَوْ لَمْ يَنْوِهِ - فَبَطَلَ أَنْ يَكُونَ دَاخِلًا فِي هَذَا الْوَعِيدِ، لِأَنَّهُ حَتَّى إنْ اشْتَرَطَ ذَلِكَ عَلَيْهِ قَبْلَ الْعَقْدِ فَهُوَ لَغْوٌ مِنْ الْقَوْلِ وَلَمْ يَنْعَقِدْ النِّكَاحُ إلَّا صَحِيحًا بَرِيًّا مِنْ كُلِّ شَرْطٍ، بَلْ كَمَا أَمَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ؛ وَأَمَّا بِنِيَّتِهِ لِذَلِكَ -: فَقَدْ قُلْنَا فِيهَا الْآنَ مَا كَفَى. وَالْعَجَبُ - أَنَّ الْمُخَالِفِينَ لَنَا يَقُولُونَ فِيمَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً وَفِي نِيَّتِهِ أَنْ لَا يُمْسِكَهَا إلَّا شَهْرًا ثُمَّ يُطَلِّقَهَا، إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ ذَلِكَ فِي عَقْدِ النِّكَاحِ، فَإِنَّهُ نِكَاحٌ صَحِيحٌ لَا دَاخِلَةَ فِيهِ، وَهُوَ مُخَيَّرٌ إنْ شَاءَ طَلَّقَهَا وَإِنْ شَاءَ أَمْسَكَهَا، وَأَنَّهُ لَوْ ذَكَرَ ذَلِكَ فِي نَفْسِ الْعَقْدِ لَكَانَ عَقْدًا فَاسِدًا مَفْسُوخًا - فَأَيُّ فَرْقٍ بَيْنَ مَا أَجَازُوهُ، وَبَيْنَ مَا مَنَعُوا مِنْهُ، وَلَيْسَ هَذَا قِيَاسًا لِأَحَدِ النَّاكِحِينَ عَلَى صَاحِبِهِ، لَكِنَّهُ كُلُّهُ بَابٌ وَاحِدٌ يُبَيِّنُ حُكْمَهُ قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الَّذِي قَدْ ذَكَرْنَاهُ بِإِسْنَادِهِ: «عُفِيَ لِأُمَّتِي عَمَّا حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسَهَا» مَا لَمْ يَخْرُجْ ذَلِكَ بِقَوْلٍ أَوْ عَمَلٍ - لَا سِيَّمَا وَقَدْ جَاءَ فِي ذَلِكَ الْخَبَرُ الثَّابِتُ «عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مِنْ قَوْلِهِ لِلَّتِي طَلَّقَهَا رِفَاعَةُ الْقُرَظِيّ وَتَزَوَّجَهَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الزُّبَيْرِ أَتُرِيدِينَ أَنْ تَرْجِعِي إلَى رِفَاعَةَ؟ لَا، حَتَّى يَذُوقَ عُسَيْلَتَكِ وَتَذُوقِي عُسَيْلَتَهُ» أَوْ كَمَا قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -. فَلَمْ يَجْعَلْ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إرَادَتَهَا الرُّجُوعَ إلَى الَّذِي طَلَّقَهَا ثَلَاثًا مَانِعًا مِنْ رُجُوعِهَا إذَا وَطِئَهَا الثَّانِي - فَصَحَّ بِذَلِكَ قَوْلُنَا، وَبَقِيَ قَوْلُهُمْ وَتَأْوِيلُهُمْ عَارِيًّا مِنْ كُلِّ بُرْهَانٍ وَدَعْوَى لَا حُجَّةَ عَلَى صِحَّتِهَا. وَصَحَّ أَنَّ الْمُحَلِّلَ الْمَلْعُونَ هُوَ الَّذِي يَتَزَوَّجُهَا بِبَيَانِ أَنَّهُ إنَّمَا يَتَزَوَّجُهَا لِيُحِلَّهَا ثُمَّ يُطَلِّقَهَا، وَيَعْقِدَانِ النِّكَاحَ عَلَى هَذَا - فَهَذَا حَرَامٌ مَفْسُوخٌ أَبَدًا، لِأَنَّهُمَا تَشَارَطَا شَرْطًا يَلْتَزِمَانِهِ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى إبَاحَةُ الْتِزَامِهِ، وَقَدْ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «كُلُّ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ» . وَصَحَّ أَنَّ كُلَّ عَقْدِ نِكَاحٍ أَوْ غَيْرِهِ عُقِدَ عَلَى أَنْ لَا صِحَّةَ لَهُ إلَّا بِصِحَّةِ مَا لَا صِحَّةَ لَهُ فَهُوَ بَاطِلٌ لَا صِحَّةَ لَهُ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى نَتَأَيَّدُ. فَإِنْ ذَكَرُوا -: مَا حَدَّثَنَاهُ أَحْمَدُ بْنُ قَاسِمٍ نا أَبِي قَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ قَاسِمٍ نا جَدِّي قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ نا إسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ نا إِسْحَاقُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْفَرْوِيُّ نا جَدِّي قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ نا إسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ نا إِسْحَاقُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْفَرْوِيُّ نا إبْرَاهِيمُ بْنُ إسْمَاعِيلَ الْفَرْوِيُّ عَنْ دَاوُد حَدَّثَنِي عِكْرِمَةُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُئِلَ عَنْ الْمُحَلِّلِ فَقَالَ لَا نِكَاحَ إلَّا نِكَاحَ رَغْبَةٍ، لَا نِكَاحَ إلَّا نِكَاحَ رَغْبَةٍ، لَا نِكَاحَ دُلْسَةٍ، وَلَا مُسْتَهْزِئٍ بِكِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى، ثُمَّ تَذُوقَ الْعُسَيْلَةَ» . فَهَذَا حَدِيثٌ مَوْضُوعٌ، لِأَنَّ إِسْحَاقَ بْنَ مُحَمَّدٍ الْفَرْوِيَّ ضَعِيفٌ جِدًّا مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ - ثُمَّ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ إسْمَاعِيلَ - وَهُوَ بِلَا شَكٍّ أَمَّا ابْنُ مُجَمِّعٍ، وَأَمَّا ابْنُ أَبِي حَبِيبَةَ - كِلَاهُمَا أَنْصَارِيٌّ مَدَنِيٌّ ضَعِيفٌ - لَا يُحْتَجُّ بِهِمَا. ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَمْ يَكُنْ فِيهِ عَلَيْنَا حُجَّةٌ، لِأَنَّهُمْ لَا يَأْتُونَنَا بِأَيِّ الْمُحَلِّلِينَ أَرَادَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَقَدْ بَيَّنَّا قِيلَ: إنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمْ يُرِدْ كُلَّ مُحَلِّلٍ، وَإِنَّمَا فِي هَذَا الْخَبَرِ أَنَّهُ لَا نِكَاحَ إلَّا نِكَاحَ رَغْبَةٍ وَهَذَا نِكَاحُ رَغْبَةٍ فِي تَحْلِيلِهَا لِلْمُسْلِمِ كَمَا أَمَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ}[البقرة: 230] وَهُوَ زَوْجٌ غَيْرُهُ بِلَا شَكٍّ. وَكَمَا بَيَّنَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «حَتَّى يَذُوقَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عُسَيْلَةَ الْآخَرِ فَهُوَ إذَا وَطِئَهَا قَدْ ذَاقَ كُلُّ وَاحِدٍ عُسَيْلَةَ الْآخَرِ» . وَفِيهِ: لَا نِكَاحَ دُلْسَةٍ وَلَيْسَ هَذَا نِكَاحَ دُلْسَةٍ - إنَّمَا الدُّلْسَةُ: أَنْ يُدَلِّسَ لَهُ بِغَيْرِ الَّتِي تَزَوَّجَ أَوْ الَّذِي يَتَزَوَّجُ، لَا رَغْبَةً فِي نِكَاحٍ، لَكِنْ لِيَضُرَّ بِهَا فِي نَفْسِهَا أَوْ مَالِهَا، وَهُمْ يُبِيحُونَ نِكَاحَ مَنْ لَا تُنْكَحُ إلَّا لِمَالِهَا أَوْ لِحَسَبِهَا أَوْ لِوَجَاهَةِ أَبِيهَا أَوْ أَخِيهَا، لَا رَغْبَةً فِيهَا، وَهَذَا تَنَاقُضٌ مِنْهُمْ. وَفِيهِ: وَلَا مُسْتَهْزِئَ بِكِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ - وَهَذَانِ لَيْسَ مِنْهُمْ أَحَدٌ مُسْتَهْزِئًا بِكِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، بَلْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ طَائِعٌ لِكِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، عَامِلُونَ بِهِ مُمْتَنِعُونَ مِنْ خِلَافِهِ، إذْ قَصَدُوا مَا لَا يَحِلُّ لَهُ مُرَاجَعَتُهَا إلَّا بِمَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ، إنَّمَا الْمُسْتَهْزِئُ بِكِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مَنْ يُخَالِفُ مَا فِيهِ، أَوْ لَوْ تَزَوَّجَهَا قَبْلَ زَوْجٍ -. فَصَحَّ أَنَّ هَذَا الْخَبَرَ - عَلَى سُقُوطِهِ - عَلَيْهِمْ لَا لَهُمْ. وَخَبَرٌ آخَرُ -: رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ وَمَعْمَرٍ أَنَّ ابْنَ شِهَابٍ أَخْبَرَهُمَا عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهَا أَخْبَرَتْهُ بِخَبَرِ امْرَأَةِ رِفَاعَةَ الْقُرَظِيِّ إذْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا، وَذِكْرِهَا لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ لَيْسَ مَعَهُ إلَّا مِثْلُ هُدْبَةٍ مِنْ ثَوْبِهَا - وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «تُرِيدِينَ أَنْ تَرْجِعِي إلَى رِفَاعَةَ؟ لَا، حَتَّى تَذُوقِي عُسَيْلَتَهُ وَيَذُوقَ عُسَيْلَتَكِ» . ثُمَّ رُوِّينَا عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهَا قَالَتْ: «أَتَتْ امْرَأَةٌ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَعَقَدَتْ، ثُمَّ جَاءَتْهُ بَعْدُ فَأَخْبَرَتْهُ: أَنَّهُ قَدْ مَسَّهَا، فَمَنَعَهَا أَنْ تَرْجِعَ إلَى زَوْجِهَا الْأَوَّلِ، وَقَالَ: اللَّهُمَّ إنْ كَانَ إنَّمَا بِهَا أَنْ يُحِلَّهَا لِرِفَاعَةِ لَا يَتِمُّ لَهُ نِكَاحُهَا مَرَّةً أُخْرَى» ، ثُمَّ أَتَتْ أَبَا بَكْرٍ، وَعُمَرَ فِي خِلَافَتِهِمَا فَمَنَعَاهَا. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَهَذِهِ حُجَّةٌ قَاطِعَةٌ لَنَا عَلَيْهِمْ، لِأَنَّ فِيهِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُبْطِلْ نِكَاحَهَا لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ مَعَ تَقْدِيرِهِ أَنَّهُ إنَّمَا يُرِيدُ إحْلَالَهَا لِرِفَاعَةِ، لَكِنْ لَمَّا أَنْكَرَتْ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ وَطِئَهَا، ثُمَّ لَمَّا عَلِمَتْ أَنَّهَا لَا تَحِلُّ لَهُ إلَّا بَعْدَ أَنْ يَطَأَهَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ رَجَعَتْ عَنْ ذَلِكَ الْإِنْكَارِ، وَأَقَرَّتْ بِأَنَّهُ وَطِئَهَا. وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «إنْ كَانَ إنَّمَا بِهَا أَنْ يُحِلَّهَا لِرِفَاعَةِ فَلَا يَتِمُّ لَهُ نِكَاحُهَا مَرَّةً أُخْرَى» ، إنَّمَا هُوَ بِلَا شَكٍّ أَنَّهُ لَا يَتِمُّ لِرِفَاعَةِ نِكَاحُهَا مَرَّةً أُخْرَى. وَالْمَالِكِيُّونَ لَا يَخْتَلِفُونَ إذَا لَمْ تَكُنْ نِيَّةُ الزَّوْجِ الثَّانِي إحْلَالَهَا لِلْأَوَّلِ وَكَانَتْ هِيَ لَمْ تَنْوِ قَطُّ بِزَوَاجِهَا إيَّاهُ إلَّا لِتَحْلِيلِهَا لِلْأَوَّلِ، فَإِنَّهَا تَحِلُّ بِذَلِكَ الْعَقْدِ وَبِالْوَطْءِ فِيهِ - وَهَذَا خِلَافٌ لِهَذَا الْخَبَرِ بِيَقِينٍ. وَإِنَّمَا فِي هَذَا الْخَبَرِ: أَنَّهَا لَا تُصَدَّقُ إذَا أَنْكَرَتْ مَسَّ الثَّانِي لَهَا، ثُمَّ عَلِمَتْ أَنَّهَا لَا تَحِلُّ لَهُ إلَّا بِوَطْئِهِ إيَّاهَا، فَأَقَرَّتْ بِأَنَّهُ وَطِئَهَا - وَبِهَذَا نَقُولُ: إنَّهَا لَا تُصَدَّقُ، إلَّا حَتَّى يَجْتَمِعَ إقْرَارُهَا وَإِقْرَارُ الزَّوْجِ بِالْوَطْءِ، أَوْ تَقُومَ بِوَطْئِهِ لَهَا بَيِّنَةٌ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَلَوْ أَخَذَ لِذَلِكَ أُجْرَةً فَهِيَ أُجْرَةٌ حَرَامٌ، فُرِضَ رَدُّهَا. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَمَا نَعْلَمُ لِمَنْ خَالَفَ قَوْلَنَا حُجَّةً أَصْلًا، لَا مِنْ قُرْآنٍ، وَلَا سُنَّةٍ صَحِيحَةٍ وَلَا سَقِيمَةٍ، وَلَا قِيَاسٍ - وَلَا سِيَّمَا قَوْلُ مَالِكٍ الَّذِي خَصَّ نِيَّةَ الزَّوْجِ الثَّانِي دُونَ نِيَّتِهَا، وَدُونَ نِيَّةِ الْمُطَلِّقِ.

٨:٠٤ م

٨ مسالة الفاظ الطلاق 1952 - مَسْأَلَةٌ: لَا يَقَعُ طَلَاقٌ إلَّا بِلَفْظٍ مِنْ أَحَدِ ثَلَاثَةِ أَلْفَاظٍ: إمَّا الطَّلَاقُ، وَإِمَّا السَّرَاحُ، وَإِمَّا الْفِرَاقُ. مِثْلَ أَنْ يَقُولَ: أَنْتِ طَالِقٌ، أَوْ يَقُولَ: مُطَلَّقَةٌ، أَوْ قَدْ طَلَّقْتُك - أَوْ أَنْتِ طَالِقَةٌ، أَوْ أَنْتِ الطَّلَاقُ - أَوْ أَنْتِ مُسَرَّحَةٌ، أَوْ قَدْ سَرَحْتُك، أَوْ أَنْتِ السَّرَاحُ - أَوْ أَنْتِ مُفَارَقَةٌ، أَوْ قَدْ فَارَقْتُك، أَوْ أَنْتِ الْفِرَاقُ. هَذَا كُلُّهُ إذَا نَوَى بِهِ الطَّلَاقَ، فَإِنْ قَالَ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ: لَمْ أَنْوِ الطَّلَاقَ، صُدِّقَ فِي الْفُتْيَا، وَلَمْ يُصَدَّقْ فِي الْقَضَاءِ فِي الطَّلَاقِ، وَمَا تَصَرَّفَ مِنْهُ، وَصُدِّقَ فِي سَائِرِ ذَلِكَ فِي الْقَضَاءِ أَيْضًا. بُرْهَانُ ذَلِكَ: قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ}[الأحزاب: 49] وقَوْله تَعَالَى: {فَطَلِّقُوهُنَّ}[الطلاق: 1] ، {وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ}[البقرة: 241] وقَوْله تَعَالَى: {وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلا}[الأحزاب: 49] . وقَوْله تَعَالَى: {فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ}[البقرة: 229] . وقَوْله تَعَالَى: {فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ}[الطلاق: 2] . {وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلا مِنْ سَعَتِهِ}[النساء: 130] . لَمْ يَذْكُرْ اللَّهُ تَعَالَى حِلَّ الزَّوْجِ لِلزَّوْجَةِ إلَّا بِهَذِهِ الْأَلْفَاظِ، فَلَا يَجُوزُ حَلُّ عُقْدَةٍ عُقِدَتْ بِكَلِمَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَّا بِمَا نَصَّ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْهِ: {وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ}[الطلاق: 1] . وَأَمَّا قَوْلُنَا: إنْ نَوَى مَعَ ذَلِكَ الطَّلَاقَ - فَلِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - «إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَلِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى» . وَأَمَّا تَفْرِيقُنَا بَيْنَ أَلْفَاظِ الطَّلَاقِ، فَلَمْ يُوجِبْ أَنْ يُرَاعَى قَوْلُهُ فِيهَا: لَمْ أَنْوِ الطَّلَاقَ فِي الْقَضَاءِ خَاصَّةً - وَرَاعَيْنَا ذَلِكَ فِي أَلْفَاظِ " السَّرَاحِ، وَالْفِرَاقِ " فَلِأَنَّ لَفْظَةَ " الطَّلَاقِ " وَمَا تَصَرَّفَ مِنْهَا لَا يَقَعُ فِي اللُّغَةِ الَّتِي خَاطَبَنَا اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - بِهَا فِي أَحْكَامِ الشَّرِيعَةِ إلَّا عَلَى عَقْدِ الزَّوَاجِ فَقَطْ، لَا مَعْنًى آخَرَ أَلْبَتَّةَ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُصَدَّقَ فِي دَعْوَاهُ فِي حُكْمٍ قَدْ ثَبَتَ بِالْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ وَفِي إسْقَاطِ حُقُوقٍ وَجَبَتْ يَقِينًا لِلْمَرْأَةِ بِالطَّلَاقِ قَبْلَهُ. وَرَاعَيْنَا دَعْوَاهُ تِلْكَ فِي الْفُتْيَا، لِأَنَّهُ قَدْ يُرِيدُ لَفْظًا آخَرَ فَيَسْبِقَهُ لِسَانُهُ إلَى مَا لَمْ يُرِدْهُ، فَإِذَا لَمْ يُعْرَفْ ذَلِكَ إلَّا بِقَوْلِهِ، فَقَوْلُهُ كُلُّهُ مَقْبُولٌ لَا يَجُوزُ أَخْذُ بَعْضِهِ وَإِسْقَاطُ بَعْضِهِ. وَأَمَّا " السَّرَاحُ، وَالْفِرَاقُ " فَإِنَّهُمَا تَقَعُ فِي اللُّغَةِ الَّتِي بِهَا خَاطَبَنَا اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - فِي شَرَائِعِهِ عَلَى حَلِّ عَقْدِ النِّكَاحِ، وَعَلَى مَعَانٍ أُخَرَ وُقُوعًا مُسْتَوِيًا لَيْسَ مَعْنًى مِنْ تِلْكَ الْمَعَانِي أَحَقَّ بِتِلْكَ اللَّفْظَةِ مِنْ سَائِرِ تِلْكَ الْمَعَانِي، فَيَكُونُ: أَنْتِ مُسَرَّحَةٌ، أَيْ: أَنْتِ مُسَرَّحَةٌ لِلْخُرُوجِ إذَا شِئْت، وَبِقَوْلِهِ قَدْ فَارَقْتُك، وَأَنْتِ مُفَارَقَةٌ، فِي شَيْءٍ مِمَّا بَيْنَهُمَا مَا لَمْ تُوَافِقْهُ فِيهِ. فَلَمَّا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَحْكُمَ بِحِلِّ عَقْدٍ صَحِيحٍ بِكَلِمَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بِغَيْرِ يَقِينِ مَا يُوجِبُ حِلَّهَا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

٨:٠٤ م

٩ مسالة الالفاظ التي لا يقع بها الطلاق مَسْأَلَةٌ: وَمَا عَدَا هَذِهِ الْأَلْفَاظُ فَلَا يَقَعُ بِهَا طَلَاقٌ أَلْبَتَّةَ - نَوَى بِهَا طَلَاقًا أَوْ لَمْ يَنْوِ - لَا فِي فُتْيَا وَلَا فِي قَضَاءٍ -: مِثْلُ: الْخَلِيَّةِ، وَالْبَرِيَّةِ، وَأَنْتِ مُبَرَّأَةٌ، وَقَدْ بَارَأْتُك، وَحَبْلُك عَلَى غَارِبِك، وَالْحَرَجُ، وَقَدْ وَهَبْتُك لِأَهْلِك، أَوْ لِمَنْ يَذْكُرُ غَيْرَ الْأَهْلِ، وَالتَّحْرِيمُ، وَالتَّخْيِيرُ، وَالتَّمْلِيكُ. وَهَذِهِ أَلْفَاظٌ جَاءَتْ فِيهَا آثَارٌ مُخْتَلِفَةُ الْفُتْيَا عَنْ نَفَرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَلَمْ يَأْتِ فِيهَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَيْءٌ أَصْلًا، وَلَا حُجَّةَ فِي كَلَامِ غَيْرِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، لَا سِيَّمَا فِي أَقْوَالٍ مُخْتَلِفَةٍ لَيْسَ بَعْضُهَا أَوْلَى مِنْ بَعْضٍ. فَأَمَّا - التَّحْرِيمُ، وَالتَّخْيِيرُ، وَالتَّمْلِيكُ، وَقَدْ وَهَبْتُك - فَقَدْ ذَكَرْنَاهَا قَبْلُ وَنَذْكُرُ هَهُنَا - إنْ شَاءَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ - مَا يُسِّرَ لَنَا مِنْ أَقْوَالِ السَّلَفِ فِي سَائِرِ الْأَلْفَاظِ الَّتِي لَمْ نَذْكُرْهَا قَبْلُ. هَهُنَا أَيْضًا أَلْفَاظٌ جَاءَتْ فِيهَا آثَارٌ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهِيَ: الْبَائِنُ، وَأَلْبَتَّةَ، وَاعْتَدِّي، وَأَلْحِقِي بِأَهْلِك وَأَمْرُك بِيَدِك. فَأَمَّا أَمْرُك بِيَدِك فَقَدْ ذَكَرْنَاهُ قَبْلُ فَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ الْآثَارِ الَّتِي جَاءَتْ فِي سَائِرِ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ وَبَيَانِ حُكْمِهَا - إنْ شَاءَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ -. هَهُنَا أَيْضًا أَلْفَاظٌ لَمْ يَأْتِ فِي شَيْءٍ مِنْهَا أَثَرٌ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا صَحِيحٌ وَلَا سَقِيمٌ، وَلَا عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَلَكِنْ جَاءَتْ فِيهَا فَتَاوَى مُخْتَلِفَةٌ عَنْ نَفَرٍ مِنْ التَّابِعِينَ، فَنَذْكُرُ - إنْ شَاءَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ - مِنْ ذَلِكَ مَا يَسَّرَ اللَّهُ تَعَالَى لَنَا ذِكْرُهُ. وَأَمَّا الْأَلْفَاظُ الَّتِي لَمْ يَأْتِ فِيهَا أَثَرٌ لَا عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَلَا عَنْ أَحَدٍ مِنْ التَّابِعِينَ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - وَإِنَّمَا جَاءَتْ فِيهَا فَتَاوَى عَنْ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ بِآرَائِهِمْ، فَلَا مَعْنَى لِلِاشْتِغَالِ بِهَا، لِأَنَّهُ لَا يَسْتَحِلُّ تَفْرِيقُ نِكَاحِ مُسْلِمٍ، وَإِبَاحَةُ فَرْجِ مُسْلِمَةٍ لِغَيْرِ مَنْ أَبَاحَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ إلَّا مُقَلِّدٌ ضَالٌّ بِتَقْلِيدِهِ، مُسْتَهْلِكٌ هَالِكٌ - وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الْخِذْلَانِ.

٨:٠٥ م

١٠ مسالة الفاظ الطلاق التي جاءت فيها عن رسول 1954 - مَسْأَلَةٌ: فِي الْأَلْفَاظِ الَّتِي جَاءَتْ فِيهَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهِيَ الْحَقِي بِأَهْلِك وَاعْتَدِّي، وَأَلْبَتَّةَ، وَالْبَائِنُ فَأَمَّا الْحَقِي بِأَهْلِك - فَكَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ ثنا الْحُمَيْدِيُّ ثنا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي الزُّهْرِيُّ أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ «أَنْ ابْنَةَ الْجَوْنِ لَمَّا أُدْخِلَتْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - وَدَنَا مِنْهَا قَالَتْ: أَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْكَ؟ قَالَ لَهَا: لَقَدْ عُذْتِ بِعَظِيمٍ، الْحَقِي بِأَهْلِكِ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَلَيْسَ فِي هَذَا الْخَبَرِ حُجَّةٌ لِمَنْ ادَّعَى أَنَّ " الْحَقِي بِأَهْلِك " لَفْظٌ يَقَعُ بِهِ الطَّلَاقُ -: لِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ نا أَبُو نُعَيْمٍ - هُوَ الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ - نا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْغَسِيلِ عَنْ حَمْزَةَ بْنِ أَبِي أُسَيْدَ عَنْ أَبِيهِ: «أَنَّهُ كَانَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - وَقَدْ أُوتِيَ بِالْجُونِيَّةِ فَأُنْزِلَتْ فِي بَيْتِ أُمَيْمَةَ بِنْتِ النُّعْمَانِ بْنِ شَرَاحِيلَ فِي نَخْلٍ وَمَعَهَا دَابَّتُهَا فَدَخَلَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَلَيْهَا فَقَالَ لَهَا: هَبِي لِي نَفْسَكِ؟ قَالَتْ: وَهَلْ تَهَبُ الْمَلِكَةُ نَفْسَهَا لِسُوقَةٍ؟ فَأَهْوَى لِيَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهَا لِتَسْكُنَ فَقَالَتْ: أَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْكَ، فَقَالَ: قَدْ عُذْتِ بِمَعَاذٍ، ثُمَّ خَرَجَ فَقَالَ: يَا أَبَا أُسَيْدَ اُكْسُهَا رَازِقِيَّتَيْنِ وَأَلْحِقْهَا بِأَهْلِهَا» . وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَهْلٍ نا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ - هُوَ سَعِيدٌ - نَا مُحَمَّدٌ - هُوَ ابْنُ مُطَرِّفٍ أَبُو غَسَّانَ - أَخْبَرَنِي أَبُو حَازِمٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: «ذُكِرَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - امْرَأَةٌ مِنْ الْعَرَبِ فَأَمَرَ أَبَا أُسَيْدَ أَنْ يُرْسِلَ إلَيْهَا: فَأَرْسَلَ إلَيْهَا، فَقَدِمَتْ فَنَزَلَتْ فِي أَجَمِ بَنِي سَاعِدَةَ، فَدَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَمَّا كَلَّمَهَا قَالَتْ: أَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْكَ؟ قَالَ: قَدْ أَعَذْتُكِ مِنِّي، فَقَالُوا لَهَا: أَتَدْرِينَ مَنْ هَذَا؟ قَالَتْ: لَا، قَالُوا: هَذَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَاءَكِ لِيَخْطُبكِ؟ قَالَتْ: أَنَا كُنْتُ أَشْقَى مِنْ ذَلِكَ» . فَهَذِهِ كُلُّهَا أَخْبَارٌ عَنْ قِصَّةٍ وَاحِدَةٍ، فِي امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ، فِي مَقَامٍ وَاحِدٍ، فَلَاحَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمْ يَكُنْ تَزَوَّجَهَا بَعْدُ، وَإِنَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا لِيَخْطُبَهَا. فَبَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: الْحَقِي بِأَهْلِك. ثُمَّ لَوْ صَحَّ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ قَدْ تَزَوَّجَهَا فَلَيْسَ فِيهِ: أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - ذَكَرَ أَنَّهُ إنَّمَا طَلَّقَهَا بِقَوْلِهِ الْحَقِي بِأَهْلِك؟ وَلَا تَحِلُّ النِّكَاحَاتُ الصِّحَاحُ إلَّا بِيَقِينٍ. وَقَدْ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ نا سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُد نا ابْنُ وَهْبٍ عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ قَالَ: قَالَ ابْنُ شِهَابٍ أَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ كَعْبٍ قَالَ: «سَمِعْتُ كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ يُحَدِّثُ حَدِيثَ تَخَلُّفِهِ عَنْ تَبُوكَ، فَذَكَرَ فِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - أَرْسَلَ إلَيْهِ يَأْمُرُهُ أَنْ يَعْتَزِلَ امْرَأَتَهُ؟ قَالَ: فَقُلْتُ لِرَسُولِهِ: أُطَلِّقُهَا أَمْ مَاذَا أَفْعَلُ؟ قَالَ: لَا، بَلْ اعْتَزِلْهَا فَلَا تَقْرَبْهَا؟ قَالَ كَعْبٌ فَقُلْت لِامْرَأَتِي: الْحَقِي بِأَهْلِكِ فَكُونِي فِيهِمْ حَتَّى يَقْضِيَ اللَّهُ فِي هَذَا الْأَمْرِ» . فَهَذَا كَعْبٌ لَمْ يَرَ " الْحَقِي بِأَهْلِك " مِنْ أَلْفَاظِ الطَّلَاقِ، وَلَا يُعْرَفُ لَهُ مُخَالِفٌ فِي ذَلِكَ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. وَرُوِّينَا عَنْ قَتَادَةَ أَيْضًا: أَنَّهُ لَيْسَ ذَلِكَ شَيْءٌ. وَجَاءَتْ عَنْ التَّابِعِينَ فِي ذَلِكَ آثَارٌ -: رُوِّينَا عَنْ الشَّعْبِيِّ، وَالْحَسَنِ: أَنَّ مَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: الْحَقِي بِأَهْلِك، فَهُوَ عَلَى مَا نَوَى -. وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ. وَصَحَّ عَنْ الْحَسَنِ: إنْ نَوَى طَلَاقًا فَهِيَ وَاحِدَةٌ رَجْعِيَّةٌ، وَإِلَّا فَلَيْسَ بِشَيْءٍ - وَرُوِّينَاهُ عَنْ الشَّعْبِيِّ أَيْضًا - وَرُوِيَ عَنْ عِكْرِمَةَ: أَنَّهَا طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ رَجْعِيَّةٌ فَقَطْ - وَعَنْ الزُّهْرِيِّ: أَنَّهَا طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَأَصْحَابُهُ: إنْ نَوَى وَاحِدَةً أَوْ اثْنَتَيْنِ، فَهِيَ طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ وَلَا بُدَّ، وَإِنْ نَوَى ثَلَاثًا فَهِيَ ثَلَاثٌ، وَإِنْ لَمْ يَنْوِ طَلَاقًا فَلَيْسَ طَلَاقًا. قَالَ زُفَرُ: وَإِنْ نَوَى اثْنَتَيْنِ فَهِيَ اثْنَتَانِ. وَأَمَّا الْبَائِنُ - فَفِيهِ الْخَبَرُ الثَّابِتُ: مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ نا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَكَمِ نا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ نا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي الْجَهْمِ، قَالَ: «دَخَلْتُ عَلَى فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ فَذَكَرَتْ الْحَدِيثَ، وَفِي آخِرِهِ: وَكَانَ زَوْجُهَا طَلَّقَهَا طَلَاقًا بَائِنًا» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا لَا حُجَّةَ فِيهِ، لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ لَفْظِهَا، إنَّمَا هُوَ مِنْ لَفْظٍ مِنْ دُونِهَا، وَلَيْسَ فِيهِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - سَمِعَ هَذِهِ اللَّفْظَةَ فَجَعَلَهَا طَلَاقًا، وَلَا حُجَّةَ فِيمَنْ دُونَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي " بَابِ طَلَاقِ الثَّلَاثِ " مَجْمُوعَةً كَيْفَ أَنَّ طَلَاقَ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ. وَاخْتُلِفَ عَنْ السَّلَفِ مِنْ ذَلِكَ -: فَصَحَّ عَنْ عَلِيٍّ مَا رُوِّينَاهُ عَنْ شُعْبَةَ نا عَطَاءُ بْنُ السَّائِبِ حَدَّثَنِي أَبُو الْبُحْتُرِيِّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّهُ قَالَ فِي الْبَائِنَةِ: هِيَ ثَلَاثٌ. وَمِنْ طَرِيقِ قَتَادَةَ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّهُ قَالَ فِي الْبَائِنَةِ: هِيَ ثَلَاثٌ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الْحَسَنِ، وَالزُّهْرِيِّ أَنَّهُمَا كَانَا يَجْعَلَانِ الْبَائِنَةَ بِمَنْزِلِ الثَّلَاثِ - وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ أَبِي لَيْلَى وَالْأَوْزَاعِيِّ، وَأَبِي عُبَيْدٍ. وَرُوِّينَا غَيْرَ هَذَا -: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ أَنْ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ فِي الْبَائِنَةِ: هِيَ طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ وَهُوَ أَحَقُّ بِهَا. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ أَنْ عَمْرَو بْنَ دِينَارٍ قَالَ فِي الْبَائِنَةِ: هِيَ طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ وَيَدِينُ، قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ فَقُلْت لَهُ: فَإِنْ نَوَى بِهَا ثَلَاثًا؟ قَالَ: هِيَ وَاحِدَةٌ. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ قَيْسٍ - هُوَ ابْنُ عَبَّادٍ - عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ أَنَّهُ قَالَ فِي الْبَائِنَةِ: هِيَ وَاحِدَةٌ وَهُوَ أَحَقُّ بِهَا. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي ثَوْرٍ إلَّا أَنَّهُ قَالَ: لَا يَنْوِي - وَسَوَاءٌ نَوَى ثَلَاثًا أَوْ اثْنَتَيْنِ أَوْ وَاحِدَةً - وَهُوَ قَوْلُ إِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ، إلَّا أَنَّهُمَا قَالَا: إنْ قَالَ: لَمْ أَنْوِ طَلَاقًا لَمْ يَكُنْ طَلَاقًا. وَقَوْلٌ ثَالِثٌ - رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ فِي الْبَائِنَةِ: هِيَ وَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ. وَقَوْلٌ رَابِعٌ - لَهُ نِيَّتُهُ، فَإِنْ نَوَى ثَلَاثًا فَهِيَ ثَلَاثٌ؛ وَإِنْ نَوَى اثْنَتَيْنِ فَهِيَ اثْنَتَانِ، وَإِنْ نَوَى وَاحِدَةً فَوَاحِدَةٌ، وَإِنْ قَالَ: لَمْ أَنْوِ طَلَاقًا فَلَيْسَ طَلَاقًا - رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ - وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ. وَقَوْلٌ خَامِسٌ - وَهُوَ أَنَّهُ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا ثَلَاثٌ وَلَا بُدَّ، وَفِي غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا وَاحِدَةٌ فَقَطْ - وَرُوِيَ عَنْ رَبِيعَةَ - وَهُوَ قَوْلُ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ. وَقَوْلٌ سَادِسٌ - إنَّهَا فِي الْمَدْخُولِ بِهَا ثَلَاثٌ وَلَا بُدَّ، وَفِي غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا مَا نَوَى مِنْ وَاحِدَةٍ أَوْ اثْنَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثٍ - وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ - وَلَا نَعْلَمُ هَذَا الْقَوْلَ عَنْ أَحَدٍ مِمَّنْ قَبْلَهُ. وَقَوْلٌ سَابِعٌ - أَنَّهُ إنْ قَالَ لَهَا ذَلِكَ فِي غَضَبٍ أَوْ فِي غَيْرِ غَضَبٍ، مَا لَمْ يَكُنْ فِي ذِكْرِ طَلَاقٍ فَإِنَّهُ يَنْوِي، فَإِنْ قَالَ: لَمْ أَنْوِ طَلَاقًا، فَلَيْسَ طَلَاقًا، وَإِنْ قَالَ: نَوَيْت طَلَاقًا بِلَا عَدَدٍ، أَوْ قَالَ: نَوَيْت وَاحِدَةً رَجْعِيَّةً، أَوْ قَالَ: نَوَيْت وَاحِدَةً بَائِنَةً، أَوْ قَالَ: نَوَيْت اثْنَتَيْنِ رَجْعِيَّتَيْنِ أَوْ بَائِنَتَيْنِ فَهِيَ فِي كُلِّ ذَلِكَ طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ وَلَا بُدَّ، فَلَوْ كَانَ ذَلِكَ فِي ذِكْرِ طَلَاقٍ فَكَذَلِكَ سَوَاءً سَوَاءً، إلَّا أَنَّهُ لَا يُصَدَّقُ فِي قَوْلِهِ: لَمْ أَنْوِ طَلَاقًا فَقَطْ - وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَأَبِي يُوسُفَ، وَمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ. وَقَوْلٌ ثَامِنٌ - وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ مِثْلُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ سَوَاءً سَوَاءً، فِي كُلِّ مَا ذَكَرْنَا، إلَّا أَنَّهُ لَمْ يُفَرَّقْ بَيْنَ ذِكْرِ طَلَاقٍ وَغَيْرِ ذِكْرِهِ، وَلَا بَيْنَ غَضَبٍ وَغَيْرِهِ. وَقَوْلٌ تَاسِعٌ - وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ بْنِ الْهُذَيْلِ مِثْلُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، إلَّا أَنَّهُ قَالَ: إنْ نَوَى اثْنَتَيْنِ فَهِيَ اثْنَتَانِ بَائِنَتَانِ وَلَا بُدَّ. وَأَمَّا الْبَاتُّ، وَأَلْبَتَّةَ - فَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاذٍ الْعَنْبَرِيُّ نا أَبِي نا شُعْبَةُ ثنا أَبُو بَكْرٍ - هُوَ ابْنُ أَبِي الْجَهْمِ - أَنَّهُ «دَخَلَ عَلَى فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ فَحَدَّثَتْهُ أَنَّ زَوْجَهَا طَلَّقَهَا طَلَاقًا بَاتًّا» وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ نَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو نا أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ «فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ قَالَتْ: كُنْت عِنْدَ رَجُلٍ مِنْ بَنِي مَخْزُومٍ فَطَلَّقَنِي أَلْبَتَّةَ وَذَكَرَتْ الْحَدِيثَ» . وَمِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ مَوْلَى الْأَسْوَدِ بْنِ سُفْيَانَ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ «فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ أَنَّ أَبَا عَمْرِو بْنَ حَفْصٍ طَلَّقَهَا أَلْبَتَّةَ، فَأَرْسَلَ إلَيْهَا وَكِيلَهُ بِشَعِيرٍ، فَسَخِطَتْ فَقَالَ: وَاَللَّهِ مَالَكِ عَلَيْنَا مِنْ شَيْءٍ؟ فَجَاءَتْ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لَهُ؟ فَقَالَ لَهَا: لَيْسَ لَكِ عَلَيْهِ نَفَقَةٌ، وَذَكَرَتْ الْحَدِيثَ» . وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نا عَمْرُو النَّاقِدُ نا سُفْيَانُ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ: «جَاءَتْ امْرَأَةُ رِفَاعَةَ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَتْ كُنْتُ عِنْدَ رِفَاعَةَ فَطَلَّقَنِي فَبَتَّ طَلَاقِي، فَتَزَوَّجْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الزُّبَيْرِ وَإِنَّمَا مَعَهُ مِثْلُ هُدْبَةِ الثَّوْبِ فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: أَتُرِيدِينَ أَنْ تَرْجِعِي إلَى رِفَاعَةَ؟ لَا، حَتَّى تَذُوقِي عُسَيْلَتَهُ وَيَذُوقَ عُسَيْلَتَكِ» . وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ نا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ نا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ نا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ «أَنَّ امْرَأَةَ رِفَاعَةَ قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي كُنْتُ تَحْتَ رِفَاعَةَ فَطَلَّقَنِي أَلْبَتَّةَ وَذَكَرَتْ الْحَدِيثَ» كَمَا أَوْرَدْنَاهُ آنِفًا حَرْفًا حَرْفًا. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد نَا أَبُو ثَوْرٍ إبْرَاهِيمُ بْنُ خَالِدٍ الْفَقِيهُ نا مُحَمَّدُ بْنُ إدْرِيسَ الشَّافِعِيُّ حَدَّثَنِي عَمِّي مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ شَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ السَّائِبِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عُجَيْرِ بْنِ عَبْدِ يَزِيدَ عَنْ «رُكَانَةَ بْنِ عَبْدِ يَزِيدَ أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ سُهَيْمَةَ أَلْبَتَّةَ، فَأُخْبِرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِذَلِكَ، وَقَالَ: وَاَللَّهِ مَا أَرَدْتُ بِذَلِكَ إلَّا وَاحِدَةً فَقَالَ لَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: وَاَللَّهِ مَا أَرَدْتُ إلَّا وَاحِدَةً؟ فَقَالَ رُكَانَةُ: وَاَللَّهِ مَا أَرَدْتُ إلَّا وَاحِدَةً، فَرَدَّهَا إلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» . وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد نا سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُد الْعَتَكِيُّ نا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ عَنْ «الزُّبَيْرِ بْنِ سَعِيدٍ - هُوَ الْهَاشِمِيُّ - عَنْ جَدِّهِ أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ أَلْبَتَّةَ فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: مَا أَرَدْتَ؟ قَالَ: وَاحِدَةً، قَالَ: آللَّهِ، قَالَ: آللَّهِ؟ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: هُوَ عَلَى مَا أَرَدْتَ» . وَأَمَّا مَنْ دُونَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَمِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ نا عَطَاءُ بْنُ السَّائِبِ أَخْبَرَنِي أَبُو الْبَخْتَرِيِّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّهُ قَالَ فِي أَلْبَتَّةَ: هِيَ ثَلَاثٌ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ فِي أَلْبَتَّةَ: هِيَ ثَلَاثٌ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ أَخْبَرَنَا مَسْلَمَةُ بْنُ عَلِيٍّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْوَلِيدِ الزُّبَيْدِيِّ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ: مَنْ بَتَّ امْرَأَتَهُ لَمْ تَحِلَّ لَهُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ؟ قَالَ الزُّبَيْدِيُّ: وَقَالَ الْخُلَفَاءُ مِثْلَ ذَلِكَ - وَهَذَا مُنْقَطِعٌ. وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا مُنْقَطِعًا عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَالْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، وَرَبِيعَةَ، وَمَكْحُولٍ، وَالْحَسَنِ. وَلَا يَصِحُّ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ إلَّا عَنْ عَلِيٍّ، وَابْنِ عُمَرَ. وَصَحَّ عَنْ الزُّهْرِيِّ، وَقَتَادَةَ، وَعُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ - وَرُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ - وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، وَالْأَوْزَاعِيِّ، وَأَبِي عُبَيْدٍ. وَقَوْلٌ ثَانٍ - رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادِ بْنِ الْهَادِي عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ: أَلْبَتَّةَ وَاحِدَةٌ وَهُوَ أَحَقُّ بِهَا. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ نا ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادِ بْنِ جَعْفَرٍ الْمَخْزُومِيُّ أَنَّ الْمُطَّلِبَ بْنَ حَنْطَبٍ جَاءَ إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَقَالَ لَهُ: إنِّي قُلْت لِامْرَأَتِي: أَنْتِ طَالِقٌ أَلْبَتَّةَ، فَتَلَا عُمَرُ {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ}[الطلاق: 1] ثُمَّ تَلَا: {وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ}[النساء: 66] الْوَاحِدَةُ تَبُتُّ ارْجِعْ إلَى أَهْلِك - وَصَحَّ هَذَا عَنْ أَبَانَ بْنِ عُثْمَانَ، وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَأَبِي ثَوْرٍ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ، إلَّا أَنَّ أَبَا سُلَيْمَانَ قَالَ: إنْ لَمْ يَنْوِ طَلَاقًا فَلَيْسَ طَلَاقًا، فَإِنْ نَوَى ثَلَاثًا أَوْ اثْنَتَيْنِ فَهِيَ وَاحِدَةٌ رَجْعِيَّةٌ. وَقَوْلٌ ثَالِثٌ - أَنَّهُ يَنْوِي فَيَكُونُ مَا نَوَى - صَحَّ ذَلِكَ عَنْ شُرَيْحٍ - وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَأَصْحَابِهِ. وَقَوْلٌ رَابِعٌ - صَحَّ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ: أَنَّ " أَلْبَتَّةَ " إنْ نَوَاهَا طَلْقَةً فَهِيَ وَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ، وَإِنْ نَوَاهَا ثَلَاثًا فَهِيَ ثَلَاثٌ. وَقَوْلٌ خَامِسٌ - وَهُوَ أَنَّهُ إنْ قَالَ ذَلِكَ لِمَدْخُولٍ بِهَا، فَهِيَ ثَلَاثٌ وَلَا بُدَّ، وَإِنْ قَالَهَا لِغَيْرِ مَدْخُولٍ بِهَا فَهُوَ عَلَى مَا نَوَى: إنْ وَاحِدَةً فَوَاحِدَةٌ، وَإِنْ اثْنَتَيْنِ فَاثْنَتَانِ، وَإِنْ ثَلَاثًا فَثَلَاثٌ - وَإِنْ لَمْ يَنْوِ عَدَدًا فَهِيَ ثَلَاثٌ - وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَلَا يُعْرَفُ هَذَا عَنْ أَحَدٍ مِنْ السَّلَفِ قَبْلَهُ - نَعْنِي هَذَا الْفَرْقَ. وَقَوْلٌ سَادِسٌ - أَنَّهُ إنْ قَالَ ذَلِكَ فِي ذِكْرِ طَلَاقٍ، فَإِنْ نَوَى وَاحِدَةً أَوْ اثْنَتَيْنِ، أَوْ لَمْ يَنْوِ عَدَدًا فَهِيَ وَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ، فَإِنْ قَالَ: أَنْوِي طَلَاقًا لَمْ يُصَدَّقْ، فَإِنْ قَالَ لَهَا ذَلِكَ فِي غَيْرِ ذِكْرِ طَلَاقٍ فَكَذَلِكَ سَوَاءً سَوَاءً، إلَّا أَنَّهُ إنْ قَالَ: لَمْ أَنْوِ طَلَاقًا فَصُدِّقَ. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ إلَّا زُفَرَ بْنَ الْهُذَيْلِ فَإِنَّهُ وَافَقَهُمْ فِي كُلِّ ذَلِكَ، إلَّا أَنَّهُ قَالَ: إنْ نَوَى اثْنَتَيْنِ فَهِيَ اثْنَتَانِ بَائِنَتَانِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَقَدْ قُلْنَا وَنَقُولُ: لَا حُجَّةَ فِي قَوْلِ أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - لَا سِيَّمَا فِي أَقْوَالٍ مُخْتَلِفَةٍ لَا بُرْهَانَ عَلَى صِحَّةِ شَيْءٍ مِنْهَا، فَلَمْ يَبْقَ إلَّا الْآثَارُ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -: فَأَمَّا الَّتِي مِنْ طَرِيقِ فَاطِمَةَ فَقَدْ بَيَّنَّا قَبْلُ أَنَّهُ قَدْ صَحَّ طَلَاقُ زَوْجِهَا لَهَا كَانَ ثَلَاثًا هَكَذَا، أَوْ آخِرَ ثَلَاثٍ، فَوَجَبَ ضَرُورَةً أَنَّ قَوْلَ مَنْ قَالَ فِي خَبَرِهَا أَلْبَتَّةَ، أَوْ بَتَّ طَلَاقَهَا، أَوْ بَائِنًا أَنَّهُ إنَّمَا عَنَى مِنْ عِنْدِ نَفْسِهِ آخِرَ ثَلَاثِ طَلْقَاتٍ - فَبَطَلَ التَّعَلُّقُ بِهَا. وَأَمَّا حَدِيثُ امْرَأَةِ رِفَاعَةَ فَكَذَلِكَ أَيْضًا -: لِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ نا عَبْدُ الرَّزَّاقِ نا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ «أَنَّ رِفَاعَةَ الْقُرَظِيَّ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ فَجَاءَتْ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ: إنَّ رِفَاعَةَ طَلَّقَهَا آخِرَ ثَلَاثِ تَطْلِيقَاتٍ - وَذَكَرَتْ الْخَبَرَ» فَفَسَّرَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ مَا أَجْمَلَهُ غَيْرُهُ - وَصَحَّ أَنَّ طَلَاقَهُ لَهَا كَانَ آخِرَ ثَلَاثِ تَطْلِيقَاتٍ. ثُمَّ نَظَرْنَا فِي خَبَرِ رُكَانَةَ فَوَجَدْنَاهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ يَزِيدَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عُجَيْرٍ - وَكِلَاهُمَا مَجْهُولٌ - وَلَوْ صَحَّ لَقُلْنَا بِهِ مُبَادِرِينَ إلَيْهِ. ثُمَّ نَظَرْنَا فِي حَدِيثِ الزُّبَيْرِ بْنِ سَعِيدٍ فَوَجَدْنَاهُ ضَعِيفًا، وَالزُّبَيْرُ هَذَا مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ، فَبَطَلَ التَّعَلُّقُ بِكُلِّ أَثَرٍ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَلَا يَحِلُّ تَحْرِيمُ فَرْجٍ عَلَى مَنْ أَبَاحَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُ، وَإِبَاحَتُهُ لِمَنْ حَرَّمَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ بِغَيْرِ قُرْآنٍ وَلَا سُنَّةٍ، لَا سِيَّمَا قَوْلُ مَالِكٍ، وَأَبِي حَنِيفَةَ لَا يُعْرَفُ أَحَدٌ قَالَ بِهِمَا قَبْلَهُمَا. وَأَمَّا اعْتَدِّي - فَإِنَّ بَعْضَ مَنْ لَا يُبَالِي بِنَصْرِ ضَلَالَةٍ بِأَنْ يُورِدَ الْكَذِبَ الْمُفْتَرَى عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - قَدْ ادَّعَى «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِسَوْدَةِ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ: اعْتَدِّي، فَكَانَ طَلَاقًا ثُمَّ رَاجَعَهَا» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا كَذِبٌ مَوْضُوعٌ مَا صَحَّ قَطُّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - طَلَّقَ امْرَأَةً مِنْ نِسَائِهِ إلَّا حَفْصَةَ فَقَطْ ثُمَّ رَاجَعَهَا، وَأَمَّا سَوْدَةُ فَلَا إنَّمَا جَاءَ فِيهَا: أَنَّهَا وَهَبَتْ يَوْمَهَا وَلَيْلَتَهَا - لَمَّا أَسَنَّتْ - لِعَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -. وَجَاءَ - أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَرَادَ فِرَاقَهَا؟ فَلَمَّا رَغِبَتْ إلَيْهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي إمْسَاكِهَا وَتَجْعَلُ يَوْمَهَا وَلَيْلَتَهَا لِعَائِشَةَ لَمْ يُفَارِقْهَا. فَبَقِيَ مَنْ دُونَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: فَذُكِرَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهَا طَلْقَةٌ. وَصَحَّ هَذَا أَيْضًا عَنْ إبْرَاهِيمَ، وَمَكْحُولٍ، وَالْأَوْزَاعِيِّ - وَصَحَّ عَنْ عَطَاءٍ: أَنَّهُ طَلَاقٌ. وَصَحَّ عَنْ قَتَادَةَ أَنَّهَا طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ، فَإِنْ كَرَّرَهَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فَهِيَ ثَلَاثُ تَطْلِيقَاتٍ، إلَّا أَنْ يَقُولَ: أَرَدْت إفْهَامَهَا، فَهُوَ كَمَا قَالَ - وَرُوِيَ عَنْ الشَّعْبِيِّ: هِيَ وَاحِدَةٌ، نَوَى ثَلَاثًا أَوْ أَقَلَّ - وَعَنْ الْحَسَنِ إنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ اعْتَدِّي؟ فَهِيَ اثْنَتَانِ، إلَّا أَنْ يَنْوِيَ وَاحِدَةً - وَكَانَ قَتَادَةُ يَجْعَلُهَا اثْنَتَيْنِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إنْ نَوَى بِقَوْلِهِ: اعْتَدِّي، طَلَاقًا فَهُوَ طَلَاقٌ، وَإِنْ قَالَ: لَمْ أَنْوِ طَلَاقًا، فَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِ غَضَبٍ، وَفِي غَيْرِ ذَلِكَ طَلَاقٌ صُدِّقَ، وَإِنْ كَانَ فِي ذِكْرِ طَلَاقٍ أَوْ فِي غَضَبٍ لَمْ يُصَدَّقْ وَلَزِمَتْهُ طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ رَجْعِيَّةٌ، سَوَاءٌ قَالَ: لَمْ أَنْوِ طَلَاقًا أَوْ قَالَ: نَوَيْت بِلَا عَدَدٍ، أَوْ قَالَ: نَوَيْت طَلْقَةً رَجْعِيَّةً، أَوْ قَالَ: نَوَيْت بَائِنَةً، أَوْ قَالَ: نَوَيْت طَلْقَتَيْنِ رَجْعِيَّتَيْنِ، أَوْ قَالَ: نَوَيْت طَلْقَتَيْنِ بَائِنَتَيْنِ، أَوْ قَالَ: نَوَيْت ثَلَاثًا. قَالُوا: فَإِنْ قَالَ لَهَا: اعْتَدِّي اعْتَدِّي اعْتَدِّي؟ فَإِنْ قَالَ: نَوَيْت طَلْقَةً وَاحِدَةً، أَوْ قَالَ: لَمْ أَنْوِ شَيْئًا - فَهِيَ ثَلَاثٌ وَلَا بُدَّ، وَإِنْ قَالَ: نَوَيْت بِالْأُولَى طَلَاقًا، وَنَوَيْت بِالِاثْنَتَيْنِ الْحَيْضَ صُدِّقَ - قَالُوا فَإِنْ قَالَ: اعْتَدِّي ثَلَاثًا، سُئِلَ عَنْ نِيَّتِهِ، فَإِنْ قَالَ: نَوَيْت وَاحِدَةً تَعْتَدُّ لَهَا ثَلَاثَ حِيَضٍ صُدِّقَ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذِهِ شَرَائِعُ لَا تُقْبَلُ مِنْ أَحَدٍ إلَّا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - عَنْ اللَّهِ تَعَالَى الَّذِي لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ، وَأَمَّا مَنْ دُونَهُ فَهِيَ ضَلَالَاتٌ وَوَسَاوِسُ وَتَلَاعُبٌ - وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الْخِذْلَانِ؟ مَعَ أَنَّ هَذِهِ التَّقَاسِيمَ الْفَاسِدَةَ لَمْ تُحْفَظْ عَنْ أَحَدٍ سَلَفَ قَبْلَ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَالَ مَالِكٌ: إنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: اعْتَدِّي؟ فَإِنَّهُ يَنْوِي فَإِنْ قَالَ: لَمْ أَنْوِ طَلَاقًا لَمْ يُصَدَّقْ وَلَزِمَتْهُ طَلْقَةٌ رَجْعِيَّةٌ - وَكَذَلِكَ إنْ نَوَى طَلَاقًا بِغَيْرِ عَدَدٍ، فَإِنْ قَالَ: نَوَيْت اثْنَتَيْنِ فَهِيَ اثْنَتَانِ، وَإِنْ قَالَ: نَوَيْت ثَلَاثًا فَهِيَ ثَلَاثٌ - وَهَذَا أَيْضًا تَقْسِيمٌ لَا يُعْرَفُ عَنْ أَحَدٍ قَبْلَهُ، فَإِذْ لَيْسَ فِي هَذَا أَثَرٌ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - فَلَا يَحِلُّ إبْطَالُ نِكَاحٍ صَحِيحٍ وَتَحْرِيمُ فَرْجٍ وَإِحْلَالُهُ بِآرَاءٍ فَاسِدَةٍ بِغَيْرِ نَصٍّ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَأَمَّا الْأَلْفَاظُ الَّتِي فِيهَا آثَارٌ عَنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - لَا عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - فَهِيَ: الْخَلِيَّةُ، وَقَدْ خَلَوْت مِنِّي، وَالْبَرِيَّةُ وَقَدْ بَارَأْتُك، وَأَنْتِ مُبْرَأَةٌ، وَحَبْلُك عَلَى غَارِبِك، وَالْحَرَجُ، وَالتَّخَيُّرُ، وَالتَّمْلِيكُ، وَقَدْ وَهَبْتُك -: فَأَمَّا التَّحْرِيمُ وَالتَّخْيِيرُ وَالتَّمْلِيكُ وَقَدْ وَهَبْتُك، فَقَدْ ذَكَرْنَاهَا وَنَذْكُرُ الْبَوَاقِيَ هَاهُنَا - إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى -: فَمِنْ ذَلِكَ: الْخَلِيَّةُ - رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ فِي الْخَلِيَّةِ: إنَّهَا ثَلَاثٌ. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ فِي الْخَلِيَّةِ: إنَّهَا ثَلَاثٌ - وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، وَأَبِي عُبَيْدٍ. وَقَوْلٌ ثَانٍ - كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ فِي الْخَلِيَّةِ: هِيَ وَاحِدَةٌ وَهُوَ أَحَقُّ بِهَا. وَصَحَّ عَنْ الزُّهْرِيِّ وَقَتَادَةَ أَنَّهُمَا قَالَا جَمِيعًا فِي الْخَلِيَّةِ، وَخَلَوْت عَنِّي: هِيَ وَاحِدَةٌ رَجْعِيَّةٌ - وَصَحَّ عَنْ الْحَسَنِ أَيْضًا، وَعَنْ عَطَاءٍ - وَهُوَ قَوْلُ أَبِي ثَوْرٍ. وَقَوْلٌ ثَالِثٌ - كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ مَرْوَانَ الْأَصْفَرِ قَالَ: قَالَ رَجُلٌ لِامْرَأَتِهِ: إنْ خَرَجْت فَأَنْتِ خَلِيَّةٌ، فَخَرَجَتْ: فَفَرَّقَ مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ بَيْنَهُمَا - فَهَذَا تَفْرِيقٌ فَقَطْ وَلَمْ يَذْكُرْ أَنَّهُ طَلَاقٌ. وَقَوْلٌ رَابِعٌ - كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ زِيَادٍ الْأَعْلَمِ عَنْ الْحَسَنِ قَالَ فِي الْخَلِيَّةِ، قَالَ: هِيَ وَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ. وَقَوْلٌ خَامِسٌ - صَحَّ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ أَنَّهُ قَالَ: كَانَ أَصْحَابُنَا يَقُولُونَ: الْخَلِيَّةُ إنْ نَوَى وَاحِدَةً فَهِيَ وَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ - وَإِنْ نَوَى ثَلَاثًا فَهِيَ ثَلَاثٌ. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ حَيٍّ عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ مِقْسَمٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ فِي الْخَلِيَّةِ: إنْ نَوَى اثْنَتَيْنِ فَهِيَ اثْنَتَانِ. وَصَحَّ عَنْ شُرَيْحٍ أَنَّهُ قَالَ: يَدِينُ، فَإِنْ نَوَى وَاحِدَةً فَهِيَ وَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ. وَصَحَّ عَنْ عَطَاءٍ أَنَّهُ قَالَ: أَنْتِ خَلِيَّةٌ، أَوْ خَلَوْت مِنِّي سَوَاءٌ، هِيَ سُنَّةٌ، لَا يَدِينُ، وَهِيَ طَلَاقٌ - وَصَحَّ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ: إنَّمَا هِيَ وَاحِدَةٌ وَيَدِينُ - نَوَى طَلَاقًا أَوْ لَمْ يَنْوِ. وَعَنْ مَرْوَانَ، وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ: أَنَّهُ يَنْوِي وَيَلْزَمُهُ مَا نَوَى - وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَإِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ. وَقَوْلٌ سَادِسٌ - رُوِيَ عَنْ رَبِيعَةَ فِي الْخَلِيَّةِ أَنَّهَا ثَلَاثٌ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا، وَفِي غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا وَاحِدَةٌ. وَقَوْلٌ سَابِعٌ - قَالَهُ مَالِكٌ، وَهُوَ أَنَّ الْخَلِيَّةَ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا ثَلَاثٌ وَلَا بُدَّ، وَفِي غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا إنْ نَوَى ثَلَاثًا فَثَلَاثٌ، وَإِنْ نَوَى اثْنَتَيْنِ فَهِيَ اثْنَتَانِ، وَإِنْ نَوَى وَاحِدَةً فَوَاحِدَةٌ - وَلَا يُعْرَفُ هَذَا التَّقْسِيمُ عَنْ أَحَدٍ قَبْلَهُ. وَقَوْلٌ ثَامِنٌ - قَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ، وَأَصْحَابُهُ، وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: إنْ نَوَى بِالْخَلِيَّةِ ثَلَاثًا فَهِيَ ثَلَاثٌ، وَإِنْ نَوَى وَاحِدَةً أَوْ اثْنَتَيْنِ فَهِيَ وَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ فَقَطْ. قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ: فَإِنْ قَالَ: لَمْ أَنْوِ طَلَاقًا، فَإِنْ كَانَ فِي ذِكْرِ طَلَاقٍ لَمْ يُصَدَّقْ وَلَزِمَتْهُ وَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ، وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِ ذِكْرِ طَلَاقٍ صُدِّقَ - سَوَاءٌ كَانَ فِي غَيْرِ غَضَبٍ أَوْ فِي غَضَبٍ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: إنَّ مِنْ الشُّنْعِ تَفْرِيقَهُ بَيْنَ الْغَضَبِ وَغَيْرِ الْغَضَبِ، وَتَسْوِيَتِهِ مَرَّةً بَيْنَهُمَا - وَهَذَا كُلُّهُ لَا يُعْرَفُ عَنْ أَحَدٍ قَبْلَهُ. وَقَدْ قُلْنَا: إنَّ تَحْرِيمَ الْفُرُوجِ الْمُحَلَّلَةِ وَتَحْلِيلَ الْفُرُوجِ الْمُحَرَّمَةِ: لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ بِغَيْرِ نَصِّ قُرْآنٍ أَوْ سُنَّةٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -. وَأَمَّا الْبَرِيَّةُ، وَأَنْتِ مُبْرَأَةٌ مِنِّي، وَقَدْ بَارَأْتُك، وَقَدْ بَرِئْت مِنِّي: فَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّهُ قَالَ فِي الْبَرِيَّةِ: هِيَ ثَلَاثُ. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّهُ قَالَ فِي الْبَرِيَّةِ: هِيَ ثَلَاثٌ. - وَمِنْ طَرِيقِ قَتَادَةَ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ: الْبَرِيَّةُ ثَلَاثٌ. وَصَحَّ عَنْ قَتَادَةَ، وَالزُّهْرِيِّ: أَنَّ الْبَرِيَّةَ ثَلَاثٌ. وَصَحَّ عَنْ الْحَسَنِ أَيْضًا - فَفَرَّقَ الزُّهْرِيُّ، وَقَتَادَةُ بَيْنَ الْخَلِيَّةِ وَبَيْنَ الْبَرِيَّةِ كَمَا ذَكَرْنَا. وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ وَهْبٍ صَاحِبُ مَالِكٍ. وَقَوْلٌ ثَانٍ - كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ فِي الْبَرِيَّةِ: هِيَ وَاحِدَةٌ، وَهُوَ أَحَقُّ بِهَا - وَرُوِّينَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ الْبَرِيَّةَ وَاحِدَةٌ - وَهُوَ قَوْلُ أَبِي ثَوْرٍ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ، وَأَصْحَابِنَا، وَبَعْضِ أَصْحَابِ مَالِكٍ. وَقَوْلٌ ثَالِثٌ - صَحَّ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ أَنَّهُ قَالَ: كَانَ أَصْحَابُنَا يَقُولُونَ فِي الْبَرِيَّةِ: هِيَ وَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ. وَقَوْلٌ رَابِعٌ - كَمَا رُوِّينَا صَحِيحًا عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ: كَانَ أَصْحَابُنَا يَقُولُونَ فِي الْبَرِيَّةِ: إنْ نَوَى ثَلَاثًا فَثَلَاثٌ، وَإِنْ نَوَى وَاحِدَةً فَوَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ - وَصَحَّ عَنْ إبْرَاهِيمَ أَيْضًا - وَإِنْ نَوَى اثْنَتَيْنِ فَاثْنَتَانِ - وَهُوَ قَوْلُ الشَّعْبِيِّ، وَعَطَاءٍ، وَعَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، وَالشَّافِعِيِّ. وَقَوْلٌ خَامِسٌ - قَالَهُ رَبِيعَةُ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا ثَلَاثٌ وَلَا بُدَّ، وَفِي غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا وَاحِدَةٌ. وَقَوْلٌ سَادِسٌ - قَالَهُ مَالِكٌ فِي الْبَرِيَّةِ: فِي الْمَدْخُولِ بِهَا ثَلَاثٌ وَلَا بُدَّ، وَفِي غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا وَاحِدَةٌ، إلَّا أَنْ يَنْوِيَ أَكْثَرَ فَيَكُونَ مَا نَوَى. وَقَوْلٌ سَابِعٌ - قَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ، وَأَصْحَابُهُ - إلَّا زُفَرُ، وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: إنْ نَوَى ثَلَاثًا فَهِيَ ثَلَاثٌ، وَإِنْ نَوَى وَاحِدَةً رَجْعِيَّةً، أَوْ بَائِنَةً، أَوْ اثْنَتَيْنِ رَجْعِيَّتَيْنِ، أَوْ بَائِنَتَيْنِ، فَهِيَ وَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ لَا أَكْثَرَ. قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: وَأَصْحَابُهُ: إنْ قَالَ: لَمْ أَنْوِ طَلَاقًا، فَإِنْ كَانَ فِي ذِكْرِ طَلَاقٍ لَمْ يُصَدَّقْ، فَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِ ذِكْرِ طَلَاقٍ فَهُوَ مُصَدَّقٌ - سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ فِي ذِكْرِ غَضَبٍ أَوْ فِي غَيْرِ ذِكْرِ غَضَبٍ. وَقَالَ زُفَرُ كَذَلِكَ، إلَّا أَنَّهُ قَالَ: وَإِنْ نَوَى اثْنَتَيْنِ فَهِيَ اثْنَتَانِ بَائِنَتَانِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: لَا نَعْلَمُ قَوْلَ مَالِكٍ، وَأَبِي حَنِيفَةَ عَنْ أَحَدٍ قَبْلَهُمَا، وَلَا حُجَّةَ فِي أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - وَسَوَاءٌ عِنْدَهُمْ " الْبَرِيَّةُ، وَقَدْ بَارَأْتُك، وَأَنْتِ مُبْرَأَةٌ " إلَّا رِوَايَةً عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ صَاحِبِ مَالِكٍ، فَإِنَّهُ قَالَ: مَنْ قَالَ: قَدْ بَارَأْتُك، فَهِيَ وَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: لَا يَحِلُّ تَحْرِيمُ فَرْجٍ مُحَلَّلٍ بِحُكْمِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَتَحْلِيلُ فَرْجٍ مُحَرَّمٍ بِحُكْمِهِ تَعَالَى بِغَيْرِ نَصٍّ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَأَمَّا الْحَرَجُ - فَصَحَّ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ قَالَ: إذَا قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ طَلَاقَ الْحَرَجِ فَهِيَ ثَلَاثٌ. وَصَحَّ - عَنْ الْحَسَنِ أَيْضًا، وَعَنْ الزُّهْرِيِّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ. وَقَوْلٌ ثَانٍ - عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ: هِيَ وَاحِدَةٌ - وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ الزُّهْرِيِّ. وَقَوْلٌ ثَالِثٌ - قَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: لَهُ نِيَّتُهُ - وَهُوَ قَوْلُ إِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: قَدْ قُلْنَا: إنَّهُ لَا حُجَّةَ فِي أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَأَمَّا حَبْلُك عَلَى غَارِبِك - فَرُوِّينَا عَنْ مَالِكٍ: أَنَّ عُمَرَ كَتَبَ: أَنْ يُجْلَبَ إلَى مَكَّةَ رَجُلٌ مِنْ الْعِرَاقِ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: حَبْلُك عَلَى غَارِبِك، فَأَحْلَفَهُ عِنْدَ الْكَعْبَةِ: مَاذَا أَرَادَ؟ فَقَالَ: أَرَدْت الْفِرَاقَ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: فَهُوَ مَا أَرَدْت - فَجَمَعَ هَذَا الْحُكْمَ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ -: أَحَدُهَا - التَّحْلِيفُ. وَالثَّانِي - الِاسْتِجْلَابُ فِيهِ مِنْ الْعِرَاقِ إلَى مَكَّةَ. وَالثَّالِثُ - أَنَّهُ عَلَى مَا نَوَى - وَرُوِّينَا عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ عَلَى مَا نَوَى. وَقَوْلٌ ثَانٍ - قَالَهُ مَالِكٌ: حَبْلُك عَلَى غَارِبِك، فِي الْمَدْخُولِ بِهَا ثَلَاثٌ، وَفِي غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا وَاحِدَةٌ - وَلَا يُعْرَفُ هَذَا عَنْ أَحَدٍ قَبْلَهُ. وَأَمَّا الْأَلْفَاظُ الَّتِي لَمْ تَأْتِ مِنْهَا لَفْظَةٌ عَنْ صَاحِبٍ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَإِنَّمَا جَاءَ فِيهَا أَقْوَالٌ عَنْ نَفَرٍ مِنْ التَّابِعِينَ، فَنَذْكُرُ مِنْهَا مَا يَسَّرَ اللَّهُ تَعَالَى لِذِكْرِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ -: فَمِنْهَا - قَدْ أَعْتَقْتُك، فَرُوِّينَا عَنْ عَطَاءٍ: إنْ نَوَى الطَّلَاقَ فَهُوَ طَلَاقٌ، وَإِلَّا فَلَيْسَ شَيْئًا -. وَصَحَّ عَنْ الْحَسَنِ فِيمَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: أَنْتِ عَتِيقَةٌ، قَالَ: هِيَ وَاحِدَةٌ -. وَقَالَ قَتَادَةُ: مَنْ قَالَ لَهَا: أَنْتِ حُرَّةٌ فَلَهُ مَا نَوَى. وَأَمَّا - قَدْ أَذِنْت لَك فَتَزَوَّجِي؟ فَصَحَّ عَنْ إبْرَاهِيمَ أَنَّهُ لَيْسَ بِشَيْءٍ. وَصَحَّ عَنْهُ أَيْضًا: إنْ لَمْ يَنْوِ طَلَاقًا فَلَيْسَ بِشَيْءٍ. وَعَنْ الشَّعْبِيِّ: أَقَلُّ مِنْ هَذَا يَكُونُ طَلَاقًا. وَصَحَّ عَنْ قَتَادَةَ: أَنَّهَا طَلْقَةٌ. وَرُوِيَ عَنْ الْحَسَنِ: هِيَ طَلْقَةٌ رَجْعِيَّةٌ. وَأَمَّا - اُخْرُجِي عَنْ بَيْتِي مَا يُجْلِسُك، لَسْتِ لِي بِامْرَأَةٍ؟ فَصَحَّ عَنْ الْحَسَنِ أَنَّهُ قَالَ: مَنْ كَرَّرَهَا ثَلَاثًا فَهِيَ وَاحِدَةٌ، وَيَنْوِي. وَأَمَّا - لَا حَاجَةَ لِي فِيك - فَصَحَّ عَنْ إبْرَاهِيمَ أَنَّهُ قَالَ: لَهُ نِيَّتُهُ. وَعَنْ الْحَسَنِ: إنْ نَوَى الطَّلَاقَ فَهِيَ طَلْقَةٌ، وَعَنْ مَكْحُولٍ: لَيْسَ بِشَيْءٍ. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ شُعْبَةَ: سَأَلْت الْحَكَمَ بْنَ عُتَيْبَةَ، وَحَمَّادَ بْنَ أَبِي سُلَيْمَانَ عَمَّنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: اذْهَبِي حَيْثُ شِئْت، لَا حَاجَةَ لِي فِيك؟ فَقَالَا جَمِيعًا: إنْ نَوَى طَلَاقًا فَهِيَ وَاحِدَةٌ رَجْعِيَّةٌ. وَأَمَّا - اسْتَبْرِئِي، وَاخْرُجِي، وَاذْهَبِي - فَصَحَّ عَنْ الْحَسَنِ فِي جَمِيعِهَا: إنْ نَوَى الطَّلَاقَ فَهِيَ طَلْقَةٌ - وَصَحَّ أَيْضًا عَنْ الْحَسَنِ فِيمَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: اذْهَبِي، فَلَا حَاجَةَ لِي فِيك: أَنَّهَا ثَلَاثٌ. وَأَمَّا - قَدْ خَلَّيْت سَبِيلَك، لَا سَبِيلَ عَلَيْك؟ فَرُوِّينَا عَنْ إبْرَاهِيمَ، وَالشَّعْبِيِّ - وَلَمْ يَصِحَّ عَنْهُمَا -: هِيَ طَلْقَةٌ بَائِنَةٌ - وَصَحَّ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ: لَهُ نِيَّتُهُ. وَصَحَّ عَنْ الْحَسَنِ فِي لَا سَبِيلَ لِي عَلَيْك: إنْ نَوَى طَلَاقًا فَهِيَ وَاحِدَةٌ رَجْعِيَّةٌ، وَإِلَّا فَلَيْسَ بِشَيْءٍ - رُوِّينَاهُ أَيْضًا عَنْ الشَّعْبِيِّ. وَأَمَّا - مَنْ قَالَ: لَسْت لِي بِامْرَأَةٍ - فَرُوِّينَا عَنْ إبْرَاهِيمَ أَنَّهُ قَالَ: مَا أَرَاهُ - إنْ كَرَّرَ ذَلِكَ ثَلَاثًا - أَرَادَ إلَّا الطَّلَاقَ - وَصَحَّ عَنْ قَتَادَةَ: إنْ أَرَادَ بِذَلِكَ طَلَاقًا فَهُوَ طَلَاقٌ - وَتَوَقَّفَ فِيهَا سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ. وَأَمَّا - أَفْلِجِي؛ فَرُوِّينَا عَنْ طَاوُسٍ: إنْ نَوَى طَلَاقًا فَهُوَ طَلَاقٌ. وَأَمَّا - شَأْنُكُمْ بِهَا؟ فَرُوِّينَا عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ قَالَ: رَأَى النَّاسُ أَنَّهَا طَلْقَةٌ - وَعَنْ مَسْرُوقٍ، وَطَاوُسٍ، وَإِبْرَاهِيمَ: مَا أُرِيدَ بِهِ الطَّلَاقُ فَهُوَ طَلَاقٌ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: لَا حُجَّةَ فِي أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - فَإِنْ قَالُوا: الْوَرَعُ لَهُ أَنْ يُفَارِقَهَا؟ قُلْنَا: إنَّمَا أَوْرَعُ لِكُلِّ مُفْتٍ فِي الْأَرْضِ أَنْ لَا يَحْتَاطَ لِغَيْرِهِ بِمَا يُهْلِكُ بِهِ نَفْسَهُ، وَأَنْ لَا يَسْتَحِلَّ تَحْرِيمَ فَرْجِ امْرَأَةٍ عَلَى زَوْجِهَا وَإِبَاحَتَهُ لِغَيْرِهِ بِغَيْرِ حُكْمٍ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى وَرَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلا بِإِذْنِ اللَّهِ}[البقرة: 102] . وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ طَاوُسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّهُ كَانَ لَا يَرَى الْفِدَاءَ طَلَاقًا حَتَّى يُطَلِّقَ؟ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَلَا تَرَى أَنَّهُ - جَلَّ وَعَزَّ - ذَكَرَ الطَّلَاقَ مِنْ قَبْلِهِ، ثُمَّ ذَكَرَ الْفِدَاءَ فَلَمْ يَجْعَلْهُ طَلَاقًا، ثُمَّ قَالَ فِي الثَّالِثَةِ {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ}[البقرة: 230] . فَهَذَا ابْنُ عَبَّاسٍ بِأَصَحِّ إسْنَادٍ عَنْهُ: لَا يَرَى طَلَاقًا إلَّا بِلَفْظِ الطَّلَاقِ، أَوْ مَا سَمَّاهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ طَلَاقًا وَهَذَا هُوَ قَوْلُنَا. قَدْ ذَكَرْنَا خِلَافَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَمَالِكٍ لِكُلِّ مَنْ رُوِيَ عَنْهُ فِي ذَلِكَ شَيْءٌ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَمَا قَالَاهُ مِمَّا لَمْ يَقُلْهُ أَحَدٌ قَبْلَهُمَا بِغَيْرِ نَصٍّ فِي ذَلِكَ أَصْلًا.

٨:٠٦ م

١١ مسالة الوكالة في الطلاق 1955 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا تَجُوزُ الْوَكَالَةُ فِي الطَّلَاقِ، لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ: {وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلا عَلَيْهَا}[الأنعام: 164] فَلَا يَجُوزُ عَمَلُ أَحَدٍ عَنْ أَحَدٍ إلَّا حَيْثُ أَجَازَهُ الْقُرْآنُ، أَوْ السُّنَّةُ الثَّابِتَةُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - وَلَا يَجُوزُ كَلَامُ أَحَدٍ عَنْ كَلَامِ غَيْرِهِ مِنْ حَيْثُ أَجَازَهُ الْقُرْآنُ أَوْ سُنَّةٌ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - وَلَمْ يَأْتِ فِي طَلَاقِ أَحَدٍ عَنْ أَحَدٍ بِتَوْكِيلِهِ إيَّاهُ قُرْآنٌ وَلَا سُنَّةٌ؛ فَهُوَ بَاطِلٌ. وَالْمُخَالِفُونَ لَنَا أَصْحَابُ قِيَاسٍ بِزَعْمِهِمْ، وَبِالضَّرُورَةِ يَدْرِي كُلُّ أَحَدٍ أَنَّ الطَّلَاقَ كَلَامٌ، وَالظِّهَارَ كَلَامٌ، وَاللِّعَانَ كَلَامٌ، وَالْإِيلَاءَ كَلَامٌ. وَلَا يَخْتَلِفُونَ فِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُظَاهِرَ أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ، وَلَا أَنْ يُلَاعِنَ أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ، وَلَا أَنْ يُولِيَ أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ، لَا بِوَكَالَةٍ، وَلَا بِغَيْرِهَا، فَهَلَّا قَاسُوا الطَّلَاقَ عَلَى ذَلِكَ؟ وَلَكِنْ لَا النُّصُوصُ يَتَّبِعُونَ، وَلَا الْقِيَاسُ يُحْسِنُونَ. وَكُلُّ مَكَان ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِ " الطَّلَاقَ " فَإِنَّهُ خَاطَبَ بِهِ الْأَزْوَاجَ لَا غَيْرَهُمْ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَنُوبَ غَيْرُهُمْ عَنْهُمْ - لَا بِوَكَالَةٍ وَلَا بِغَيْرِهَا - لِأَنَّهُ كَانَ تَعَدِّيًا لِحُدُودِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}[البقرة: 229] . وَقَالَ تَعَالَى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ}[الأحزاب: 36] فَلَا خِيَارَ لِأَحَدٍ فِي خِلَافِ مَا جَاءَ بِهِ النَّصُّ - وَمَا نَعْلَمُ إجَازَةَ التَّوْكِيلِ فِي " الطَّلَاقِ " عَنْ أَحَدٍ مِنْ الْمُتَقَدِّمِينَ إلَّا عَنْ إبْرَاهِيمَ، وَالْحَسَنِ.

٨:٠٦ م

١٢ مسالة كتب الى امراته بالطلاق 1956 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ كَتَبَ إلَى امْرَأَتِهِ بِالطَّلَاقِ فَلَيْسَ شَيْئًا. وَقَدْ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي هَذَا -: فَرُوِّينَا عَنْ النَّخَعِيِّ وَالشَّعْبِيِّ وَالزُّهْرِيِّ إذَا كَتَبَ الطَّلَاقَ بِيَدِهِ فَهُوَ طَلَاقٌ لَازِمٌ - وَبِهِ يَقُولُ الْأَوْزَاعِيُّ، وَالْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ، وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ. وَرُوِّينَا عَنْ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نا هُشَيْمٌ أَنَا يُونُسُ، وَمَنْصُورٌ عَنْ الْحَسَنِ، فِي رَجُلٍ كَتَبَ بِطَلَاقِ امْرَأَتِهِ ثُمَّ مَحَاهُ؟ فَقَالَ: لَيْسَ بِشَيْءٍ إلَّا أَنْ يُمْضِيَهُ، أَوْ يَتَكَلَّمَ بِهِ. وَرُوِّينَا عَنْ الشَّعْبِيِّ مِثْلَهُ - وَصَحَّ أَيْضًا عَنْ قَتَادَةَ - وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إنْ كَتَبَ طَلَاقَ امْرَأَتِهِ فِي الْأَرْضِ لَمْ يَلْزَمْهُ طَلَاقٌ وَإِنْ كَتَبَهُ فِي كِتَابٍ ثُمَّ قَالَ: لَمْ أَنْوِ طَلَاقًا صُدِّقَ فِي الْفُتْيَا وَلَمْ يُصَدَّقْ فِي الْقَضَاءِ. وَقَالَ مَالِكٌ إنْ كَتَبَ طَلَاقَ امْرَأَتِهِ فَإِنْ نَوَى بِذَلِكَ الطَّلَاقَ فَهُوَ طَلَاقٌ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ بِهِ طَلَاقًا فَلَيْسَ بِطَلَاقٍ وَهُوَ قَوْلُ اللَّيْثِ، وَالشَّافِعِيِّ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {الطَّلاقُ مَرَّتَانِ}[البقرة: 229] وَقَالَ تَعَالَى: {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ}[الطلاق: 1] وَلَا يَقَعُ فِي اللُّغَةِ الَّتِي خَاطَبَنَا اللَّهُ تَعَالَى بِهَا وَرَسُولُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - اسْمُ تَطْلِيقٍ عَلَى أَنْ يَكْتُبَ إنَّمَا يَقَعُ ذَلِكَ اللَّفْظُ بِهِ - فَصَحَّ أَنَّ الْكِتَابَ لَيْسَ طَلَاقًا حَتَّى يَلْفِظَ بِهِ إذْ لَمْ يُوجِبْ ذَلِكَ نَصٌّ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

٨:٠٧ م

١٣ مسالة طلاق من لا يحسن العربية مَسْأَلَةٌ: وَيُطَلِّقُ مَنْ لَا يُحْسِنُ الْعَرَبِيَّةَ بِلُغَتِهِ بِاللَّفْظِ الَّذِي يُتَرْجَمُ عَنْهُ فِي الْعَرَبِيَّةِ بِالطَّلَاقِ وَيُطَلِّقُ الْأَبْكَمُ وَالْمَرِيضُ بِمَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ مِنْ الصَّوْتِ أَوْ الْإِشَارَةِ الَّتِي يُوقِنُ بِهَا مَنْ سَمِعَهَا قَطْعًا أَنَّهُمَا أَرَادَا الطَّلَاقَ. وَبُرْهَانُ ذَلِكَ -: قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا}[البقرة: 286] وَقَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ «إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ» . فَصَحَّ - أَنَّ مَا لَيْسَ فِي وُسْعِ الْمَرْءِ وَلَا يَسْتَطِيعُهُ فَقَدْ سَقَطَ مِنْهُ، وَأَنَّهُ يُؤَدِّي مِمَّا أُمِرَ بِهِ مَا اسْتَطَاعَ فَقَطْ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

٨:٠٧ م

١٤ مسالة طلق امراته وهو غايب 1958 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهُوَ غَائِبٌ: لَمْ يَكُنْ طَلَاقًا، وَهِيَ امْرَأَتُهُ كَمَا كَانَتْ، يَتَوَارَثَانِ إنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا، وَجَمِيعُ حُقُوقِ الزَّوْجِيَّةِ بَيْنَهُمَا - سَوَاءٌ كَانَتْ مَدْخُولًا بِهَا أَوْ غَيْرَ مَدْخُولٍ بِهَا - ثَلَاثًا أَوْ أَقَلَّ إلَّا حَتَّى يَبْلُغَ إلَيْهَا، فَإِذَا بَلَّغَهَا الْخَبَرُ مَنْ تُصَدِّقُهُ أَوْ بِشَهَادَةٍ تُقْبَلُ فِي الْحُكْمِ فَحِينَئِذٍ يَلْزَمُهَا الطَّلَاقُ إنْ كَانَتْ حَامِلًا أَوْ طَاهِرًا فِي طُهْرٍ لَمْ يَمَسَّهَا فِيهِ. بُرْهَانُ ذَلِكَ -: قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ}[الطلاق: 1] فَهَذِهِ صِفَةُ طَلَاقِ الْمَدْخُولِ بِهَا. وَقَالَ تَعَالَى: {لا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ}[البقرة: 236] . وَقَالَ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلا}[الأحزاب: 49] . وَقَالَ تَعَالَى: {وَلا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ}[الطلاق: 6] . فَهَذِهِ صِفَةُ طَلَاقِ غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا، وَيَدْخُلُ فِيهِ طَلَاقُ الثَّلَاثِ الْمَجْمُوعَةِ، وَآخِرُ الثَّلَاثِ، وَبِالضَّرُورَةِ يُوقِنُ كُلُّ ذِي حِسٍّ سَلِيمٍ أَنَّ مَنْ طَلَّقَهَا فَلَمْ يُبْلِغْهَا الطَّلَاقَ فَقَدْ ضَارَّهَا، وَمُضَارَّتُهَا حَرَامٌ، فَفِعْلُهُ مَرْدُودٌ بَاطِلٌ، وَالْمَعْصِيَةُ لَا تَنُوبُ عَنْ الطَّاعَةِ، وَبِالضَّرُورَةِ يُوقِنُ كُلُّ أَحَدٍ أَنَّ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَلَمْ يُسَرِّحْهَا سَرَاحًا جَمِيلًا، وَمَنْ لَمْ يُطَلِّقْ لِلْعِدَّةِ، وَلَمْ يُحْصِ الْعِدَّةَ فَلَمْ يُطَلِّقْ كَمَا أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى، وَمَنْ لَمْ يُطَلِّقْ كَمَا أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَلَمْ يُطَلِّقْ أَصْلًا. فَإِنْ ذَكَرَ ذَاكِرٌ - مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ قَالَ: نَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ قُدَامَةَ السَّرَخْسِيُّ نا عَبْدُ الرَّحْمَنِ مَهْدِيٌّ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ أَبِي بَكْرٍ - هُوَ ابْنُ أَبِي الْجَهْمِ - قَالَ: سَمِعْتُ «فَاطِمَةَ بِنْتَ قَيْسٍ تَقُولُ: أَرْسَلَ إلَيَّ زَوْجِي بِطَلَاقِي، فَشَدَدْتُ عَلَيَّ ثِيَابِي ثُمَّ أَتَيْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: كَمْ طَلَّقَكِ؟ قُلْتُ: ثَلَاثًا - وَذَكَرَ الْحَدِيثَ» ؟ قُلْنَا: نَعَمْ، وَهَذَا قَوْلُنَا، وَلَمْ نَقُلْ قَطُّ: إنَّهُ لَا يَلْزَمُهَا الطَّلَاقُ إذَا بَلَغَهَا وَسَنَذْكُرُ - إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى - فِي " بَابِ الْعِدَدِ " مَنْ قَالَ مِنْ السَّلَفِ: إنَّ مَنْ طَلَّقَهَا زَوْجُهَا وَهُوَ غَائِبٌ فَإِنَّهَا لَا تَلْزَمُهَا الْعِدَّةُ، إلَّا مِنْ حِينِ يَبْلُغُهَا الْخَبَرُ. وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا لَمْ يَلْزَمْهَا الطَّلَاقُ إلَّا مِنْ حِينِ لَزِمَتْهَا الْعِدَّةُ، لَا قَبْلَ ذَلِكَ، إذْ لَا يَجُوزُ فِي دِينِ الْإِسْلَامِ أَنْ يُحَالَ بِزَمَانٍ بَيْنَ الطَّلَاقِ وَبَيْنَ أَوَّلِ عِدَّتِهَا. وَلَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ امْرَأَةٌ ذَاتُ زَوْجٍ مَوْطُوءَةٌ مِنْهُ خَارِجَةً عَنْ الزَّوْجِيَّةِ بِطَلَاقِهِ، وَفِي غَيْرِ عِدَّةٍ - هَذَا خِلَافُ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ، فَكَيْفَ وَقَدْ جَاءَ خَبَرُ فَاطِمَةَ بِخِلَافِ مَا ذَكَرَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي الْجَهْمِ -: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ نا حُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ نا شَيْبَانُ - هُوَ ابْنُ فَرُّوخَ - عَنْ يَحْيَى هُوَ ابْنُ أَبِي كَثِيرٍ أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ «أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ قَيْسٍ أَخْبَرَتْهُ أَنَّ أَبَا حَفْصِ بْنَ الْمُغِيرَةِ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا ثُمَّ انْطَلَقَ إلَى الْيَمَنِ - وَذَكَرَتْ الْخَبَرَ» . فَإِنْ قِيلَ: فَأَنْتُمْ لَا تُجِيزُونَ الطَّلَاقَ إلَى أَجَلٍ، وَلَا الطَّلَاقَ بِصِفَةٍ، وَتَحْتَجُّونَ بِأَنَّ كُلَّ طَلَاقٍ لَا يَقَعُ حِينَ يُوقَعُ، فَمِنْ الْمُحَالِ أَنْ يَقَعَ حِينَ لَمْ يَقَعْ، فَكَيْفَ أَجَزْتُمْ طَلَاقَ الْغَائِبِ؟ قُلْنَا: لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ عَلَّمَنَا الطَّلَاقَ فِي كُلِّ صِنْفٍ مِنْ الْمُطَلَّقَاتِ، وَفِي الْمُطَلَّقَةِ الصَّغِيرَةِ الَّتِي لَمْ تُخَاطَبْ، وَالْمَجْنُونَةِ، وَهُمَا لَا يَلْزَمُ خِطَابُهُمَا بِالطَّلَاقِ، وَقَدْ يُطَلِّقُ الْمُطَلِّقُ عِنْدَ بَابِ الدَّارِ وَيَبْعَثُ إلَيْهَا الْخَبَرَ، وَعَلَى أَذْرُعٍ مِنْهَا، وَإِذَا جَازَ ذَلِكَ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ الطَّلَاقِ فِي الْبُعْدِ - وَلَوْ أَقْصَى الْمَعْمُورِ وَبَيْنَ الطَّلَاقِ خَلْفَ حَائِطٍ - وَلَيْسَ ذَلِكَ طَلَاقًا إلَى أَجَلٍ، إنَّمَا هُوَ كُلُّهُ طَلَاقٌ لَازِمٌ إذَا بَلَغَهَا، أَوْ بَلَغَ أَهْلَهَا إنْ كَانَتْ مِمَّنْ لَا تُخَاطَبُ، فَيَقَعُ بِذَلِكَ حِلُّ النِّكَاحِ، كَمَا يَقَعُ بِالْفَسْخِ وَلَا فَرْقَ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

٨:٠٨ م

١٥ مسالة طلق في نفسه 1959 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ طَلَّقَ فِي نَفْسِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ الطَّلَاقُ. بُرْهَانُ ذَلِكَ -: الْخَبَرُ الثَّابِتُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ «عُفِيَ لِأُمَّتِي عَمَّا حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسَهَا مَا لَمْ تُخْرِجْهُ بِقَوْلٍ أَوْ عَمَلٍ» أَوْ كَمَا قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَصَحَّ أَنَّ حَدِيثَ النَّفْسِ سَاقِطٌ مَا لَمْ يَنْطِقْ بِهِ. وَكَذَلِكَ الْعِتْقُ فِي النَّفْسِ، وَالْمُرَاجَعَةُ فِي النَّفْسِ، وَالْهِبَةُ وَالصَّدَقَةُ فِي النَّفْسِ، وَالْإِسْلَامُ فِي النَّفْسِ، كُلُّ ذَلِكَ لَيْسَ بِشَيْءٍ -. وَلِلسَّلَفِ فِي ذَلِكَ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ -: أَحَدُهَا - كَمَا قُلْنَا: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ: إذَا طَلَّقَ فِي نَفْسِهِ فَلَيْسَ بِشَيْءٍ -. وَبِهِ إلَى ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ أَبِي الشَّعْثَاءِ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ قَالَ: إذَا طَلَّقَ فِي نَفْسِهِ فَلَيْسَ بِشَيْءٍ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ: لَيْسَ طَلَاقُهُ وَلَا عَتَاقُهُ فِي نَفْسِهِ شَيْئًا - قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ أَنَّ رَجُلًا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ فِي نَفْسِهِ فَانْتُزِعَتْ مِنْهُ؟ فَقَالَ جَابِرُ بْنُ زَيْدٍ: لَقَدْ ظُلِمَ. وَرُوِّينَا ذَلِكَ أَيْضًا عَنْ الشَّعْبِيِّ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ وَالْحَسَنِ قَالَا جَمِيعًا: مَنْ طَلَّقَ فِي نَفْسِهِ فَلَيْسَ طَلَاقُهُ ذَلِكَ بِشَيْءٍ. وَبِهِ يَقُولُ أَبُو حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَبُو سُلَيْمَانَ، وَأَصْحَابُهُمْ. وَقَوْلٌ ثَانٍ - كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ قَالَ سُئِلَ عَنْهَا ابْنُ سِيرِينَ فَقَالَ: أَلَيْسَ قَدْ عَلِمَ اللَّهُ مَا فِي نَفْسِك؟ قَالَ: بَلَى، قَالَ: فَلَا أَقُولُ فِيهَا شَيْئًا - فَهَذَا تَوَقُّفٌ. وَقَوْلٌ ثَالِثٌ - إنَّهُ طَلَاقٌ، رُوِيَ عَنْ الزُّهْرِيِّ، وَرَوَاهُ أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: الْفَرْضُ وَالْوَرَعُ أَنْ لَا يَحْكُمَ حَاكِمٌ وَلَا يُفْتِي مُفْتٍ بِفِرَاقِ زَوْجَةٍ عُقِدَ نِكَاحُهَا بِكِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - بِغَيْرِ قُرْآنٍ أَوْ سُنَّةٍ ثَابِتَةٍ. وَاحْتَجَّ مَنْ ذَهَبَ إلَى هَذَا الْقَوْلِ بِالْخَبَرِ الثَّابِتِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - «إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَلِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا الْخَبَرُ حُجَّةٌ لَنَا عَلَيْهِمْ، لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمْ يُفْرِدْ فِيهِ النِّيَّةَ عَنْ الْعَمَلِ، وَلَا الْعَمَلَ عَنْ النِّيَّةِ، بَلْ جَمَعَهُمَا جَمِيعًا، وَلَمْ يُوجِبْ حُكْمًا بِأَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ - وَهَكَذَا نَقُولُ: إنَّ مَنْ نَوَى الطَّلَاقَ وَلَمْ يَلْفِظْ بِهِ، أَوْ لَفَظَ بِهِ وَلَمْ يَنْوِهِ فَلَيْسَ طَلَاقٌ، إلَّا حَتَّى يَلْفِظَ بِهِ وَيَنْوِيَهُ، إلَّا أَنْ يَخُصَّ نَصٌّ شَيْئًا مِنْ الْأَحْكَامِ بِإِلْزَامِهِ بِنِيَّةٍ دُونَ عَمَلٍ، أَوْ بِعَمَلٍ دُونَ نِيَّةٍ؛ فَنَقِفُ عِنْدَهُ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَاحْتَجُّوا أَيْضًا - بِأَنْ قَالُوا: إنَّكُمْ تَقُولُونَ: مَنْ اعْتَقَدَ الْكُفْرَ بِقَلْبِهِ فَهُوَ كَافِرٌ وَإِنْ لَمْ يَلْفِظْ بِهِ؟ وَتَقُولُونَ: إنَّ الْمُصِرَّ عَلَى الْمَعَاصِي عَاصٍ آثِمٌ مُعَاقَبٌ بِذَلِكَ؟ وَتَقُولُونَ: إنَّ مَنْ قَذَفَ مُحْصَنَةً فِي نَفْسِهِ فَهُوَ آثِمٌ، وَمَنْ اعْتَقَدَ عَدَاوَةَ مُؤْمِنٍ ظُلْمًا فَهُوَ عَاصٍ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ - وَإِنْ لَمْ يُظْهِرْ ذَلِكَ بِقَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ. وَمَنْ أُعْجِبَ بِعِلْمِهِ أَوْ رَاءَى فَهُوَ هَالِكٌ؟ قُلْنَا: أَمَّا اعْتِقَادُ الْكُفْرِ، فَإِنَّ الْقُرْآنَ قَدْ جَاءَ بِذَلِكَ نَصًّا، قَالَ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ}[المائدة: 41] فَخَرَجَ هَؤُلَاءِ بِنُصُوصِ الْقُرْآنِ وَالسُّنَنِ عَمَّا عُفِيَ عَنْهُ. وَأَيْضًا - فَإِنَّ الْعَفْوَ عَنْ حَدِيثِ النَّفْسِ إنَّمَا هُوَ عَنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - فَضِيلَةٌ لَهُمْ بِنَصِّ الْخَبَرِ، وَمَنْ أَسَرَّ الْكُفْرَ فَلَيْسَ مِنْ أُمَّتِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَهُوَ خَارِجٌ عَنْ هَذِهِ الْفَضِيلَةِ. وَأَمَّا الْمُصِرُّ عَلَى الْمَعَاصِي فَلَيْسَ كَمَا ظَنَنْتُمْ؟ صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ هَمَّ بِسَيِّئَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا لَمْ تُكْتَبْ عَلَيْهِ» . فَصَحَّ أَنَّ الْمُصِرَّ الْآثِمَ بِإِصْرَارِهِ هُوَ الَّذِي عَمِلَ السَّيِّئَةَ ثُمَّ أَصَرَّ عَلَيْهَا - فَهَذَا جَمَعَ نِيَّةَ السُّوءِ وَالْعَمَلَ السُّوءَ مَعًا. وَأَمَّا مَنْ قَذَفَ مُحْصَنَةً فِي نَفْسِهِ فَقَدْ نَهَاهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَنْ الظَّنِّ السُّوءِ، وَهَذَا ظَنُّ سُوءٍ، فَخَرَجَ عَمَّا عُفِيَ عَنْهُ بِالنَّصِّ، وَلَا يَحِلُّ أَنْ يُقَاسَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ فَيُخَالِفُ النَّصَّ الثَّابِتَ فِي عَفْوِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عَنْ ذَلِكَ. وَأَمَّا مَنْ اعْتَقَدَ عَدَاوَةَ مُسْلِمٍ فَإِنْ لَمْ يَضُرَّ بِهِ بِعَمَلٍ وَلَا بِكَلَامٍ فَإِنَّمَا هُوَ بِغْضَةٌ وَالْبِغْضَةُ الَّتِي لَا يَقْدِرُ الْمَرْءُ عَلَى صَرْفِهَا عَنْ نَفْسِهِ لَا يُؤَاخَذُ بِهَا، فَإِنْ تَعَمَّدَ ذَلِكَ فَهُوَ عَاصٍ، لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِمُوَالَاةِ الْمُسْلِمِ وَمَحَبَّتِهِ، فَتَعَدَّى مَا أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ، فَلِذَلِكَ أَثِمَ. وَهَكَذَا الرِّيَاءُ وَالْعَجْبُ قَدْ صَحَّ النَّهْيُ عَنْهُمَا، وَلَمْ يَأْتِ نَصٌّ قَطُّ بِإِلْزَامِ طَلَاقٍ، أَوْ عَتَاقٍ، أَوْ رَجْعَةٍ، أَوْ هِبَةٍ، أَوْ صَدَقَةٍ بِالنَّفْسِ، لَمْ يَلْفِظْ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، فَوَجَبَ أَنَّهُ كُلُّهُ لَغْوٌ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

٨:٠٨ م

١٦ مسالة طلق وهو غير قاصد الى الطلاق لكن اخطا لسانه 1960 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ طَلَّقَ وَهُوَ غَيْرُ قَاصِدٍ إلَى الطَّلَاقِ، لَكِنْ أَخْطَأَ لِسَانُهُ؟ فَإِنْ قَامَتْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ قُضِيَ عَلَيْهِ بِالطَّلَاقِ، وَإِنْ لَمْ تَقُمْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ لَكِنْ أَتَى مُسْتَفْتِيًا لَمْ يَلْزَمْهُ الطَّلَاقُ. بُرْهَانُ ذَلِكَ -: قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ}[الأحزاب: 5] . وَقَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - «إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى» فَصَحَّ أَنْ لَا عَمَلَ إلَّا بِنِيَّةٍ وَلَا نِيَّةَ إلَّا بِعَمَلٍ. وَأَمَّا إذَا قَامَتْ بِذَلِكَ بَيِّنَةٌ فَإِنَّهُ حَقٌّ قَدْ ثَبَتَ، وَهُوَ فِي قَوْلِهِ: لَمْ أَنْوِ الطَّلَاقَ، مُدَّعٍ بُطْلَانَ ذَلِكَ الْحَقِّ الثَّابِتِ، فَدَعْوَاهُ بَاطِلٌ -. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ عَنْ خَيْثَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ: قَالَتْ امْرَأَةٌ لِزَوْجِهَا: سَمِّنِي؟ فَسَمَّاهَا الظَّبْيَةَ، قَالَتْ: مَا قُلْت شَيْئًا؟ قَالَ: فَهَاتِ مَا أُسَمِّيك بِهِ؟ قَالَتْ: سَمِّنِي خَلِيَّةٌ طَالِقٌ، قَالَ: فَأَنْتِ خَلِيَّةٌ طَالِقٌ، فَأَتَتْ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فَقَالَتْ: إنَّ زَوْجِي طَلَّقَنِي؟ فَجَاءَ زَوْجُهَا فَقَصَّ عَلَيْهِ الْقِصَّةَ؟ فَأَوْجَعَ عُمَرُ رَأْسَهَا، وَقَالَ لِزَوْجِهَا: خُذْ بِيَدِهَا وَأَوْجِعْ رَأْسَهَا. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: أَمَّا مِثْلُ هَذَا فَحَتَّى لَوْ قَامَتْ بِهِ بَيِّنَةٌ لَمْ يَكُنْ طَلَاقًا -. وَرُوِيَ قَوْلُنَا عَنْ إيَاسِ بْنِ مُعَاوِيَةَ. وَقَالَ مَالِكٌ: إذَا قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ أَلْبَتَّةَ - وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يَحْلِفَ عَلَى شَيْءٍ - ثُمَّ بَدَا لَهُ فَتَرَكَ الْيَمِينَ؟ فَلَيْسَتْ طَالِقًا، لِأَنَّهُ لَمْ يُرِدْ أَنْ يُطَلِّقَهَا -. وَهُوَ قَوْلُ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: مَا غَلَبَ الْمَرْءُ عَلَى لِسَانِهِ بِغَيْرِ اخْتِيَارٍ مِنْهُ لِذَلِكَ فَهُوَ كَلَا قَوْلٍ، لَا يَلْزَمُهُ بِهِ طَلَاقٌ وَلَا غَيْرُهُ. قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ: مَنْ أَرَادَ أَنْ يَقُولَ شَيْئًا لِامْرَأَتِهِ فَسَبَقَهُ لِسَانُهُ فَقَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ، لَزِمَهُ الطَّلَاقُ فِي الْقَضَاءِ، وَفِي الْفُتْيَا، وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. وَكَذَلِكَ لَوْ أَرَادَ أَنْ يَقُولَ: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إنْ دَخَلْت الدَّارَ، فَقَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا، ثُمَّ بَدَا لَهُ عَنْ الْيَمِينِ، أَوْ قَطَعَ بِهِ عَنْ ذَلِكَ قَاطِعٌ فَلَمْ يَلْفِظْ بِمَا أَرَادَ أَنْ يَقُولَ فَهِيَ طَالِقٌ فِي الْفُتْيَا، وَالْقَضَاءِ، وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ سَوَاءٌ دَخَلَتْ الدَّارَ أَوْ لَمْ تَدْخُلْ. قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: فَلَوْ أَرَادَ أَنْ يَقُولَ: أَنْتِ حُرَّةٌ إنْ دَخَلْت الدَّارَ، فَقَالَ: أَنْتِ حُرَّةٌ، ثُمَّ بَدَا لَهُ عَنْ الْيَمِينِ، أَوْ قَطَعَهُ عَنْهُ قَاطِعٌ، فَهِيَ حُرَّةٌ فِي الْفُتْيَا: وَفِي الْقَضَاءِ، وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ دَخَلَتْ الدَّارَ أَوْ لَمْ تَدْخُلْ. فَلَوْ أَرَادَ أَنْ يَقُولَ لَهَا كَلَامًا فَأَخْطَأَ فَسَبَقَهُ لِسَانُهُ فَقَالَ: أَنْتِ حُرَّةٌ؟ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا تَكُونُ بِذَلِكَ حُرَّةً، وَلَا يَلْزَمُهُ الْعِتْقُ، بِخِلَافِ الطَّلَاقِ، وَبِخِلَافِ الْمَسْأَلَةِ فِي الْعِتْقِ الَّتِي ذَكَرْنَا آنِفًا - وَقَالَ أَصْحَابُهُ: كُلُّ ذَلِكَ سَوَاءٌ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: أَمَّا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ فَفِي غَايَةِ الْفَسَادِ وَالْمُنَاقَضَةِ. وَأَمَّا قَوْلُ مَالِكٍ - فَمُنَاقِضٌ لِقَوْلِهِ فِي التَّحْرِيمِ، وَفِي حَبْلِك عَلَى غَارِبِك، وَسَائِرِ مَا رَأَى التَّحْرِيمَ يَدْخُلُ فِيهِ بِأَرَقِّ الْأَسْبَابِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

٨:٠٩ م

١٧ مسالة لا يلزم المشرك طلاقه 1961 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَلْزَمُ الْمُشْرِكَ طَلَاقُهُ، وَأَمَّا نِكَاحُهُ، وَبَيْعُهُ، وَابْتِيَاعُهُ، وَهِبَتُهُ، وَصَدَقَتُهُ، وَعِتْقُهُ، وَمُؤَاجَرَتُهُ: فَجَائِزٌ كُلُّ ذَلِكَ. بُرْهَانُ ذَلِكَ: قَوْلُ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ» . وَقَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ}[الطلاق: 1] فَصَحَّ بِهَذَيْنِ النَّصَّيْنِ أَنَّ كُلَّ مَنْ عَمِلَ بِخِلَافِ مَا أَمَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهِ، أَوْ رَسُولُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - فَهُوَ بَاطِلٌ لَا يُعْتَدُّ بِهِ. وَلَا شَكَّ فِي أَنَّ الْكَافِرَ مَأْمُورٌ بِقَوْلِ: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ، مُلْزَمٌ ذَلِكَ، مُتَوَعَّدٌ عَلَى تَرْكِهِ بِالْخُلُودِ بَيْنَ أَطْبَاقِ النِّيرَانِ فَكُلُّ كَلَامٍ قَالَهُ، وَتَرَكَ الشَّهَادَةَ الْمَذْكُورَةَ: فَقَدْ وَضَعَ ذَلِكَ الْكَلَامَ غَيْرَ مَوْضِعِهِ، فَهُوَ غَيْرُ مُعْتَدٍّ. فَإِنْ قِيلَ: فَمِنْ أَيْنَ أَجَزْتُمْ سَائِرَ عُقُودِهِ الَّتِي ذَكَرْتُمْ؟ قُلْنَا: أَمَّا النِّكَاحُ فَلِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - أَجَازَ نِكَاحَ أَهْلِ الشِّرْكِ، وَأَبْقَاهُمْ بَعْدَ إسْلَامِهِمْ عَلَيْهِ. وَأَمَّا بَيْعُهُ، وَابْتِيَاعُهُ: فَلِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُعَامِلُ تُجَّارَ الْكُفَّارِ، «وَمَاتَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَدِرْعُهُ مَرْهُونَةٌ عِنْدَ يَهُودِيٍّ فِي أَصْوَاعِ شَعِيرٍ» . وَأَمَّا مُؤَاجَرَتُهُ - فَلِأَنَّ «رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - اسْتَأْجَرَ ابْنَ أَرْقَطَ لِيَدُلَّ بِهِ إلَى الْمَدِينَةِ وَهُوَ كَافِرٌ» «وَعَامَلَ يَهُودَ خَيْبَرَ عَلَى عَمَلِ أَرْضِهَا وَشَجَرِهَا بِنِصْفِ مَا يُخْرِجُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ ذَلِكَ» . وَأَمَّا هِبَتُهُ، وَصَدَقَتُهُ وَعِتْقُهُ «فَلِقَوْلِ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَشْيَاءُ كُنْت أَتَحَنَّثُ بِهَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ مِنْ عَتَاقَةٍ وَصِلَةِ رَحِمٍ وَصَدَقَةٍ؟ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - أَسْلَمْتَ عَلَى مَا أَسْلَفْتَ مِنْ خَيْرٍ» . فَسَمَّى - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كُلَّ ذَلِكَ خَيْرًا، وَأَخْبَرَ: أَنَّهُ مُعْتَدٌّ لَهُ بِهِ -: فَبَقِيَ الطَّلَاقُ لَمْ يَأْتِ فِي إمْضَائِهِ نَصٌّ: فَثَبَتَ عَلَى أَصْلِهِ الْمُتَقَدِّمِ. فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ}[المائدة: 49] . قُلْنَا: نَعَمْ، وَهَذَا الَّذِي حَكَمْنَا بِهِ بَيْنَهُمْ هُوَ مِمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى كَمَا ذَكَرْنَا. وَقَدْ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي هَذَا -: فَرُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ قَتَادَةَ أَنَّ رَجُلًا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ طَلْقَتَيْنِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَطَلْقَةً فِي الْإِسْلَامِ فَسَأَلَ عُمَرَ؟ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: لَا آمُرُك وَلَا أَنْهَاك؟ فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ: لَكِنَّنِي آمُرُك، لَيْسَ طَلَاقُك فِي الشِّرْكِ بِشَيْءٍ - وَبِهَذَا كَانَ يُفْتِي قَتَادَةُ. وَصَحَّ عَنْ الْحَسَنِ، وَرَبِيعَةَ - وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ، وَأَصْحَابِهِمَا. وَصَحَّ عَنْ عَطَاءٍ، وَعَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، وَفِرَاسٍ الْهَمْدَانِيِّ، وَالزُّهْرِيِّ، وَالنَّخَعِيِّ، وَحَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ إجَازَةُ طَلَاقِ الْمُشْرِكِ هُوَ قَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ، وَأَبِي حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَصْحَابِهِمَا. فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ رَوَيْتُمْ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، قَالَ: لَقَدْ طَلَّقَ رِجَالٌ نِسَاءً فِي الْجَاهِلِيَّةِ ثُمَّ جَاءَ الْإِسْلَامُ فَمَا رَجَعْنَ إلَى أَزْوَاجِهِنَّ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا لَا حُجَّةَ فِيهِ لِوُجُوهٍ -: أَوَّلُهَا - أَنَّهُ مُرْسَلٌ، وَأَنَّ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ مِنْ الْجَاهِلِيَّةِ. وَثَانِيهَا - أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - مَنَعَ مِنْ ذَلِكَ. وَثَالِثُهَا - أَنَّنَا لَمْ نَمْنَعْ نَحْنُ مِنْ أَنْ يَكُونَ قَوْمٌ رَأَوْا أَنَّ ذَلِكَ نَافِذٌ، وَلَا حُجَّةَ فِي ذَلِكَ، إلَّا أَنْ يَعْلَمَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَيُقِرَّهُ.

٨:١٠ م

١٨ مسالة طلاق المكره 1962 - مَسْأَلَةٌ: وَطَلَاقُ الْمُكْرَهِ غَيْرُ لَازِمٍ لَهُ. وَقَدْ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي هَذَا -: فَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ سُلَيْمَانَ الشَّيْبَانِيِّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ حَنْظَلَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ لَيْسَ الرَّجُلُ بِأَمِينٍ عَلَى نَفْسِهِ إذَا أَخَفْتَهُ أَوْ ضَرَبْتَهُ أَوْ أَوْثَقْتَهُ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ قُدَامَةَ الْجُمَحِيِّ حَدَّثَنِي أَبِي أَنَّ رَجُلًا تَدَلَّى بِحَبْلٍ لِيَشْتَارَ عَسَلًا فَأَتَتْ امْرَأَتُهُ فَقَالَتْ لَهُ: لَأَقْطَعَنَّ الْحَبْلَ، أَوْ لَتُطَلِّقَنِّي؟ فَنَاشَدَهَا اللَّهَ تَعَالَى فَأَبَتْ، فَطَلَّقَهَا، فَلَمَّا ظَهَرَ أَتَى عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ؟ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: ارْجِعْ إلَى امْرَأَتِك، فَإِنَّ هَذَا لَيْسَ بِطَلَاقٍ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ الْحَسَنِ: أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ كَانَ لَا يُجِيزُ طَلَاقَ الْمُكْرَهِ. وَمِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ ثَابِتٍ الْأَعْرَجِ، قَالَ: سَأَلْت ابْنَ عُمَرَ، وَابْنَ الزُّبَيْرِ عَنْ طَلَاقِ الْمُكْرَهِ فَقَالَا جَمِيعًا: لَيْسَ بِشَيْءٍ. وَمِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ نا هُشَيْمٌ نا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ طَلْحَةَ الْخُزَاعِيُّ نا أَبُو يَزِيدَ الْمَدَنِيُّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَيْسَ لِمُكْرَهٍ وَلَا لِمُضْطَرٍّ طَلَاقٌ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ لَا يَرَى طَلَاقَ الْمُكْرَهِ شَيْئًا. وَصَحَّ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ: طَلَاقُ الْمُكْرَهِ لَا يَجُوزُ - وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ - وَصَحَّ أَيْضًا عَنْ عَطَاءٍ، وَطَاوُسٍ، وَأَبِي الشَّعْثَاءِ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ وَعَنْ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ نَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ الْمُغِيرَةِ عَنْ إبْرَاهِيمَ قَالَ: الطَّلَاقُ مَا عُنِيَ بِهِ الطَّلَاقُ - وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَالْأَوْزَاعِيِّ، وَالْحَسَنِ بْنِ حَيٍّ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ، وَأَصْحَابِهِمْ - وَأَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ. وَرُوِيَ خِلَافُ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ -: كَمَا رُوِّينَا عَنْ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نَا فَرَجُ بْنُ فَضَالَةَ حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ شَرَاحِيلَ الْمَعَافِرِيُّ أَنَّ امْرَأَةً سَلَّتْ سَيْفًا فَوَضَعَتْهُ عَلَى بَطْنِ زَوْجِهَا وَقَالَتْ: وَاَللَّهِ لَأَنْفُذَنك أَوْ لِتُطَلِّقَنِي؟ فَطَلَّقَهَا ثَلَاثًا، فَرُفِعَ ذَلِكَ إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَأَمْضَى طَلَاقَهَا. وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ رُوِّينَا عَنْهُ أَنَّهُ سَأَلَهُ رَجُلٌ فَقَالَ لَهُ: إنَّهُ وَطِئَ فُلَانٌ عَلَى رِجْلِي حَتَّى أُطَلِّقَ امْرَأَتِي، فَطَلَّقْتهَا، فَكَرِهَ لَهُ الرُّجُوعَ إلَيْهَا - وَهَذَا يُخَرَّجُ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَرَ ذَلِكَ إكْرَاهًا - وَرُوِيَ أَيْضًا عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ. وَرُوِّينَا عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ كُلُّ الطَّلَاقِ جَائِزٌ إلَّا طَلَاقُ الْمَعْتُوهِ، وَقَدْ رُوِّينَا عَنْهُ قَبْلُ إبْطَالَ طَلَاقِ الْمُكْرَهِ وَرُوِيَ أَيْضًا عَنْ إبْرَاهِيمَ - وَصَحَّ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، وَالزُّهْرِيِّ، وَقَتَادَةَ، وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ -. وَبِهِ أَخَذَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَأَصْحَابُهُ. وَقَوْلٌ ثَالِثٌ - وَهُوَ أَنَّ طَلَاقَ الْمُكْرَهِ إنْ أَكْرَهَهُ اللُّصُوصُ لَمْ يَلْزَمْهُ، وَإِنْ أَكْرَهَهُ السُّلْطَانُ لَزِمَهُ -: رُوِّينَاهُ عَنْ الشَّعْبِيِّ. وَقَوْلٌ رَابِعٌ - رُوِّينَاهُ عَنْ إبْرَاهِيمَ أَنَّهُ قَالَ: مَنْ أُكْرِهَ ظُلْمًا عَلَى الطَّلَاقِ فَوَرَكَ إلَى شَيْءٍ آخَرَ لَمْ يَلْزَمْهُ، فَإِنْ لَمْ يُوَرِّكْ لَزِمَهُ، وَلَا يَنْتَفِعُ الظَّالِمُ بِالتَّوْرِيكِ وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ سُفْيَانَ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: احْتَجَّ مَنْ أَجَازَهُ بِخَبَرٍ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ بَقِيَّةَ عَنْ الْغَازِي بْنِ جَبَلَةَ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ عَمْرٍو الْأَصَمِّ الطَّائِيِّ عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّ رَجُلًا جَلَسَتْ امْرَأَتُهُ عَلَى صَدْرِهِ وَجَعَلَتْ السِّكِّينَ عَلَى حَلْقِهِ وَقَالَتْ لَهُ: طَلِّقْنِي أَوْ لَأَذْبَحَنَّكَ؟ فَنَاشَدَهَا اللَّهَ تَعَالَى فَأَبَتْ، فَطَلَّقَهَا ثَلَاثًا، فَذُكِرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: لَا قَيْلُولَةَ فِي الطَّلَاقِ» . وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ حَدَّثَنِي الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ عَنْ الْغَازِي بْنِ جَبَلَةَ الْجُبْلَانِيِّ أَنَّهُ سَمِعَ صَفْوَانَ يَقُولُ: «إنَّ رَجُلًا جَلَسَتْ امْرَأَتُهُ عَلَى صَدْرِهِ فَوَضَعَتْ السِّكِّينَ عَلَى فُؤَادِهِ وَهِيَ تَقُولُ: لَتُطَلِّقَنِّي أَوْ لَأَقْتُلَنَّكَ؟ فَطَلَّقَهَا، ثُمَّ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ لَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: لَا قَيْلُولَةَ فِي الطَّلَاقِ» وَهَذَا خَبَرٌ فِي غَايَةِ السُّقُوطِ، صَفْوَانُ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ - وَبَقِيَّةُ ضَعِيفٌ - وَالْغَازِي بْنُ جَبَلَةَ مَغْمُورٌ. وَذَكَرُوا خَبَرًا آخَرَ - مِنْ طَرِيقِ عَطَاءِ بْنِ عَجْلَانَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «كُلُّ الطَّلَاقِ جَائِزٌ إلَّا طَلَاقُ الْمَعْتُوهِ الْمَغْلُوبِ عَلَى عَقْلِهِ» . وَهَذَا شَرٌّ مِنْ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ عَطَاءَ بْنَ عَجْلَانَ مَذْكُورٌ بِالْكَذِبِ وَالْعَجَبُ أَنَّ الْمُحْتَجِّينَ بِهِ أَوَّلُ الْمُخَالِفِينَ لَهُ لِأَصْلٍ فَاسِدٍ لَهُمْ -: أَمَّا أَصْلُهُمْ - فَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ فِي الْأَخْبَارِ الثَّابِتَةِ: إذَا خَالَفَ شَيْئًا مِنْهَا رَاوِيهِ فَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى سُقُوطِهِ، وَهَذَا خَبَرٌ إنَّمَا ذُكِرَ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَالثَّابِتُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ إبْطَالُ طَلَاقِ الْمُكْرَهِ كَمَا ذَكَرْنَا آنِفًا. وَأَمَّا خِلَافُهُمْ لَهُ - فَإِنَّهُمْ لَا يُجِيزُونَ طَلَاقَ الصَّبِيِّ الَّذِي لَمْ يَبْلُغْ، وَعُمُومُ هَذَا الْخَبَرِ الْمَلْعُونِ يَقْتَضِي جَوَازَهُ، كَمَا يَقْتَضِي عِنْدَهُمْ جَوَازَ طَلَاقِ الْمُكْرَهِ. فَإِنْ ادَّعَوْا فِي إبْطَالِ طَلَاقِ الصَّبِيِّ الْإِجْمَاعَ عَلَى عَادَتِهِمْ فِي اسْتِسْهَالِ الْكَذِبِ فِي دَعْوَى الْإِجْمَاعِ بَيَّنَ كَذِبَهُمْ مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَمَّنْ سَمِعَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ " اُكْتُمُوا الصِّبْيَانَ النِّكَاحَ ". مِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ نا هُشَيْمٌ نا الْمُغِيرَةُ عَنْ إبْرَاهِيمَ أَنَّهُ كَانَ لَا يَهَابُ شَيْئًا مِنْ أَمْرِ الْغُلَامِ إلَّا الطَّلَاقَ. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ هِشَامٍ الدَّسْتُوَائِيِّ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ فِي طَلَاقِ الصَّبِيِّ قَالَ: إذَا صَامَ رَمَضَانَ وَأَحْصَى الصَّلَاةَ جَازَ طَلَاقُهُ. مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ: كَانُوا يَكْتُمُونَ الصِّبْيَانَ النِّكَاحَ إذَا زَوَّجُوهُمْ مَخَافَةَ الطَّلَاقِ. فَإِنْ قِيلَ: فَفِي هَذَا الْخَبَرِ " وَكَانَ إذَا وَقَعَ لَمْ يَرَهُ شَيْئًا ". قُلْنَا: نَعَمْ، هَذِهِ حِكَايَةٌ عَنْ إبْرَاهِيمَ، لَا عَنْ أَصْحَابِهِ الَّذِينَ حُكِيَ عَنْهُمْ كِتْمَانُ الصِّبْيَانِ زَوَاجَهُمْ مَخَافَةَ الطَّلَاقِ. وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بِآثَارٍ فِيهَا «ثَلَاثٌ جَدُّهُنَّ جَدٌّ وَهَزْلُهُنَّ جَدٌّ: النِّكَاحُ، وَالطَّلَاقُ، وَالرَّجْعَةُ» وَهِيَ أَخْبَارٌ مَوْضُوعَةٌ، لِأَنَّهَا إنَّمَا فِيهَا حُكْمُ الْهَازِلِ، وَالْجَادِّ، لَا ذِكْرَ لِلْمُكْرَهِ فِيهَا وَبَعْدُ: فَإِنَّمَا رُوِّينَاهَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَبِيبِ بْنِ أَدْرَكَ - وَهُوَ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ مَجْهُولٌ - لِأَنَّ قَوْمًا قَالُوا: عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَبِيبٍ، وَقَوْمًا قَالُوا: حَبِيبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ مُتَّفَقٌ عَلَى ضَعْفِ رِوَايَتِهِ. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَا بَالُ رِجَالٍ يَلْعَبُونَ بِحُدُودِ اللَّهِ، يَقُولُ أَحَدُهُمْ: قَدْ طَلَّقْتُ ثُمَّ رَاجَعْتُ» وَهَذَا مُرْسَلٌ، وَلَا حُجَّةَ فِي مُرْسَلٍ، وَلَيْسَ فِيهِ أَيْضًا جَوَازُ طَلَاقِ مُكْرَهٍ. أَوْ عَنْ الْحَسَنِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَنْ طَلَّقَ لَاعِبًا أَوْ أَنْكَحَ لَاعِبًا أَوْ نَكَحَ لَاعِبًا أَوْ أَعْتَقَ لَاعِبًا فَقَدْ جَازَ» وَلَا حُجَّةَ فِي مُرْسَلٍ، وَلَيْسَ فِيهِ أَيْضًا لِطَلَاقِ مُكْرَهٍ أَثَرٌ. وَمِنْ طَرِيقٍ فِيهَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي لَيْلَى - وَهُوَ مَذْكُورٌ بِالْكَذِبِ - ثُمَّ لَيْسَ فِيهِ إلَّا مَنْ طَلَّقَ لَاعِبًا أَوْ أَعْتَقَ لَاعِبًا. وَلَيْسَ فِيهِ لِلْمُكْرَهِ ذِكْرٌ. أَوْ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ جُرَيْجٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - وَهَذَا فَاحِشُ الِانْقِطَاعِ، ثُمَّ لَيْسَ لِلْمُكْرَهِ ذِكْرٌ، وَإِنَّمَا فِيهِ «مَنْ نَكَحَ لَاعِبًا أَوْ طَلَّقَ لَاعِبًا» وَإِنْ قَالُوا: هُوَ طَلَاقٌ؟ قُلْنَا: كَلًّا، لَيْسَ طَلَاقًا إنَّمَا الطَّلَاقُ مَا نَطَقَ بِهِ الْمُطَلِّقُ مُخْتَارًا بِلِسَانِهِ قَاصِدًا بِقَلْبِهِ، كَمَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى، وَأَنْتُمْ تُسَمُّونَ نِكَاحَ الْمُتْعَةِ، وَنِكَاحَ عَشْرٍ: نِكَاحًا فَأَجِيزُوهُ لِذَلِكَ؟ فَإِذْ قَدْ بَطَلَ كُلُّ مَا مَوَّهُوا بِهِ فَعَلَيْنَا إيرَادُ الْبُرْهَانِ - بِحَوْلِ اللَّهِ وَقُوَّتِهِ عَلَى بُطْلَانِ طَلَاقِ الْمُكْرَهِ -: فَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - «إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى» فَصَحَّ أَنَّ كُلَّ عَمَلٍ بِلَا نِيَّةٍ فَهُوَ بَاطِلٌ لَا يُعْتَدُّ بِهِ، وَطَلَاقُ الْمُكْرَهِ عَمَلٌ بِلَا نِيَّةٍ، فَهُوَ بَاطِلٌ، وَإِنَّمَا هُوَ حَاكٍ لِمَا أُمِرَ أَنْ يَقُولَهُ فَقَطْ، وَلَا طَلَاقَ عَلَى حَاكٍ كَلَامًا لَمْ يَعْتَقِدْهُ. وَقَدْ صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ لِي عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ» رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ الرَّبِيعِ بْنِ سُلَيْمَانَ الْمُؤَذِّنِ نا بِشْرُ بْنُ بَكْرٍ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -. وَمِنْ أَعْظَمِ تَنَاقُضِهِمْ: أَنَّهُمْ يُجِيزُونَ طَلَاقَ الْمُكْرَهِ، وَنِكَاحَهُ، وَإِنْكَاحَهُ، وَرَجْعَتَهُ، وَعِتْقَهُ - وَلَا يُجِيزُونَ بَيْعَهُ، وَلَا ابْتِيَاعَهُ، وَلَا هِبَتَهُ، وَلَا إقْرَارَهُ - وَهَذَا تَلَاعُبٌ بِالدِّينِ - وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الْخِذْلَانِ.

٨:١٠ م

١٩ مسالة قال ان تزوجت فلانة فهي طالق 1963 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ قَالَ: إنْ تَزَوَّجْت فُلَانَةَ فَهِيَ طَالِقٌ، أَوْ قَالَ: فَهِيَ طَالِقٌ ثَلَاثًا - فَكُلُّ ذَلِكَ بَاطِلٌ، وَلَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا وَلَا تَكُونَ طَالِقًا. وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ: كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا فَهِيَ طَالِقٌ - وَسَوَاءٌ عَيَّنَ مُدَّةً قَرِيبَةً أَوْ بَعِيدَةً أَوْ قَبِيلَةً أَوْ بَلْدَةً - كُلُّ ذَلِكَ بَاطِلٌ لَا يَلْزَمُ. وَقَدْ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي هَذَا -: فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: يَلْزَمُهُ كُلُّ ذَلِكَ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: إنْ عَيَّنَ قَبِيلَةً أَوْ بَلْدَةً أَوْ امْرَأَةً أَوْ مُدَّةً قَرِيبَةً يَعِيشُ إلَيْهَا لَزِمَهُ، فَإِنْ عَمَّ لَمْ يَلْزَمْهُ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: يُكْرَهُ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا، فَإِنْ تَزَوَّجَهَا لَمْ نَمْنَعْهُ، وَلَمْ نَفْسَخْهُ. فَمِمَّنْ رُوِيَ عَنْهُ قَوْلُنَا كَمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ الْحَسَنِ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ قَالَ " لَا طَلَاقَ إلَّا مِنْ بَعْدِ نِكَاحٍ وَإِنْ سَمَّاهَا فَلَيْسَ بِطَلَاقٍ ". وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي عُبَيْدٍ نا هُشَيْمٌ نا الْمُبَارَكُ بْنُ فَضَالَةَ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ قَالَ: إنْ تَزَوَّجْت فُلَانَةَ فَهِيَ طَالِقٌ؟ فَقَالَ عَلِيٌّ: لَيْسَ طَلَاقٌ إلَّا مِنْ بَعْدِ مِلْكٍ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ نا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ: سَمِعْت عَطَاءً يَقُولُ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، لَا طَلَاقَ إلَّا مِنْ بَعْدِ نِكَاحٍ "، قَالَ عَطَاءٌ: فَإِنْ حَلَفَ بِطَلَاقٍ مَا لَمْ يَنْكِحْ فَلَا شَيْءَ - قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: بَلَغَ ابْنَ عَبَّاسٍ أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ يَقُولُ: إنْ طَلَّقَ مَا لَمْ يَنْكِحْ فَهُوَ جَائِزٌ؟ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَخْطَأَ فِي هَذَا - إنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ: {إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ}[الأحزاب: 49] وَلَمْ يَقُلْ إذَا طَلَّقْتُمْ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ نَكَحْتُمُوهُنَّ. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، وَعَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، كِلَاهُمَا عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ يَرْفَعُهُ «لَا طَلَاقَ قَبْلَ نِكَاحٍ» . وَصَحَّ عَنْ طَاوُسٍ، وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَعَطَاءٍ، وَمُجَاهِدٍ، وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَعُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، وَقَتَادَةَ وَالْحَسَنِ، وَوَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ، وَعَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ، وَالْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَشُرَيْحٍ الْقَاضِي. وَرُوِيَ أَيْضًا عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ وَعِكْرِمَةَ - وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَصْحَابِهِ، وَأَحْمَدَ، وَأَصْحَابِهِ، وَإِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ، وَأَصْحَابِهِ، وَجُمْهُورِ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ. وَأَمَّا مَنْ كَرِهَ ذَلِكَ وَلَمْ يَفْسَخْهُ -: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ نا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ فِيمَنْ قَالَ: كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا فَهِيَ طَالِقٌ، فَكَرِهَهُ - وَهُوَ قَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ - وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: إنْ تَزَوَّجَهَا لَمْ آمُرْهُ بِفِرَاقِهَا، وَإِنْ كَانَ لَمْ يَتَزَوَّجْهَا لَمْ آمُرْهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا - وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، فَقِيلَ لَهُ: أَحَرَامٌ هُوَ؟ فَقَالَ: وَمَنْ يَقُولُ: إنَّهُ حَرَامٌ، مَنْ رَخَّصَ فِيهِ أَكْثَرُ مِمَّنْ شَدَّدَ فِيهِ - وَبِهِ يَقُولُ أَبُو عُبَيْدٍ. وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ - فِي الْفَرْقِ بَيْنَ التَّخْصِيصِ وَالْعُمُومِ -: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ سُلَيْمٍ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ أَنَّ رَجُلًا قَالَ: إنْ تَزَوَّجْت فُلَانَةَ فَهِيَ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي، فَتَزَوَّجَهَا، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: لَا تَقْرَبْهَا حَتَّى تُكَفِّرَ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: لَيْسَ هَذَا مُوَافِقًا لَهُمْ، لِأَنَّهُ قَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ: أَنَّهُ وَإِنْ عَمَّ فَهُوَ لَازِمٌ فَذَكَرَهُ بَعْدَ هَذَا - إنْ شَاءَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، بَلَغَنِي عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَالَ: مَنْ قَالَ: كُلُّ امْرَأَةٍ أَنْكِحُهَا فَهِيَ طَالِقٌ إنْ لَمْ يُسَمَّ قَبِيلَةً أَوْ قَرْيَةً أَوْ امْرَأَةً بِعَيْنِهَا فَلَيْسَ بِشَيْءٍ - وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ قَبْلُ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ مُجْمَلًا. وَمِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ نا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ قَيْسٍ - هُوَ الْمَرْهَبِيُّ - قَالَ: سَأَلْت إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ عَنْ رَجُلٍ قَالَ فِي امْرَأَةٍ: إنْ تَزَوَّجْتهَا فَهِيَ طَالِقٌ، فَذَكَرَ إبْرَاهِيمُ عَنْ عَلْقَمَةَ أَوْ عَنْ الْأَسْوَدِ: أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ قَالَ: هِيَ كَمَا قَالَ - ثُمَّ سَأَلْت الشَّعْبِيَّ وَذَكَرْت لَهُ قَوْلَ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ؟ فَقَالَ: صَدَقَ. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي عُبَيْدٍ عَنْ هُشَيْمٍ نا مُغِيرَةُ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ فِيمَنْ قَالَ: كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا فَهِيَ طَالِقٌ؟ قَالَ: لَيْسَ بِشَيْءٍ، هَذَا رَجُلٌ حَرَّمَ الْمُحْصَنَاتِ عَلَى نَفْسِهِ: فَلْيَتَزَوَّجْ، قَالَ: فَإِنْ سَمَّاهَا أَوْ نَسَبَهَا، أَوْ سَمَّى مِصْرًا، أَوْ وَقَّتَ وَقْتًا، فَهِيَ كَمَا قَالَ. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ قَالَ: إنْ قَالَ: كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا فَهِيَ طَالِقٌ، فَلَيْسَ بِشَيْءٍ، فَإِنْ وَقَّتَ لَزِمَهُ. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي عُبَيْدٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ قَيْسِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ عَطَاءٍ، قَالَ: مَنْ قَالَ: إنْ تَزَوَّجْت فُلَانَةَ فَهِيَ طَالِقٌ، فَهِيَ كَمَا قَالَ -. وَهُوَ قَوْلُ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ، وَرَبِيعَةَ، وَالْحَسَنِ بْنِ حَيٍّ، وَاللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، وَمَالِكٍ، وَأَصْحَابِهِ. وَالْقَوْلُ الرَّابِعُ - أَنَّهُ يَلْزَمُهُ، وَإِنْ عَمَّ -: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ يَاسِينَ الزَّيَّاتِ عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ عَنْ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ رَجُلًا قَالَ: كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا فَهِيَ طَالِقٌ؟ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: هُوَ كَمَا قُلْت. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ فِيمَنْ قَالَ: كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا فَهِيَ طَالِقٌ؟ وَكُلُّ أَمَةٍ أَشْتَرِيهَا فَهِيَ حُرَّةٌ؟ قَالَ الزُّهْرِيُّ: هُوَ كَمَا قَالَ. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي عُبَيْدٍ نا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ، وَيَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، كِلَاهُمَا عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ، قَالَ: كَانَ الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ، وَسَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ: يَرَوْنَ الطَّلَاقَ قَبْلَ النِّكَاحِ كَمَا قَالَ. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي عُبَيْدٍ نا مَرْوَانُ عَنْ شُجَاعٍ عَنْ خُصَيْفٍ قَالَ: سَأَلْت مُجَاهِدًا عَنْ قَوْلِ مَنْ قَالَ: طَلَّقَ قَبْلَ أَنْ يَمْلِكَ فَعَابَهُ مُجَاهِدٌ، وَقَالَ: مَا لَهُ طَلَاقٌ إلَّا بَعْدَمَا مَلَكَ - وَهُوَ قَوْلُ عُثْمَانَ الْبَتِّيِّ، وَأَبِي حَنِيفَةَ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَنَظَرْنَا فِيمَا احْتَجَّ بِهِ مَنْ أَجَازَهُ بِكُلِّ حَالٍ؟ فَوَجَدْنَا قَائِلَهُمْ قَالَ: لَا تُخَالِفُونَنَا فِيمَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ إذَا بِنْت مِنِّي -: أَنَّهُ لَيْسَ شَيْئًا - فَصَحَّ أَنَّ الطَّلَاقَ مُعَلَّقٌ بِالْوَقْتِ الَّذِي أُضِيفَ إلَيْهِ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا فَاسِدٌ، لِأَنَّهُ لَمْ يُخْرِجْ الطَّلَاقَ كَمَا أَمَرَ، بَلْ لَمْ يُوقِعْهُ حِينَ نَطَقَ بِهِ، وَأَوْقَعَهُ حَيْثُ لَا يَقَعُ؟ فَهُوَ بَاطِلٌ فَقَطْ. وَقَالُوا: قِسْنَاهُ عَلَى النَّذْرِ؟ قُلْنَا: الْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ - ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَكَانَ هَذَا مِنْهُ بَاطِلًا، لِأَنَّ النَّذْرَ جَاءَ فِيهِ النَّصُّ، وَلَمْ يَأْتِ فِي تَقْدِيمِ الطَّلَاقِ قَبْلَ النِّكَاحِ نَصٌّ -. وَالنَّذْرُ شَيْءٌ يُتَقَرَّبُ بِهِ إلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَلَيْسَ الطَّلَاقُ مِمَّا يُتَقَرَّبُ بِهِ إلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَلَا مِمَّا نَدَبَ اللَّهُ تَعَالَى عِبَادَهُ إلَيْهِ، وَحَضَّهُمْ عَلَيْهِ. وَهُمْ لَا يُخَالِفُونَنَا فِي أَنَّ مَنْ قَالَ: عَلَيَّ نَذْرٌ لِلَّهِ تَعَالَى أَنْ أُطَلِّقَ زَوْجَتِي -: أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ طَلَاقُهَا - وَهَذَا يُبْطِلُ عَلَيْهِمْ تَمْوِيهَهُمْ فِي ذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَوْفُوا بِالْعُقُودِ}[المائدة: 1] لِأَنَّ الطَّلَاقَ عَقْدٌ لَا يَلْزَمُ الْوَفَاءُ بِهِ لِمَنْ عَقَدَهُ عَلَى نَفْسِهِ - بِمَعْنَى عَقَدَ أَنْ يُطَلِّقَ، إلَّا أَنَّهُ لَمْ يُطَلِّقْ، فَلَيْسَ الطَّلَاقُ مِنْ الْعُقُودِ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِالْوَفَاءِ بِهَا قَبْلَ أَنْ تُوقَعَ؟ وَقَالُوا: قِسْنَاهُ عَلَى الْوَصِيَّةِ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا مِنْ أَرْذَلِ قِيَاسَاتِهِمْ وَأَظْهَرِهَا فَسَادًا، إلَّا أَنَّ الْوَصِيَّةَ نَافِذَةٌ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَلَوْ طَلَّقَ الْحَيُّ بَعْدَ مَوْتِهِ لَمْ يَجُزْ. وَالْوَصِيَّةُ قُرْبَةٌ إلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، بَلْ هِيَ فَرْضٌ وَالطَّلَاقُ لَيْسَ فَرْضًا وَلَا مَنْدُوبًا إلَيْهِ - وَمَا وَجَدْنَا لَهُمْ شَغَبًا غَيْرَ هَذَا. وَهُوَ قَوْلٌ لَمْ يَصِحَّ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - لِأَنَّ الرِّوَايَةَ عَنْ عُمَرَ مَوْضُوعَةٌ، فِيهَا يَاسِينُ - وَهُوَ هَالِكٌ - وَأَبُو مُحَمَّدٍ - مَجْهُولٌ - ثُمَّ هُوَ مُنْقَطِعٌ بَيْنَ أَبِي سَلَمَةَ، وَعُمَرَ. ثُمَّ نَظَرْنَا فِي قَوْلِ مَنْ أَلْزَمَهُ إنْ خَصَّ، وَلَمْ يُلْزِمْهُ إنْ عَمَّ، فَوَجَدْنَاهُ فَرْقًا فَاسِدًا، وَمُنَاقَضَةً ظَاهِرَةً، وَلَمْ نَجِدْ لَهُمْ حُجَّةً أَكْثَرَ مِنْ قَوْلِهِمْ: إذَا عَمَّ فَقَدْ ضَيَّقَ عَلَى نَفْسِهِ؟ فَقُلْنَا: مَا ضَيَّقَ، بَلْ لَهُ فِي الشِّرَاءِ فُسْحَةٌ، ثُمَّ هَبْكَ أَنَّهُ قَدْ ضَيَّقَ فَأَيْنَ وَجَدْتُمْ أَنَّ الضِّيقَ فِي مِثْلِ هَذَا يُبِيحُ الْحَرَامَ؟ وَأَيْضًا - فَقَدْ يَخَافُ فِي امْتِنَاعِهِ مِنْ نِكَاحِ الَّتِي خَصَّ طَلَاقَهَا إنْ تَزَوَّجَهَا أَكْثَرَ مِمَّا يَخَافُ لَوْ عَمَّ لِكَلَفِهِ بِهَا - فَوَضَح فَسَادُ هَذَا الْقَوْلِ لِتَعَرِّيهِ عَنْ الْبُرْهَانِ جُمْلَةً. وَوَجَدْنَاهُ أَيْضًا - لَا يَصِحُّ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ، لِأَنَّهُ إمَّا مُنْقَطِعٌ، وَإِمَّا مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ قَيْسٍ الْمَرْهَبِيِّ - وَلَيْسَ بِالْمَشْهُورِ ثُمَّ رَجَعْنَا إلَى قَوْلِنَا فَوَجَدْنَا اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: {إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ}[الطلاق: 1] وَقَالَ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ}[الأحزاب: 49] فَلَمْ يَجْعَلْ اللَّهُ تَعَالَى الطَّلَاقَ إلَّا بَعْدَ عَقْدِ النِّكَاحِ. وَمِنْ الْبَاطِلِ أَنْ لَا يَقَعَ الطَّلَاقُ حِينَ إيقَاعِهِ، ثُمَّ يَقَعَ حِينَ لَمْ يُوقِعْهُ إلَّا بِبُرْهَانٍ وَاضِحٍ - وَوَجَدْنَاهُ إنَّمَا طَلَّقَ أَجْنَبِيَّةً، وَطَلَاقُ الْأَجْنَبِيَّةِ بَاطِلٌ. وَالْعَجَبُ - أَنَّ الْمُخَالِفِينَ لَنَا أَصْحَابُ قِيَاسٍ بِزَعْمِهِمْ، وَلَا يَخْتَلِفُونَ فِيمَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: إنْ طَلَّقْتُك فَأَنْتِ مُرْتَجَعَةٌ مِنِّي، فَطَلَّقَهَا: أَنَّهَا لَا تَكُونُ مُرْتَجَعَةً حَتَّى يَبْتَدِئَ النُّطْقَ بِارْتِجَاعِهِ لَهَا. وَوَجَدْنَاهُمْ - لَا يَخْتَلِفُونَ فِيمَنْ قَالَ: إذَا قَدِمَ أَبِي فَزَوِّجِينِي مِنْ نَفْسِك فَقَدْ قَبِلْتُ نِكَاحَك؟ فَقَالَتْ هِيَ - وَهِيَ مَالِكَةٌ أَمْرَ نَفْسِهَا - وَأَنَا إذَا جَاءَ أَبُوك فَقَدْ تَزَوَّجْتُك وَرَضِيت بِك زَوْجًا، فَقَدِمَ أَبُوهُ، فَإِنَّهُ لَيْسَ بَيْنَهُمَا بِذَلِكَ نِكَاحٌ أَصْلًا. وَلَا يَخْتَلِفُونَ فِيمَنْ قَالَ لِآخَرَ: إذَا كَسَبْت مَالًا فَأَنْتَ وَكِيلِي فِي الصَّدَقَةِ بِهِ، فَكَسَبَ مَالًا، فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ الْآخَرُ وَكِيلًا فِي الصَّدَقَةِ بِهِ إلَّا حَتَّى يَبْتَدِئَ اللَّفْظَ بِتَوْكِيلِهِ، فَلَا نَدْرِي مِنْ أَيْنَ وَقَعَ لَهُمْ جَوَازُ تَقْدِيمِ الطَّلَاقِ، وَالظِّهَارِ، قَبْلَ النِّكَاحِ؟ - وَحَسْبُنَا اللَّهَ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ. وَكَذَلِكَ لَا يَخْتَلِفُونَ فِيمَنْ قَالَ لِآخَرَ: زَوِّجْنِي ابْنَتَك إنْ وُلِدَتْ لَك مِنْ فُلَانَةَ؟ فَقَالَ الْآخَرُ: نَعَمْ، قَدْ زَوَّجْتُك ابْنَتِي - إنْ وَلَدَتْهَا لِي فُلَانَةُ - فَوَلَدَتْ لَهُ فُلَانَةُ ابْنَةً، فَإِنَّهَا لَا تَكُونُ لَهُ بِذَلِكَ زَوْجَةٌ. وَقَدْ جَاءَ إنْفَاذُ هَذَا النِّكَاحِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَالْحَسَنِ -: رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ أَخْبَرَنِي يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ التَّيْمِيُّ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ بِذَلِكَ وَقَضَى لَهَا بِصَدَاقِ إحْدَى نِسَائِهَا - وَلَا يُعْرَفُ لِابْنِ مَسْعُودٍ فِي ذَلِكَ مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. وَلَا يَخْتَلِفُونَ فِيمَنْ قَالَ لِآخَرَ: إذَا وَكَّلْتنِي بِطَلَاقِ امْرَأَتِك فُلَانَةَ فَقَدْ طَلَّقْتهَا ثَلَاثًا، ثُمَّ وَكَّلَهُ الزَّوْجُ بِطَلَاقِهَا، أَنَّهَا لَا تَكُونُ بِذَلِكَ طَالِقًا. وَلَا يَخْتَلِفُونَ فِيمَنْ قَالَ: إنْ تَزَوَّجْت فُلَانَةَ فَهِيَ طَالِقٌ ثَلَاثًا، فَتَزَوَّجَهَا فَطَلَّقَهَا إثْرَ تَمَامِ الْعَقْدِ ثَلَاثًا، ثُمَّ أَتَتْ بِوَلَدٍ لِتَمَامِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ حِينِ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ لَاحِقٌ بِهِ. وَهَذِهِ كُلُّهَا مُنَاقِضَاتٌ فَاسِدَةٌ: - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

٨:١١ م

٢٠ مسالة طلاق السكران 1964 - مَسْأَلَةٌ: وَطَلَاقُ السَّكْرَانِ غَيْرُ لَازِمٍ. وَكَذَلِكَ مَنْ فَقَدَ عَقْلَهُ بِغَيْرِ الْخَمْرِ. وَحَدُّ السُّكْرِ - هُوَ أَنْ يَخْلِطَ فِي كَلَامِهِ فَيَأْتِيَ بِمَا لَا يُعْقَلُ، وَبِمَا لَا يَأْتِي بِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ سَكْرَانَ - وَإِنْ أَتَى بِمَا يُعْقَلُ فِي خِلَالِ ذَلِكَ - لِأَنَّ الْمَجْنُونَ قَدْ يَأْتِي بِمَا يُعْقَلُ، وَيَتَحَفَّظُ مِنْ السُّلْطَانِ وَمِنْ سَائِرِ الْمَخَاوِفِ. وَأَمَّا مَنْ ثَقُلَ لِسَانُهُ وَتَخَبَّلَ مَخْرَجُ كَلَامِهِ وَتَخَبَّلَتْ مَشَيْته وَعَرْبَدَ فَقَطْ إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَتَكَلَّمْ بِمَا لَا يُعْقَلُ - فَلَيْسَ هُوَ سَكْرَانُ. بُرْهَانُ ذَلِكَ: قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ}[النساء: 43] فَبَيَّنَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ السَّكْرَانَ لَا يَعْلَمُ مَا يَقُولُ، فَمَنْ لَمْ يَعْلَمْ مَا يَقُولُ فَهُوَ سَكْرَانُ، وَمَنْ عَلِمَ مَا يَقُولُ فَلَيْسَ بِسَكْرَانَ. وَمَنْ خَلَطَ فَأَتَى بِمَا يُعْقَلُ وَمَا لَا يُعْقَلُ فَهُوَ سَكْرَانُ، لِأَنَّهُ لَا يَعْلَمُ مَا يَقُولُ. وَمَنْ أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ لَا يَدْرِي مَا يَقُولُ فَلَا يَحِلُّ أَنْ يُلْزَمَ شَيْئًا مِنْ الْأَحْكَامِ، لَا طَلَاقًا، وَلَا غَيْرَهُ، لِأَنَّهُ غَيْرُ مُخَاطَبٍ، إذًا لَيْسَ مِنْ ذَوِي الْأَلْبَابِ. وَقَدْ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي هَذَا - فَمَنْ رُوِيَ عَنْهُ خِلَافُ مَا قُلْنَا -: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ عَنْ خِرَاشِ بْنِ مَالِكٍ الْجَهْضَمِيِّ حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ عُبَيْدٍ عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ عُمَانَ تَمَلَّأَ مِنْ الشَّرَابِ فَطَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا فَشَهِدَ عَلَيْهِ نِسْوَةٌ فَكُتِبَ إلَى عُمَرَ بِذَلِكَ، فَأَجَازَ شَهَادَةَ النِّسْوَةِ، وَأَثْبَتَ عَلَيْهِ الطَّلَاقَ. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي عُبَيْدٍ نا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ عَنْ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ عَنْ الزُّبَيْرِ بْنِ الْخِرِّيتِ عَنْ أَبِي لَبِيدٍ أَنَّ رَجُلًا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهُوَ سَكْرَانُ فَرُفِعَ إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَشَهِدَ عَلَيْهِ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ فَفَرَّقَ عُمَرُ بَيْنَهُمَا. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي عُبَيْدٍ نا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ - وَهُوَ سَعِيدٌ - عَنْ نَاجِيَةَ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ رَبِيعَةَ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ: أَنَّ مُعَاوِيَةَ أَجَازَ طَلَاقَ السَّكْرَانِ. وَرُوِّينَاهُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مِنْ طُرُقٍ لَمْ تَصِحَّ: لِأَنَّ فِي إحْدَى طَرِيقَيْهِ الْحَجَّاجَ بْنَ أَرْطَاةَ، وَفِي الْأُخْرَى إبْرَاهِيمَ بْنَ أَبِي يَحْيَى. وَصَحَّ عَنْ النَّخَعِيِّ، وَابْنِ سِيرِينَ، وَالْحَسَنِ، وَمَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ، وَحُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَعَطَاءٍ، وَقَتَادَةَ، وَالزُّهْرِيِّ - إلَّا أَنَّهُ فَرَّقَ بَيْنَ أَحْكَامِهِ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ: يَجُوزُ طَلَاقُ السَّكْرَانِ وَعِتْقُهُ، وَلَا يَجُوزُ نِكَاحُهُ، وَلَا شِرَاؤُهُ وَلَا بَيْعُهُ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ يَجُوزُ طَلَاقُ السَّكْرَانِ وَلَا تَجُوزُ هِبَتُهُ وَلَا صَدَقَتُهُ. وَصَحَّتْ إجَازَةُ طَلَاقِ السَّكْرَانِ عَنْ الشَّعْبِيِّ، وَمُجَاهِدٍ، وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَجَابِرِ بْنِ زَيْدٍ، وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ. وَرُوِّينَاهُ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، وَسُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ - وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ شُبْرُمَةَ، وَتَوَقَّفَ فِي نِكَاحِهِ - وَأَجَازَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى كِلَا الْأَمْرَيْنِ. وَمِمَّنْ أَجَازَ طَلَاقَهُ: سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَالْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ، وَالشَّافِعِيِّ - فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ. وَقَالَ مَالِكٌ: طَلَاقُ السَّكْرَانِ وَنِكَاحُهُ وَجَمِيعُ أَفْعَالِهِ جَائِزَةٌ إلَّا الرِّدَّةُ فَقَطْ، فَلَا يُحْكَمُ لَهُ فِي شَيْءٍ مِنْ أُمُورِهِ بِحُكْمِ الْمُرْتَدِّ. وَرَوَى عَنْهُ ابْنُ وَهْبٍ يَجُوزُ طَلَاقُهُ وَلَا يَجُوزُ نِكَاحُهُ. وَقَالَ مُطَرِّفُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ صَاحِبُ مَالِكٍ: لَا يَلْزَمُ السَّكْرَانَ شَيْءٌ وَلَا يُؤَاخَذُ بِشَيْءٍ، إلَّا بِأَرْبَعَةِ أَشْيَاءَ لَا خَامِسَ لَهَا - هَكَذَا قَالَ، ثُمَّ سَمَّاهَا - فَقَالَ: الطَّلَاقُ، وَالْعِتْقُ، وَالْقَتْلُ، وَالْقَذْفُ - فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ لَا يُحَدُّ لِلزِّنَى وَلَا لِلسَّرِقَةِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَأَصْحَابُهُ: يَجُوزُ طَلَاقُهُ، وَجَمِيعُ أَفْعَالِهِ إلَّا الرِّدَّةُ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ: وَلَا إسْلَامُهُ إنْ كَانَ كَافِرًا، وَلَا إقْرَارُهُ بِالْحُدُودِ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: كُلُّ ذَلِكَ لَهُ لَازِمٌ. وَأَمَّا مَنْ رُوِيَ عَنْهُ مِثْلُ قَوْلِنَا -: فَكَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا وَكِيعٌ عَنْ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبَانَ بْنِ عُثْمَانَ عَنْ أَبِيهِ عُثْمَانَ قَالَ: لَيْسَ لِمَجْنُونٍ، وَلَا لِسَكْرَانَ طَلَاقٌ. وَقَدْ رُوِّينَا رُجُوعَ الزُّهْرِيِّ، وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ إلَى هَذَا. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ رَبَاحِ بْنِ أَبِي مَعْرُوفٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ قَالَ: طَلَاقُ السَّكْرَانِ لَا يَجُوزُ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ ابْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ: لَا يَجُوزُ طَلَاقُ السَّكْرَانِ. وَصَحَّ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ طَلَاقُهُ، وَأَنَّهُ لَا يُقْطَعُ إنْ سَرَقَ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَعْرُوفًا بِالسَّرِقَةِ. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي عُبَيْدٍ نا هُشَيْمٌ نا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيُّ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ أُتِيَ بِسَكْرَانَ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ، فَاسْتَحْلَفَهُ بِاَلَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ لَقَدْ طَلَّقَهَا - وَهُوَ لَا يَعْقِلُ - فَحَلَفَ، فَرَدَّ إلَيْهِ امْرَأَتَهُ وَضَرَبَهُ الْحَدَّ - قَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ: وَبِهَذَا يَقُولُ الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ. وَصَحَّ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ، وَحُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ. وَرُوِّينَاهُ عَنْ رَبِيعَةَ - وَهُوَ قَوْلُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ، وَاللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ. وَأَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ، وَقَوْلُ إِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ، وَأَبِي ثَوْرٍ، وَالْمُزَنِيِّ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ، وَجَمِيعِ أَصْحَابِهِمْ وَبِهِ يَقُولُ أَبُو جَعْفَرٍ الطَّحَاوِيَّ، وَأَبُو الْحَسَنِ الْكَرْخِيُّ مِنْ شُيُوخِ الْحَنَفِيِّينَ - وَقَالَ عُثْمَانُ الْبَتِّيُّ: لَا يَلْزَمُهُ عَقْدٌ وَلَا بَيْعٌ وَلَا حَدٌّ إلَّا حَدُّ الْخَمْرِ فَقَطْ، وَإِنْ زَنَى وَقَذَفَ وَسَرَقَ - وَقَالَ اللَّيْثُ: لَا يَلْزَمُهُ طَلَاقٌ وَلَا بَيْعٌ وَلَا نِكَاحٌ وَلَا عِتْقٌ وَلَا شَيْءٌ بِقَوْلِهِ. وَأَمَّا مَا عَمِلَ بِبَدَنِهِ مِنْ قَتْلٍ، أَوْ سَرِقَةٍ، أَوْ زِنًى، فَإِنَّهُ يُقَامُ عَلَيْهِ كُلُّ ذَلِكَ - فَنَظَرْنَا فِيمَا يَحْتَجُّ بِهِ مَنْ خَالَفَ قَوْلَنَا؟ فَوَجَدْنَاهُمْ يَقُولُونَ: هُوَ أَدْخَلَ عَلَى نَفْسِهِ ذَهَابَ عَقْلِهِ بِمَعْصِيَتِهِ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ؟ فَقُلْنَا: فَكَانَ مَاذَا؟ وَمِنْ أَيْنَ وَجَبَ إذَا أَدْخَلَ ذَلِكَ عَلَى نَفْسِهِ أَنْ يُؤَاخَذَ بِمَا يَجْنِي فِي ذَهَابِ عَقْلِهِ؟ وَهَذَا مَا لَا يُوجَدُ فِي قُرْآنٍ وَلَا سُنَّةٍ، وَلَا خِلَافَ بَيْنَكُمْ فِيمَنْ تَرَدَّى لِيَقْتُلَ نَفْسَهُ عَاصِيًا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَسَلِمَتْ نَفْسُهُ إلَّا أَنَّهُ سَقَطَ عَلَى رَأْسِهِ فَفَسَدَ عَقْلُهُ، وَفِيمَنْ حَارَبَ وَأَفْسَدَ الطَّرِيقَ فَضُرِبَ فِي رَأْسِهِ فَفَسَدَ عَقْلُهُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ مِمَّا يَلْزَمُ الْأَصِحَّاءَ وَهُوَ الَّذِي أَدْخَلَ عَلَى نَفْسِهِ الْجُنُونَ بِأَعْظَمِ الْمَعَاصِي. ثُمَّ لَا يَخْتَلِفُونَ فِيمَنْ أَمْسَكَهُ قَوْمٌ عَيَّارُونَ فَضُبِطَتْ يَدَاهُ وَرِجْلَاهُ، وَفُتِحَ فَمُهُ بِكَلُّوبٍ وَصُبَّ فِيهِ الْخَمْرُ حَتَّى سَكِرَ أَنَّهُ مُؤَاخَذٌ بِطَلَاقِهِ - وَهُوَ لَمْ يُدْخِلْ عَلَى نَفْسِهِ شَيْئًا وَلَا عَصَى -: فَظَهَرَ فَسَادُ اعْتِرَاضِهِمْ. وَمَوَّهُوا بِالْأَخْبَارِ الَّتِي فِيهَا «ثَلَاثٌ هَزْلُهُنَّ جَدٌّ» وَلَيْسَ فِيهَا عَلَى سُقُوطِهَا لِلسَّكْرَانِ ذِكْرٌ، وَلَا دَلِيلَ عَلَيْهِ. وَاحْتَجُّوا بِالْخَبَرِ الْمَوْضُوعِ «لَا قَيْلُولَةَ فِي الطَّلَاقِ» وَلَوْ صَحَّ هَذَا لَكَانَ ذَلِكَ فِي طَلَاقِ مَنْ طَلَاقُهُ طَلَاقٌ مِمَّنْ يَعْقِلُ كَمَا يَقُولُونَ فِي طَلَاقِ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ. وَبِالْخَبَرِ الْكَاذِبِ: «كُلُّ طَلَاقٍ جَائِزٌ إلَّا طَلَاقَ الْمَعْتُوهِ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: قَدْ بَيَّنَّا سُقُوطَهُ آنِفًا فِي بَابِ " طَلَاقِ الْمُكْرَهِ ". ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ فِيهِ حُجَّةٌ، لِأَنَّهُمْ لَا يُجِيزُونَ طَلَاقَ مَنْ لَمْ يَبْلُغْ وَلَيْسَ بِمَعْتُوهٍ. وَأَمَّا السَّكْرَانُ الَّذِي لَا يَدْرِي مَا يَتَكَلَّمُ بِهِ فَهُوَ مَعْتُوهٌ بِلَا شَكٍّ، لِأَنَّ الْمَعْتُوهَ فِي اللُّغَةِ: هُوَ الَّذِي لَا عَقْلَ لَهُ، وَمَنْ لَا يَدْرِي مَا يَتَكَلَّمُ بِهِ، فَلَا عَقْلَ لَهُ، فَهُوَ مَعْتُوهٌ بِأَيِّ وَجْهٍ كَانَ. وَقَالُوا: قَدْ رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ، إذَا شَرِبَ سَكِرَ، وَإِذَا سَكِرَ هَذَى، وَإِذَا هَذَى افْتَرَى، وَإِذَا افْتَرَى: جُلِدَ ثَمَانِينَ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا خَبَرٌ مَكْذُوبٌ قَدْ نَزَّهَ اللَّهُ تَعَالَى عَلِيًّا، وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ عَنْهُ، لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ إسْنَادُهُ، ثُمَّ عَظِيمُ مَا فِيهِ مِنْ الْمُنَاقَضَةِ، لِأَنَّ فِيهِ إيجَابَ الْحَدِّ عَلَى مَنْ هَذَى، وَالْهَاذِي لَا حَدَّ عَلَيْهِ. وَهَلَّا قُلْتُمْ: إذَا هَذَى كَفَرَ، وَإِذَا كَفَرَ قُتِلَ؟ وَقَالُوا: بِنَفْسِ السُّكْرِ يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ، فَالطَّلَاقُ كَذَلِكَ؟ قُلْنَا: كَذَبْتُمْ مَا وَجَبَ قَطُّ بِالسُّكْرِ حَدٌّ، لَكِنْ بِقَصْدِهِ إلَى شُرْبِ مَا يُسْكِرُ كَثِيرُهُ فَقَطْ، سَوَاءٌ سَكِرَ أَوْ لَمْ يَسْكَرْ. بُرْهَانُ ذَلِكَ -: أَنَّ مَنْ سَكِرَ مِمَّنْ أُكْرِهَ عَلَى شُرْبِهَا لَا حَدَّ عَلَيْهِ. وَقَالُوا: هُوَ مُخَاطَبٌ بِالصَّلَاةِ فَطَلَاقُهُ لَازِمٌ لَهُ؟ قُلْنَا: كَذَبْتُمْ، بَلْ نَصُّ الْقُرْآنِ يُبَيِّنُ أَنَّهُ غَيْرُ مُخَاطَبٍ بِالصَّلَاةِ، بَلْ هُوَ مَنْهِيٌّ عَنْهَا حَتَّى يَدْرِيَ مَا يَقُولُ. وَقَالُوا: لَوْ كَانَ ذَلِكَ لَكَانَ مَنْ شَاءَ قَتْلَ عَدُوِّهِ سَكِرَ فَقَتَلَهُ، وَمَنْ يَدْرِي أَنَّهُ سَكْرَانُ؟ فَقُلْنَا: فَقُولُوا إذًا بِإِقَامَةِ الْحُدُودِ عَلَى الْمَجَانِينِ، لِأَنَّهُ لَوْ سَقَطَ عَنْهُمْ الْحَدُّ لَكَانَ مَنْ شَاءَ قَتْلَ عَدُوِّهِ تَحَامَقَ، وَمَنْ يَدْرِي أَنَّهُ أَحْمَقُ - لَكِنْ نَقُولُ: لَا يَخْفَى السَّكْرَانُ مِنْ الْمُتَسَاكِرِ، وَلَا الْأَحْمَقُ مِنْ الْمُتَحَامِقِ. وَمِمَّا يُوَضِّحُ صِحَّةَ قَوْلِنَا يَقِينًا: الْخَبَرُ الثَّابِتُ الَّذِي رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ نا عَبْدَانُ، وَأَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ قَالَ عَبْدَانُ: نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ - وَقَالَ أَحْمَدُ: نا عَنْبَسَةُ، كِلَاهُمَا أَخْبَرَهُ يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ عَنْ الزُّهْرِيِّ أَخْبَرَنِي عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ أَنَّ الْحُسَيْنَ بْنَ عَلِيٍّ أَخْبَرَهُ أَنَّ عَلِيًّا قَالَ فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ، قَالَ: «فَطَفِقَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَلُومُ حَمْزَةَ فِيمَا فَعَلَ -: يَعْنِي إذْ عَقَرَ شَارِفَيْ عَلِيٍّ وَهُوَ يَشْرَبُ مَعَ قَوْمٍ مِنْ الْأَنْصَارِ، قَالَ عَلِيٌّ: فَإِذَا حَمْزَةُ ثَمِلٌ مُحْمَرَّةٌ عَيْنَاهُ فَقَالَ لَهُ حَمْزَةُ: هَلْ أَنْتُمْ إلَّا عَبِيدٌ لِأَبِي؟ فَعَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ ثَمِلَ فَنَكَصَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَلَى عَقِبَيْهِ الْقَهْقَرَى، فَخَرَجَ وَخَرَجْنَا مَعَهُ» . فَهَذَا حَمْزَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَقُولُ وَهُوَ سَكْرَانُ مَا لَوْ قَالَهُ غَيْرُ سَكْرَانَ لَكَفَرَ، وَقَدْ أَعَاذَهُ اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ. فَصَحَّ أَنَّ السَّكْرَانَ غَيْرُ مُؤَاخَذٍ بِمَا يَفْعَلُ جُمْلَةً. وَأَمَّا مَنْ فَرَّقَ فَلَمْ يُلْزِمْهُ الرِّدَّةَ، وَأَلْزَمَهُ غَيْرَ ذَلِكَ، فَمُتَنَاقِضُ الْقَوْلِ، بَاطِلُ الْحُكْمِ بِيَقِينٍ لَا إشْكَالَ فِيهِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

٨:١١ م

٢١ مسالة اليمين بالطلاق لا يلزم سواء بر او حنث 1965 - مَسْأَلَةٌ: وَالْيَمِينُ بِالطَّلَاقِ لَا يَلْزَمُ - سَوَاءٌ بَرَّ أَوْ حَنِثَ - لَا يَقَعُ بِهِ طَلَاقٌ، وَلَا طَلَاقَ إلَّا كَمَا أَمَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، وَلَا يَمِينَ إلَّا كَمَا أَمَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. بُرْهَانُ ذَلِكَ -: قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ}[المائدة: 89] وَجَمِيعُ الْمُخَالِفِينَ لَنَا هَاهُنَا لَا يَخْتَلِفُونَ فِي أَنَّ الْيَمِينَ بِالطَّلَاقِ، وَالْعَتَاقِ وَالْمَشْيِ إلَى مَكَّةَ، وَصَدَقَةِ الْمَالِ فَإِنَّهُ لَا كَفَّارَةَ عِنْدَهُمْ فِي حِنْثِهِ فِي شَيْءٍ مِنْهُ إلَّا بِالْوَفَاءِ بِالْفِعْلِ، أَوْ الْوَفَاءِ بِالْيَمِينِ. فَصَحَّ بِذَلِكَ يَقِينًا أَنَّهُ لَيْسَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ يَمِينًا، إذْ لَا يَمِينَ إلَّا مَا سَمَّاهُ اللَّهُ تَعَالَى يَمِينًا. وَقَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الَّذِي رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي عُبَيْدٍ نَا إسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ كَانَ حَالِفًا فَلَا يَحْلِفْ إلَّا بِاَللَّهِ» فَارْتَفَعَ الْإِشْكَالُ فِي أَنَّ كُلَّ حَلِفٍ بِغَيْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَإِنَّهُ مَعْصِيَةٌ وَلَيْسَ يَمِينًا. وَهَذَا مَكَانٌ اُخْتُلِفَ فِيهِ - فَصَحَّ: عَنْ الْحَسَنِ فِيمَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ إنْ لَمْ أَضْرِبْ غُلَامِي، فَأَبَقَ الْغُلَامُ؟ قَالَ: هِيَ امْرَأَتُهُ يَنْكِحُهَا وَيَتَوَارَثَانِ حَتَّى يَفْعَلَ مَا قَالَ، فَإِنْ مَاتَ الْغُلَامُ قَبْلَ أَنْ يَفْعَلَ مَا قَالَ فَقَدْ ذَهَبَتْ مِنْهُ امْرَأَتُهُ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ مَطَرٍ الْوَرَّاقِ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ فِي رَجُلٍ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ إنْ لَمْ يَفْعَلْ كَذَا؟ قَالَ: لَا يَقْرَبُ امْرَأَتَهُ حَتَّى يَفْعَلَ مَا قَالَ، فَإِنْ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يَفْعَلَ فَلَا مِيرَاثَ بَيْنَهُمَا. وَصَحَّ خِلَافُ هَذَا عَنْ طَائِفَةٍ مِنْ السَّلَفِ. كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ فِي رَجُلٍ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ إنْ لَمْ أَتَزَوَّجْ عَلَيْك؟ قَالَ: إنْ لَمْ يَتَزَوَّجْ عَلَيْهَا حَتَّى تَمُوتَ أَوْ يَمُوتَ تَوَارَثَا. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ غَيْلَانَ بْنِ جَامِعٍ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ قَالَ فِي الرَّجُلِ يَقُولُ لِامْرَأَتِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ إنْ لَمْ أَفْعَلْ كَذَا - ثُمَّ مَاتَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ أَنْ يَفْعَلَ فَإِنَّهُمَا يَتَوَارَثَانِ - قَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: إنَّمَا وَقَعَ الْحِنْثُ بَعْدَ الْمَوْتِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا عَجَبٌ؟ مَيِّتٌ يَحْنَثُ بَعْدَ مَوْتٍ - وَقَدْ تَقَصَّيْنَا هَذَا فِي " كِتَابِ الْأَيْمَانِ " مِنْ كِتَابِنَا هَذَا. وَمِمَّنْ رُوِيَ عَنْهُ مِثْلُ قَوْلِنَا -: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ الْحَسَنِ أَنَّ رَجُلًا تَزَوَّجَ امْرَأَةً وَأَرَادَ سَفَرًا فَأَخَذَهُ أَهْلُ امْرَأَتِهِ، فَجَعَلَهَا طَالِقًا إنْ لَمْ يَبْعَثْ بِنَفَقَتِهَا إلَى شَهْرٍ، فَجَاءَ الْأَجَلُ وَلَمْ يَبْعَثْ إلَيْهَا بِشَيْءٍ فَلَمَّا قَدِمَ خَاصَمُوهُ إلَى عَلِيٍّ فَقَالَ عَلِيٌّ: اضْطَهَدْتُمُوهُ حَتَّى جَعَلَهَا طَالِقًا، فَرَدَّهَا عَلَيْهِ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ شُرَيْحٍ: أَنَّهُ خُوصِمَ إلَيْهِ فِي رَجُلٍ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ إنْ أَحْدَثَ فِي الْإِسْلَامِ حَدَثًا فَاكْتَرَى بَغْلًا إلَى حَمَّامِ أَعْيَنَ فَتَعَدَّى بِهِ إلَى أَصْبَهَانَ فَبَاعَهُ وَاشْتَرَى بِهِ خَمْرًا؟ فَقَالَ شُرَيْحٌ: إنْ شِئْتُمْ شَهِدْتُمْ عَلَيْهِ أَنَّهُ طَلَّقَهَا؟ فَجَعَلُوا يُرَدِّدُونَ عَلَيْهِ الْقِصَّةَ وَيُرَدِّدُ عَلَيْهِمْ - فَلَمْ يَرَهُ حَدَثًا؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: لَا مُتَعَلِّقَ لَهُمْ بِمَا رُوِيَ مِنْ قَوْلِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - اضْطَهَدْتُمُوهُ، لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ هُنَالِكَ إكْرَاهٌ، إنَّمَا طَالِبُوهُ بِحَقِّ نَفَقَتِهَا فَقَطْ فَإِنَّمَا أَنْكَرَ عَلَى الْيَمِينِ بِالطَّلَاقِ فَقَطْ وَلَمْ يُرِدْ الطَّلَاقَ يَقَعُ بِذَلِكَ - وَكَذَلِكَ لَا مُتَعَلِّقَ لَهُمْ بِمَا فِي خَبَرِ شُرَيْحٍ مِنْ قَوْلِ أَحَدِ مَنْ رَوَاهُ فَلَمْ يَرَهُ حَدَثًا - فَإِنَّمَا هُوَ ظَنٌّ مِنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، أَوَ مِنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ - وَهُوَ ظَنٌّ خَطَأٌ - أَوَ مَا نَعْلَمُ فِي الْإِسْلَامِ أَكْثَرَ مِمَّنْ تَعَدَّى مِنْ " حَمَّامِ أَعْيَنَ " وَهُوَ عَلَى أَمْيَالٍ يَسِيرَةٍ دُونَ الْعَشَرَةِ مِنْ الْكُوفَةِ إلَى أَصْبَهَانَ، وَهِيَ أَيَّامٌ كَثِيرَةٌ مِنْ الْكُوفَةِ، ثُمَّ بَاعَ بَغْلَ مُسْلِمٍ ظُلْمًا وَاشْتَرَى بِالثَّمَنِ خَمْرًا. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي ابْنُ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: الْحَلِفُ بِالطَّلَاقِ لَيْسَ شَيْئًا، قُلْت: كَانَ يَرَاهُ يَمِينًا؟ قَالَ: لَا أَدْرِي - فَهَؤُلَاءِ: عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، وَشُرَيْحٌ، وَطَاوُسٌ لَا يَقْضُونَ بِالطَّلَاقِ عَلَى مَنْ حَلَفَ بِهِ فَحَنِثَ، وَلَا يُعْرَفُ لِعَلِيٍّ فِي ذَلِكَ مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَالطَّلَاقُ بِالصِّفَةِ عِنْدَنَا كَمَا هُوَ الطَّلَاقُ بِالْيَمِينِ، كُلُّ ذَلِكَ لَا يَلْزَمُ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَلَا يَكُونُ طَلَاقًا إلَّا كَمَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ وَعَلِمَهُ، وَهُوَ الْقَصْدُ إلَى الطَّلَاقِ وَأَمَّا مَا عَدَا ذَلِكَ فَبَاطِلٌ، وَتَعَدٍّ - لِحُدُودِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. وَقَدْ ذَكَرْنَا قَوْلَ عَطَاءٍ فِيمَنْ حَلَفَ بِطَلَاقِ امْرَأَتِهِ ثَلَاثًا إنْ لَمْ يَضْرِبْ زَيْدًا فَمَاتَ زَيْدٌ أَوْ مَاتَ هُوَ: أَنَّهُ لَا طَلَاقَ عَلَيْهِ أَصْلًا، وَأَنَّهُ يَرِثُ امْرَأَتَهُ إنْ مَاتَتْ، وَتَرِثُهُ إنْ مَاتَ - وَهُوَ قَوْلُ أَبِي ثَوْرٍ. وَقَالَ سُفْيَانُ: الطَّلَاقُ يَقَعُ بَعْدَ الْمَوْتِ - وَهَذَا خَطَأٌ ظَاهِرٌ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: الطَّلَاقُ يَقَعُ عَلَيْهِ وَالْحِنْثُ فِي آخِرِ أَوْقَاتِ الْحَيَاةِ - وَهَذِهِ دَعْوَى بِلَا بُرْهَانٍ. وَقَالَ مَالِكٌ: يُوقَفُ عَنْ امْرَأَتِهِ، وَهُوَ عَلَى حِنْثٍ حَتَّى يَبَرَّ - وَهَذَا كَلَامٌ فَاسِدٌ، لِأَنَّهُ إنْ كَانَ عَلَى حِنْثٍ فَهُوَ حَانِثٌ فَيَلْزَمُهُ أَنْ تَطْلُقَ عَلَيْهِ امْرَأَتُهُ، أَوْ أَنْ تَلْزَمَهُ الْكَفَّارَةُ بِالْيَمِينِ بِاَللَّهِ، وَإِلَّا فَلَيْسَ حَانِثًا، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ حَانِثًا فَهُوَ عَلَى بِرٍّ - لَا بُدَّ مِنْ أَحَدِهِمَا - وَلَا سَبِيلَ إلَى حَالٍ ثَالِثَةٍ لِلْحَالِفِ أَصْلًا. فَصَحَّ أَنَّ قَوْلَهُ " هُوَ عَلَى حِنْثٍ " كَلَامٌ لَا يُعْقَلُ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَلَيْتَ شِعْرِي - لِأَيِّ شَيْءٍ يُوقَفُ عَنْ امْرَأَتِهِ، وَلَا تَخْلُو مِنْ أَحَدِ وَجْهَيْنِ -: إمَّا أَنْ تَكُونَ حَلَالًا فَلَا يَحِلُّ تَوَقُّفُهُ عَنْ الْحَلَالِ. أَوْ تَكُونَ حَرَامًا فَلَا تَحْرُمُ عَلَيْهِ إلَّا بِالْحِنْثِ فَلِيُطَلِّقَهَا عَلَيْهِ. ثُمَّ نَقُولُ لَهُمْ: مِنْ أَيْنَ أَجَزْتُمْ الطَّلَاقَ بِصِفَةٍ وَلَمْ تُجِيزُوا النِّكَاحَ بِصِفَةٍ؟ وَالرَّجْعَةَ بِصِفَةٍ؟ كَمَنْ قَالَ: إذَا دَخَلْت الدَّارَ فَقَدْ رَاجَعْت زَوْجَتِي الْمُطَلَّقَةَ - أَوْ قَالَ: فَقَدْ تَزَوَّجْتُك؟ وَقَالَتْ هِيَ مِثْلَ ذَلِكَ، وَقَالَ الْوَلِيُّ مِثْلَ ذَلِكَ - وَلَا سَبِيلَ إلَى فَرْقٍ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

٨:١٢ م

٢٢ مسالة قال اذا جاء راس الشهر فانت طالق او ذكر وقتا ما 1966 - مَسْأَلَةٌ: مَنْ قَالَ: إذَا جَاءَ رَأْسُ الشَّهْرِ فَأَنْتِ طَالِقٌ، أَوْ ذَكَرَ وَقْتًا مَا؟ فَلَا تَكُونُ طَالِقًا بِذَلِكَ، لَا الْآنَ، وَلَا إذَا جَاءَ رَأْسُ الشَّهْرِ. بُرْهَانُ ذَلِكَ -: أَنَّهُ لَمْ يَأْتِ قُرْآنٌ وَلَا سُنَّةٌ بِوُقُوعِ الطَّلَاقِ بِذَلِكَ، وَقَدْ عَلَّمَنَا اللَّهُ الطَّلَاقَ عَلَى الْمَدْخُولِ بِهَا، وَفِي غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا، وَلَيْسَ هَذَا فِيمَا عَلَّمَنَا {وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ}[الطلاق: 1] . وَأَيْضًا - فَإِنْ كَانَ كُلُّ طَلَاقٍ لَا يَقَعُ حِينَ إيقَاعِهِ فَمِنْ الْمُحَالِ أَنْ يَقَعَ بَعْدَ ذَلِكَ فِي حِينِ لَمْ يُوقِعْهُ فِيهِ - وَقَدْ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي هَذَا -: فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: مَنْ طَلَّقَ إلَى أَجَلٍ لَمْ يَقَعْ الطَّلَاقُ إلَّا إلَى ذَلِكَ الْأَجَلِ - كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي عُبَيْدٍ نا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ عَنْ الْجَرَّاحِ بْنِ الْمِنْهَالِ نَا الْحَكَمُ - هُوَ ابْنُ عُتَيْبَةَ - أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ كَانَ يَقُولُ: مَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ إلَى رَأْسِ السَّنَةِ -: أَنَّهُ يَطَؤُهَا مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَأْسِ السَّنَةِ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ مَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ إذَا وَلَدْتِ؟ فَلَهُ أَنْ يُصِيبَهَا مَا لَمْ تَلِدْ - وَلَا يُطَلِّقُ حَتَّى يَأْتِيَ الْأَجَلُ. وَكَذَلِكَ مَنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إلَى سَنَةٍ وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي عُبَيْدٍ نا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ هَرِمٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ أَبِي الشَّعْثَاءِ قَالَ: هِيَ طَالِقٌ إلَى الْأَجَلِ الَّذِي سُمِّيَ، وَتَحِلُّ لَهُ مَا دُونَ ذَلِكَ. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي عُبَيْدٍ نا هُشَيْمٌ أَنَا مُغِيرَةُ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ فِيمَنْ وَقَّتَ فِي الطَّلَاقِ وَقْتًا، قَالَ: إذَا جَاءَ ذَلِكَ الْوَقْتُ وَقَعَ. وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا عَنْ الشَّعْبِيِّ. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ عُبَيْدَةَ عَنْ الشَّعْبِيِّ مِثْلُ قَوْلِ إبْرَاهِيمَ - وَرُوِيَ أَيْضًا: عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَنَفِيَّةِ. وَرُوِّينَا عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ قَالَ: مَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: إذَا حِضْت فَأَنْتِ طَالِقٌ؟ فَإِنَّهَا إذَا دَخَلَتْ فِي الدَّمِ طَلُقَتْ عَلَيْهِ. قَالَ: فَإِنْ قَالَ لَهَا: مَتَى حِضْت حَيْضَةً فَأَنْتِ طَالِقٌ؟ فَلَا تَطْلُقُ حَتَّى تَغْتَسِلَ مِنْ آخِرِ حَيْضَتِهَا، لِأَنَّهُ يُرَاجِعُهَا حَتَّى تَغْتَسِلَ. وَبِأَنْ: لَا يَقَعَ الطَّلَاقُ الْمُؤَجَّلُ إلَّا إلَى أَجَلِهِ -: يَقُولُ أَبُو عُبَيْدٍ، وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَأَبُو سُلَيْمَانَ، وَأَصْحَابُهُمْ. وَقَوْلٌ آخَرُ - وَهُوَ أَنَّ الطَّلَاقَ يَقَعُ فِي ذَلِكَ سَاعَةَ يَلْفِظُ بِهِ -: رُوِّينَا ذَلِكَ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ فِيمَنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ إلَى أَجَلٍ؟ قَالَ: يَقَعُ الطَّلَاقُ سَاعَتَئِذٍ وَلَا يَقْرَبُهَا. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نا هُشَيْمٌ نَا مَنْصُورٌ، وَيُونُسُ عَنْ الْحَسَنِ: أَنَّهُ كَانَ لَا يُؤَجِّلُ فِي الطَّلَاقِ -. وَرُوِّينَا عَنْ الزُّهْرِيِّ مَنْ طَلَّقَ إلَى سَنَةٍ؟ فَهِيَ طَالِقٌ حِينَئِذٍ. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي عُبَيْدٍ عَنْ هُشَيْمٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ أَنَّهُ كَانَ لَا يُؤَجِّلُ فِي الطَّلَاقِ أَجَلًا. وَرُوِيَ عَنْ رَبِيعَةَ - وَهُوَ قَوْلُ اللَّيْثِ، وَأَحَدُ قَوْلَيْ أَبِي حَنِيفَةَ - وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ. وَقَوْلٌ ثَالِثٌ - كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ نا مَعْمَرٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ الْحَسَنِ أَنَّهُ قَالَ: إذَا قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إذَا كَانَ كَذَا - لِأَمْرٍ لَا يَدْرِي أَيَكُونُ أَمْ لَا؟ - فَلَيْسَ بِطَلَاقٍ حَتَّى يَكُونَ ذَلِكَ وَيَطَؤُهَا، فَإِنْ مَاتَا قَبْلَ ذَلِكَ تَوَارَثَا. فَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إلَى سَنَةٍ فَهِيَ طَالِقٌ حِينَ يَقُولُ ذَلِكَ - وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ. وَقَوْلٌ رَابِعٌ - رُوِيَ عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى فِيمَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ إلَى رَأْسِ الْهِلَالِ؟ قَالَ: أَتَخَوَّفُ أَنْ يَكُونَ قَدْ طَلَّقَهَا؟ فَوَجَدْنَا مِنْ حُجَّةِ مَنْ قَالَ: بِأَنَّهُ وَقَعَ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ الْآنَ -: أَنْ قَالُوا: هَذَا الطَّلَاقُ إلَى أَجَلٍ، فَهُوَ بَاطِلٌ كَالنِّكَاحِ إلَى أَجَلٍ؟ فَقُلْنَا لَهُمْ: فَلِمَ قُلْتُمْ: إنَّهُ إنْ قَالَ: إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ؟ أَنَّهَا لَا تَطْلُقُ إلَّا بِدُخُولِ الدَّارِ، فَإِنَّهُ طَلَاقٌ إلَى أَجَلٍ، فَأَوْقَعْتُمُوهُ حِينَ لَفَظَ بِهِ. وَبِهَذَا نُعَارِضُهُمْ فِي قَوْلِهِمْ: إنَّ ظَاهِرَ أَمْرِهِ أَنَّهُ نَدِمَ إذْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ، فَأَتْبَعَ ذَلِكَ بِالْأَجَلِ؟ فَيَلْزَمُهُمْ ذَلِكَ فِيمَنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إنْ دَخَلْت الدَّارَ. وَهُوَ قَوْلٌ صَحَّ عَنْ شُرَيْحٍ أَلْزَمَهُ الطَّلَاقَ - دَخَلَتْ الدَّارَ أَوْ لَمْ تَدْخُلْهُ. وَقَالُوا: إذَا قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ، فَالطَّلَاقُ مُبَاحٌ، فَإِنْ أَتْبَعَهُ أَجَلًا فَهُوَ شَرْطٌ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى فَهُوَ بَاطِلٌ؟ فَقُلْنَا: بَلْ مَا طَلَاقُهُ إلَّا فَاسِدٌ لَا مُبَاحٌ؟ إذْ عَلَّقَهُ بِوَقْتٍ، وَلَا يَجُوزُ إلْزَامُهُ بَعْضَ مَا الْتَزَمَ دُونَ سَائِرِهِ - فَظَهَرَ فَسَادُ هَذَا الْقَوْلِ، وَيَكْفِي مِنْ هَذَا أَنَّهُ تَحْرِيمُ فَرْجٍ بِالظَّنِّ عَلَى مَنْ أَبَاحَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ بِالْيَقِينِ - وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ هَذَا. وَلَمْ نَجِدْ لِمَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الْأَجَلِ الْآتِي وَالْآبِدِ، وَبَيْنَ الْأَجَلِ الَّذِي لَا يَأْتِي حُجَّةً أَصْلًا، غَيْرَ دَعْوَاهُ؟ لَا سِيَّمَا وَهُمْ يُفْسِدُونَ النِّكَاحَ إذَا أَجَّلَ الصَّدَاقَ إلَى أَجَلٍ قَدْ يَكُونُ وَقَدْ لَا يَكُونُ، بِعَكْسِ قَوْلِهِمْ فِي الطَّلَاقِ؟ وَكِلَا الْأَمْرَيْنِ أَجَلٌ وَلَا فَرْقَ. وَأَيْضًا - فَقَدْ يَأْتِي الْأَجَلُ الَّذِي قَالُوا فِيهِ: إنَّهُ يَجِيءُ - وَهُوَ مَيِّتٌ أَوْ وَهِيَ مَيِّتَةٌ، أَوْ كِلَاهُمَا، أَوْ قَدْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا -: فَظَهَرَ فَسَادُ هَذَا الْقَوْلِ جُمْلَةً - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَهُمْ يُشَنِّعُونَ خِلَافَ الصَّاحِبِ الَّذِي لَا يُعْرَفُ لَهُ مُخَالِفٌ؟ وَقَدْ خَالَفُوا هَاهُنَا ابْنَ عَبَّاسٍ، وَأَيْضًا - فَإِنَّهُمْ يُوقِعُونَ عَلَيْهِ طَلَاقًا لَمْ يَلْتَزِمْهُ قَطُّ؟ وَهَذَا بَاطِلٌ. ثُمَّ لَوْ عُكِسَ عَلَيْهِمْ قَوْلُهُمْ، فَقِيلَ: بَلْ تَطْلُقُ عَلَيْهِ إذَا أَجَّلَ أَجَلًا - قَدْ يَكُونُ وَقَدْ لَا يَكُونُ - سَاعَةَ لَفْظِهِ بِالطَّلَاقِ، وَلَا تَطْلُقُ عَلَيْهِ إذَا أَجَّلَ أَجَلًا يَأْتِي وَلَا بُدَّ، لَمَا كَانَ بَيْنَهُمْ فَرْقٌ أَصْلًا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. ثُمَّ نَظَرْنَا فِيمَا يَحْتَجُّ بِهِ مَنْ أَجَازَ ذَلِكَ وَجَعَلَ الطَّلَاقَ يَقَعُ إذَا جَاءَ الْأَجَلُ - لَا قَبْلَ ذَلِكَ - بِأَنْ قَالَ: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {أَوْفُوا بِالْعُقُودِ}[المائدة: 1] ؟ فَقُلْنَا: إنَّمَا هَذَا فِي كُلِّ عَقْدٍ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِالْوَفَاءِ بِهِ، أَوْ نَدَبَ إلَيْهِ - لَا فِي كُلِّ عَقْدٍ جُمْلَةً، وَلَا فِي مَعْصِيَةٍ، وَمِنْ الْمَعَاصِي أَنْ يُطَلِّقَ بِخِلَافِ مَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ، فَلَا يَحِلُّ الْوَفَاءُ بِهِ. وَقَالُوا: " الْمُسْلِمُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ ". وَهَذَا كَاَلَّذِي قَبْلَهُ، لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «كُلُّ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى فَهُوَ بَاطِلٌ» . وَالطَّلَاقُ إلَى أَجَلٍ مُشْتَرَطٍ بِشَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى فَهُوَ بَاطِلٌ. وَقَالُوا: نَقِيسُ ذَلِكَ عَلَى الْمُدَايِنَةِ إلَى أَجَلٍ، وَالْعِتْقِ إلَى أَجَلٍ؟ فَقُلْنَا: الْقِيَاسُ بَاطِلٌ، ثُمَّ لَوْ كَانَ حَقًّا لَكَانَ هَذَا مِنْهُ بَاطِلًا، لِأَنَّ الْمُدَايِنَةَ وَالْعِتْقَ قَدْ جَاءَ فِي جَوَازِهِمَا إلَى أَجَلٍ النَّصُّ، وَلَمْ يَأْتِ ذَلِكَ فِي الطَّلَاقِ. ثُمَّ لَوْ كَانَ الْقِيَاسُ حَقًّا لَكَانَ هَذَا مِنْهُ بَاطِلًا، لِأَنَّكُمْ مُجْمِعُونَ عَلَى أَنَّ النِّكَاحَ إلَى أَجَلٍ لَا يَجُوزُ، وَأَنَّ ذَلِكَ النِّكَاحَ بَاطِلٌ، فَهَلَّا قِسْتُمْ الطَّلَاقَ إلَى أَجَلٍ عَلَى ذَلِكَ. وَقَالُوا: قَدْ أَجْمَعُوا عَلَى وُقُوعِ الطَّلَاقِ عِنْدَ الْأَجَلِ، لِأَنَّ مَنْ أَوْقَعَهُ حِينَ نَطَقَ بِهِ فَقَدْ أَجَازَهُ، فَالْوَاجِبُ الْمَصِيرُ إلَى مَا اتَّفَقُوا عَلَيْهِ؟ فَقُلْنَا: هَذَا بَاطِلٌ، وَمَا أَجْمَعُوا قَطُّ عَلَى ذَلِكَ، لِأَنَّ مَنْ أَوْقَعَ الطَّلَاقَ - حِينَ لَفَظَ بِهِ الْمُطَلِّقُ - لَمْ يَجُزْ قَطُّ أَنْ يُؤَخِّرَ إيقَاعَهُ إلَى أَجَلٍ وَاَلَّذِينَ أَوْقَعُوهُ عِنْدَ الْأَجَلِ لَمْ يُجِيزُوا إيقَاعَهُ حِينَ نَطَقَ بِهِ. وَقَالُوا: هَذَا قَوْلُ صَاحِبٍ لَا يُعْرَفُ لَهُ مِنْ الصَّحَابَةِ مُخَالِفٌ؟ فَقُلْنَا: هَذَا مِنْ رِوَايَةِ أَبِي الْعَطُوفِ الْجَرَّاحِ بْنِ الْمِنْهَالِ الْجَزَرِيِّ - وَهُوَ كَذَّابٌ مَشْهُورٌ بِوَضْعِ الْحَدِيثِ - فَبَطَلَ هَذَا الْقَوْلُ أَيْضًا -. وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

٨:١٣ م

٢٣ مسالة جعل الى امراته ان تطلق نفسها 1967 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ جَعَلَ إلَى امْرَأَتِهِ أَنْ تُطَلِّقَ نَفْسَهَا: لَمْ يَلْزَمْهُ ذَلِكَ، وَلَا تَكُونُ طَالِقًا - طَلَّقَتْ نَفْسَهَا أَوْ لَمْ تُطَلِّقْ - لِمَا ذَكَرْنَا قَبْلُ مِنْ أَنَّ الطَّلَاقَ إنَّمَا جَعَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى لِلرِّجَالِ لَا لِلنِّسَاءِ.

٨:١٣ م

٢٤ مسالة لا يكون طلاقا باينا ابدا الا في موضعين 1968 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَكُونُ طَلَاقًا بَائِنًا أَبَدًا إلَّا فِي مَوْضِعَيْنِ لَا ثَالِثَ لَهُمَا. أَحَدُهُمَا - طَلَاقُ غَيْرِ الْمَوْطُوءَةِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا}[الأحزاب: 49] . وَالثَّانِي - طَلَاقُ الثَّلَاثِ مَجْمُوعَةً أَوْ مُفَرَّقَةً، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ}[البقرة: 230] . وَأَمَّا مَا عَدَا هَذَيْنِ فَلَا أَصْلًا، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ}[البقرة: 228] . وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ}[البقرة: 231] وَقَالَ تَعَالَى: {فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ}[الطلاق: 2] فَجُعِلَ إلَى الزَّوْجِ فِي الْعِدَّةِ أَنْ يُرَاجِعَهَا أَوْ يَتْرُكَ. وَمِمَّنْ قَالَ بِذَلِكَ -: الشَّافِعِيُّ، وَأَبُو سُلَيْمَانَ، وَأَصْحَابُهُمَا، إلَّا أَنَّ الشَّافِعِيَّ رَأَى الْخُلْعَ طَلَاقًا بَائِنًا - وَلَيْسَ عِنْدَنَا كَذَلِكَ، وَسَنَتَكَلَّمُ فِيهِ فِي بَابِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. فَمَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ لَا رَجْعَةَ لِي فِيهَا عَلَيْك، بَلْ تَمْلِكِينَ بِهَا نَفْسَك، فَإِنَّ النَّاسَ اخْتَلَفُوا فِي ذَلِكَ: فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَصْحَابُهُمَا، وَابْنُ وَهْبٍ - صَاحِبُ مَالِكٍ -: هِيَ طَلْقَةٌ يَمْلِكُ فِيهَا زَوْجُهَا رَجْعَتَهَا، وَقَوْلُهُ بِخِلَافِ ذَلِكَ لَغْوٌ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: هِيَ ثَلَاثَةٌ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْمَاجِشُونِ - صَاحِبِ مَالِكٍ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: هِيَ كَمَا قَالَ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ صَاحِبِ مَالِكٍ. وَاَلَّذِي نَقُولُ بِهِ: إنَّهُ كَلَامٌ فَاسِدٌ لَا يَقَعُ بِهِ طَلَاقٌ أَصْلًا، لِأَنَّهُ لَمْ يُطَلِّقْ كَمَا أَمَرَهُ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - وَلَا طَلَاقَ إلَّا كَمَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ» . وَالطَّلَاقُ الرَّجْعِيُّ - هُوَ الَّذِي يَكُونُ فِيهِ الزَّوْجُ مُخَيَّرًا مَا دَامَتْ فِي الْعِدَّةِ بَيْنَ تَرْكِهَا لَا يُرَاجِعُهَا حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا، فَتَمْلِكُ أَمْرَهَا فَلَا يُرَاجِعُهَا إلَّا بِوَلِيٍّ وَرِضَاهَا، وَصَدَاقٍ، وَبَيْنَ أَنْ يُشْهِدَ عَلَى ارْتِجَاعِهَا فَقَطْ فَتَكُونُ زَوْجَتُهُ - أَحَبَّتْ أَمْ كَرِهَتْ - بِلَا وَلِيٍّ وَلَا صَدَاقٍ، لَكِنْ بِإِشْهَادٍ فَقَطْ. وَلَوْ مَاتَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ تَمَامِ الْعِدَّةِ وَقَبْلَ الْمُرَاجَعَةِ وَرِثَهُ الْبَاقِي مِنْهُمَا - وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ مِنْ أَحَدٍ مِنْ الْأَئِمَّةِ. وَالْبَائِنُ - هُوَ الَّذِي لَا رَجْعَةَ لَهُ عَلَيْهَا إلَّا أَنْ تَشَاءَ هِيَ - فِي غَيْرِ الثَّلَاثِ - بِوَلِيٍّ، وَصَدَاقٍ، وَرِضَاهَا، وَنَفَقَتُهَا عَلَيْهِ فِي الطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ مَا دَامَتْ فِي الْعِدَّةِ، وَيَلْحَقُهَا طَلَاقُهُ.

٨:١٤ م

٢٥ مسالة قال انت طالق ان شاء الله 1969 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ، أَوْ قَالَ: إلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ، أَوْ قَالَ: إلَّا أَنْ لَا يَشَاءَ اللَّهُ -: فَكُلُّ ذَلِكَ سَوَاءٌ، وَلَا يَقَعُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ طَلَاقٌ. بُرْهَانُ ذَلِكَ: قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا}[الكهف: 23] {إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ}[الكهف: 24] . وَقَالَ تَعَالَى: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ}[الإنسان: 30] وَنَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَوْ أَرَادَ إمْضَاءَ هَذَا الطَّلَاقِ لَيَسَّرَهُ لِإِخْرَاجِهِ بِغَيْرِ اسْتِثْنَاءٍ. فَصَحَّ أَنَّهُ تَعَالَى لَمْ يُرِدْ وُقُوعَهُ إذْ يَسَّرَهُ لِتَعْلِيقِهِ بِمَشِيئَتِهِ - عَزَّ وَجَلَّ. وَقَدْ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي هَذَا -: فَقَالَتْ طَائِفَةٌ كَمَا قُلْنَا - كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي عُبَيْدٍ نا مُعَاذُ بْنُ مُعَاذٍ عَنْ وَرْقَاءَ بْنِ عُمَرَ عَنْ ابْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ فِيمَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ؟ قَالَ: لَهُ ثُنْيَاهُ وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ فِيمَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ؟ قَالَ: لَا يَحْنَثُ. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ اللَّيْثِ قَالَ: اجْتَمَعَ عَطَاءٌ، وَمُجَاهِدٌ وَطَاوُسٌ، وَالزُّهْرِيُّ: عَلَى أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ فِي كُلِّ شَيْءٍ جَائِزٌ. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ حَكِيمٍ أَبِي دَاوُد عَنْ الشَّعْبِيِّ فِيمَنْ قَالَ: أَنْتَ حُرٌّ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى؟ قَالَ: لَا يَحْنَثُ. وَمِنْ طَرِيقِ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ فِيمَنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ؟ لَهُ ثُنْيَاهُ. وَعَنْ أَبِي مِجْلَزٍ مِثْلُ ذَلِكَ - وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ، وَحَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ، وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْد الرَّزَّاقِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ إبْرَاهِيمَ قَالَ: إذَا قَالَ: إنْ لَمْ أَفْعَلْ كَذَا فَامْرَأَتِي طَالِقٌ - إنْ شَاءَ اللَّهُ - فَحَنِثَ لَمْ تَطْلُقْ امْرَأَتُهُ. وَبِهِ - كَانَ يَأْخُذُ أَبُو حَنِيفَةَ، وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: وَالنَّاسُ عَلَيْهِ. وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ - مَنْ قَالَ: امْرَأَتِي طَالِقٌ إنْ كَلَّمْت فُلَانًا شَهْرًا إلَّا أَنْ يَبْدُوَ لِي أَنَّهُ إنْ وَصَلَ الْكَلَامُ فَلَهُ اسْتِثْنَاؤُهُ، فَإِنْ قَطَعَهُ وَسَكَتَ ثُمَّ اسْتَثْنَى فَلَا اسْتِثْنَاءَ لَهُ. وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ - فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ -: إنْ قَالَ: إنْ فَعَلْت كَذَا فَأَنْتِ طَالِقٌ - إنْ شَاءَ اللَّهُ - فَالِاسْتِثْنَاءُ جَائِزٌ؛ وَلَا يَقَعُ الطَّلَاقُ، وَكَذَلِكَ الْعَتَاقُ. وَبِهِ يَقُولُ الشَّافِعِيُّ؛ وَأَصْحَابُهُ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَعُثْمَانُ الْبَتِّيُّ، وَإِسْحَاقُ، وَأَبُو سُلَيْمَانَ وَأَصْحَابُنَا. وَقَالَ آخَرُونَ: لَا يَسْقُطُ الطَّلَاقُ بِالِاسْتِثْنَاءِ -: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي عُبَيْدٍ نا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ حَدَّثَنِي الْفَضْلُ بْنُ الْمُخْتَارِ عَنْ أَبِي حَمْزَةَ ` قَالَ: سَمِعْت ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ: إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ، فَهِيَ طَالِقٌ. وَقَدْ صَحَّ هَذَا عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَالْحَسَنِ، وَالشَّعْبِيِّ، وَالزُّهْرِيِّ، وَقَتَادَةَ، وَمَكْحُولٍ - وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ الْأَوْزَاعِيِّ، وَمَالِكٍ، وَاللَّيْثِ، وَأَحَدُ قَوْلَيْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى. وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى: إنْ طَلَّقَ وَاسْتَثْنَى فَالطَّلَاقُ وَاقِعٌ، وَإِنْ أَخْرَجَهُ مَخْرَجَ الْيَمِينِ فَلَهُ اسْتِثْنَاؤُهُ. وَقَالَ مَالِكٌ: فَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شَاءَ زَيْدٌ - أَوْ قَالَ: إلَّا أَنْ لَا يَشَاءَ زَيْدٌ - أَوْ إلَّا أَنْ يَشَاءَ زَيْدٌ: فَإِنَّهَا لَا تَطْلُقُ إلَّا أَنْ يَشَاءَ زَيْدٌ - وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِكَ بِأَنَّ مَشِيئَةَ زَيْدٍ تُعْرَفُ، وَمَشِيئَةَ اللَّهِ تَعَالَى لَا تُعْرَفُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا بَاطِلٌ، بَلْ مَشِيئَةُ زَيْدٍ لَا يَعْرِفُهَا أَبَدًا أَحَدٌ غَيْرُهُ، وَغَيْرُ اللَّهِ تَعَالَى، لِأَنَّهُ قَدْ يَكْذِبُ، وَأَمَّا مَشِيئَةُ اللَّهِ تَعَالَى فَمَعْرُوفَةٌ بِلَا شَكٍّ، لِأَنَّ كُلَّ مَا نَفَذَ فَقَدْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى كَوْنَهُ، وَمَا لَمْ يَنْفُذْ فَلَا نَشُكُّ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَشَأْ كَوْنَهُ - وَهَذَا مِمَّا خَالَفَ فِيهِ الْحَنَفِيُّونَ تَشْنِيعَهُمْ بِمُخَالَفَةِ صَاحِبٍ لَا يُعْرَفُ لَهُ مِنْ الصَّحَابَةِ مُخَالِفٌ.

٨:١٥ م

٢٦ مسالة طلق امراته ثم كرر طلاقها لكل من لقيه مشهدا او مخبرا 1970 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثُمَّ كَرَّرَ طَلَاقَهَا لِكُلِّ مَنْ لَقِيَهُ مُشْهِدًا أَوْ مُخْبِرًا: فَهُوَ طَلَاقٌ وَاحِدٌ، لَا يَلْزَمُهُ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ - وَهَذَا مَا لَا خِلَافَ فِيهِ، لِأَنَّهُ لَمْ يَنْوِ بِذَلِكَ طَلَاقًا آخَرَ.

٨:١٥ م

٢٧ مسالة ايقنت امراته انه طلقها ثلاثا 1971 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ أَيْقَنَتْ امْرَأَتُهُ أَنَّهُ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا، أَوْ آخِرَ ثَلَاثٍ أَوْ دُونَ ثَلَاثٍ، وَلَمْ يُشْهِدْ عَلَى مُرَاجَعَتِهِ إيَّاهَا حَتَّى تَمَّتْ عِدَّتُهَا ثُمَّ أَمْسَكَهَا مُعْتَدِيًا: فَفَرْضٌ عَلَيْهَا أَنْ تَهْرُبَ عَنْهُ - إنْ لَمْ تَكُنْ لَهَا بَيِّنَةٌ - فَإِنْ أَكْرَهَهَا فَلَهَا قَتْلُهُ دِفَاعًا عَنْ نَفْسِهَا، وَإِلَّا فَهُوَ زِنًى مِنْهَا إنْ أَمْكَنَتْهُ مِنْ نَفْسِهَا - وَهُوَ أَجْنَبِيٌّ - كَعَابِرِ السَّبِيلِ فَحُكْمُهُ فِي كُلِّ شَيْءٍ حُكْمُ الْأَجْنَبِيِّ

٨:١٦ م

٢٨ مسالة طلاق المريض 1972 - مَسْأَلَةٌ: وَطَلَاقُ الْمَرِيضِ كَطَلَاقِ الصَّحِيحِ، وَلَا فَرْقَ - مَاتَ مِنْ ذَلِكَ الْمَرَضِ أَوْ لَمْ يَمُتْ مِنْهُ - فَإِنْ كَانَ طَلَاقُ الْمَرِيضِ ثَلَاثًا، أَوْ آخِرَ ثَلَاثٍ، أَوْ قَبْلَ أَنْ يَطَأَهَا فَمَاتَ، أَوْ مَاتَتْ - قَبْلَ تَمَامِ الْعِدَّةِ أَوْ بَعْدَهَا - أَوْ كَانَ طَلَاقًا رَجْعِيًّا فَلَمْ يَرْتَجِعْهَا - حَتَّى مَاتَ أَوْ مَاتَتْ بَعْدَ تَمَامِ الْعِدَّةِ، فَلَا تَرِثُهُ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ، وَلَا يَرِثُهَا أَصْلًا. وَكَذَلِكَ طَلَاقُ الصَّحِيحِ لِلْمَرِيضَةِ، وَطَلَاقُ الْمَرِيضِ لِلْمَرِيضَةِ، وَلَا فَرْقَ وَكَذَلِكَ طَلَاقُ الْمَوْقُوفِ لِلْقَتْلِ وَالْحَامِلِ الْمُثْقَلَةِ -: وَهَذَا مَكَانٌ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِيهِ -: فَقَوْلٌ أَوَّلٌ - فِيهِ: أَنَّهُ لَيْسَ طَلَاقًا، كَمَا نا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نَبَاتٍ نا ابْنُ مُفَرِّجٍ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ الْوَرْدِ نا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ بْنِ بَادِي الْعَلَّافُ نا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ نا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ نَافِعٍ - مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ - قَالَ: إنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ طَلَّقَ امْرَأَةً لَهُ كَلْبِيَّةً فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ، فَكَلَّمَهُ عُثْمَانُ لِيُرَاجِعَهَا؟ فَتَلَكَّأَ عَلَيْهِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ؟ فَقَالَ عُثْمَانُ: قَدْ أَعْرِفُ إنَّمَا طَلَّقَهَا كَرَاهِيَةَ أَنْ تَرِثَ مَعَ أُمِّ كُلْثُومٍ، وَإِنِّي وَاَللَّهِ لَأَقْسِمَنَّ لَهَا مِيرَاثَهَا، وَإِنْ كَانَتْ أُمُّ كُلْثُومٍ أُخْتِي - قَالَ نَافِعٌ: وَكَانَ آخِرُ طَلَاقِهَا تَطْلِيقَةً فِي مَرَضِهِ. فَهَذَا عُثْمَانُ يَأْمُرُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بِمُرَاجَعَتِهَا بَعْدَ أَنْ طَلَّقَهَا آخِرَ طَلَاقِهَا فِي مَرَضِهِ - فَصَحَّ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَرَاهُ طَلَاقًا. فَكُلُّ مَا رُوِيَ عَنْ عُثْمَانَ بَعْدَ هَذَا فَهُوَ مَرْدُودٌ إلَى هَذَا. وَجَاءَ عَنْ عُثْمَانَ أَيْضًا - أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ مُكَمِّلٍ طَلَّقَ بَعْضَ نِسَائِهِ بَعْدَ أَنْ أَصَابَهُ فَالِجٌ، ثُمَّ مَاتَ بَعْدَ سَنَتَيْنِ فَوَرَّثَهَا مِنْهُ عُثْمَانُ. وَصَحَّ عَنْهُ أَنَّهُ وَرَّثَ امْرَأَةَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ الْكَلْبِيَّةَ، وَقَدْ طَلَّقَهَا - وَهُوَ مَرِيضٌ - آخِرَ ثَلَاثِ تَطْلِيقَاتٍ، ثُمَّ مَاتَ بَعْدَ أَنْ أَتَمَّتْ عِدَّتَهَا، فَقِيلَ لِعُثْمَانَ: لِمَ تُوَرِّثْهَا مِنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَقَدْ عَلِمْت أَنَّهُ لَمْ يُطَلِّقْهَا ضِرَارًا وَلَا فِرَارًا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ؟ فَقَالَ عُثْمَانُ: أَرَدْت أَنْ تَكُونَ سُنَّةً يَهَابُ النَّاسُ الْفِرَارَ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. وَقَوْلٌ آخَرُ - تَرِثُهُ وَيَرِثُهَا: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَمَّنْ سَمِعَ الْحَسَنَ يَقُولُ: يَتَوَرَّثَانِ إنْ مَاتَ مِنْ مَرَضِهِ ذَلِكَ. وَقَوْلٌ ثَالِثٌ -: تَرِثُهُ - وَإِنْ صَحَّ ثُمَّ مَاتَ مِنْ مَرَضٍ آخَرَ -: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي عُبَيْدٍ نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ نا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ عَنْ الزُّهْرِيِّ: أَنَّهُ سُئِلَ عَمَّنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ - وَهُوَ مَرِيضٌ - فَبَتَّهَا فَصَحَّ أَيَّامًا - وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ - ثُمَّ مَرِضَ ثُمَّ مَاتَ مِنْ وَجَعٍ آخَرَ، أَوْ عَادَ لَهُ وَجَعُهُ؟ قَالَ الزُّهْرِيُّ: نَرَى حِينَ طَلَّقَهَا - وَهُوَ مَرِيضٌ - أَنَّهَا - فِي قَضَاءِ عُثْمَانَ - تَرِثُهُ. وَبِهَذَا يَقُولُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَزُفَرُ بْنُ الْهُذَيْلِ، وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ، كُلُّهُمْ يَقُولُ: إذَا طَلَّقَهَا وَهُوَ مَرِيضٌ، ثُمَّ صَحَّ، ثُمَّ مَاتَ قَبْلَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا، فَإِنَّهَا تَرِثُهُ. وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: إنْ مَلَّكَهَا نَفْسَهَا - وَهُوَ مَرِيضٌ - فَطَلَّقَتْ نَفْسَهَا لَمْ تَرِثْهُ، وَإِنْ طَلَّقَهَا - وَهُوَ مَرِيضٌ - بِإِذْنِهَا وَرِثَتْهُ. وَقَوْلٌ رَابِعٌ - رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نا إسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ أَنَّهُ سَأَلَ أَبَاهُ عُرْوَةَ عَمَّنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ أَلْبَتَّةَ، وَهُوَ مَرِيضٌ؟ فَقَالَ عُرْوَةُ: لَا يَتَوَارَثَانِ إلَّا أَنْ يَكُونَ بِهَا حَبَلٌ، أَوْ يُطَلِّقُ مُضَارَةً فَيَمُوتُ وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ مِنْهُ. وَقَوْلٌ خَامِسٌ - إنْ طَلَّقَ ثَلَاثًا وَهُوَ مَرِيضٌ وَلَمْ يَصِحَّ حَتَّى مَاتَ، فَإِنَّهَا تَرِثُهُ مَا لَمْ تَنْقَضِ عِدَّتُهَا مِنْهُ، فَإِنْ مَاتَ بَعْدَ أَنْ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا لَمْ تَرِثْهُ. كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ نا سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ فِي الْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا - وَهُوَ مَرِيضٌ -: تَرِثُهُ مَا دَامَتْ فِي الْعِدَّةِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: لَمْ يَسْمَعْ ابْنُ أَبِي عَرُوبَةَ مِنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ شَيْئًا. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا حَاتِمُ بْنُ إسْمَاعِيلَ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ حُسَيْنَ بْنَ عَلِيٍّ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ - وَهُوَ مَرِيضٌ - فَوَرِثَتْهُ. وَمِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ مِقْسَمٍ عَنْ عُبَيْدَةَ بْنِ مُغِيثٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ قَالَ: الرَّجُلُ إذَا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا وَرِثَتْهُ مَا كَانَتْ فِي الْعِدَّةِ - وَبِهِ يَقُولُ إبْرَاهِيمُ. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ عَنْ الْمُغِيرَةِ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ شُرَيْحٍ قَالَ: أَتَانِي عُرْوَةُ الْبَارِقِيُّ مِنْ عِنْدِ عُمَرَ فِي الرَّجُلِ يُطَلِّقُ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا فِي مَرَضِهِ: أَنَّهَا تَرِثُهُ مَا دَامَتْ فِي الْعِدَّةِ وَلَا يَرِثُهَا - وَبِهِ يَقُولُ إبْرَاهِيمُ. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نا هُشَيْمٌ نا مُغِيرَةُ عَنْ إبْرَاهِيمَ فِيمَنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ - وَهُوَ مَرِيضٌ - ثَلَاثًا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا؟ قَالَ: لَهَا نِصْفُ الصَّدَاقِ، وَلَا مِيرَاثَ لَهَا، وَلَا عِدَّةَ عَلَيْهَا - قَالَ هُشَيْمٌ: وَبِهَذَا نَقُولُ. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ الْمُغِيرَةِ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: إذَا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا، وَهُوَ مَرِيضٌ وَرِثَتْ فِي الْعِدَّةِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَكَذَا فِي كِتَابِي عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ عُمَرَ، وَلَا أَرَاهُ إلَّا وَهْمًا، وَأَنَّهُ إنَّمَا هُوَ عُمَرُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - كَذَلِكَ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ، وَشُعْبَةَ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ عَنْ دَاوُد، وَالْأَشْعَثِ عَنْ الشَّعْبِيِّ، وَشُرَيْحٍ، قَالَا: إذَا طَلَّقَ ثَلَاثًا فِي مَرَضِهِ وَرِثَتْهُ مَا دَامَتْ فِي الْعِدَّةِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَأَصْحَابُهُ: فَإِنْ خَيَّرَهَا أَوْ مَلَّكَهَا، أَوْ خَالَعَهَا - وَهُوَ مَرِيضٌ - أَوْ حَلَفَ بِطَلَاقِهَا ثَلَاثًا - وَهُوَ صَحِيحٌ - فَحَنَّثَتْهُ - وَهُوَ مَرِيضٌ - فَمَاتَ - لَمْ تَرِثْهُ. فَلَوْ بَارَزَ رَجُلًا فِي الْقِتَالِ أَوْ قُدِّمَ لِيُقْتَلَ فَطَلَّقَهَا ثَلَاثًا وَرِثَتْهُ. فَلَوْ طَلَّقَهَا وَهُوَ مَرِيضٌ - وَلَمْ يَكُنْ دَخَلَ بِهَا - لَمْ تَرِثْهُ. فَلَوْ أَكْرَهَهَا أَبُوهُ فَوَطِئَهَا فِي مَرَضِهِ ابْنُهُ فَمَاتَ - لَمْ تَرِثْهُ. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا فِي مَرَضِهِ؟ فَقَالَ عُثْمَانُ: لَئِنْ مِتّ لَأُوَرِّثَنَّهَا مِنْك؟ قَالَ: قَدْ عَلِمْت ذَلِكَ، فَمَاتَ فِي عِدَّتِهَا، فَوَرَّثَهَا عُثْمَانُ فِي عِدَّتِهَا. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ أَنَّهُ سَأَلَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ فَقَالَ لَهُ ابْنُ الزُّبَيْرِ: طَلَّقَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ بِنْتَ الْأَصْبَغِ الْكَلْبِيَّةَ فَبَتَّهَا، ثُمَّ مَاتَ، فَوَرَّثَهَا عُثْمَانُ فِي عِدَّتِهَا - ثُمَّ ذَكَرَ ابْنُ الزُّبَيْرِ قَوْلَهُ نَفْسَهُ. نا عَلِيُّ بْنُ عَبَّادٍ الْأَنْصَارِيُّ نا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ يَزِيدَ اللَّخْمِيُّ نا ابْنُ مُفَرِّجٍ نا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ الْأَسَدِيُّ نا عَمْرُو بْنُ ثَوْبَانَ نا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ الْفِرْيَابِيُّ نا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ قَالَ: مَنْ طَلَّقَ - وَهُوَ مَرِيضٌ - طَلَاقًا بَائِنًا فَإِنَّهَا تَرِثُهُ مَا دَامَتْ فِي الْعِدَّةِ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ وَابْنِ جُرَيْجٍ كِلَاهُمَا عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: إذَا طَلَّقَهَا مَرِيضًا فَبَتَّهَا فَانْقَضَتْ الْعِدَّةُ فَلَا مِيرَاثَ بَيْنَهُمَا. وَصَحَّ عَنْ شُرَيْحٍ فِيمَنْ طَلَّقَ مَرِيضًا فَمَاتَ فَإِنَّهَا تَرِثُهُ مَا كَانَتْ فِي الْعِدَّةِ، فَبَلَغَ ذَلِكَ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ فَلَمْ يُنْكِرْهُ. وَهُوَ قَوْلُ الشَّعْبِيِّ، وَالْحَارِثِ الْعُكْلِيِّ، وَحَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ. وَرُوِيَ عَنْ رَبِيعَةَ، وَطَاوُسٍ، وَاللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَالْأَوْزَاعِيِّ، وَابْنِ شُبْرُمَةَ، وَأَبِي حَنِيفَةَ، وَأَصْحَابِهِ. وَقَوْلٌ سَادِسٌ - مَنْ رُوِيَ عَنْهُ أَنَّ الْمُطَلَّقَةَ فِي الْمَرَضِ تَرِثُ - هَكَذَا جُمْلَةً - لَمْ يُبَيِّنْ فِي الْعِدَّةِ فَقَطْ أَمْ بَعْدَهَا؟ فَكَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي رِجَالٌ - مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ - أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: الْمُطَلَّقَةُ فِي الْمَرَضِ تَرِثُ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا عُبَيْدُ اللَّهِ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْأَسْوَدِ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ: لَوْ مَرِضَ سَنَةً لَوَرَّثْتهَا مِنْهُ. وَالْأَصَحُّ عَنْ عَطَاءٍ أَنَّهَا تَرِثُهُ فِي الْعِدَّةِ، وَلَا تَرِثُهُ بَعْدَهَا. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ عَنْ أَشْعَثَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ قَالَ: كَانُوا يَقُولُونَ: لَا يَخْتَلِفُونَ فِيمَنْ فَرَّ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ رُدَّ إلَيْهِ - يَعْنِي: فِيمَنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهُوَ مَرِيضٌ. وَقَوْلٌ سَابِعٌ - مَنْ قَالَ: تَرِثُهُ بَعْدَ الْعِدَّةِ مَا لَمْ تَتَزَوَّجْ - فَكَمَا نا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نَبَاتٍ نا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْبَصِيرِ نا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ نا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ الْخُشَنِيُّ نا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى نا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ نا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ عَنْ شَيْخٍ مِنْ قُرَيْشٍ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ فِيمَنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا فِي مَرَضِهِ؟ قَالَ: لَا أَزَالُ أُوَرِّثُهَا مِنْهُ حَتَّى يَبْرَأَ، أَوْ تَتَزَوَّجَ، أَوْ تَمْكُثَ سَنَةً - أَوْ قَالَ: وَلَوْ مَكَثَتْ سَنَةً. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قُلْت لِعَطَاءٍ: الرَّجُلُ يُطَلِّقُ امْرَأَتَهُ مَرِيضًا ثُمَّ يَمُوتُ مِنْ وَجَعِهِ ذَلِكَ؟ قَالَ عَطَاءٌ: تَرِثُهُ وَإِنْ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا مِنْهُ إذَا مَاتَ فِي مَرَضِهِ ذَلِكَ، مَا لَمْ تُنْكَحْ. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي عُبَيْدٍ نا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ فِي الَّتِي يُطَلِّقُهَا وَهُوَ مَرِيضٌ؟ قَالَ: تَرِثُهُ وَإِنْ كَانَ إلَى سَنَتَيْنِ مَا لَمْ تَتَزَوَّجْ. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَسَمِعْت أَبَا يُوسُفَ الْقَاضِيَ يَقُولُ عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، أَنَّهُ قَالَ فِي الْمُطَلَّقَةِ فِي الْمَرَضِ: تَرِثُهُ مَا لَمْ تَتَزَوَّجْ - وَهُوَ قَوْلُ شَرِيكٍ الْقَاضِي، وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، وَإِسْحَاقَ، وَأَبِي عُبَيْدٍ. وَقَوْلٌ ثَامِنٌ - وَهُوَ لِمَنْ قَالَ: إنَّهَا لَا تَرِثُهُ، إلَّا مَا دَامَتْ فِي الْعِدَّةِ، وَإِنَّهَا تَنْتَقِلُ إلَى عِدَّةِ الْوَفَاةِ - وَقَالَهُ أَيْضًا بَعْضُ مَنْ وَرَّثَهَا بَعْدَ الْعِدَّةِ -: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي عُبَيْدٍ نا يَحْيَى بْنُ زَكَرِيَّا بْنِ أَبِي زَائِدَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: بَابٌ مِنْ الطَّلَاقِ جَسِيمٌ: إذَا وَرِثَتْ الْمَرْأَةُ اعْتَدَّتْ - تَرِثُهُ مَا لَمْ تُنْكَحْ قَبْلَ مَوْتِهِ - فَإِذَا وَرِثَتْهُ اعْتَدَّتْ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ مِقْسَمٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ: إذَا طَلَّقَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ - وَهُوَ مَرِيضٌ - فَمَاتَ وَرِثَتْهُ وَاسْتَأْنَفَتْ الْعِدَّةَ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ أَنَّهُ قَالَ: إذَا طَلَّقَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ - وَهُوَ مَرِيضٌ - فَإِنَّهَا تَكُونُ عَلَى أَقْصَى الْعِدَّتَيْنِ إنْ كَانَتْ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا أَكْثَرَ مِنْ حَيْضَتِهَا أَخَذَتْ بِالْأَرْبَعَةِ الْأَشْهُرِ وَالْعَشْرِ، وَإِنْ كَانَ الْحَيْضُ أَكْثَرَ أَخَذَتْ بِالْحَيْضِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ وَهَذَا هُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: تَتَمَادَى عَلَى الْحَيْضِ فَقَطْ، وَلَا تَنْتَقِلُ إلَى عِدَّةِ الْوَفَاةِ. وَقَوْلٌ تَاسِعٌ - وَهُوَ قَوْلُ مَنْ قَالَ: تَرِثُهُ فِي الْعِدَّةِ وَبَعْدَ الْعِدَّةِ، وَلَمْ يَخُصَّ " إنْ لَمْ تَتَزَوَّجْ " وَلَا قَالَ " وَإِنْ تَزَوَّجَتْ ". فَكَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي مُوسَى بْنُ يَزِيدَ عَنْ الزُّهْرِيِّ حَدَّثَنِي طَلْحَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَوْفٍ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ عَاشَ حَتَّى حَلَّتْ تُمَاضِرُ، ثُمَّ وَرَّثَهَا عُثْمَانُ مِنْهُ بَعْدَ مَا حَلَّتْ. وَهَكَذَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نا عَبَّادُ بْنُ عَبَّادٍ الْمُهَلَّبِيُّ نا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَلْقَمَةَ، كِلَاهُمَا عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ أَنَّ أَبَاهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ فِي مَرَضِهِ فَمَاتَ بَعْدَ مَا حَلَّتْ فَوَرَّثَهَا عُثْمَانُ. وَاخْتُلِفَ عَنْ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِيهِ فَرَوَى عَنْهُ أَبُو عَوَانَةَ أَنَّهُ كَانَ ذَلِكَ فِي الْعِدَّةِ - وَرَوَى عَنْهُ هُشَيْمٌ: كَانَ ذَلِكَ بَعْدَ الْعِدَّةِ، وَعُمَرُ ضَعِيفٌ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي يَزِيدُ بْنُ عِيَاضِ بْنِ جُعْدُبَةَ عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ بْنِ الْحَارِثِ عَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّهُ قَالَ: إذَا طَلَّقَ الْمَرِيضُ امْرَأَتَهُ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا فَلَهَا مِيرَاثُهَا مِنْهُ وَنِصْفُ الصَّدَاقِ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي مَخْرَمَةُ بْنُ بُكَيْرٍ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ يُقَالُ: إذَا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ - وَهُوَ وَجِعٌ - وَقَدْ فَرَضَ لَهَا وَلَمْ يَمَسَّهَا، فَلَهَا نِصْفُ صَدَاقِهَا وَتَرِثُهُ. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا سَهْلُ بْنُ يُوسُفَ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ بَكْرٍ عَنْ الْحَسَنِ فِيمَنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا فِي مَرَضِهِ فَمَاتَ - وَقَدْ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا - فَإِنَّهَا تَرِثُهُ. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نا هُشَيْمٌ نا يُونُسُ بْنُ عُبَيْدٍ، وَمَنْصُورٌ، كِلَاهُمَا: عَنْ الْحَسَنِ فِيمَنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ - وَهُوَ مَرِيضٌ - قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا؟ قَالَ: لَهَا الصَّدَاقُ كُلُّهُ وَالْمِيرَاثُ، وَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ عُثْمَانَ الْبَتِّيِّ، وَحُمَيْدَ، وَأَصْحَابِ الْحَسَنِ، قَالُوا: تَرِثُهُ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ. وَقَوْلٌ عَاشِرٌ - رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي رِجَالٌ - مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ - أَنَّ رَبِيعَةَ قَالَ فِي الْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا فِي الْمَرَضِ: تَرِثُهُ وَإِنْ نَكَحَتْ بَعْدَهُ عَشْرَةَ أَزْوَاجٍ. وَبِهَذَا يَقُولُ مَالِكٌ وَمَنْ قَلَّدَهُ - وَرُوِيَ أَيْضًا عَنْ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ. وَقَالَ مَالِكٌ: إنْ طَلَّقَهَا مَرِيضًا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا؟ فَلَهَا الْمِيرَاثُ، وَلَهَا نِصْفُ الصَّدَاقِ وَلَا عِدَّةَ عَلَيْهَا - وَقَالَ: إنْ خَيَّرَهَا - وَهُوَ مَرِيضٌ - فَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا فَطَلُقَتْ ثَلَاثًا، أَوْ اخْتَلَعَتْ مِنْهُ - وَهُوَ مَرِيضٌ ثُمَّ مَاتَ مِنْ مَرَضِهِ - فَإِنَّهَا تَرِثُهُ. قَالَ: وَكَذَلِكَ لَوْ حَلَفَ بِطَلَاقِهَا ثَلَاثًا إنْ دَخَلْت دَارَ فُلَانٍ، وَهُوَ صَحِيحٌ فَمَرِضَ فَتَعَمَّدَتْ دُخُولَ تِلْكَ الدَّارِ فَطَلُقَتْ ثَلَاثًا، أَوْ مَاتَ مِنْ مَرَضِهِ، فَإِنَّهَا تَرِثُهُ. قَالَ: وَكَذَلِكَ مَنْ قَالَ وَهُوَ صَحِيحٌ: إذَا قَدِمَ أَبِي فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا؟ فَقَدِمَ أَبُوهُ - وَهُوَ مَرِيضٌ - فَطَلُقَتْ ثَلَاثًا ثُمَّ مَاتَ هُوَ؟ فَإِنَّهَا تَرِثُهُ. قَالَ: وَمَنْ قَاتَلَ فِي الزَّحْفِ، أَوْ حُبِسَ لِلْقَتْلِ، فَطَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا، فَإِنَّهَا تَرِثُهُ. قَالَ: وَالْمَحْصُورُ - إنْ طَلَّقَ ثَلَاثًا لَمْ تَرِثْهُ. قَالَ: فَلَوْ ارْتَدَّ وَهُوَ مَرِيضٌ لَمْ تَرِثْهُ. وَقَوْلٌ حَادِيَ عَشَرَ -: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: طَلَّقَ غَيْلَانُ بْنُ سَلَمَةَ الثَّقَفِيُّ نِسَاءَهُ، وَقَسَّمَ مَالَهُ بَيْنَ بَنِيهِ، وَذَلِكَ فِي خِلَافَةِ عُمَرَ، فَبَلَغَهُ ذَلِكَ؟ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: طَلَّقْت نِسَاءَك، وَقَسَّمْت مَالَك بَيْنَ بَنِيك؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ لَهُ عُمَرُ: وَاَللَّهِ لَأَرَى الشَّيْطَانَ فِيمَا يَسْتَرِقُ مِنْ السَّمْعِ سَمِعَ بِمَوْتِك، فَأَلْقَاهُ فِي نَفْسِك؟ فَلَعَلَّك أَنْ لَا تَمْكُثَ إلَّا قَلِيلًا، وَأَيْمُ اللَّهِ لَئِنْ لَمْ تُرَاجِعْ نِسَاءَك، وَتَرْجِعْ فِي مَالِك لِأُوَرِّثَنهُنَّ مِنْك إذَا مِتَّ، ثُمَّ لَآمُرَن بِقَبْرِك فَلْيُرْجَمَن كَمَا يُرْجَمُ قَبْرُ أَبِي رِغَالَ؟ قَالَ فَرَاجَعَ نِسَاءَهُ وَمَالَهُ، قَالَ نَافِعٌ: فَمَا لَبِثَ إلَّا سَبْعًا حَتَّى مَاتَ. وَأَمَّا الْمَحْصُورُ - فَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، قَالَ: نا عَبَّادُ بْنُ الْعَوَّامِ عَنْ أَشْعَثَ عَنْ الشَّعْبِيِّ أَنَّ أُمَّ الْبَنِينَ بِنْتَ عُيَيْنَةَ بْنِ حِصْنٍ كَانَتْ تَحْتَ عُثْمَانَ، فَلَمَّا حُوصِرَ طَلَّقَهَا، وَكَانَ قَدْ أَرْسَلَ إلَيْهَا يَشْتَرِي مِنْهَا ثَمَنَهَا، فَأَبَتْ، فَلَمَّا قُتِلَ أَتَتْ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لَهُ؟ فَقَالَ عَلِيٌّ: تَرَكَهَا حَتَّى إذَا أَشْرَفَ عَلَى الْمَوْتِ طَلَّقَهَا، فَوَرَّثَهَا. وَقَوْلٌ ثَانِيَ عَشَرَ - وَهُوَ مَنْ لَمْ يُوَرِّثْ الْمَبْتُوتَةَ فِي الْمَرَضِ -: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ: أَنَّهُ سَأَلَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ عَنْ الْمَبْتُوتَةِ -: يَعْنِي فِي الْمَرَضِ؟ قَالَ: فَقَالَ لِي ابْنُ الزُّبَيْرِ: طَلَّقَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ بِنْتَ الْأَصْبَغِ الْكَلْبِيَّةَ ثَلَاثًا ثُمَّ مَاتَ وَهِيَ فِي عِدَّتِهَا فَوَرَّثَهَا عُثْمَانُ. قَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ: فَأَمَّا أَنَا فَلَا أَرَى أَنْ تَرِثَ الْمَبْتُوتَةُ. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي عُبَيْدٍ نا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ نا ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ قَالَ: سَأَلْت عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ عَمَّنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا وَهُوَ مَرِيضٌ؟ فَقَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ: أَمَّا عُثْمَانُ فَوَرَّثَ ابْنَةَ الْأَصْبَغِ الْكَلْبِيَّةَ، وَأَمَّا أَنَا فَلَا أَرَى أَنْ تَرِثَ مَبْتُوتَةٌ. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ، وَالْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ، قَالَا جَمِيعًا: نا أَبُو عَوَانَةَ نا عُمَرُ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ أَبِيهِ، فَذَكَرَ حَدِيثَ أَبِيهِ، وَأَنَّ امْرَأَتَهُ تُمَاضِرَ بِنْتَ الْأَصْبَغِ بْنِ زِيَادِ بْنِ الْحُصَيْنِ أَرْسَلَتْ إلَيْهِ تَسْأَلُهُ الطَّلَاقَ؟ فَقَالَ: إذَا طَهُرَتْ -: يَعْنِي مِنْ حَيْضِهَا فَلْتُؤْذِنِّي؟ فَطَهُرَتْ، فَأَرْسَلَتْ إلَيْهِ وَهُوَ مَرِيضٌ، فَغَضِبَ وَقَالَ: هِيَ طَالِقٌ أَلْبَتَّةَ، وَلَا رَجْعَةَ لَهَا، فَلَمْ يَلْبَثْ إلَّا يَسِيرًا حَتَّى مَاتَ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَوْفٍ: لَا أُوَرِّثُ تُمَاضِرَ شَيْئًا - هَذَا لَفْظُ الْحَجَّاجِ وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ فِي رِوَايَتِهِ: فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: لَا أُوَرِّثُ تُمَاضِرَ شَيْئًا، ثُمَّ اتَّفَقَا، فَارْتَفَعُوا إلَى عُثْمَانَ فَوَرَّثَهَا، وَكَانَ ذَلِكَ فِي الْعِدَّةِ. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي عُبَيْدٍ نا أَبُو أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيُّ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ لَيْثٍ عَنْ طَاوُسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي الَّذِي يُطَلِّقُ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا فِي مَرَضِهِ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا؟ قَالَ: لَيْسَ لَهَا مِيرَاثٌ، وَلَهَا نِصْفُ الصَّدَاقِ. وَمِنْ طَرِيقِ قَتَادَةَ: أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: لَا تَرِثُ الْمَبْتُوتَةُ. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نا جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ مِقْسَمٍ عَنْ الْحَارِثِ الْعُكْلِيِّ، قَالَ: مَنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ طَلْقَتَيْنِ فِي صِحَّتِهِ فَطَلَّقَهَا الثَّالِثَةَ لِلْعِدَّةِ فِي مَرَضِهِ لَمْ تَرِثْهُ، لِأَنَّهُ لَمْ تَعْتَدَّ - وَبِأَنْ لَا تَرِثَ الْمُطَلَّقَةُ الْمَبْتُوتَةُ فِي الْمَرَضِ يَقُولُ الشَّافِعِيُّ، وَأَبُو سُلَيْمَانَ، وَأَصْحَابُهُمَا. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: احْتَجَّ مَنْ رَأَى تَوْرِيثَ الْمَبْتُوتَةِ فِي الْمَرَضِ بِأَنْ قَالُوا: فَرَّ بِذَلِكَ عَمَّا أَوْجَبَ اللَّهُ تَعَالَى لَهَا فِي كِتَابِهِ فِي الْمِيرَاثِ، فَوَجَبَ أَنْ يُقْضَى عَلَيْهِ وَعَلَى مَنْ لَا يُتَّهَمُ بِذَلِكَ، لِئَلَّا يَكُونَ ذَرِيعَةً إلَى مَنْعِ الْحُقُوقِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَنَقُولُ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى نَتَأَيَّدُ - مَا فَرَّ قَطُّ عَنْ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى بَلْ أَخَذَ بِكِتَابِ اللَّهِ وَاتَّبَعَهُ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَبَاحَ الطَّلَاقَ، وَقَطَعَ بِالثَّلَاثِ، وَبِالطَّلَاقِ قَبْلَ الْوَطْءِ: جَمِيعَ حُقُوقِ الزَّوْجِيَّةِ: مِنْ النَّفَقَةِ، وَإِبَاحَةِ الْوَطْءِ، وَالتَّوَارُثِ، فَأَيْنَ هَاهُنَا الْفِرَارُ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى؟ إنَّمَا كَانَ يَفِرُّ عَنْ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى لَوْ قَالَ: لَا تَرِثُ مِنِّي شَيْئًا دُونَ أَنْ يُطَلِّقَهَا، بَلْ الْفِرَارُ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى: هُوَ تَوْرِيثُ مَنْ لَيْسَتْ زَوْجَةً، وَلَا أُمًّا، وَلَا جَدَّةً، وَلَا ابْنَةً، وَلَا ابْنَةَ ابْنٍ، وَلَا أُخْتًا، وَلَا مُعْتِقَةً، وَلَكِنْ أَجْنَبِيَّةً لَمْ يَجْعَلْ اللَّهُ تَعَالَى قَطُّ لَهَا مِيرَاثًا. وَكَيْف يَجُوزُ أَنْ تُوَرَّثَ بِالزَّوْجِيَّةِ مَنْ إنْ وَطِئَهَا رُجِمَ؟ أَوْ مَنْ قَدْ حَلَّ لَهَا زَوَاجُ غَيْرِهِ: أَوْ مَنْ هِيَ زَوْجَةٌ لِغَيْرِهِ؟ هَذَا هُوَ خِلَافُ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى حَقًّا، بِلَا شَكٍّ. وَأَيْضًا - فَإِنْ كَانَتْ تَرِثُهُ بِالزَّوْجِيَّةِ فَوَاجِبٌ أَنْ يَرِثَهَا بِالزَّوْجِيَّةِ - كَمَا يَقُولُ الْحَسَنُ - إذْ مِنْ الْبَاطِلِ الْمُحَالِ الْمُمْتَنِعِ أَنْ تَكُونَ هِيَ امْرَأَتَهُ، وَلَا يَكُونُ هُوَ زَوْجَهَا؟ فَإِنْ قَالُوا: لَيْسَتْ امْرَأَتَهُ. ؟ قُلْنَا: فَلِمَ وَرَّثْتُمُوهَا مِيرَاثَ زَوْجَةٍ، وَهَذَا عَجَبٌ جِدًّا؟ وَهَذَا أَكْلُ الْمَالِ بِالْبَاطِلِ، بِلَا شَكٍّ. وَمِنْ الْعَجَبِ؟ قَوْلُهُمْ: فَرَّ بِمِيرَاثِهَا، وَأَيُّ مِيرَاثٍ لَهَا مِنْ صَحِيحٍ لَعَلَّهَا هِيَ تَمُوتُ قَبْلَهُ - وَرُبَّ صَحِيحٍ يَمُوتُ قَبْلَ ذَلِكَ الْمَرِيضِ، وَقَدْ يَبْرَأُ مِنْ مَرَضِهِ، فَمَا وَجَبَ بِهَا قَطُّ - إذْ طَلَّقَهَا - مِيرَاثٌ يَفِرُّ بِهِ عَنْهَا. ثُمَّ مِنْ الْعَجَبِ تَوْرِيثُ الْحَنَفِيِّينَ الْمَبْتُوتَةَ مِمَّنْ حُبِسَ لِلْقَتْلِ، أَوْ بَارَزَ فِي حَرْبٍ وَلَيْسَ مَرِيضًا، وَمَنْعُهُمْ الْمِيرَاثَ لِلَّتِي أَكْرَهَهَا أَبُو زَوْجِهَا عَلَى أَنْ وَطِئَهَا فِي مَرَضِ زَوْجِهَا، وَلَيْسَ لِزَوْجِهَا فِي ذَلِكَ عَمَلٌ أَصْلًا، وَلَا طَلَّقَهَا مُخْتَارًا قَطُّ؟ وَتَوْرِيثُ الْمَالِكِيِّينَ الْمُخْتَلِعَةَ، وَالْمُخْتَارَةَ نَفْسَهَا، وَالْقَاصِدَةَ إلَى تَحْنِيثِهِ فِي مَرَضِهِ فِي يَمِينِهِ، وَهُوَ صَحِيحٌ بِالطَّلَاقِ، وَهُوَ كَارِهٌ لِمُفَارَقَتِهَا وَهِيَ مُسَارِعَةٌ إلَيْهِ، مُكْرِهَةٌ لَهُ عَلَى ذَلِكَ. وَمَا فِي الْعَجَبِ أَكْثَرُ مِنْ مَنْعِهِمْ الْمُتَزَوِّجَةَ فِي الْمَرَضِ مِنْ الْمِيرَاثِ الَّذِي أَوْجَبَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَهَا يَقِينًا بِالزَّوْجِيَّةِ الصَّحِيحَةِ، وَتَوْرِيثِهِمْ الْمُطَلَّقَةَ ثَلَاثًا فِي الْمَرَضِ، فَوَرَّثُوا بِالزَّوْجِيَّةِ مَنْ لَيْسَتْ زَوْجَةً، وَمَنَعُوا مِيرَاثَ الزَّوْجَةِ مَنْ هِيَ زَوْجَتُهُ - وَحَسْبُنَا اللَّهُ، وَنِعْمَ الْوَكِيلُ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي مَالِكٌ وَعَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ، وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، وَمَخْرَمَةُ بْنُ بُكَيْرٍ، وَيُونُسُ بْنُ يَزِيدَ، قَالَ مَالِكٌ، وَاللَّيْثُ وَعَمْرُ وَكُلُّهُمْ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حِبَّانَ - وَقَالَ مَخْرَمَةُ عَنْ أَبِيهِ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ " وَقَالَ يُونُسُ - وَاللَّفْظُ لَهُ -: نا الزُّهْرِيُّ أَنَّ رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ يُقَالُ: لَهُ: حِبَّانُ بْنُ مُنْقِذٍ كَانَتْ تَحْتَهُ هِنْدُ بِنْتُ رَبِيعَةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَامْرَأَةٌ مِنْ الْأَنْصَارِ فَطَلَّقَ الْأَنْصَارِيَّةَ - وَهِيَ تُرْضِعُ ابْنَهُ وَهُوَ صَحِيحٌ - فَمَكَثَتْ سَبْعَةَ أَشْهُرٍ أَوْ قَرِيبًا مِنْ ثَمَانِيَةِ أَشْهُرٍ لَا تَحِيضُ، ثُمَّ مَرِضَ حِبَّانُ فَقِيلَ لَهُ: إنَّهَا تَرِثُك إنْ مِتّ؟ قَالَ: احْمِلُونِي إلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عُثْمَانَ فَحُمِلَ إلَيْهِ فَذَكَرَ لَهُ شَأْنَ امْرَأَتِهِ - وَعِنْدَهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ؟ فَقَالَ لَهُمَا عُثْمَانُ: مَا تَرَيَانِ؟ قَالَا جَمِيعًا: نَرَى أَنَّهَا تَرِثُهُ إنْ مَاتَ، وَيَرِثُهَا إنْ مَاتَتْ، فَإِنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ الْقَوَاعِدِ اللَّاتِي يَئِسْنَ مِنْ الْمَحِيضِ، وَلَيْسَتْ مِنْ اللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ، فَهِيَ عِنْدَهُ عَلَى حَيْضِهَا مَا كَانَتْ مِنْ قَلِيلٍ أَوْ كَثِيرٍ، وَأَنَّهُ لَمْ يَمْنَعْهَا مِنْ أَنْ تَحِيضَ إلَّا الرَّضَاعُ؟ فَرَجَعَ حِبَّانُ فَانْتَزَعَ ابْنَهُ مِنْهَا، فَلَمَّا فَقَدَتْ الرَّضَاعَ حَاضَتْ حَيْضَةً، ثُمَّ حَاضَتْ أُخْرَى فِي الْهِلَالِ، ثُمَّ تُوُفِّيَ حِبَّانُ عَلَى رَأْسِ السَّنَةِ أَوْ قَرِيبًا مِنْهَا؟ فَشَرَّكَ عُثْمَانُ بَيْنَ الْمَرْأَتَيْنِ فِي الْمِيرَاثِ، وَأَمَرَ الْأَنْصَارِيَّةَ أَنْ تَعْتَدَّ عِدَّةَ الْوَفَاةِ - وَقَالَ لِلْهَاشِمِيَّةِ هَذَا رَأْيُ ابْنِ عَمِّك، هُوَ أَشَارَ عَلَيْنَا بِهِ - يَعْنِي عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ - قَالَ ابْنُ وَهْبٍ: نا بِشْرُ بْنُ بَكْرٍ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: إنَّ عُثْمَانَ قَضَى أَنْ نَخْتَلِجَ مِنْهَا وَلَدَهَا حَتَّى تَحِيضَ أَقْرَاءَهَا. قَالَ ابْنُ وَهْبٍ: أَخْبَرَنِي خَالِدُ بْنُ حُمَيْدٍ الْمَهْرِيُّ عَمَّنْ أَخْبَرَهُ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّ عُثْمَانَ أَرْسَلَ إلَى زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ يُشَاوِرُهُ فِي أَمْرِ حِبَّانَ بْنِ مُنْقِذٍ؟ فَقَالَ زَيْدٌ: اخْتَلَجَ ابْنَهُ مِنْهَا، تَرْجِعُ الْحَيْضَةُ؟ فَفَعَلَ عُثْمَانُ، وَذَكَرَ الْخَبَرَ - وَبِهِ يَقُولُ مَالِكٌ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا حَقًّا هُوَ الْفِرَارُ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ تُمْنَعَ رَضَاعَ وَلَدِهَا لِيَتَعَجَّلَ حَيْضَهَا فَتَتِمَّ عِدَّتُهَا، وَتُبْطِلَ مِيرَاثَهَا - وَإِنَّمَا كَانَ الْوَجْهُ - إذَا هُوَ عِنْدَهُمْ فَارٌّ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ - أَنْ يُبْطِلُوا الطَّلَاقَ الَّذِي بِهِ أَرَادَ مَنْعَهَا الْمِيرَاثَ، كَمَا فَعَلَ الْمَالِكِيُّونَ فِي نِكَاحِ الْمَرِيضِ. وَأَمَّا تَجْوِيزُهُمْ الطَّلَاقَ وَإِبْقَاؤُهُمْ الْمِيرَاثَ فَمُنَاقَضَةٌ ظَاهِرَةُ الْخَطَأِ. وَقَدْ أَوْرَدْنَا قَبْلُ عَنْ عُثْمَانَ أَنَّهُ لَمْ يُجِزْ ذَلِكَ الطَّلَاقَ، إذْ أَمَرَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بِمُرَاجَعَتِهَا بَعْدَ أَنْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا. وَيُقَالُ لَهُمْ: أَتَرَوْنَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ فَرَّ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى؟ حَاشَا لَهُ مِنْ ذَلِكَ، فَمِنْ قَوْلِهِمْ: إنَّمَا فَعَلَ ذَلِكَ بِمَنْ لَا يُظَنُّ بِهِ الْفِرَارُ لِقَطْعِ الذَّرِيعَةِ؟ فَقُلْنَا: فَهَلَّا قُلْتُمْ بِقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فِي أَنَّ مَنْ أَكْرَهَهَا أَبُو زَوْجِهَا عَلَى الْوَطْءِ أَنَّهَا تَرِثُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُمْكِنُ أَنْ يَدُسَّ الزَّوْجُ أَبَاهُ لِذَلِكَ لِيَمْنَعَهَا الْمِيرَاثَ فَرُبَّ فَاسِقٍ يَسْتَسْهِلُ هَذَا فِي حَرِيمَتِهِ فَيَكُونُ قَطْعًا لِلذَّرِيعَةِ. وَهَلَّا إنْ كُنْتُمْ مَالِكِيِّينَ قُلْتُمْ بِذَلِكَ فِي الْمُرْتَدِّ فِي مَرَضِهِ، إذْ قُلْتُمْ: لَا نَتَّهِمُهُ أَنَّهُ ارْتَدَّ فِرَارًا مِنْ مِيرَاثِهَا، فَكَمْ مِنْ النَّاسِ فَرَّ إلَى أَرْضِ الْحَرْبِ وَارْتَدَّ لِغَضَبٍ غَضِبَهُ، وَلِيَغِيظَ جَارَهُ بِأَذَاهُ لَهُ؟ وَهَذَا كُلُّهُ تَنَاقُضٌ لَا خَفَاءَ بِهِ فَكَيْفَ مَنْ ارْتَدَّ لِئَلَّا تَرِثَهُ ثُمَّ رَاجَعَ الْإِسْلَامَ؟ وَهَلَّا وَرَّثُوهَا مِنْهُ - وَإِنْ مَاتَتْ قَبْلَهُ؟ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ تَوْرِيثِهَا وَهِيَ مَيِّتَةٌ وَبَيْنَ تَوْرِيثِهَا بِالزَّوْجِيَّةِ وَهِيَ أَجْنَبِيَّةٌ زَوْجَةٌ لِغَيْرِهِ لَوْ وَطِئَهَا هُوَ لَرُجِمَ وَرُجِمَتْ؟ فَإِنْ قَالُوا: لَمْ يَأْتِ بِهَذَا أَثَرٌ؟ قُلْنَا: وَلَا جَاءَ فِي الْمُبَارِزِ أَثَرٌ فَهَلَّا قِسْتُمْ هَذَا عَلَى الْمُطَلَّقَةِ كَمَا قِسْتُمْ ذَلِكَ عَلَى الْمُطَلِّقِ؟ وَلَا وَرَّثْتُمُوهَا مِنْ الْمُرْتَدِّ، فَقَدْ قَالَ بِتَوْرِيثِ مَالِ الْمُرْتَدِّ لِوَرَثَتِهِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ طَائِفَةٌ مِنْ السَّلَفِ. وَلَا نَدْرِي مَا قَوْلُهُمْ فِي مَرِيضٍ تَحْتَهُ مَمْلُوكَةٌ فَأُعْتِقَتْ فِي مَرَضِهِ فَاخْتَارَتْ فِرَاقَهُ؟ وَفِي مَمْلُوكٍ تَحْتَهُ حُرَّةٌ فَطَلَّقَهَا بَتَاتًا، وَهُوَ مَرِيضٌ ثُمَّ أُعْتِقَ هُوَ؟ وَفِي مُسْلِمٍ تَحْتَهُ كِتَابِيَّةٌ فَطَلَّقَهَا فِي مَرَضِهِ ثَلَاثًا ثُمَّ اعْتَدَّتْ وَأَسْلَمَتْ فِي عِدَّتِهَا أَوْ بَعْدَ عِدَّتِهَا، أَوْ بَعْدَ أَنْ تَزَوَّجَتْ؟ وَأَيْضًا - فَإِنَّ الْفِرَارَ بِالْمِيرَاثِ عَنْهَا يَدْخُلُ فِي طَلَاقِ الصَّحِيحِ كَمَا يَدْخُلُ فِي طَلَاقِ الْمَرِيضِ، وَقَدْ يَمُوتُ الصَّحِيحُ قَبْلَ الْمَرِيضِ، فَلْيُوَرِّثُوهَا مِمَّنْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا - وَهُوَ صَحِيحٌ - ثُمَّ مَاتَ بَغْتَةً أَوْ مِنْ مَرَضٍ أَصَابَهُ؟ وَأَيْضًا - فَلَا يَخْتَلِفُونَ فِيمَنْ بِهِ حِينَ قَاتَلَ، أَوْ جُرِحَ فَانْتَثَرَتْ حَشْوَتُهُ فَتَحَامَلَ فَوَطِئَ جَارِيَةً لَهُ فَحَمَلَتْ - وَهُوَ يَهْتِفُ بِأَنَّهُ إنَّمَا وَطِئَهَا لِتَحْمِلَ - فَيَحْرِمَ عَصَبَتَهُ الْمِيرَاثَ أَنَّهَا إنْ حَمَلَتْ وَوَلَدَتْ حَرَمَتْ الْعَصَبَةَ الْمِيرَاثَ. فَإِنْ قَالُوا: وَقَدْ لَا تَحْمِلُ؟ قُلْنَا: وَهُوَ قَدْ يُفِيقُ، وَهِيَ قَدْ تَمُوتُ قَبْلَهُ - وَهَلَّا وَضَعُوا الظَّنَّ فِي الْفِرَارِ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى حَيْثُ هُوَ أَلْيَقُ بِهِ فَيَقُولُوا: إذَا طَلَّقَهَا ثَلَاثًا - وَهُوَ مَرِيضٌ - فَإِنَّمَا فَرَّ عَنْ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى فِيمَا أَوْجَبَ لَهَا مِنْ النَّفَقَةِ وَالْكِسْوَةِ الْوَاجِبَ لَهَا كُلَّ ذَلِكَ، فَيُلْزِمُونَهُ الْكِسْوَةَ وَالنَّفَقَةَ أَبَدًا، فَلَمْ يَفْعَلُوا، وَأَعْمَلُوا ظَنَّهُمْ فِي أَنَّهُ فَرَّ عَنْهَا بِمِيرَاثٍ لَمْ يَجِبْ لَهَا قَطُّ. وَلَا يَخْتَلِفُونَ فِي أَنَّ مَنْ أَقَرَّ فِي مَرَضِهِ - الَّذِي مَاتَ فِيهِ - بِوَلَدٍ أَنَّهُ يَلْحَقُهُ وَيَرِثُ وَيَمْنَعُ عَصَبَتَهُ الْمِيرَاثَ، وَيَحُطُّ الزَّوْجَةَ مِنْ رُبُعٍ إلَى ثُمُنٍ - فَهَلَّا قَالُوا: إنَّمَا فَعَلَ ذَلِكَ لِيَحُطَّهَا مِنْ الْمِيرَاثِ؟ وَأَمَّا الْحَنَفِيُّونَ - فَإِنَّهُمْ أَمْضَوْا فِرَارَهُ عَنْ كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، إذْ قَطَعُوا مِيرَاثَهَا بَعْدَ الْعِدَّةِ فَجَعَلُوهُ يَنْتَفِعُ بِفِرَارِهِ عَنْ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى فِي مَوْضِعٍ، وَلَا يَنْتَفِعُ بِهِ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ - فَهَذَا التَّخْلِيطُ وَالْخَبْطُ، وَانْقِطَاعُ الْعِدَّةِ: مُتَوَلِّدٌ مِنْ الطَّلَاقِ الَّذِي هُوَ فِعْلُهُ. وَيُقَالُ لَهُمْ: قَدْ أَجَزْتُمْ نِكَاحَ الْمَرِيضِ وَهُوَ إضْرَارٌ بِأَهْلِ الْمِيرَاثِ فِي إدْخَالِ مَنْ يُشْرِكُهُمْ فِيهِ؟ فَهَلَّا إذْ أَجَزْتُمْ طَلَاقَ الْمَرِيضِ أَمْضَيْتُمْ حُكْمَهُ فِي قَطْعِ الْمِيرَاثِ؟ وَيُقَالُ لِلْمَالِكِيِّينَ: مِنْ أَيْنَ وَرَّثْتُمْ الْمُخَنَّثَةَ لِزَوْجِهَا فِي مَرَضِهِ - وَهُوَ لَمْ يَفِرَّ قَطُّ بِمِيرَاثِهَا، وَلَا طَلَّقَهَا فِي مَرَضِهِ، وَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يُقَاسَ غَيْرُ فَارٍّ عَلَى فَارٍّ؟ . وَأَعْجَبُ شَيْءٍ - قَوْلُ الْمَالِكِيِّينَ فِي الَّتِي يُطَلِّقُهَا زَوْجُهَا - وَهُوَ مَرِيضٌ - وَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا: أَنَّهَا تَرِثُهُ، وَلَيْسَ لَهَا إلَّا نِصْفُ الصَّدَاقِ؟ فَهَلَّا قَالُوا: إنَّهُ فَرَّ بِنِصْفِ صَدَاقِهَا فَيَقْضُوا لَهَا بِجَمِيعِهِ - كَمَا قَالَ الْحَسَنُ؟ وَهَلَّا قَالُوا فِيمَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: إنْ دَخَلْت دَارَ زَيْدٍ فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا، وَهُوَ صَحِيحٌ فَاعْتَلَّتْ هِيَ فَأَمَرَتْ مَنْ حَمَلَهَا فَدَخَلَتْ دَارَ زَيْدٍ وَقَالَتْ: إنَّمَا أَفْعَلُ هَذَا لِئَلَّا يَرِثَنِي؟ فَهَذِهِ فَارَّةٌ بِمِيرَاثِهَا، فَهَلَّا وَرَّثُوهُ مِنْهَا بِعِلَّةِ الْفِرَارِ؟ وَلَكِنَّهُمْ لَا يَتَمَسَّكُونَ بِنَصٍّ، وَلَا بِقِيَاسٍ، وَلَا بِعِلَّةٍ. وَعَجَبٌ آخَرُ - وَهُوَ أَنَّهُمْ قَالُوا: إنْ صَحَّ لَمْ تَرِثْهُ فَجَعَلُوهُ يَنْتَفِعُ بِفِرَارِهِ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ إنْ صَحَّ - وَهَذَا تَلَاعُبٌ، وَلَمْ يَأْتِ قَطُّ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ أَنَّهُ إنْ صَحَّ لَمْ تَرِثْهُ إلَّا عَنْ أُبَيٍّ وَحْدَهُ. وَقَدْ خَالَفَهُ الْمَالِكِيُّونَ فِي قَوْلِهِ: إلَّا أَنْ تَتَزَوَّجَ. وَخَالَفَهُ الْحَنَفِيُّونَ فِي تَوْرِيثِهَا مِنْهُ بَعْدَ الْعِدَّةِ - وَالْقَوْمُ مُتَلَاعِبُونَ بِلَا شَكٍّ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَمَّا كَانَ الْمَرَضُ يُحْدِثُ لِصَاحِبِهِ أَحْكَامًا لَمْ تَكُنْ لَهُ فِي الصِّحَّةِ فَيُمْنَعُ مِنْ أَكْثَرَ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ فِي الصَّدَقَةِ، وَالْعِتْقِ، وَالْهِبَةِ، وَكَانَ الطَّلَاقُ كَذَلِكَ؟ فَقُلْنَا: هَذَا احْتِجَاجٌ لِلْخَطَأِ بِالْخَطَأِ، وَمَا وَجَبَ قَطُّ مَنْعُ الْمَرِيضِ مِنْ جَمِيعِ مَالِهِ، بَلْ هُوَ كَالصَّحِيحِ سَوَاءً سَوَاءً، وَحَتَّى لَوْ كَانَ مَا قُلْتُمْ فَمِنْ أَيْنَ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ الطَّلَاقُ مَقِيسًا عَلَى ذَلِكَ، وَمَا نَعْلَمُ دَلِيلًا عَلَى ذَلِكَ لَا مِنْ نَصٍّ، وَلَا مِنْ إجْمَاعٍ، وَلَا مِنْ قَوْلٍ مُتَقَدِّمٍ، وَلَا مِنْ مَعْقُولٍ، وَلَا دَعْوَى كَاذِبَةٍ - فَبَطَلَ هَذَا أَيْضًا بِيَقِينٍ، وَلَا يَعْجِزُ أَحَدٌ عَنْ أَنْ يَدَّعِيَ مَا شَاءَ. وَقَدْ تَكَلَّمْنَا عَلَى هَذَا فِي " كِتَابِ الْهِبَاتِ " مِنْ دِيوَانِنَا هَذَا فَأَغْنَى عَنْ إعَادَتِهِ. وَقَالُوا: هَذَا قَوْلُ جُمْهُورِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -؟ فَقُلْنَا: كَذَبَ مَنْ قَالَ هَذَا، أَشْنَعَ كَذِبٍ، إنَّمَا جَاءَتْ فِي ذَلِكَ رِوَايَاتٌ مُخْتَلِفَةٌ مُتَنَاقِضَةٌ عَنْ خَمْسَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ فَقَطْ: عُمَرَ، وَعُثْمَانَ، وَعَلِيٍّ، وَعَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ، وَأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ. أَمَّا الرِّوَايَةُ عَنْ عَلِيٍّ فَسَاقِطَةٌ مَفْضُوحَةٌ، وَلَمْ تَصِحَّ قَطُّ، لِأَنَّهَا عَنْ ابْنِ وَهْبٍ وَعَنْ رِجَالٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ عَنْ عَلِيٍّ، ثُمَّ لَيْسَ عَنْهُ إلَّا الْمُطَلَّقَةُ فِي الْمَرَضِ تَرِثُ - وَنَحْنُ نَقُولُ: إنَّهَا تَرِثُ مَا لَمْ تَكُنْ مَبْتُوتَةً، وَلَيْسَ فِيهِ: أَنَّهَا تَرِثُ فِي الْعِدَّةِ دُونَ مَا بَعْدَ الْعِدَّةِ، وَلَا أَنَّهَا تَرِثُ إلَّا أَنْ يَصِحَّ - فَهِيَ رِوَايَةٌ عَلَى سُقُوطِهَا غَيْرُ مُوَافِقَةٍ لِتَحَكُّمِ الْحَنَفِيِّينَ، وَالْمَالِكِيِّينَ، فَكَيْفَ وَقَدْ أَوْرَدْنَا عَنْ عَلِيٍّ مِثْلَهَا: لَا تَرِثُ مَبْتُوتَةٌ. وَأَوْرَدْنَا عَنْهُ: أَنَّهُ وَرَّثَ الْمَرْأَةَ الَّتِي طَلَّقَهَا عُثْمَانُ وَهُوَ مَحْصُورٌ وَهُمْ كُلُّهُمْ لَا يَقُولُونَ بِهَذَا. وَالرِّوَايَةُ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ لَا تَصِحُّ، لِأَنَّ سَعِيدَ بْنَ أَبِي عَرُوبَةَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ شَيْئًا قَطُّ، فَلَا نَدْرِي عَمَّنْ أَخَذَهُ، وَهُوَ مُخَالِفٌ لِقَوْلِ الْمَالِكِيِّينَ، فَهُوَ عَلَيْهِمْ لَا لَهُمْ - فَسَقَطَتْ هَذِهِ الرِّوَايَةُ. وَالرِّوَايَةُ عَنْ أُبَيٍّ سَاقِطَةٌ لَا تَصِحُّ، لِأَنَّهَا مِنْ طَرِيقِ شَيْخٍ مِنْ قُرَيْشٍ لَا يُدْرَى مَنْ هُوَ؟ ثُمَّ هِيَ مُخَالِفَةٌ لِلْحَنَفِيِّينَ، وَالْمَالِكِيِّينَ جَمِيعًا، لِأَنَّ فِيهَا: إلَّا أَنْ تَتَزَوَّجَ - فَبَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ بِمَا هُمْ أَوَّلُ مُخَالِفِينَ لَهُ. الرِّوَايَةُ عَنْ عُمَرَ مُنْقَطِعَةٌ، لِأَنَّهَا عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ عُمَرَ، وَفِي بَعْضِ رِوَايَاتِي عَنْ ابْنِ عُمَرَ - وَهُوَ وَهْمٌ - وَكِلَاهُمَا غَيْرُ مُتَّصِلَةٍ، لِأَنَّ إبْرَاهِيمَ لَمْ يَسْمَعْ قَطُّ مِنْ عُمَرَ، وَلَا مِنْ ابْنِ عُمَرَ كَلِمَةً، وَإِنَّمَا تَصِحُّ مِنْ الطَّرِيقِ الَّتِي أَوْرَدْنَا عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ شُرَيْحٍ مَعَ أَنَّ كُلَّ مَا رُوِيَ فِي ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ مُخَالِفٌ لِلْمَالِكِيِّينَ، لِأَنَّهَا كُلُّهَا، لَا تَرِثُ إلَّا فِي الْعِدَّةِ - فَلَيْسَ لِلْحَنَفِيِّينَ غَيْرُ هَذِهِ الرِّوَايَةِ وَحْدَهَا. وَكَمْ قِصَّةٍ خَالَفُوا فِيهَا الطَّائِفَةَ مِنْ الصَّحَابَةِ لَا يُعْرَفُ لَهُمْ فِيهَا مُخَالِفٌ، كَقَوْلِ عُمَرَ فِي امْرَأَةِ الْمَفْقُودِ وَغَيْرِ ذَلِكَ. نَعَمْ، وَفِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ نَفْسِهَا، لِأَنَّ فِيهَا: كَانَ فِيمَا جَاءَ بِهِ عُرْوَةُ الْبَارِقِيُّ إلَى شُرَيْحٍ مِنْ عِنْدِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ: أَنَّ جُرُوحَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ سَوَاءٌ إلَّا الْمُوضِحَةُ فَعَلَى النِّصْفِ. وَإِذَا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا وَرِثَتْهُ مَا دَامَتْ فِي الْعِدَّةِ. وَمِنْ الْبَاطِلِ أَنْ يَكُونَ بَعْضُ كِتَابِ عُمَرَ حُجَّةً وَبَعْضُهُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ، لِأَنَّهُمْ كُلُّهُمْ لَا يَقُولُونَ بِهَذَا. وَقَدْ أَوْرَدْنَا عَنْ عُمَرَ بِأَصَحِّ طَرِيقٍ أَنَّهُ قَالَ لِغَيْلَانَ بْنِ سَلَمَةَ وَقَدْ طَلَّقَ نِسَاءَهُ وَهُوَ صَحِيحٌ: لَئِنْ مِتّ لَأُوَرِّثَنهُنَّ مِنْك وَهُمْ لَا يَقُولُونَ بِهَذَا، فَكَيْفَ وَقَدْ صَحَّ خِلَافُ عُمَرَ فِي هَذَا عَنْ ابْنِ الزُّبَيْرِ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَوْفٍ - أَخِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَلَهُ صُحْبَةٌ - وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ مِثْلُ قَوْلِنَا، وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ. وَأَمَّا الرِّوَايَةُ عَنْ عُثْمَانَ فَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّهُ لَمْ يَرَهُ طَلَاقًا، وَأَنَّهُ أَمَرَهُ بِمُرَاجَعَتِهَا - وَهَذَا خِلَافٌ لِلطَّائِفَتَيْنِ مَعًا. ثُمَّ اضْطَرَبَتْ رِوَايَةُ الثِّقَاتِ عَنْهُ -: فَرَوَى عَنْهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ، وَحَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ: أَنَّهُ لَمْ يُوَرِّثْهَا إلَّا فِي الْعِدَّةِ - وَكَذَلِكَ رَوَى أَبُو عَوَانَةَ عَنْ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ وَرَوَى عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَلْقَمَةَ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، وَطَلْحَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَوْفٍ، وَهُشَيْمٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، وَابْنِ الْمُسَيِّبِ: أَنَّهُ وَرَّثَهَا مِنْهُ بَعْدَ الْعِدَّةِ - فَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ مُخَالِفَةٌ لِلْحَنَفِيِّينَ وَلَا شَكَّ فِي أَنَّ إحْدَاهُمَا وَهْمٌ، لَا نَدْرِي أَيَّتَهمَا هِيَ؟ وَلَا يَجُوزُ الْحُكْمُ بِقَضِيَّةٍ قَدْ صَحَّ الْوَهْمُ فِيهَا، فَلَا يُدْرَى كَيْف وَقَعَتْ؟ وَقَدْ رُوِّينَا عَنْ عُثْمَانَ: أَنَّ زَيْدًا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ - وَبِهِ فَالِجٌ - فَعَاشَ سَنَتَيْنِ ثُمَّ مَاتَ فَوَرَّثَهَا مِنْهُ - وَهُمْ لَا يَخْتَلِفُونَ فِي أَنَّ الْمَفْلُوجَ لَا يَرِثُهُ بِذَلِكَ الْمَرَضِ مَنْ طَلَّقَهَا فِيهِ - فَسَقَطَ تَعَلُّقُهُمْ بِعُثْمَانَ. وَالْعَجَبُ - أَنَّ الْحَنَفِيِّينَ يَقُولُونَ: إنَّهَا إنْ سَأَلَتْهُ الطَّلَاقَ فِي مَرَضِهِ فَطَلَّقَهَا: أَنَّهَا لَا تَرِثُهُ، وَالثَّابِتُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهُ لَمْ يُطَلِّقْهَا إلَّا بَعْدَ أَنْ سَأَلَتْهُ الطَّلَاقَ حَتَّى غَضِبَ، فَخَالَفُوا عُثْمَانَ فِي ذَلِكَ. فَلَمْ يَبْقَ لَهُمْ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - مُتَعَلِّقٌ. فَإِنْ قِيلَ: قَدْ رَوَيْتُمْ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ الْحُسَيْنَ بْنَ عَلِيٍّ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهُوَ مَرِيضٌ فَوَرِثَتْهُ؟ قُلْنَا: هَذِهِ رِوَايَةٌ لَا حُجَّةَ فِيهَا؟ أَوَّلُ ذَلِكَ: أَنَّهَا مُنْكَرَةٌ، لِأَنَّ فِيهَا: أَنَّ الْحُسَيْنَ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهُوَ مَرِيضٌ فَوَرِثَتْهُ، وَالْحُسَيْنُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَمْ يَمُتْ حَتْفَ أَنْفِهِ، إنَّمَا مَاتَ مَقْتُولًا، فَصَحَّ أَنَّهُ قَدْ كَانَ صَحَّ مِنْ ذَلِكَ الْمَرَضِ فَهَذَا مُخَالِفٌ لِلطَّائِفَتَيْنِ. ثُمَّ هِيَ مُنْقَطِعَةٌ، لِأَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ لَمْ يُدْرِكْ الْحُسَيْنَ وَلَا الْحَسَنَ. ثُمَّ لَيْسَ فِيهِ: مَنْ هُوَ الْمُوَرِّثُ لَهَا، وَلَا أَنَّ الْحُسَيْنَ أَخْبَرَ أَنَّهَا تَرِثُهُ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: قَدْ رَوَيْتُمْ أَنَّ عُثْمَانَ قَالَ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ: لَئِنْ مِتّ لَأُوَرِّثَنهَا مِنْك؟ فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: لَقَدْ عَلِمْت. قَالُوا: فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى مُوَافَقَتِهِ لِعُثْمَانَ فِي ذَلِكَ؟ فَقُلْنَا: كَلًّا، مَا دَلَّ ذَلِكَ قَطُّ عَلَى مُوَافَقَتِهِ لِعُثْمَانَ فِي ذَلِكَ، بَلْ إنَّمَا فِيهِ مِمَّا لَا يَحْتَمِلُ سِوَاهُ: قَدْ عَلِمْت مَا أَعْلَمَنِي بِهِ أَنَّهُ مِنْ رَأْيِك - فَبَطَلَ كُلُّ مَا شَغَبُوا بِهِ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فِي ذَلِكَ - وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. وَاعْتَرَضَ بَعْضُهُمْ عَلَى الرِّوَايَةِ الثَّابِتَةِ عَنْ ابْنِ الزُّبَيْرِ: أَنَّهُ لَا تَرِثُ مَبْتُوتَةٌ بِمَا حَدَّثَنَاهُ سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ الْبَلَنْسِيُّ قَالَ: نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي زَيْدٍ الْمَالِكِيُّ نا ابْنُ عُثْمَانَ نا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْجَهْمِ نا مُحَمَّدُ بْنُ شَاذَانَ نا مُعَلَّى بْنُ مَنْصُورٍ نَا هُشَيْمٌ عَنْ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ عَنْ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ: طَلَّقَ ابْنُ عَوْفٍ امْرَأَتَهُ الْكَلْبِيَّةَ - وَهُوَ مَرِيضٌ ثَلَاثًا - فَمَاتَ ابْنُ عَوْفٍ فَوَرَّثَهَا مِنْهُ عُثْمَانُ، قَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ: لَوْلَا أَنَّ عُثْمَانَ وَرَّثَهَا لَمْ أَرَ لِمُطَلَّقَةٍ مِيرَاثًا؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: الْحَجَّاجُ بْنُ أَرْطَاةَ هَالِكٌ سَاقِطٌ، وَلَا يُعْتَرَضُ بِرِوَايَتِهِ عَلَى رِوَايَةِ الْإِمَامِ الْمَشْهُورِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ إلَّا جَاهِلٌ، أَوْ مُجَاهِرٌ بِالْبَاطِلِ مُجَادِلٌ بِهِ لِيُدْحِضَ بِهِ الْحَقَّ، وَهَيْهَاتَ لَهُ مِنْ ذَلِكَ، وَمَا يَزِيدُ مِنْ فَعَلٌ هَذَا عَلَى أَنْ يُبْدِيَ عَنْ عَوَارِهِ وَجَهْلِهِ أَوْ قِلَّةِ وَرَعِهِ - وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الضَّلَالِ. فَبَطَلَ كُلُّ مَا مَوَّهُوا بِهِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ - وَصَحَّ أَنَّهَا خَطَأٌ مَحْضٌ - وَصَحَّ أَنَّ الْمَبْتُوتَةَ فِي الْمَرَضِ، أَوْ الْمُطَلَّقَةَ فِيهِ، لَمْ يَطَأْهَا لَا مِيرَاثَ لَهُمَا أَصْلًا. وَكَذَلِكَ الْمُطَلَّقَةُ طَلَاقًا رَجْعِيًّا فِي الْمَرَضِ إذَا لَمْ يُرَاجِعْهَا حَتَّى مَاتَ فَلَا مِيرَاثَ لَهَا - وَحَتَّى لَوْ أَقَرَّ عَلَانِيَةً أَنَّهُ إنَّمَا فَعَلَ ذَلِكَ لِئَلَّا تَرِثَهُ، وَلَا حَرَجَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ، لِأَنَّهُ فَعَلَ مَا أُبِيحَ لَهُ مِنْ الطَّلَاقِ الَّذِي قَطَعَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ الْمُوَارَثَةَ بَيْنَهُمَا، وَقَطَعَ بِهِ حُكْمَ الزَّوْجِيَّةِ بَيْنَهُمَا. وَكَذَلِكَ إنْ طَلَّقَ وَهُوَ مَوْقُوفٌ لِلْقَتْلِ فِي حَقٍّ أَوْ بَاطِلٍ أَوْ لِلرَّجْمِ فِي زِنًى، وَلَا فَرْقَ، لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ نَصٌّ قَطُّ بَيْنَ طَلَاقِ هَؤُلَاءِ وَبَيْنَ غَيْرِهِمْ بِفَرْقٍ. وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَرِثَ بِالزَّوْجِيَّةِ إلَّا زَوْجَةٌ، أَوْ زَوْجٌ تَرِثُهُ حَيْثُ يَرِثُهَا وَلَا فَرْقَ، وَلَا يَرِثُ بِالْبُنُوَّةِ، إلَّا ابْنٌ أَوْ ابْنَةٌ، وَلَا يَرِثُ بِالْأُبُوَّةِ إلَّا أَبٌ، وَلَا يَرِثُ بِالْأُمُومَةِ إلَّا أُمٌّ - وَلَا فَرْقَ بَيْنَ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ. وَالْمُفَرِّقُ بَيْنَ ذَلِكَ مُؤْكِلٌ مَالًا بِالْبَاطِلِ، وَمَنْ صَحَّ عَنْهُ أَنَّهُ قَضَى بِذَلِكَ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فَمَأْجُورٌ بِكُلِّ حَالٍ مِنْ خَطَأٍ أَوْ صَوَابٍ، وَإِنَّمَا الشَّأْنُ فِيمَنْ قَلَّدَ بَعْضَ مَا اجْتَهَدُوا فِيهِ، وَخَالَفَهُمْ فِي بَعْضِهِ تَحَكُّمًا فِي الدِّينِ بِالْهَوَى وَالْبَاطِلِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ

٨:١٧ م

٢٩ مسالة طلاق العبد بيده 1973 - مَسْأَلَةٌ: وَطَلَاقُ الْعَبْدِ بِيَدِهِ لَا بِيَدِ سَيِّدِهِ، وَطَلَاقُ الْعَبْدِ لِزَوْجَتِهِ الْأَمَةِ أَوْ الْحُرَّةِ، وَطَلَاقُ الْحُرِّ لِزَوْجَتِهِ الْأَمَةِ أَوْ الْحُرَّةِ -: كُلُّ ذَلِكَ سَوَاءٌ، لَا تَحْرُمُ وَاحِدَةٌ مِمَّنْ ذَكَرْنَا عَلَى مُطَلِّقٍ مِمَّنْ ذَكَرْنَا إلَّا بِثَلَاثِ تَطْلِيقَاتٍ مَجْمُوعَةٍ أَوْ مُفَرِّقَةٍ، لَا بِأَقَلَّ أَصْلًا. بُرْهَانُ ذَلِكَ: قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ}[الطلاق: 1] وَقَالَ تَعَالَى: {إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ}[الأحزاب: 49] وَقَالَ تَعَالَى: {وَأَنْكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ}[النور: 32] فَسَوَّى تَعَالَ… قراءة المزيد

٨:١٧ م

أنت حذفت هذه الرسالة

٨:١٨ م

٣١ مسالة الخلع اذا كرهت المراة زوجها ُ - مَسْأَلَةٌ: الْخُلْعُ، وَهُوَ: الِافْتِدَاءُ إذَا كَرِهَتْ الْمَرْأَةُ زَوْجَهَا، فَخَافَتْ أَنْ لَا تُوفِيَهُ حَقَّهُ، أَوْ خَافَتْ أَنْ يُبْغِضَهَا فَلَا يُوفِيهَا حَقَّهَا، فَلَهَا أَنْ تَفْتَدِيَ مِنْهُ وَيُطَلِّقَهَا، إنْ رَضِيَ هُوَ؟ وَإِلَّا لَمْ يُجْبَرْ هُوَ؟ وَلَا أُجْبِرَتْ هِيَ؟ إنَّمَا يَجُوزُ بِتَرَاضِيهِمَا. وَلَا يَحِلُّ الِافْتِدَاءُ إلَّا بِأَحَدِ الْوَجْهَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ، أَوْ بِاجْتِمَاعِهِمَا، فَإِنْ وَقَعَ بِغَيْرِهِمَا فَهُوَ بَاطِلٌ، وَيَرُدُّ عَلَيْهَا مَا أَخَذَ مِنْهَا، وَهِيَ امْرَأَتُهُ كَمَا كَانَتْ، وَيَبْطُلُ طَلَاقُهُ وَيُمْنَعُ مِنْ ظُلْمِهَا فَقَطْ. وَلَهَا أَنْ تَفْتَدِيَ بِجَمِيعِ مَا تَمْلِكُ، وَهُوَ طَلَاقٌ رَجْعِيٌّ، إلَّا أَنْ يُطَلِّقَهَا ثَلَاثًا، أَوْ آخِرَ ثَلَاثٍ، أَوْ تَكُونَ غَيْرَ مَوْطُوءَةٍ. فَإِنْ رَاجَعَهَا فِي الْعِدَّةِ جَازَ ذَلِكَ أَحَبَّتْ أَمْ كَرِهَتْ - وَيَرُدُّ مَا أَخَذَ مِنْهَا إلَيْهَا. وَيَجُوزُ الْفِدَاءُ بِخِدْمَةٍ مَحْدُودَةٍ، وَلَا يَجُوزُ بِمَالٍ مَجْهُولٍ، لَكِنْ بِمَعْرُوفٍ مَحْدُودٍ، مَرْئِيٍّ، مَعْلُومٍ، أَوْ مَوْصُوفٍ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَاخْتَلَفَ النَّاسُ فِي الْخُلْعِ؟ فَلَمْ تُجِزْهُ طَائِفَةٌ، وَاخْتَلَفَ الَّذِينَ أَجَازُوهُ؟ فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لَا يَجُوزُ إلَّا بِإِذْنِ السُّلْطَانِ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: هُوَ طَلَاقٌ - وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لَيْسَ طَلَاقًا. ثُمَّ اخْتَلَفَ الْقَائِلُونَ: إنَّهُ طَلَاقٌ -: فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: هُوَ رَجْعِيٌّ كَمَا قُلْنَا؟ وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: هُوَ بَائِنٌ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لَا يَجُوزُ إلَّا بِمَا أَصْدَقَهَا، لَا بِأَكْثَرَ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ: فَإِنْ أَخَذَ أَكْثَرَ أَحْبَبْنَا لَهُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهِ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: يَجُوزُ بِكُلِّ مَا تَمْلِكُ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لَا يَجُوزُ الْخُلْعُ إلَّا مَعَ خَوْفِ نُشُوزِهِ وَإِعْرَاضِهِ، أَوْ أَنْ لَا تُقِيمَ مَعَهُ حُدُودَ اللَّهِ تَعَالَى. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لَا يَجُوزُ الْخُلْعُ إلَّا بِأَنْ يَجِدَ عَلَى بَطْنِهَا رَجُلًا. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لَا يَجُوزُ الْخُلْعُ إلَّا بِأَنْ تَقُولَ: لَا أُطِيعُ لَك أَمْرًا، وَلَا أَغْتَسِلُ لَك مِنْ جَنَابَةٍ. وَاخْتَلَفُوا فِي الْخُلْعِ الْفَاسِدِ -: فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: يُنَفَّذُ وَيَتِمُّ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: يُرَدُّ وَيُفْسَخُ -: فَأَمَّا مَنْ قَالَ: لَا يَجُوزُ الْخُلْعُ - فَكَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ نَا عُقْبَةُ بْنُ أَبِي الصَّهْبَاءِ قَالَ سَأَلْت بَكْرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيّ عَنْ الْخُلْعِ؟ قَالَ: لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهَا؟ قُلْت: فَقَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي كِتَابِهِ {فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ}[البقرة: 229] قَالَ: نُسِخَتْ هَذِهِ، وَذَكَرَ أَنَّ النَّاسِخَ لَهَا قَوْله تَعَالَى: {وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا}[النساء: 20] {وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا}[النساء: 21] قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَاحْتَجَّ مَنْ ذَهَبَ إلَى هَذَا -: بِمَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ السُّلَيْمِ نَا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ نا مُحَمَّدُ بْنُ إسْمَاعِيلَ الصَّائِغُ نا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ نا حَمَّادٌ نا أَيُّوبُ السِّخْتِيَانِيُّ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَبِي أَسْمَاءَ الرَّحَبِيِّ عَنْ ثَوْبَانَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَيُّمَا امْرَأَةٍ سَأَلَتْ زَوْجَهَا الطَّلَاقَ مِنْ غَيْرِ مَا بَأْسٍ فَحَرَامٌ عَلَيْهَا رَائِحَةُ الْجَنَّةِ» . وَبِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ نَا إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ - هُوَ ابْنُ رَاهْوَيْهِ - نا الْمَخْزُومِيُّ - هُوَ الْمُغِيرَةُ بْنُ سَلَمَةَ - نا وُهَيْبٌ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «الْمُنْتَزِعَاتُ وَالْمُخْتَلِعَاتُ هُنَّ الْمُنَافِقَاتُ» . قَالَ الْحَسَنُ: لَمْ أَسْمَعْهُ مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَسَقَطَ بِقَوْلِ الْحَسَنِ أَنْ نَحْتَجَّ بِذَلِكَ الْخَبَرِ. وَأَمَّا الْخَبَرُ الْأَوَّلُ - فَلَا حُجَّةَ فِيهِ فِي الْمَنْعِ مِنْ الْخُلْعِ، لِأَنَّهُ إنَّمَا فِيهِ الْوَعِيدُ عَلَى السَّائِلَةِ الطَّلَاقَ مِنْ غَيْرِ بَأْسٍ - وَهَكَذَا نَقُولُ وَلَيْسَ فِي الْبَأْسِ أَعْظَمُ مِنْ أَنْ يُخَافَ أَلَّا يُقِيمَ حُدُودَ اللَّهِ فِي الزَّوْجَةِ. وَأَمَّا الْآيَتَانِ فَلَيْسَتَا بِمُتَعَارِضَتَيْنِ، إنَّمَا فِي الَّتِي نَزَعَ بِهَا " بَكْرٌ " تَحْرِيمُ أَخْذِ شَيْءٍ مِنْ صَدَاقِهَا إثْمًا مُبِينًا وَبُهْتَانًا - وَهَذَا لَا شَكَّ فِيهِ - وَلَيْسَ فِيهِمَا نَهْيٌ عَنْ الْخُلْعِ أَصْلًا. وَقَالَ تَعَالَى: {فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا}[النساء: 4] وَفِي الْآيَةِ الْأُخْرَى: حُكْمُ الْخُلْعِ بِطِيبِ النَّفْسِ مِنْهَا فَلَيْسَ إثْمًا وَلَا عُدْوَانًا، وَمَا كَانَ هَكَذَا فَلَا يَحِلُّ أَنْ يُقَالَ: فِيهِ نَاسِخٌ أَوْ مَنْسُوخٌ إلَّا بِنَصٍّ، بَلْ الْفَرْضُ الْأَخْذُ بِكِلَا الْآيَتَيْنِ لَا تَرْكُ إحْدَاهُمَا لِلْأُخْرَى - وَنَحْنُ قَادِرُونَ عَلَى الْعَمَلِ بِهِمَا - بِأَنْ نَسْتَثْنِيَ إحْدَاهُمَا مِنْ الْأُخْرَى. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ}[النساء: 128] وَقَالَ تَعَالَى: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ}[البقرة: 229] فَهَاتَانِ الْآيَتَانِ قَاضِيَتَانِ عَلَى كُلِّ مَا فِي الْخُلْعِ. وَأَمَّا مَنْ مَنَعَ مِنْهُ بِغَيْرِ إذْنِ السُّلْطَانِ - فَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ إبْرَاهِيمَ التُّسْتَرِيِّ، وَرَبِيعٍ - هُوَ ابْنُ صُبَيْحٍ - كِلَاهُمَا عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ قَالَ: لَا يَكُونُ خُلْعٌ إلَّا عِنْدَ السُّلْطَانِ. وَمِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ نَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ نا يَحْيَى - هُوَ ابْنُ عَتِيقٍ - أَنَّهُ سَمِعَ مُحَمَّدَ بْنَ سِيرِينَ يَقُولُ: كَانُوا يَقُولُونَ: لَا يَجُوزُ الْخُلْعُ إلَّا عِنْدَ السُّلْطَانِ. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: لَا يَكُونُ الْخُلْعُ إلَّا حَتَّى يَعِظَهَا، فَإِنْ اتَّعَظَتْ وَإِلَّا ضَرَبَهَا، فَإِنْ اتَّعَظَتْ وَإِلَّا ارْتَفَعَا إلَى السُّلْطَانِ، فَيَبْعَثُ حَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ يَرْفَعُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إلَى السُّلْطَانِ مَا يَسْمَعُ مِنْ صَاحِبِهِ، فَإِنْ رَأَى أَنْ يُفَرِّقَ فَرَّقَ، وَإِنْ رَأَى أَنْ يَجْمَعَ جَمَعَ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا كُلُّهُ لَا حُجَّةَ عَلَى تَصْحِيحِهِ. قَالَ تَعَالَى: {قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ}[البقرة: 111] وَأَمَّا مَنْ قَالَ الْخُلْعُ لَيْسَ طَلَاقًا، فَاحْتَجَّ بِمَا - نا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نَبَاتٍ نا ابْنُ مُفَرِّجٍ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ الْوَرْدِ نا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ بْنِ بَادِي الْعَلَّافُ نا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ نا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ نَافِعٍ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ سَمِعَ رُبَيِّعَ ابْنَةَ مُعَوِّذِ ابْنِ عَفْرَاءَ وَهِيَ تُخْبِرُ عَبْدَ اللَّهَ بْنَ عُمَرَ: أَنَّهَا اخْتَلَعَتْ مِنْ زَوْجِهَا عَلَى عَهْدِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ، فَجَاءَ عَمُّهَا إلَى عُثْمَانَ فَقَالَ: إنَّ ابْنَةَ مُعَوِّذٍ اخْتَلَعَتْ مِنْ زَوْجِهَا الْيَوْمَ أَفَنَنْتَقِلُ؟ فَقَالَ عُثْمَانُ: لَنَنْتَقِلُ وَلَا مِيرَاثَ بَيْنَهُمَا لَهَا، وَلَا عِدَّةَ عَلَيْهَا، إلَّا أَنَّهَا لَا تُنْكَحُ حَتَّى تَحِيضَ حَيْضَةً - خَشْيَةَ أَنْ يَكُونَ بِهَا حَمْلٌ؟ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: فَعُثْمَانُ أَخْبَرُنَا وَأَعْلَمُنَا. فَهَذَا عُثْمَانُ، وَالرُّبَيِّعُ - وَلَهَا صُحْبَةٌ - وَعَمُّهَا - وَهُوَ مِنْ كِبَارِ الصَّحَابَةِ - وَابْنُ عُمَرَ، كُلُّهُمْ لَا يَرَى فِي الْفَسْخِ عِدَّةً. وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ نا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ هُوَ الْقَطَّانُ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ طَاوُسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: الْخُلْعُ: تَفْرِيقٌ، وَلَيْسَ بِطَلَاقٍ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ طَاوُسٍ أَنَّهُ سَأَلَهُ إبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ رَجُلٍ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ تَطْلِيقَتَيْنِ، ثُمَّ اخْتَلَعَتْ مِنْهُ، أَيَنْكِحُهَا؟ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: نَعَمْ، ذَكَرَ اللَّهُ الطَّلَاقَ فِي أَوَّلِ الْآيَةِ وَفِي آخِرِهَا، وَالْخُلْعُ بَيْنَ ذَلِكَ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ ابْنِ طَاوُسٍ قَالَ: كَانَ أَبِي لَا يَرَى الْفِدَاءَ طَلَاقًا وَيُجِيزُهُ بَيْنَهُمَا - وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ أَنَّهُ سَمِعَ عِكْرِمَةَ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ يَقُولُ: مَا أَجَازَهُ الْمَرْءُ فَلَيْسَ بِطَلَاقٍ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ قَالَ: رَأَيْت أَبِي كَأَنَّهُ يَذْهَبُ إلَى قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ الْخُلْعَ لَيْسَ طَلَاقًا - وَهُوَ قَوْلُ إِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ، وَأَبِي ثَوْرٍ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ وَأَصْحَابِهِ. وَأَمَّا مَنْ قَالَ: إنَّهَا تَطْلِيقَةٌ - فَكَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جُمْهَانَ أَنَّ أُمَّ بَكْرَةَ الْأَسْلَمِيَّةَ كَانَتْ تَحْتَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُسَيْدَ فَاخْتَلَعَتْ مِنْهُ، فَنَدِمَا فَارْتَفَعَا إلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ؟ فَأَجَازَ ذَلِكَ - وَقَالَ: هِيَ وَاحِدَةٌ إلَّا أَنْ تَكُونَ سَمَّيْت شَيْئًا، فَهُوَ عَلَى مَا سَمَّيْت. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا عَلِيُّ بْنُ هَاشِمٍ عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ طَلْحَةَ بْنِ مُصَرِّفٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: لَا تَكُونُ طَلْقَةً بَائِنَةً إلَّا فِي فِدْيَةٍ أَوْ إيلَاءٍ. وَرُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقٍ لَا تَصِحُّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ. وَبِهَذَا يَقُولُ الْحَسَنُ، وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، وَعَطَاءٌ، وَشُرَيْحٌ، وَالشَّعْبِيُّ، وَقَبِيصَةُ بْنُ ذُؤَيْبٍ، وَمُجَاهِدٌ، وَأَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَإِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ، وَالزُّهْرِيُّ، وَمَكْحُولٌ، وَابْنُ أَبِي نَجِيحٍ، وَعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَأَبُو حَنِيفَةَ؛ وَمَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: أَمَّا احْتِجَاجُ مَنْ احْتَجَّ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذَكَرَ الطَّلَاقَ، ثُمَّ الْخُلْعَ، ثُمَّ الطَّلَاقَ؟ فَنَعَمْ، هُوَ فِي الْقُرْآنِ كَذَلِكَ، إلَّا أَنَّهُ لَيْسَ فِي الْقُرْآنِ أَنَّهُ لَيْسَ طَلَاقًا، وَلَا أَنَّهُ طَلَاقٌ، فَوَجَبَ الرُّجُوعُ إلَى بَيَانِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. فَنَظَرَنَا فِي ذَلِكَ - فَوَجَدْنَا مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَعْدِ بْنِ زُرَارَةَ: أَنَّهَا أَخْبَرَتْهُ عَنْ «حَبِيبَةَ بِنْتِ سَهْلٍ الْأَنْصَارِيَّةِ، فَذَكَرَتْ اخْتِلَاعَهَا مِنْ زَوْجِهَا ثَابِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ الشَّمَّاسِ، وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِثَابِتٍ: خُذْ مِنْهَا؟ فَأَخَذَ مِنْهَا، وَجَلَسَتْ فِي أَهْلِهَا» . وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الْمَرْوَزِيِّ حَدَّثَنِي شَاذَانُ بْنُ عُثْمَانَ أَخُو عَبْدَانَ نا أُبَيٌّ نا عَلِيُّ بْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ: أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: «أَنَّ رُبَيِّعَ بِنْتَ مُعَوِّذِ ابْنِ عَفْرَاءَ أَخْبَرَتْهُ - فَذَكَرَتْ اخْتِلَاعَ امْرَأَةِ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ مِنْهُ - وَأَنَّ أَخَاهُ شَكَاهُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى ثَابِتٍ فَقَالَ لَهُ: خُذْ الَّذِي لَهَا وَخَلِّ سَبِيلَهَا؟ قَالَ: نَعَمْ، فَأَمَرَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ تَتَرَبَّصَ حَيْضَةً وَاحِدَةً، وَتَلْحَقَ بِأَهْلِهَا» . وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ عِكْرِمَةَ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «اخْتَلَعَتْ امْرَأَةُ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ مِنْ زَوْجِهَا فَجَعَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عِدَّتَهَا حَيْضَةً» ، قَالُوا: فَهَذَا يُبَيِّنُ أَنَّ الْخُلْعَ لَيْسَ طَلَاقًا، لَكِنَّهُ فَسْخٌ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: أَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ الرَّزَّاقِ الَّذِي ذَكَرْنَا آنِفًا فَسَاقِطٌ، لِأَنَّهُ مُرْسَلٌ - وَفِيهِ عَمْرُو بْنُ مُسْلِمٍ - وَلَيْسَ بِشَيْءٍ. وَأَمَّا خَبَرُ الرُّبَيِّعِ وَحَبِيبَةَ - فَلَوْ لَمْ يَأْتِ غَيْرُهُمَا لَكَانَا حُجَّةً قَاطِعَةً. لَكِنْ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ نا أَزْهَرُ بْنُ جَمِيلٍ نا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَبْدِ الْمَجِيدِ الثَّقَفِيُّ نا خَالِدٌ - هُوَ الْحَذَّاءُ - عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ امْرَأَةَ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ أَتَتْ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ثَابِتُ بْنُ قَيْسٍ مَا أَعْتِبُ عَلَيْهِ فِي خُلُقٍ وَلَا دِينٍ، وَلَكِنِّي أَكْرَهُ الْكُفْرَ فِي الْإِسْلَامِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَتَرُدِّينَ عَلَيْهِ حَدِيقَتَهُ؟ قَالَتْ: نَعَمْ؟ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: اقْبَلْ الْحَدِيقَةَ وَطَلِّقْهَا تَطْلِيقَةً» فَكَانَ هَذَا الْخَبَرُ فِيهِ زِيَادَةٌ عَلَى الْخَبَرَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ لَا يَجُوزُ تَرْكُهَا، وَإِذْ هُوَ طَلَاقٌ ذَكَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عِدَّةَ الطَّلَاقِ، فَهُوَ زَائِدٌ - عَلَى مَا فِي حَدِيثِ الرُّبَيِّعِ - وَالزِّيَادَةُ لَا يَجُوزُ تَرْكُهَا. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: إلَّا أَنَّ الْحَنَفِيِّينَ، وَالْمَالِكِيِّينَ - لَا يَجُوزُ لَهُمْ الِاحْتِجَاجُ بِهَذَا الْخَبَرِ عَلَى أُصُولِهِمْ الْفَاسِدَةِ، لِأَنَّ مِنْ قَوْلِهِمْ: إذَا خَالَفَ الصَّاحِبُ مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَلَّ عَلَى نَسْخِهِ أَوْ ضَعْفِهِ، كَمَا فَعَلُوا فِي رِوَايَةِ عَائِشَةَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ «مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صِيَامٌ صَامَ عَنْهُ وَلِيُّهُ» . وَهَذَا الْخَبَرُ لَمْ يَأْتِ إلَّا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَالثَّابِتُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَا ذَكَرْنَا آنِفًا مِنْ أَنَّ الْخُلْعَ لَيْسَ طَلَاقًا. وَأَمَّا نَحْنُ فَلَا نَلْتَفِتُ إلَى شَيْءٍ مِنْ هَذَا، إنَّمَا هُوَ مَا صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قُلْنَا بِهِ - وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

٨:٢٣ م

٣٢ مسالة هل الخلع طلاق باين او رجعي وَأَمَّا هَلْ الْخُلْعُ طَلَاقٌ بَائِنٌ أَوْ رَجْعِيٌّ؟ فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: هِيَ طَلْقَةٌ بَائِنَةٌ كَمَا ذَكَرْنَا عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ آنِفًا. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْمُبَارَكِ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ قَالَ: كَانَ عِمْرَانُ بْنُ الْحُصَيْنِ، وَابْنُ مَسْعُودٍ يَقُولَانِ فِي الَّتِي تَفْتَدِي مِنْ زَوْجِهَا بِمَالِهَا: يَقَعُ عَلَيْهَا الطَّلَاقُ مَا دَامَتْ فِي الْعِدَّةِ، وَخَالَفَ ذَلِكَ غَيْرُهُمَا. كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ أَنَّهُ قَالَ فِيمَنْ طَلَّقَ بَعْدَ الْفِدَاءِ: لَا يُحْسَبُ شَيْئًا مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَةً لَا يَمْلِكُ مِنْهَا شَيْئًا - اتَّفَقَ عَلَى ذَلِكَ: ابْنُ عَبَّاسٍ، وَابْنُ الزُّبَيْرِ فِي رَجُلٍ اخْتَلَعَ مِنْ امْرَأَتِهِ ثُمَّ طَلَّقَهَا بَعْدَ الْخُلْعِ، فَإِنَّهُ لَا يُحْسَبُ شَيْئًا، قَالَا جَمِيعًا: أَطَلَّقَ امْرَأَتَهُ؟ إنَّمَا طَلَّقَ مَنْ لَا يَمْلِكُ. قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: وَزَعَمَ ابْنُ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: إنْ طَلَّقَهَا بَعْدَ الْفِدَاءِ جَازَ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: هُوَ طَلَاقٌ بَائِنٌ وَيَلْحَقُهَا طَلَاقُهُ مَا دَامَتْ فِي الْعِدَّةِ. وَقَالَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ: هُوَ طَلَاقٌ بَائِنٌ وَلَا يَلْحَقُهَا طَلَاقُهُ فِي الْعِدَّةِ. وَأَمَّا مَنْ قَالَ: إنَّ الْخُلْعَ طَلَاقٌ رَجْعِيٌّ -: فَكَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ: أَنَّهُ قَالَ فِي الْمُخْتَلِعَةِ: إنْ شَاءَ أَنْ يُرَاجِعَهَا فَلْيَرْدُدْ عَلَيْهَا مَا أَخَذَ مِنْهَا فِي الْعِدَّةِ، وَلْيُشْهِدْ عَلَى رَجْعَتِهَا - قَالَ مَعْمَرٌ: وَكَانَ الزُّهْرِيُّ يَقُولُ ذَلِكَ - قَالَ قَتَادَةُ: وَكَانَ الْحَسَنُ يَقُولُ: لَا يُرَاجِعُهَا إلَّا بِخِطْبَةٍ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: قَدْ بَيَّنَ اللَّهُ تَعَالَى حُكْمَ الطَّلَاقِ، وَأَنَّ {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ}[البقرة: 228] وَقَالَ {فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ}[الطلاق: 2] فَلَا يَجُوزُ خِلَافُ ذَلِكَ. وَمَا وَجَدْنَا قَطُّ فِي دِينِ الْإِسْلَامِ عَنْ اللَّهِ تَعَالَى، وَلَا عَنْ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - طَلَاقًا بَائِنًا لَا رَجْعَةَ فِيهِ، إلَّا الثَّلَاثُ مَجْمُوعَةً أَوْ مُفَرَّقَةً، أَوْ الَّتِي لَمْ يَطَأْهَا، وَلَا مَزِيدَ - وَأَمَّا عَدَا ذَلِكَ فَآرَاءٌ لَا حُجَّةَ فِيهَا. وَأَمَّا رَدُّهُ مَا أَخَذَ مِنْهَا فَإِنَّمَا أَخَذَهُ لِئَلَّا تَكُونَ فِي عِصْمَتِهِ، فَإِذَا لَمْ يَتِمَّ لَهَا مُرَادُهَا فَمَالُهَا - الَّذِي لَمْ تُعْطِهِ إلَّا لِذَلِكَ - مَرْدُودٌ عَلَيْهَا، إلَّا أَنْ يُبَيِّنَ عَلَيْهَا أَنَّهَا طَلْقَةٌ لَهُ الرَّجْعَةُ فِيهَا، فَتَرْضَى، فَلَا يَرُدُّ عَلَيْهَا شَيْئًا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَأَمَّا مَا يَجُوزُ فِيهِ الْفِدَاءُ -: فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لَا يَجُوزُ الْفِدَاءُ إلَّا بِمَا أَصْدَقَهَا لَا بِأَكْثَرَ -: فَكَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ الْمُعْتَمِرِ بْنِ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ عَنْ لَيْثِ بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: لَا يَأْخُذُ مِنْهَا فَوْقَ مَا أَعْطَاهَا. وَهَذَا لَا يَصِحُّ عَنْ عَلِيٍّ، لِأَنَّهُ مُنْقَطِعٌ، وَفِيهِ لَيْثٌ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ، وَابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَا: نا ابْنُ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهَا أَكْثَرَ مِمَّا أَعْطَاهَا، قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: وَقَالَ لِي عَطَاءٌ: إنْ أَخَذَ زِيَادَةً عَلَى صَدَاقِهَا، فَالزِّيَادَةُ مَرْدُودَةٌ إلَيْهَا - وَقَالَ مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ: لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ امْرَأَتِهِ أَكْثَرَ مِمَّا أَعْطَاهَا. وَمِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ بْنِ إِسْحَاقَ الْقَاضِي نا أَبُو بَكْرٍ - هُوَ الْمُقَدَّمِيُّ - نَا عُمَرُ بْنُ أَيُّوبَ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ بُرْقَانَ عَنْ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ قَالَ: مَنْ أَخَذَ مِنْهَا أَكْثَرَ مِمَّا أَعْطَاهَا فَلَمْ يُسَرِّحْ بِإِحْسَانٍ. وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ كَانَتْ الْقُضَاةُ لَا تُجِيزُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهَا إلَّا مَا سَاقَ إلَيْهَا. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: بِكَرَاهَةِ ذَلِكَ - كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ عَنْ عَمَّارِ بْنِ عِمْرَانَ الْهَمْدَانِيِّ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ كَرِهَ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهَا أَكْثَرَ مِمَّا أَعْطَاهَا. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ، وَحَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ أَنَّهُمَا كَرِهَا أَنْ يَأْخُذَ مِنْ فِدَاءِ امْرَأَتِهِ مِنْهَا أَكْثَرَ مِمَّا سَاقَ إلَيْهَا. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ أَبِي حُصَيْنٍ عَنْ عَامِرٍ الشَّعْبِيِّ أَنَّهُ كَرِهَ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ الْمُخْتَلِعَةِ أَكْثَرَ مِمَّا أَعْطَاهَا. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: يُكْرَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهَا كُلَّ مَا أَعْطَاهَا. كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ الْجَزَرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ: لَا أُحِبُّ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهَا كُلَّ مَا أَعْطَاهَا حَتَّى يَدَعَ لَهَا مَا يُغْنِيهَا. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: يَأْخُذُ مِنْهَا كُلَّ مَا مَعَهَا فَمَا دُونَ ذَلِكَ إذَا تَرَاضَيَا بِهِ. كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ نا أَيُّوبُ السِّخْتِيَانِيُّ عَنْ كَثِيرِ بْنِ أَبِي كَثِيرٍ مَوْلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ أَنَّ امْرَأَةً نَشَزَتْ عَلَى زَوْجِهَا فَرَفَعَهَا إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَذَكَرَ الْقِصَّةَ، وَأَنَّ عُمَرَ قَالَ لِزَوْجِهَا: اخْلَعْهَا وَلَوْ مِنْ قُرْطِهَا. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّ الرُّبَيِّعَ بِنْتَ مُعَوِّذِ ابْنِ عَفْرَاءَ حَدَّثَتْهُ أَنَّهَا اخْتَلَعَتْ مِنْ زَوْجِهَا بِكُلِّ شَيْءٍ تَمْلِكُهُ فَخَاصَمَهُ فِي ذَلِكَ إلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ فَأَجَازَهُ، وَأَمَرَهُ أَنْ يَأْخُذَ عِقَاصَ رَأْسِهَا فَمَا دُونَهُ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ جَاءَتْهُ مَوْلَاةٌ لِامْرَأَتِهِ اخْتَلَعَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ لَهَا وَكُلِّ ثَوْبٍ لَهَا حَتَّى مِنْ نُقْبَتِهَا - وَصَحَّ عَنْ عِكْرِمَةَ، وَإِبْرَاهِيمَ، وَمُجَاهِدٍ. وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ، وَأَصْحَابِهِمْ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يَأْخُذُ مِنْهَا أَكْثَرَ مِمَّا أَعْطَاهَا، فَإِنْ فَعَلَ فَلْيَتَصَدَّقْ الزِّيَادَةَ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: احْتَجَّتْ الطَّائِفَةُ الْأُولَى -: بِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: قَالَ لِي عَطَاءٌ: «أَتَتْ امْرَأَةٌ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي أُبْغِضُ زَوْجِي وَأُحِبُّ فِرَاقَهُ؟ قَالَ: فَتَرُدِّينَ إلَيْهِ حَدِيقَتَهُ الَّتِي أَصْدَقَكِ؟ قَالَتْ: نَعَمْ، وَزِيَادَةً مِنْ مَالِي؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَمَّا زِيَادَةٌ مِنْ مَالِكِ فَلَا، وَلَكِنْ الْحَدِيقَةَ، قَالَتْ: نَعَمْ فَقَضَى - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِذَلِكَ عَلَى الزَّوْجِ» . وَرُوِيَ أَيْضًا عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا مُرْسَلٌ، وَلَقَدْ كَانَ يَلْزَمُ الْمَالِكِيِّينَ الْقَائِلِينَ بِأَنَّ الْمُرْسَلَ كَالْمُسْنَدِ أَنْ يَقُولُوا بِهِ، وَلَا حُجَّةَ عِنْدَنَا فِي مُرْسَلٍ - فَسَقَطَ الْقَوْلُ الْمَذْكُورُ. ثُمَّ نَظَرَنَا فِي الْقَوْلِ الثَّانِي - فَوَجَدْنَا: مَا حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نَبَاتٍ نا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْبَصِيرِ نا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ نا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ الْخُشَنِيُّ نا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى نا مُؤَمَّلُ بْنُ إسْمَاعِيلَ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَكْرَهُ أَنْ يَأْخُذَ فِي الْخُلْعِ أَكْثَرَ مِمَّا أَعْطَاهَا» وَهَذَا مُرْسَلٌ، فَسَقَطَ الِاحْتِجَاجُ بِهِ. وَلَمْ نَجِدْ لِقَوْلِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ مُتَعَلَّقًا أَصْلًا. وَأَمَّا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ فَفِي غَايَةِ الْفَسَادِ، لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو أَخْذُهُ الزِّيَادَةَ عَلَى مَا أَعْطَاهَا فِي صَدَاقِهَا مِنْ أَنْ يَكُونَ حَرَامًا أَوْ مُبَاحًا فَإِنْ كَانَ حَرَامًا فَوَاجِبٌ رَدُّهُ إلَيْهَا كَمَا قَالَ عَطَاءٌ، وَإِنْ كَانَ مُبَاحًا فَلِمَ أَمَرُوهُ بِالصَّدَقَةِ بِالزِّيَادَةِ دُونَ سَائِرِ مَالِهِ - وَهَذَا ظَاهِرُ الْخَطَأِ. وَالْعَجَبُ أَنَّهُمْ يَرُدُّونَ كَلَامَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الثَّابِتَ بِدَعْوَاهُمْ أَنَّهُ زَائِدٌ عَلَى مَا فِي الْقُرْآنِ، كَالْمَسْحِ عَلَى الْعِمَامَةِ، وَالِاسْتِنْشَاقِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، ثُمَّ يَأْخُذُونَ بِكَلَامٍ سَاقِطٍ مُتَنَاقِضٍ، مُخَالِفٍ لِمَا فِي الْقُرْآنِ، لَيْسَ مَعَهُمْ فِيهِ إلَّا رَأْيُ أَبِي حَنِيفَةَ فَقَطْ - فَوَجَبَ الْأَخْذُ بِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى: {فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ}[البقرة: 229] . وَمِنْ الْعَجَبِ تَمْوِيهُ بَعْضِهِمْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا}[النساء: 20] وقَوْله تَعَالَى: {وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلا أَنْ يَخَافَا أَلا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ}[البقرة: 229] قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: نَعَمْ، لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِمَّا آتَاهَا شَيْئًا، إلَّا أَنْ تَطِيبَ نَفْسُهَا بِهِ - ثُمَّ حُكْمٌ آخَرُ {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ}[البقرة: 229] عُمُومٌ لَا يَحِلُّ تَخْصِيصُهُ بِالدَّعَاوَى الْكَاذِبَةِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَنْ أَخَذَ أَكْثَرَ مِمَّا أَعْطَى فَلَمْ يُسَرِّحْ بِإِحْسَانٍ؟ فَقُلْنَا: لَا فَرْقَ بَيْنَ أَخْذِهِ كُلَّ مَا أَعْطَاهَا أَوْ بَعْضَ مَا أَعْطَاهَا أَوْ أَكْثَرَ مِمَّا أَعْطَاهَا بِغَيْرِ حَقٍّ فَحِينَئِذٍ يَكُونُ غَيْرَ مُسَرِّحٍ بِإِحْسَانٍ أَنْ يَأْخُذَ كُلَّ ذَلِكَ حَيْثُ أَبَاحَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ أَخْذَهُ، فَهُوَ مُسَرِّحٌ بِإِحْسَانٍ، وَلَوْ أَبَاحَ اللَّهُ لَهُ قَتْلَهَا لَكَانَ مُحْسِنًا فِي ذَلِكَ. فَإِنْ قِيلَ: أَنْتُمْ تَمْنَعُونَ مِنْ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِجَمِيعِ مَالِهِ أَوْ بِمَا لَا يَبْقَى لِنَفْسِهِ غِنًى بَعْدَهُ، وَمِنْ أَنْ يَصَّدَّقَ الرَّجُلُ بِمَالِهِ كُلِّهِ، وَتُبِيحُونَ لَهَا أَنْ تُعْطِيَ مَالَهَا كُلَّهُ؟ قُلْنَا: إنَّمَا نَتَّبِعُ فِي ذَلِكَ أَمْرَ اللَّهِ تَعَالَى فَجَاءَ النَّهْيُ عَنْ الصَّدَقَةِ إلَّا بِمَا أَبْقَى غِنًى، وَبِأَنْ لَا يُصْدِقَهَا إزَارَهُ إذْ لَا غِنًى بِهِ عَنْهُ، وَجَاءَ النَّصُّ بِأَنْ {فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ}[البقرة: 229] فَوَقَفْنَا عِنْدَ كُلِّ ذَلِكَ وَلَمْ نَعْتَرِضْ عَلَى أَوَامِرِ اللَّهِ تَعَالَى وَأَوَامِرِ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالرَّأْيِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَأَمَّا الْحَالُ الَّتِي يَجُوزُ فِيهَا الْفِدَاءُ - فَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ قَالَ: كَانَ أَبُو قِلَابَةَ يَرَى أَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا فَجَرَتْ فَاطَّلَعَ زَوْجُهَا عَلَى ذَلِكَ فَلْيَضْرِبْهَا حَتَّى تَفْتَدِيَ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا لَا مَعْنًى لَهُ إذَا رَأَى ذَلِكَ وَهِيَ مُحْصَنَةٌ حَلَّ لَهُ قَتْلُهَا. وَمِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ بْنِ إِسْحَاقَ نا مُسَدَّدٌ نا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيُّ سَمِعْت أَبِي يَقُولُ: إنَّ أَبَا قِلَابَةَ، وَمُحَمَّدَ بْنَ سِيرِينَ كَانَا يَقُولَانِ: لَا يَحِلُّ الْخُلْعُ حَتَّى يَجِدَ عَلَى بَطْنِهَا رَجُلًا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِلا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ}[النساء: 19] . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا فِي الْإِخْرَاجِ مِنْ الْبُيُوتِ مِنْ الْعِدَّةِ، لَا فِي الْخُلْعِ. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ نا حُمَيْدٌ أَنَّ بَكْرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيّ سَأَلَ الْحَسَنَ عَمَّنْ رَأَى امْرَأَتَهُ يُقَبِّلُهَا رَجُلٌ غَيْرُهُ؟ قَالَ: قَدْ حَلَّ أَنْ يَخْلَعَهَا. رُوِّينَا عَنْ عَلِيٍّ - وَلَا يَصِحُّ - يَطِيبُ الْخُلْعُ لِلرَّجُلِ إذَا قَالَتْ: وَاَللَّهِ لَا أَبَرُّ لَك قَسَمًا، وَلَا أُطِيعُ لَك أَمْرًا، وَلَا أَغْتَسِلُ لَك مِنْ جَنَابَةٍ، وَلَا أُكْرِمُ لَك نَفْسًا - فِيهَا إسْرَائِيلُ - وَهُوَ ضَعِيفٌ - عَنْ جَابِرٍ - وَهُوَ كَذَّابٌ. وَعَنْهُ أَيْضًا - مِنْ طَرِيقٍ فِيهَا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي يَحْيَى: يَحِلُّ خُلْعُ الْمَرْأَةِ ثَلَاثًا إذَا أَفْسَدَتْ عَلَيْك ذَاتَ يَدِك، أَوْ دَعَوْتهَا لِتَسْكُنَ إلَيْهَا فَأَبَتْ، أَوْ خَرَجَتْ بِغَيْرِ إذْنِك. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ أَخْبَرَنِي مَرْوَانُ الْأَصْفَرُ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحِمْيَرِيِّ قَالَ: لَا يَصِحُّ الْخُلْعُ حَتَّى تَقُولَ الْمَرْأَةُ: وَاَللَّهِ لَا أُطِيعُ لَك أَمْرًا، وَلَا أَغْتَسِلُ لَك مِنْ جَنَابَةٍ. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ قَيْسٍ عَنْ عَطَاءٍ، وَمُجَاهِدٍ، قَالَ أَحَدُهُمَا: لَا يَصِحُّ الْخُلْعُ حَتَّى لَا تَغْتَسِلَ لَهُ مِنْ جَنَابَةٍ، وَلَا تُطِيعُ لَهُ أَمْرًا، وَلَا تَبَرُّ لَهُ قَسَمًا، وَقَالَ الْآخَرُ: لَوْ فَعَلَتْ هَذَا كَفَرَتْ، وَلَكِنْ حَتَّى تَقُولَ: لَا أَبَرُّ لَك قَسَمًا، وَلَا أَغْتَسِلُ لَك مِنْ جَنَابَةٍ، وَلَا أُطِيعُ لَك أَمْرًا. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ إبْرَاهِيمَ عَنْ الْحَسَنِ قَالَ: الْخُلْعُ إذَا قَالَتْ: وَاَللَّهِ لَا أَغْتَسِلُ لَك مِنْ جَنَابَةٍ - وَكُلُّ هَذَا لَا بُرْهَانَ عَلَى صِحَّتِهِ. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ إذَا كَرِهَتْ الْمَرْأَةُ زَوْجَهَا فَلْيَأْخُذْ مِنْهَا. مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ: لَا يَحِلُّ لَهُ أَخْذُ شَيْءٍ مِنْ الْفِدْيَةِ حَتَّى يَكُونَ النُّشُوزُ مِنْ قِبَلِهَا، أَنْ تُظْهِرَ لَهُ الْبَغْضَاءَ، وَتُسِيءَ عِشْرَتَهُ وَتَعْصِيَ أَمْرَهُ، وَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ أَكْثَرَ مِمَّا أَعْطَاهَا. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي ابْنُ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ فِي الْخُلْعِ قَالَ: قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {أَنْ يَخَافَا أَلا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ}[البقرة: 229] . وَلَمْ يَكُنْ يَقُولُ قَوْلَ السُّفَهَاءِ: لَا يَحِلُّ لَهُ حَتَّى تَقُولَ: لَا أَغْتَسِلُ لَك مِنْ جَنَابَةٍ، لَكِنْ {أَنْ يَخَافَا أَلا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ}[البقرة: 229] تَعَالَى فِيمَا افْتَرَضَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ فِي الْعِشْرَةِ وَالصُّحْبَةِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا هُوَ الْحَقُّ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى الَّذِي ذَكَرْنَا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: الْخُلْعُ جَائِزٌ بِتَرَاضِيهِمَا وَإِنْ لَمْ يُخَفْ مِنْهُمَا نُشُوزًا وَلَا إعْرَاضًا وَلَا خَافَا {أَلا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ}[البقرة: 229] وَهَذَا خَطَأٌ، لِأَنَّهُ قَوْلٌ بِلَا بُرْهَانٍ. وَأَمَّا الْخُلْعُ الْفَاسِدُ - فَقَدْ أَجَازَهُ قَوْمٌ: وَمَا أَعْلَمُ لَهُمْ حُجَّةً، وَكَيْفَ يَجُوزُ عَمَلٌ فَاسِدٌ، وَاَللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ: {إِنَّ اللَّهَ لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ}[يونس: 81] وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهَا شَيْئًا - وَهُوَ مُضَارٌّ بِهَا - فَإِنْ فَعَلَ لَزِمَهُ الطَّلَاقُ، وَجَازَ لَهُ مَا أَخَذَ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فِي هَذَا الْقَوْلِ عَجَبٌ، لَئِنْ كَانَ لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ فَمَا يَحِلُّ لَهُ إذَا أَخَذَهُ، وَلَئِنْ كَانَ يَحِلُّ لَهُ إذَا أَخَذَهُ: أَنَّهُ لِيَحِلَّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ؟ - وَمَا عَدَا هَذَا فَوَسَاوِسُ. وَقَالَ الزُّهْرِيُّ، وَمَالِكٌ: لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهَا شَيْئًا - وَهُوَ مُضَارٌّ لَهَا - فَإِنْ فَعَلَ لَزِمَهُ الطَّلَاقُ، وَيَرُدُّ مَا أَخَذَ؟ وَهَذِهِ أَيْضًا مُنَاقَضَةٌ، لِأَنَّهُ إنْ لَزِمَهُ الطَّلَاقُ وَجَبَ لَهُ تَمَلُّكُ مَا أَخَذَهُ عِوَضًا عَنْ الطَّلَاقِ، وَإِنْ لَمْ يَجِبْ لَهُ تَمَلُّكُ مَا أَخَذَهُ عِوَضًا مِنْ الطَّلَاقِ: لَمْ يَلْزَمْهُ الطَّلَاقُ، لِأَنَّهُ لَمْ يُطَلِّقْ طَلَاقًا مُطْلَقًا، بَلْ طَلَاقًا بِعِوَضٍ، لَوْلَاهُ لَمْ يُطَلِّقْ. وَقَالَ قَتَادَةُ: إنْ أَخَذَهُ مِنْهَا وَهُوَ مُضَارٌّ لَهَا يَرُدُّ مَا أَخَذَ، وَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ إلَيْهَا مَا دَامَتْ فِي الْعِدَّةِ، وَلَا يَرْجِعُ إلَيْهَا بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ إلَّا بِرِضَاهَا؟ وَهَذَا خَطَأٌ، لِأَنَّهُ إنْ كَانَ الطَّلَاقُ لَهُ لَازِمًا، فَاَلَّذِي أَخَذَ لَهُ مِلْكٌ، إلَّا إنْ كَانَ يَقُولُ: إنَّ طَلَاقَ الْخُلْعِ طَلَاقٌ رَجْعِيٌّ؟ فَقَدْ قُلْنَا: إذَا لَمْ يَصِحَّ الْعِوَضُ الَّذِي لَمْ يُعْقَدْ الطَّلَاقُ إلَّا عَلَيْهِ: لَمْ يَصِحَّ الطَّلَاقُ الَّذِي لَا وُقُوعَ لَهُ بِصِحَّةِ مِلْكِ الْمُطَلِّقِ لِمَا أَخَذَ عِوَضًا مِنْ الطَّلَاقِ. وَقَوْلُ عَطَاءٍ أَنَّهُ إنْ افْتَدَتْ مِنْهُ وَكَانَتْ لَهُ مُطَاوِعَةً فَإِنَّهَا تَرْجِعُ إلَيْهِ، وَمَالُهَا لَهَا، إلَّا أَنْ تَكُونَ الثَّالِثَةُ فَتَذْهَبَ -: رُوِّينَا ذَلِكَ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْهُ، فَهُوَ أَيْضًا خَطَأٌ لِمَا ذَكَرْنَا فِي بُطْلَانِ قَوْلِ قَتَادَةَ، وَمَالِكٍ، وَقَوْلُ طَاوُسٍ هُوَ الْحَقُّ: رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ ابْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: إنْ أَخَذَ فِدَاءَهَا - وَلَا يَحِلُّ لَهُ أَخْذُهُ - رَجَعَ إلَيْهَا مَالُهَا وَرَجَعَتْ إلَيْهِ، وَلَمْ تَذْهَبْ بِنَفْسِهَا وَمَالِهَا - وَهَذَا الَّذِي لَا يَجُوزُ غَيْرُهُ، لِمَا ذَكَرْنَا قَبْلُ. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

٨:٢٤ م

٣٣ مسالة خالع على مجهول 1975 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ خَالَعَ عَلَى مَجْهُولٍ فَهُوَ بَاطِلٌ، لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي هُوَ مَا يَجِبُ لَهُ عِنْدَهَا، وَلَا تَدْرِيهِ هِيَ، فَهُوَ عَقْدٌ فَاسِدٌ وَكُلُّ طَلَاقٍ لَمْ يَصِحَّ إلَّا بِصِحَّةِ مَا لَا صِحَّةَ لَهُ فَهُوَ غَيْرُ صَحِيحٍ، إذَا كَانَ غَيْرَ صَحِيحٍ فَلَمْ يُطَلِّقْ أَصْلًا - وَالْعَجَبُ كُلُّهُ احْتِجَاجُهُمْ فِي خِلَافِ هَذَا بِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ}[البقرة: 229] . قَالُوا: هَذَا عُمُومٌ؟ فَقُلْنَا: نَعَمْ، عُمُومٌ لِمَا يَحِلُّ عَقْدُهُ وَمِلْكُهُ لَا لِلْحَرَامِ، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ لَجَازَ أَنْ يَفْتَدِيَ مِنْ زَوْجَتِهِ بِأَنْ يَزْنِيَ بِهَا مَتَى أَرَادَ، وَبِزِقِّ خَمْرٍ وَيَصِحُّ لَهُ مِلْكُهُ، وَبِأَنْ لَا يُصَلِّيَ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ.

٨:٢٥ م

٣٤ مسالة الخلع على عمل محدود 1976 - مَسْأَلَةٌ: وَالْخُلْعُ عَلَى عَمَلٍ مَحْدُودٍ جَائِزٍ لِدُخُولِهِ تَحْتَ قَوْله تَعَالَى: {فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ}[البقرة: 229] هَذَا إذَا كَانَ ذَلِكَ الْعَمَلُ مُبَاحًا تَجُوزُ الْمُعَاوَضَةُ فِيهِ بِالْإِجَارَةِ وَغَيْرِهَا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

٨:٢٥ م

٣٥ مسالة خالع امراته خلعا صحيحا 1977 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ خَالَعَ امْرَأَتَهُ خُلْعًا صَحِيحًا لَمْ يَسْقُطْ بِذَلِكَ عَنْهُ نَفَقَتُهَا وَكِسْوَتُهَا وَإِسْكَانُهَا فِي الْعِدَّةِ، إلَّا أَنْ تَكُونَ ثَلَاثَةً مَجْمُوعَةً أَوْ مُفَرَّقَةً، وَلَا يَسْقُطُ بِذَلِكَ عَنْهُ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ مِنْ صَدَاقِهَا - قَلَّ أَوْ كَثُرَ. وَلِلْمُخَالِفِينَ هَاهُنَا أَقْوَالٌ طَرِيفَةٌ -: قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إنْ طَلَّقَهَا عَلَى مَالٍ يَأْخُذُهُ مِنْهَا، فَإِنَّهُ لَا يَبْرَأُ مِنْ شَيْءٍ مِنْ حُقُوقِهَا قَبْلَهُ - سَوَاءٌ كَانَتْ مِنْ قِبَلِ النِّكَاحِ أَوْ مِنْ قِبَلِ غَيْرِهِ. قَالَ: فَإِنْ بَارَأَهَا عَلَى مَالٍ يَأْخُذُهُ مِنْهَا، فَإِنَّهُ يَسْقُطُ بِذَلِكَ عَنْهُ جَمِيعُ حُقُوقِهَا الَّتِي لَهَا عَلَيْهِ مِنْ قِبَلِ النِّكَاحِ خَاصَّةً كَالصَّدَاقِ وَالْمُتْعَةِ، فَإِنْ كَانَتْ قَدْ قَبَضَتْ الْمَهْرَ فَهُوَ لَهَا وَلَا يَرْجِعُ عَلَيْهَا بِشَيْءٍ سَوَاءٌ كَانَتْ مَدْخُولًا بِهَا أَوْ غَيْرَ مَدْخُولٍ بِهَا. قَالَ: وَلَا يَبْرَأُ مِنْ نَفَقَتِهَا وَإِسْكَانِهَا فِي الْعِدَّةِ، فَإِنْ أَبْرَأَتْهُ فِي عَقْدِ الْخُلْعِ مِنْ النَّفَقَةِ وَالسُّكْنَى مُدَّةَ عِدَّتِهَا بَرِئَ مِنْ النَّفَقَةِ وَلَمْ يَبْرَأْ مِنْ السُّكْنَى. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: إيرَادُ هَذَا التَّقْسِيمِ يُغْنِي مِنْ الرَّدِّ عَلَيْهِ - وَنَسْأَلُ اللَّهَ الْعَافِيَةَ. وَقَالَ مَالِكٌ: إنْ افْتَدَتْ مِنْهُ قَبْلَ الدُّخُولِ بِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ لَمْ يَكُنْ لَهَا أَنْ تَبِيعَهُ بِنِصْفِ الْمَهْرِ، فَلَوْ سَأَلَتْهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا عَلَى شَيْءٍ مِنْ صَدَاقِهَا رَجَعَتْ عَلَيْهِ بِنِصْفِ مَا بَقِيَ. وَهَذَا كَلَامٌ يُغْنِي ذِكْرُهُ عَنْ تَكَلُّفِ الرَّدِّ عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ ظُلْمٌ صُرَاحٌ وَإِسْقَاطُ حَقٍّ لَمْ تُسْقِطْهُ. وَالْعَجَبُ مِنْ إسْقَاطِهِمْ أَلْفَ دِينَارٍ لَهَا قِبَلَهُ مِنْ صَدَاقِهَا مِنْ أَجْلِ أَنَّهَا افْتَدَتْ مِنْهُ بِدِينَارٍ، وَلَا يُسْقِطُونَ عَنْهُ بِذَلِكَ دِرْهَمًا اسْتَقْرَضَتْهُ مِنْهُ - وَهَذِهِ تَخَالِيطُ نَاهِيك بِهَا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى نَسْتَعِينُ.

٨:٢٦ م

٣٦ مسالة لا يجوز ان يخالع عن المجنونة ولا عن الصغيرة اب ولا غيره 1978 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُخَالِعَ عَنْ الْمَجْنُونَةِ وَلَا عَنْ الصَّغِيرَةِ أَبٌ، وَلَا غَيْرُهُ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلا عَلَيْهَا}[الأنعام: 164] وقَوْله تَعَالَى: {لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ}[النساء: 29] فَمُخَالَعَةُ الْأَبِ أَوْ الْوَصِيِّ أَوْ السُّلْطَانِ عَنْ صَغِيرَةٍ أَوْ كَبِيرَةٍ كَسْبٌ عَلَى غَيْرِهِ، وَهَذَا لَا يَجُوزُ - وَاسْتِحْلَالُ الزَّوْجِ مَالَهَا بِغَيْرِ رِضًا مِنْهَا أَكْلُ مَالٍ بِالْبَاطِلِ، فَهُوَ حَرَامٌ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

٨:٢٦ م

٣٧ مسالة الخلع على ان تبريه من نفقة 1979 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَجُوزُ الْخُلْعُ عَلَى أَنْ تُبْرِيَهُ مِنْ نَفَقَةِ حَمْلِهَا أَوْ مِنْ رَضَاعِ وَلَدِهَا - وَكُلُّ ذَلِكَ بَاطِلٌ، لِأَنَّهُ غَيْرُ مَعْلُومِ الْقَدْرِ، وَقَدْ يَزِيدُ السِّعْرُ وَقَدْ يَنْقُصُ، وَلِأَنَّهُ لَمْ يَجِبْ لَهَا بَعْدُ، فَمُخَالَعَتُهَا بِمَا لَا تَمْلِكُهُ بَاطِلٌ وَظُلْمٌ. وَمِنْ عَجَائِبِ الدُّنْيَا - إجَازَةُ أَبِي حَنِيفَةَ أَنْ تُخَالِعَهُ عَلَى خَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ - وَهُمَا مُسْلِمَانِ وَمَنَعَ مَالِكٌ مِنْ النِّكَاحِ بِثَمَرَةٍ ظَاهِرَةٍ قَبْلَ أَنْ تَنْضَجَ، وَبِزَرْعٍ لَمْ يُسَنْبِلْ وَهُوَ يُجِيزُ الْخُلْعَ عَلَى مَا يُثْمِرُ نَخْلَهَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا ثَمَرَةٌ، وَلَا يَرَى لَهَا غَيْرَ ذَلِكَ - وَحَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ

٨:٢٧ م

٣٩ مسالة المتعة فرض على كل مطلق ُ 1980 - مَسْأَلَةٌ: الْمُتْعَةُ فَرْضٌ عَلَى كُلِّ مُطَلِّقٍ وَاحِدَةً أَوْ اثْنَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا - أَوْ آخَرَ ثَلَاثٍ - وَطِئَهَا أَوْ لَمْ يَطَأْهَا - فَرَضَ لَهَا صَدَاقَهَا أَوْ لَمْ يَفْرِضْ لَهَا شَيْئًا -: أَنْ يُمَتِّعَهَا، وَكَذَلِكَ الْمُفْتَدِيَةُ أَيْضًا وَيُجْبِرُهُ الْحَاكِمُ عَلَى ذَلِكَ - أَحَبَّ أَمْ كَرِهَ. وَلَا مُتْعَةَ عَلَى مَنْ انْفَسَخَ نِكَاحُهُ مِنْهَا بِغَيْرِ طَلَاقٍ وَلَا يُسْقِطُ التَّمَتُّعَ عَنْ الْمُطَلِّقِ مُرَاجَعَتُهُ إيَّاهَا فِي الْعِدَّةِ وَلَا مَوْتُهُ وَلَا مَوْتُهَا -. وَالْمُتْعَةُ لَهَا أَوْ لِوَرَثَتِهَا مِنْ رَأْسِ مَالِهِ يَضْرِبُ بِهَا مَعَ الْغُرَمَاءِ، وَإِنْ تَعَاسَرَ فِي الْمُتْعَةِ قَضَى عَلَى الْمُوسِرِ لَهَا سَوَاءٌ كَانَ عَظِيمَ الْيَسَارِ أَوْ زَادَ فَضْلَةٌ عَنْ قُوتِهِ وَقُوتِ أَهْلِهِ خَادِمٌ يَسْتَقِلُّ بِالْخِدْمَةِ. وَعَلَى مَنْ لَا فَضْلَةَ عِنْدَهُ عَنْ قُوتِ أَهْلِهِ وَنَفْسِهِ ثَلَاثُونَ دِرْهَمًا بِالْعِرَاقِيِّ وَهُوَ الدِّرْهَمُ الَّذِي تَجِبُ الزَّكَاةُ فِيهِ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي " كِتَابِ الزَّكَاةِ ". وَيَقْضِي عَلَى الْمُقِلِّ وَلَوْ بِمُدٍّ أَوْ بِدِرْهَمٍ - عَلَى حَسَبِ طَاقَتِهِ بُرْهَانُ ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ}[البقرة: 241] فَعَمَّ عَزَّ وَجَلَّ كُلَّ مُطَلَّقَةٍ وَلَمْ يَخُصَّ وَأَوْجَبَهُ لَهَا عَلَى كُلِّ مُتَّقٍ يَخَافُ اللَّهَ تَعَالَى. وَقَدْ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي وُجُوبِهَا -: فَرُوِيَ عَنْ طَائِفَةٍ: أَنَّهَا لَيْسَتْ وَاجِبَةً -: رُوِّينَا ذَلِكَ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ فُقَهَاءِ الْمَدِينَةِ السَّبْعَةِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي الزِّنَادِ - ضَعِيفٌ - وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، وَعَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ الْمَاجِشُونِ، وَمَالِكٍ. وَمِنْ عَجَائِبِ الدُّنْيَا احْتِجَاجُ مَنْ قَلَّدَهُ لِقَوْلِهِمْ هَذَا بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى إنَّمَا أَوْجَبَهَا عَلَى الْمُتَّقِينَ وَالْمُحْسِنِينَ لَا عَلَى غَيْرِهِمْ؟ . فَقُلْنَا لَهُمْ: فَهَبْكُمْ صَادِقِينَ فِي ذَلِكَ، أَتُوجِبُونَهَا أَنْتُمْ عَلَى مَنْ أَوْجَبَهَا اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ مِنْ الْمُتَّقِينَ وَالْمُحْسِنِينَ أَوْ لَا؟ فَإِنْ قَالُوا: لَا، أَقَرُّوا بِخِلَافِهِمْ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى، وَأَبْطَلُوا احْتِجَاجَهُمْ الْمَذْكُورَ، وَإِنْ قَالُوا: نَعَمْ، تَرَكُوا مَذْهَبَهُمْ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: هِيَ فَرْضٌ عَلَى الْمُتَّقِينَ، وَالْمُحْسِنِينَ - وَاحْتَجُّوا بِظَاهِرِ كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى -: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ قَالَ: شَهِدْت شُرَيْحًا وَأَتُوهُ مِنْ مَتَاعٍ، فَقَالَ: لَا تَأْبَ أَنْ تَكُونَ مِنْ الْمُتَّقِينَ؟ قَالَ: إنِّي مُحْتَاجٌ قَالَ: لَا تَأْبَ أَنْ تَكُونَ مِنْ الْمُحْسِنِينَ؟ قَالَ أَيُّوبُ: قُلْت لِسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: لِكُلِّ مُطَلَّقَةٍ مَتَاعٌ؟ قَالَ: نَعَمْ، إنْ كَانَ مِنْ الْمُتَّقِينَ، إنْ كَانَ مِنْ الْمُحْسِنِينَ، قَالَ أَيُّوبُ: وَسَأَلَ عِكْرِمَةَ رَجُلٌ فَقَالَ: إنِّي طَلَّقْت امْرَأَتِي فَهَلْ عَلَيَّ مُتْعَةٌ؟ قَالَ: إنْ كُنْت مِنْ الْمُتَّقِينَ، فَنَعَمْ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: كُلُّ مُسْلِمٍ هُوَ عَلَى أَدِيمِ الْأَرْضِ، فَهُوَ بِقَوْلِهِ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ مِنْ جُمْلَةِ الْمُتَّقِينَ بِقَوْلِهِ ذَلِكَ، وَإِيمَانِهِ، وَمِنْ جُمْلَةِ الْمُحْسِنِينَ - وَلِلَّهِ تَعَالَى أَنْ يُخْلِدَهُ فِي النَّارِ إنْ لَمْ يُسْلِمْ. فَكُلُّ مُسْلِمٍ فِي الْعَالَمِ فَهُوَ مُحْسِنٌ مُتَّقٍ، مِنْ الْمُحْسِنِينَ الْمُتَّقِينَ. وَلَوْ لَمْ يَقَعْ اسْمُ " مُحْسِنٍ، وَمُتَّقٍ " إلَّا عَلَى مَنْ يُحْسِنُ وَيَتَّقِي فِي كُلِّ أَفْعَالِهِ: لَمْ يَكُنْ فِي الْأَرْضِ مُحْسِنٌ، وَلَا مُتَّقٍ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذْ لَا بُدَّ لِكُلِّ مَنْ دُونَهُ مِنْ تَقْصِيرٍ، وَإِسَاءَةٍ لَمْ يَكُنْ فِيهَا مِنْ الْمُحْسِنِينَ، وَلَا مِنْ الْمُتَّقِينَ. فَكَانَ عَلَى هَذَا يَكُونُ كَلَامُ اللَّهِ تَعَالَى: {حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ}[البقرة: 236] {حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ}[البقرة: 241] فَارِغًا وَلَغْوًا وَبَاطِلًا، وَهَذَا لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَعْتَقِدَهُ. وَلَا فَرْقَ بَيْنَ قَوْله تَعَالَى {مِنَ الْمُحْسِنِينَ}[الأعراف: 56] وَ {مِنَ الْمُتَّقِينَ}[المائدة: 27] وَبَيْنَ قَوْله تَعَالَى {مِنَ الْمُسْلِمِينَ}[يونس: 72] وَ {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ}[النساء: 95] وَالْمَعْنَى فِي كُلِّ ذَلِكَ وَاحِدٌ، وَلَا فَرْقَ. فَإِنْ ذَكَرُوا: مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ. نَسَخَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً}[البقرة: 237] الَّتِي بَعْدَهَا {وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ}[البقرة: 241] . قُلْنَا: لَا يُصَدَّقُ أَحَدٌ عَلَى إبْطَالِ حُكْمِ آيَةٍ مُنَزَّلَةٍ إلَّا بِخَبَرٍ ثَابِتٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَكَيْفَ وَلَيْسَ فِي الْآيَةِ الَّتِي ذَكَرَ شَيْءٌ يُخَالِفُ الَّتِي زَعَمَ أَنَّهَا نَسَخَتْهَا؟ فَكِلْتَاهُمَا حَقٌّ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لَا تَجِبُ الْمُتْعَةُ إلَّا لِلَّتِي طَلُقَتْ قَبْلَ أَنْ تُوطَأَ -، وَإِنْ لَمْ يُسَمَّ لَهَا صَدَاقٌ - فَهَذِهِ تَجِبُ لَهَا الْمُتْعَةُ فَرْضًا. كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ بْنِ إِسْحَاقَ أَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمَدِينِيِّ أَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: إذَا فُوِّضَ إلَى الرَّجُلِ فَطَلَّقَ قَبْلَ أَنْ يَمَسَّ؟ فَلَيْسَ لَهَا إلَّا الْمَتَاعُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: لَيْسَ فِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَرَى لِغَيْرِهَا الْمُتْعَةَ، إلَّا أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَالْحَسَنِ بْنِ حَيٍّ، وَالْأَوْزَاعِيِّ، وَأَبِي حَنِيفَةَ، وَأَصْحَابِهِ. إلَّا ` أَنَّ الْأَوْزَاعِيَّ قَالَ: لَا مُتْعَةَ عَلَى عَبْدٍ. إلَّا أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ: مَنْ تَزَوَّجَ وَلَمْ يَذْكُرْ مَهْرًا ثُمَّ فَرَضَ لَهَا مَهْرًا بِرِضَاهُ وَبِرِضَاهَا - وَقَدْ فَرَضَ لَهَا الْقَاضِي مَهْرَ الْمِثْلِ - ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا، فَإِنَّ ذَلِكَ الْمَهْرَ يَبْطُلُ، وَلَا يَجِبُ لَهَا إلَّا الْمُتْعَةُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا فَاسِدٌ جِدًّا، وَقَوْلٌ بِلَا بُرْهَانٍ: إسْقَاطُ فَرْضٍ أَمَرَ بِهِ اللَّهُ تَعَالَى بَعْدَ الْتِزَامِهِ أَوْ إلْزَامِهِ بِغَيْرِ حَقٍّ. وَاحْتَجَّ هَؤُلَاءِ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {لا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ}[البقرة: 236] . قَالَ عَلِيٌّ: لَوْ لَمْ يَكُنْ إلَّا هَذِهِ الْآيَةَ لَكَانَ قَوْلُهُ هَذَا حَقًّا، لَكِنَّ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى: {وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ}[البقرة: 241] جَامِعٌ لِكُلِّ مُطَلَّقَةٍ مَفْرُوضٌ لَهَا، أَوْ غَيْرُ مَفْرُوضٍ لَهَا، مَدْخُولٌ بِهَا، أَوْ غَيْرُ مَدْخُولٍ بِهَا - وَلَمْ يَقُلْ عَزَّ وَجَلَّ فِي أَوَّلِ الْآيَةِ الَّتِي نَزَعُوا بِهَا: أَنَّهُ لَا مُتْعَةَ لِغَيْرِهَا؟ فَظَهَرَ بُطْلَانُ قَوْلِهِمْ - وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لِكُلِّ مُطَلَّقَةٍ مُتْعَةٌ، إلَّا الَّتِي طَلُقَتْ قَبْلَ أَنْ تُمَسَّ وَقَدْ فَرَضَ لَهَا بِحَسَبِهَا نِصْفَ مَا فَرَضَ لَهَا. بِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ أَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: لِكُلِّ مُطَلَّقَةٍ مُتْعَةٌ، إلَّا الَّتِي لَمْ يُدْخَلْ بِهَا. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ أَنَا اللَّيْثُ، وَمَالِكٌ، قَالَا جَمِيعًا: أَنَا نَافِعٌ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ: لِكُلِّ مُطَلَّقَةٍ مُتْعَةٌ - الَّتِي تَطْلُقُ وَاحِدَةً أَوْ اثْنَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا - إلَّا أَنْ تَكُونَ امْرَأَةً طَلَّقَهَا زَوْجُهَا قَبْلَ أَنْ يَمَسَّهَا وَقَدْ فَرَضَ لَهَا فَرِيضَةً فَحَسْبُهَا فَرِيضَتُهَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَرَضَ لَهَا، فَلَيْسَ لَهَا إلَّا الْمُتْعَةُ - وَهُوَ قَوْلُ شُرَيْحٍ، وَمُجَاهِدٍ، وَصَحَّ عَنْ إبْرَاهِيمَ. وَرُوِّينَاهُ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَيُبْطِلُ هَذَا الْقَوْلَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى إذْ ذَكَرَ: أَنَّ لَهَا نِصْفَ مَا فُرِضَ لَهَا، لَمْ يَقُلْ: وَلَا مُتْعَةَ لَهَا. وَقَدْ أَوْجَبَ لَهَا الْمُتْعَةَ بِقَوْلِهِ الصَّادِقِ: {وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ}[البقرة: 241] وَهَذِهِ مُطَلَّقَةٌ فَلَهَا الْمُتْعَةُ فَرْضًا مَعَ نِصْفِ مَا فُرِضَ لَهَا. وَقَوْلٌ غَرِيبٌ - رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ عَنْ رَبِيعَةَ، قَالَ: إنَّمَا يُؤْمَرُ بِالْمَتَاعِ مَنْ لَا رِدَّةَ عَلَيْهِ، وَلَا تُحَاصُّ الْغُرَمَاءُ، لَيْسَتْ عَلَى مَنْ لَيْسَ لَهُ شَيْءٌ - وَهَذَا قَوْلٌ لَا بُرْهَانَ عَلَى صِحَّتِهِ، فَهُوَ سَاقِطٌ. وَطَائِفَةٌ قَالَتْ كَقَوْلِنَا - كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ عَنْ مُوسَى ابْنِ أَيُّوبَ الْغَافِقِيِّ عَنْ إيَاسِ بْنِ عَامِرٍ: أَنَّهُ سَمِعَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ يَقُولُ: لِكُلِّ مُطَلَّقَةٍ مُتْعَةٌ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ: لِكُلِّ مُطَلَّقَةٍ مُتْعَةٌ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ قَالَ: سُئِلَ ابْنُ شِهَابٍ عَنْ الْمُمَلَّكَةِ وَالْمُخَيَّرَةِ؟ فَقَالَ ابْنِ شِهَابٍ: كُلُّ مُطَلَّقَةٍ فِي الْأَرْضِ لَهَا مَتَاعٌ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: لِلْمُخْتَلِعَةِ الْمُتْعَةُ، الَّتِي جَمَعَتْ، وَاَلَّتِي لَمْ تَجْمَعْ سَوَاءٌ. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: لِكُلِّ مُطَلَّقَةٍ مُتْعَةٌ وَتَلَا: {وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ}[البقرة: 241] . وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، قَالَ: لِكُلِّ مُطَلَّقَةٍ مُتْعَةٌ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ أَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ: لِكُلِّ امْرَأَةٍ افْتَلَتَتْ نَفْسَهَا مِنْ زَوْجِهَا فَلَهَا الْمُتْعَةُ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ حَمَّادٍ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ: لِلْمُخْتَلِعَةِ الْمُتْعَةُ. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ أَنَا هُشَيْمٌ أَنَا يُونُسُ بْنُ عُبَيْدٍ عَنْ الْحَسَنِ قَالَ: لِكُلِّ مُطَلَّقَةٍ مَتَاعٌ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، قَالَ: لِلْمَمْلُوكَةِ، وَالْيَهُودِيَّةِ وَالنَّصْرَانِيَّةِ: الْمُتْعَةُ إذَا طَلُقَتْ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: مِنْ عَجَائِبِ أَصْحَابِ الْقِيَاسِ - أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَوْجَبَ الْعِدَّةَ -: عَلَى كُلِّ مُتَوَفًّى عَنْهَا زَوْجُهَا مِنْ الزَّوْجَاتِ - وَعَلَى كُلِّ مُطَلَّقَةٍ مَوْطُوءَةٍ مِنْهُنَّ - وَعَلَى الْمُعْتَقَةِ الْمُخْتَارَةِ فِرَاقَ زَوْجِهَا - وَأَوْجَبَ الْمُتْعَةَ لِلْمُطَلَّقَاتِ جُمْلَةً. فَقَاسُوا بِآرَائِهِمْ كُلَّ مَنْ لَيْسَتْ لَهُ زَوْجَةٌ، لَكِنْ وُطِئَتْ بِعَقْدٍ مَفْسُوخٍ فَاسِدٍ، لَا يُوجِبُ مِيرَاثًا عَلَى الزَّوْجَةِ الصَّحِيحَةِ الزَّوَاجِ فِي إيجَابِ الْعِدَّةِ عَلَيْهِمَا. وَأَسْقَطُوا كَثِيرًا مِنْ الْمُطَلَّقَاتِ عَنْ إيجَابِ الْمُتْعَةِ لَهُنَّ، فَهَلْ سُمِعَ بِأَعْجَبَ مِنْ فَسَادِ هَذَا الْعَمَلِ - وَنَسْأَلُ اللَّهَ الْعَافِيَةَ. وَأَمَّا مِقْدَارُ الْمُتْعَةِ - فَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ قَالَ: أَدْنَى مَا أَرَاهُ يَجْزِي فِي الْمُتْعَةِ ثَلَاثُونَ دِرْهَمًا. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: أَعْلَى الْمُتْعَةِ؛ الْخَادِمُ، وَدُونَ ذَلِكَ: النَّفَقَةُ وَالْكِسْوَةُ. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ عَمْرِو بْنِ عُبَيْدٍ عَنْ الْحَسَنِ فِي الْمُتْعَةِ لِلْمُطَلَّقَةِ - قَالَ: لَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ مُؤَقَّتٌ يَمْنَعُهَا عَلَى قَدْرِ الْمَيْسَرَةِ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ: لَا أَعْلَمُ لِلْمُتْعَةِ وَقْتًا، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ}[البقرة: 236] . وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: أَعْلَى مَا يُجْبَرُ عَلَيْهِ مِنْ الْمُتْعَةِ: عَشَرَةُ دَرَاهِمَ، وَأَدْنَى ذَلِكَ: خَمْسَةُ دَرَاهِمَ. وَهَذَا قَوْلٌ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ؟ وَهَبْكَ أَنَّهُ قَاسَ الْعَشَرَةَ دَرَاهِمَ عَلَى مَا تُقْطَعُ فِيهِ الْيَدُ؟ فَعَلَى أَيِّ شَيْءٍ قَاسَ الْخَمْسَةَ دَرَاهِمَ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: لَوْ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى وَكَّلَ الْمُتْعَةَ إلَى الْمُتَمَتِّعِ لَوَقَفْنَا عِنْدَ أَمْرِهِ عَزَّ وَجَلَّ وَأَلْزَمْنَاهُ ذَلِكَ؟ كَمَا يَفْعَلُ فِي إيتَاءِ الْمُكَاتِبِ مِنْ مَالِ الْمُكَاتَبِ لَكِنَّهُ تَعَالَى أَلْزَمَهُ عَلَى قَدْرِ الْيَسَارِ وَالْإِقْتَارِ، فَلَزِمَنَا فَرْضًا أَنْ نَجْعَلَ مُتْعَةَ الْمُوسِرِ غَيْرَ مُتْعَةِ الْمُقْتِرِ وَلَا بُدَّ - وَلَمْ نَجِدْ فِي ذَلِكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَدًّا وَجَبَ حَمْلُ ذَلِكَ عَلَى الْمَعْرُوفِ عِنْدَ الْمُخَاطَبِينَ بِذَلِكَ، فَوَجَبَ بِهَذَا الرُّجُوعُ إلَى مَا صَحَّ عَنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فِي ذَلِكَ، كَمَا فَعَلْنَا فِي جَزَاءِ الصَّيْدِ فَمَا كَانَ هُوَ الْمَعْرُوفُ عِنْدَهُمْ فِي الْمُتْعَةِ، فَهُوَ الَّذِي أَرَادَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِلَا شَكٍّ، إذْ لَا بُدَّ لِمَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ مِنْ بَيَانٍ، فَقَدْ كَانَ فِيهِمْ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - الْمُوسِرُ الْمُتَنَاهِي، كَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، وَغَيْرِهِ، وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَابْنُ عُمَرَ مُوسِرَيْنِ دُونَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ. وَمِمَّا يُبَيِّنُ وُجُوبَ الرُّجُوعِ إلَى مَا رَآهُ الصَّحَابَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أَنَّهُ مُتْعَةٌ بِالْمَعْرُوفِ، كَمَا قُلْنَا فِي النَّفَقَةِ، وَالْكِسْوَةِ، إذْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا مَا آتَاهَا}[الطلاق: 7] وَقَدْ وَافَقَنَا الْمُخَالِفُونَ عَلَى هَذَا، وَكِلَا النَّصَّيْنِ وَاجِبٌ اتِّبَاعُهُ. وَمَا أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نُبَاتٍ أَنَا ابْنُ مُفَرِّحٍ أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ الْوَرْدِ أَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ بْنِ بَادِي الْعَلَّافُ أَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ أَنَا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ مَوْلَى الْأَسْوَدِ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ نَفْسِهَا قَالَتْ: طَلَّقَنِي أَبُو عَمْرِو بْنِ حَفْصٍ أَلْبَتَّةَ ثُمَّ خَرَجَ إلَى الْيَمَنِ وَوَكَّلَ بِهَا عَيَّاشُ بْنُ أَبِي رَبِيعَةَ فَأَرْسَلَ إلَيْهَا عَيَّاشٌ بَعْضَ النَّفَقَةِ، فَسَخِطَتْهَا؟ فَقَالَ لَهَا عَيَّاشٌ: مَا لَك عَلَيْنَا نَفَقَةٌ وَلَا سُكْنَى هَذَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَسَلِيهِ؟ فَسَأَلَتْ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَمَّا قَالَ؟ فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَيْسَ لَكِ نَفَقَةٌ وَلَا مَسْكَنٌ، وَلَكِنْ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَاخْرُجِي عَنْهُمْ» ، وَذَكَرَتْ بَاقِي الْخَبَرَ. فَهَذَا غَايَةُ الْبَيَانِ - أَنَّ الْمُتْعَةَ مَرْدُودَةٌ إلَى مَا كَانَ مَعْرُوفًا عِنْدَهُمْ يَوْمَئِذٍ، فَقَدْ ذَكَرْنَا قَوْلَ ابْنِ عُمَرَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ أَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زِيَادٍ أَنَا شُعْبَةُ عَنْ سَعْدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ قَالَ: سَمِعْت حُمَيْدَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ يُحَدِّثُ عَنْ أُمِّهِ - هِيَ أُمُّ كُلْثُومٍ بِنْتُ عُقْبَةَ، مِنْ الْمُهَاجِرَاتِ الْفَوَاضِلِ لَهَا صُحْبَةٌ - أَنَّهَا قَالَتْ: كَأَنِّي أَنْظُرُ إلَى جَارِيَةٍ سَوْدَاءَ حَمَّمَهَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ امْرَأَتَهُ أُمَّ أَبِي سَلَمَةَ حِينَ طَلَّقَهَا فِي مَرَضِهِ. قَالَ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ: أَنَا هُشَيْمٌ أَنَا مُغِيرَةَ عَنْ إبْرَاهِيمَ قَالَ: الْعَرَبُ تُسَمِّي " الْمُتْعَةَ " التَّحْمِيمَ. فَقَدْ اتَّفَقَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ، بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - لَا يُعْرَفُ لَهُمَا فِي ذَلِكَ مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - عَلَى أَنَّ مُتْعَةَ الْمُوسِرِ الْمُتَنَاهِي - خَادِمُ سَوْدَاءُ، فَإِنْ زَادَ عَلَى ذَلِكَ فَهُوَ مُحْسِنٌ، كَمَا فَعَلَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ، وَغَيْرُهُ، فَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ مُطِيقَةٍ لِلْخِدْمَةِ فَلَيْسَتْ خَادِمًا، فَعَلَى هَذَا الْمِقْدَارِ يُجْبَرُ الْمُوسِرُ إذَا أَبَى أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ. وَأَمَّا الْمُتَوَسِّطُ - فَيُجْبَرُ عَلَى ثَلَاثِينَ دِرْهَمًا أَوْ قِيمَتِهَا إذْ لَمْ يَأْتِ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أَقَلُّ مِنْ ذَلِكَ كَمَا رُوِّينَا آنِفًا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ إذْ رَأَيَا ذَلِكَ هُوَ الْمَعْرُوفُ. وَأَمَّا الْمُقْتِرُ - فَأَقَلُّهُمْ مَنْ لَا يَجِدُ قُوتَ يَوْمِهِ، أَوْ لَا يَجِدُ زِيَادَةً عَلَى ذَلِكَ، فَهَذَا لَا يُكَلَّفُ حِينَئِذٍ شَيْئًا، لَكِنَّهَا دَيْنٌ عَلَيْهِ، فَإِذَا وَجَدَ زِيَادَةً عَلَى قُوتِهِ كُلِّفَ أَنْ يُعْطِيَهَا مَا تَنْتَفِعُ بِهِ - وَلَوْ فِي أَكْلَةِ يَوْمٍ - كَمَا أَمَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إذْ يَقُولُ: {وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ}[البقرة: 236] وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

٨:٢٨ م

٤١ مسالة طلق امراته ثم تزوجت باخر وطيها ثم مات عنها ثم راجعها الذي كان طلقها ثم طلقها ُ 1981 - مَسْأَلَةٌ: وَمِنْ الرَّجْعَةِ مَنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ تَطْلِيقَةً أَوْ تَطْلِيقَتَيْنِ فَاعْتَدَّتْ ثُمَّ تَزَوَّجَتْ زَوْجًا وَطِئَهَا فِي فَرْجِهَا ثُمَّ مَاتَ عَنْهَا أَوْ طَلَّقَهَا ثُمَّ رَاجَعَهَا الَّذِي كَانَ طَلَّقَهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا لَمْ تَحِلَّ لَهُ إلَّا حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا آخَرَ - يَطَؤُهَا فِي فَرْجِهَا - إنْ كَانَ طَلَّقَهَا قَبْلَ ذَلِكَ طَلْقَتَيْنِ فَإِنْ كَانَ إنَّمَا طَلَّقَهَا طَلْقَةً وَاحِدَةً فَإِنَّهُ تَبْقَى لَهُ فِيهَا طَلْقَةٌ هِيَ الثَّالِثَةُ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: إنَّ الَّذِي تَزَوَّجَهَا بَعْدَ طَلَاقِ الْأَوَّلِ قَدْ هَدَمَ طَلَاقَهُ كَمَا يَهْدِمُ الثَّلَاثَ، فَإِنَّهُ يَهْدِمُ مَا دُونَهَا - فَمِمَّنْ رُوِيَ عَنْهُ الْقَوْلُ الْأَوَّلُ -: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيُّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ: أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ فِيمَنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ طَلْقَةً فَاعْتَدَّتْ، ثُمَّ تَزَوَّجَتْ، ثُمَّ طَلَّقَهَا الثَّانِي، فَتَزَوَّجَهَا الْأَوَّلُ فَطَلَّقَهَا طَلْقَتَيْنِ: أَنَّهَا قَدْ حُرِّمَتْ عَلَيْهِ - وَوَافَقَهُ عَلَى ذَلِكَ عَلِيٌّ، وَأُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَالِكٍ، وَسُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، كِلَاهُمَا عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ: سَمِعْت سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ، وَحُمَيْدَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَعُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ، وَسُلَيْمَانَ بْنَ يَسَارٍ، كُلَّهُمْ قَالَ: سَمِعْت أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: سَمِعْت عُمَرَ يَقُولُ: أَيُّمَا امْرَأَةٍ طَلَّقَهَا زَوْجُهَا طَلْقَةً أَوْ طَلْقَتَيْنِ ثُمَّ تَزَوَّجَتْ غَيْرَهُ فَمَاتَ أَوْ طَلَّقَهَا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا الْأَوَّلُ فَإِنَّهَا عِنْدَهُ عَلَى مَا بَقِيَ مِنْ طَلَاقِهِ لَهَا. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ مِثْلُهُ - وَصَحَّ أَيْضًا: عَنْ ابْنِ عُمَرَ - فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ - عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْهُ. وَرُوِيَ أَيْضًا - عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، وَنَفَرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ، وَابْنِ أَبِي لَيْلَى، وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَالْحَسَنِ بْنِ حَيٍّ، وَمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ، وَمَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ، وَأَصْحَابِهِمْ. وَرُوِّينَا الْقَوْلَ الثَّانِي - مِنْ طُرُقٍ، مِنْهَا - مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ ابْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: نِكَاحٌ جَدِيدٌ، وَطَلَاقٌ جَدِيدٌ - وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ - فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ - مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، وَوَكِيعٍ، قَالَ وَكِيعٌ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ؛ وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: عَنْ مَعْدِنِ بْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ، ثُمَّ اتَّفَقَا عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: نِكَاحٌ جَدِيدٌ، وَطَلَاقٌ جَدِيدٌ. وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا - عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ - وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ وَشُرَيْحٍ، وَإِبْرَاهِيمَ، وَأَصْحَابِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَعَبِيدَةَ السَّلْمَانِيِّ، وَأَبِي حَنِيفَةَ، وَزُفَرَ، وَأَبِي يُوسُفَ -: فَنَظَرْنَا فِيمَا احْتَجَّ بِهِ أَهْلُ هَذِهِ الْمَقَالَةِ؟ فَلَمْ نَجِدْ لَهُمْ أَكْثَرَ مِنْ أَنْ قَالُوا: إنَّنَا لَمْ نَخْتَلِفْ أَنَّ نِكَاحَ زَوْجٍ آخَرَ يَهْدِمُ الثَّلَاثَ، وَلَا شَكَّ فِي أَنَّهُ إذَا هَدَمَهَا فَإِنَّهُ قَدْ هَدَمَ الْوَاحِدَةَ مِنْ جُمْلَتِهَا، وَالِاثْنَيْنِ مِنْ جُمْلَتِهَا - وَمِنْ الْمُحَالِ أَنْ يَهْدِمَهَا مُتَفَرِّقَةً. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَقُلْنَا: لَمْ يَهْدِمْ قَطُّ طَلَاقًا، إنَّمَا هَدَمَ التَّحْرِيمَ الْوَاقِعَ بِتَمَامِ الثَّلَاثِ مُفَرَّقَةً أَوْ مَجْمُوعَةً فَقَطْ، وَلَا تُحَرَّمُ بِالطَّلْقَتَيْنِ وَلَا بِالْوَاحِدَةِ بِهَدْمِهِ. وَقُلْنَا لَهُمْ: أَنْتُمْ قَدْ حَمَّلْتُمْ الْعَاقِلَةَ نِصْفَ عُشْرِ الدِّيَةِ فَأَكْثَرَ، وَلَمْ تُحَمِّلُوهَا أَقَلَّ مِنْ نِصْفِ الْعُشْرِ، وَلَا شَكَّ أَنَّهَا إذَا حُمِّلَتْ نِصْفَ الْعُشْرِ فَقَدْ حُمِّلَتْ فِي جُمْلَتِهِ أَقَلَّ مِنْهُ؟ فَقَالُوا: إنَّمَا حَمَّلْنَاهَا مَا ثَقُلَ؟ فَقُلْنَا: وَمَنْ لَكُمْ بِأَنَّ نَصَّفَ الْعُشْرِ فَصَاعِدًا هُوَ الثِّقَلُ دُونَ أَنْ يَكُونَ الثُّلُثُ هُوَ الثِّقَلُ أَوْ الْكُلُّ. وَأَيْضًا - فَرُبَّ جَانٍّ يَعْظُمُ عَلَيْهِ وَيَثْقُلُ رُبُعُ عُشْرِ الدِّيَةِ، لِقِلَّةِ مَالِهِ، وَآخَرَ تَخِفُّ عَلَيْهِ الدِّيَةُ كُلُّهَا لِكَثْرَةِ مَالِهِ. ثُمَّ السُّؤَالُ بَاقٍ عَلَيْكُمْ، إذْ حَمَّلْتُمُوهَا مَا ثَقُلَ، فَالْأَوْلَى أَنْ تُحَمِّلُوهَا مَا خَفَّ وَكُلُّ هَذَا لَا مَعْنَى لَهُ، إنَّمَا الْحُجَّةُ فِي ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {فَإِنْ طَلَّقَهَا}[البقرة: 230] يَعْنِي فِي الثَّالِثَةِ {فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ}[البقرة: 230] فَلَا يَجُوزُ تَعَدِّي حُدُودَ اللَّهِ تَعَالَى وَالْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

٨:٢٩ م

٤٢ مسالة حكم المطلقة طلاقا رجعيا 1982 - مَسْأَلَةٌ: وَقَدْ قُلْنَا: إنَّ الْمُطَلَّقَةَ طَلَاقًا رَجْعِيًّا فَهِيَ زَوْجَةٌ لِلَّذِي طَلَّقَهَا مَا لَمْ تَنْقَضِ عِدَّتُهَا، يَتَوَارَثَانِ، وَيَلْحَقُهَا طَلَاقُهُ، وَإِيلَاؤُهُ، وَظِهَارُهُ، وَلِعَانُهُ إنْ قَذَفَهَا، وَعَلَيْهِ نَفَقَتُهَا، وَكِسْوَتُهَا، وَإِسْكَانُهَا. فَإِذْ هِيَ زَوْجَتُهُ فَحَلَالٌ لَهُ أَنْ يَنْظُرَ مِنْهَا إلَى مَا كَانَ يَنْظُرُ إلَيْهِ مِنْهَا قَبْلَ أَنْ يُطَلِّقَهَا، وَأَنْ يَطَأَهَا، إذْ لَمْ يَأْتِ نَصٌّ بِمَنْعِهِ مِنْ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ - وَقَدْ سَمَّاهُ اللَّهُ تَعَالَى " بَعْلًا " لَهَا، إذْ يَقُولُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ}[البقرة: 228] . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَإِنْ وَطِئَهَا لَمْ يَكُنْ بِذَلِكَ مُرَاجِعًا لَهَا حَتَّى يَلْفِظَ بِالرَّجْعَةِ وَيُشْهِدَ، وَيُعْلِمَهَا بِذَلِكَ قَبْلَ تَمَامِ عِدَّتِهَا، فَإِنْ رَاجَعَ وَلَمْ يُشْهِدْ فَلَيْسَ مُرَاجِعًا لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ}[الطلاق: 2] فَرَّقَ عَزَّ وَجَلَّ بَيْنَ الْمُرَاجَعَةِ، وَالطَّلَاقِ وَالْإِشْهَادِ، فَلَا يَجُوزُ إفْرَادُ بَعْضِ ذَلِكَ عَنْ بَعْضٍ، وَكَانَ مَنْ طَلَّقَ وَلَمْ يُشْهِدْ ذَوَيْ عَدْلٍ، أَوْ رَاجَعَ وَلَمْ يُشْهِدْ ذَوَيْ عَدْلٍ، مُتَعَدِّيًا لِحُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى. وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ» . فَإِنْ قِيلَ: قَدْ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ}[البقرة: 282] . وَقَالَ تَعَالَى فِي الدَّيْنِ الْمُؤَجَّلِ: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ}[البقرة: 282] . فَلِمَ أَجَزْتُمْ الْبَيْعَ الْمُؤَجَّلَ وَغَيْرَهُ إذَا لَمْ يُشْهِدْ عَلَيْهِ؟ وَقَالَ تَعَالَى: {فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ}[النساء: 6] . فَلِمَ أَجَزْتُمْ الدَّفْعَ إلَى الْيَتِيمِ مَالَهُ إذَا بَلَغَ مُمَيِّزًا دُونَ إشْهَادٍ؟ قُلْنَا: لَمْ نُجِزْ دَعْوَاهُ لِلدَّفْعِ لَا حَتَّى يَأْتِيَ بِالْبَيِّنَةِ، وَقَضَيْنَا بِالْيَمِينِ عَلَى الْيَتِيمِ إنْ لَمْ يَأْتِ الْمَوْلَى بِالْبَيِّنَةِ عَلَى أَنَّهُ قَدْ دَفَعَ إلَيْهِ مَالَهُ، وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ عَاصِيًا لِلَّهِ تَعَالَى إنْ حَلَفَ حَانِثًا فَقَطْ. كَمَا جَعَلْنَا الْمَرْأَةَ الَّتِي لَمْ يَقُمْ لِلزَّوْجِ بَيِّنَةٌ بِطَلَاقِهَا، وَلَا بِرَجْعَتِهَا: عَاصِيَةً لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ إنْ حَلَفَتْ حَانِثَةً، عَالِمَةً بِأَنَّهُ قَدْ طَلَّقَهَا أَوْ رَاجَعَهَا. وَأَمَّا إجَازَتُنَا الْبَيْعَ الْمُؤَجَّلَ وَغَيْرَهُ -، وَإِنْ لَمْ يُشْهِدَا عَلَيْهِ - فَلِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " أَنَّهُمَا بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا فَإِذَا تَفَرَّقَا أَوْ خَيَّرَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ فَاخْتَارَ الْبَيْعَ فَقَدْ تَمَّ الْبَيْعُ " أَوْ كَمَا قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مِمَّا قَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي " كِتَابِ الْبُيُوعِ " مِنْ دِيوَانِنَا هَذَا وَغَيْرِهِ بِنَصِّهِ، وَإِسْنَادِهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. وَهُوَ فِي كُلِّ ذَلِكَ عَاصٍ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ إنْ لَمْ يُشْهِدْ فِي الْبَيْعِ الْمُؤَجَّلِ، وَغَيْرِهِ، وَفِي دَفْعِ الْمَالِ لِلْيَتِيمِ إذَا بَلَغَ مُمَيِّزًا، وَفِي طَلَاقِهِ، وَفِي رَجْعَتِهِ، إذَا لَمْ يَفْعَلْ كَمَا أَمَرَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ. وَقَدْ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي الْوَطْءِ فِي الْعِدَّةِ، أَيَكُونُ رَجْعَةً أَمْ لَا؟ نَعَمْ، وَفِيمَا دُونَ الْوَطْءِ -: فَرُوِّينَا عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ الْوَطْءَ رَجْعَةٌ - وَصَحَّ هَذَا أَيْضًا - عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، وَطَاوُسٍ، وَالْحَسَنِ، وَالزُّهْرِيِّ، وَعَطَاءٍ. وَرُوِّينَاهُ عَنْ الشَّعْبِيِّ - وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ -، وَهُوَ قَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ، وَابْنِ أَبِي لَيْلَى. وَقَالَ مَالِكٌ، وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ: إنْ نَوَى بِالْجِمَاعِ الرَّجْعَةَ فَهِيَ رَجْعَةٌ، وَإِنْ لَمْ يَنْوِ بِهِ الرَّجْعَةَ فَلَيْسَ رَجْعَةً، قَالَا جَمِيعًا: وَأَمَّا مَا دُونَ النِّكَاحِ فَلَيْسَ رَجْعَةً، وَإِنْ نَوَى بِهِ الرَّجْعَةَ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا تَقْسِيمٌ لَا حُجَّةَ عَلَى صِحَّتِهِ أَصْلًا وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ، وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَأَبُو حَنِيفَةَ: الْجِمَاعُ رَجْعَةٌ - نَوَى بِهِ الرَّجْعَةَ أَوْ لَمْ يَنْوِ - وَكَذَلِكَ اللَّمْسُ. قَالَ سُفْيَانُ، وَأَبُو حَنِيفَةَ: إذَا كَانَ لِشَهْوَةٍ، وَإِلَّا فَلَا. قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: وَالنَّظَرُ إلَى الْفَرْجِ بِشَهْوَةٍ رَجْعَةٌ. قَالَ: فَلَوْ قَبَّلَتْهُ لِشَهْوَةٍ، أَوْ لَمَسَتْهُ لِشَهْوَةٍ - وَأَقَرَّ هُوَ بِذَلِكَ - فَهِيَ رَجْعَةٌ؟ فَلَوْ جُنَّ فَقَبَّلَهَا لِشَهْوَةٍ فَهِيَ رَجْعَةٌ، فَلَوْ جَامَعَتْهُ مُكْرَهَةً فَهِيَ رَجْعَةٌ، وَلَا يَكُونُ مَا دُونَ الْجِمَاعِ بِإِكْرَاهٍ رَجْعَةً. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذِهِ الْأَقْوَالُ فِي غَايَةِ الْفَسَادِ؛ لِأَنَّهَا شَرْعٌ فِي الدِّينِ بِغَيْرِ قُرْآنٍ، وَلَا سُنَّةٍ صَحِيحَةٍ، وَلَا سَقِيمَةٍ، وَلَا قِيَاسٍ لَهُ وَجْهٌ، وَلَا رَأْيٍ لَهُ فِي السَّدَادِ حَظٌّ، وَلَا سَبَقَهُ إلَيْهَا أَحَدٌ نَعْلَمُهُ. وَقَالَ جَابِرُ بْنُ زَيْدٍ، وَأَبُو قِلَابَةَ، وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ وَالشَّافِعِيُّ: الْوَطْءُ فَمَا دُونَهُ لَا يَكُونُ رَجْعَةً - نَوَى بِهِ الرَّجْعَةَ أَوْ لَمْ يَنْوِ - وَلَا رَجْعَةَ إلَّا بِالْكَلَامِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: لَمْ يَأْتِ بِأَنَّ الْجِمَاعَ رَجْعَةٌ: قُرْآنٌ وَلَا سُنَّةٌ، وَلَا خِلَافَ فِي أَنَّ الرَّجْعَةَ بِالْكَلَامِ رَجْعَةٌ، فَلَا يَكُونُ رَجْعَةً إلَّا بِمَا صَحَّ أَنَّهُ رَجْعَةٌ وَقَالَ تَعَالَى: {فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ}[الطلاق: 2] وَالْمَعْرُوفُ مَا عُرِفَ بِهِ مَا فِي نَفْسِ الْمُمْسِكِ الرَّادِّ، وَلَا يُعْرَفُ ذَلِكَ إلَّا بِالْكَلَامِ، وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَقَدْ قَالَ قَوْمٌ: إنَّ مَعْنَى قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ}[الطلاق: 2] إنَّمَا مَعْنَاهُ: مُقَارَبَةُ بُلُوغِ الْأَجَلِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا خَطَأٌ وَبَاطِلٌ بِلَا شَكٍّ؛ لِأَنَّهُ إخْبَارٌ عَنْ اللَّهِ تَعَالَى بِأَنَّهُ أَرَادَ مَا لَمْ يُخْبِرْنَا - عَزَّ وَجَلَّ - وَبِأَنَّهُ أَرَادَهُ وَلَا أَخْبَرَنَا بِهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ}[الأعراف: 33] . وَأَيْضًا - فَلَوْ كَانَ مَا قَالُوا لَكَانَ لَا إمْسَاكَ إلَّا قُرْبَ بُلُوغِ أَقْصَى الْعِدَّةِ وَهَذَا مَا لَا يَقُولُونَهُ، لَا هُمْ وَلَا غَيْرُهُمْ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: مَعْنَاهُ - بِلَا شَكٍّ -: {فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ}[الطلاق: 2] أَجَلُ عِدَّتِهِنَّ. بُرْهَانُ ذَلِكَ -: أَنَّ مِنْ أَوَّلِ الْعِدَّةِ إلَى آخِرِهَا وَقْتًا لِرَدِّهِ إيَّاهَا وَلِإِمْسَاكِهِ لَهَا، وَلَا قَوْلَ أَصَحَّ مِنْ قَوْلٍ صَحَّحَهُ الْإِجْمَاعُ الْمُتَيَقَّنُ مِنْ الْمُخَالِفِ وَالْمُوَالِفِ، قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَأَمَّا قَوْلُنَا: إنَّهُ إنْ رَاجَعَ وَلَمْ يُشْهِدْ، أَوْ أَشْهَدَ وَلَمْ يُعْلِمْهَا حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا - غَائِبًا كَانَ أَوْ حَاضِرًا - وَقَدْ طَلَّقَهَا وَأَعْلَمَهَا وَأَشْهَدَ، فَقَدْ بَانَتْ مِنْهُ، وَلَا رَجْعَةَ لَهُ عَلَيْهَا إلَّا بِرِضَاهَا بِابْتِدَاءِ نِكَاحٍ بِوَلِيٍّ، وَإِشْهَادٍ وَصَدَاقٍ مُبْتَدَأٍ - سَوَاءٌ تَزَوَّجَتْ أَوْ لَمْ تَتَزَوَّجْ دَخَلَ بِهَا الزَّوْجُ الثَّانِي أَوْ لَمْ يَدْخُلْ - فَإِنْ أَتَاهَا الْخَبَرُ - وَهِيَ بَعْدُ فِي الْعِدَّةِ - فَهِيَ رَجْعَةٌ صَحِيحَةٌ. بُرْهَانُ ذَلِكَ -: قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلا أَنْفُسَهُمْ}[البقرة: 9] ، وَقَالَ تَعَالَى: {وَلا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ}[الطلاق: 6] وَهَذَا عَيْنُ الْمُضَارَّةِ، وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ» ، فَمُضَارَّتُهُ مَرْدُودَةٌ بَاطِلٌ. وَأَيْضًا - فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى سَمَّى الرَّجْعَةَ إمْسَاكًا بِمَعْرُوفٍ، قَالَ تَعَالَى {فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ}[الطلاق: 2] فَالرَّجْعَةُ - هِيَ الْإِمْسَاكُ، وَلَا تَكُونُ - بِنَصِّ كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى إلَّا بِمَعْرُوفٍ وَالْمَعْرُوفُ - هُوَ إعْلَامُهَا، وَإِعْلَامُ أَهْلِهَا، إنْ كَانَتْ صَغِيرَةً أَوْ مَجْنُونَةً - فَإِنْ لَمْ يُعْلِمْهَا لَمْ يُمْسِكْ بِمَعْرُوفٍ، وَلَكِنْ بِمُنْكَرٍ، إذْ مَنَعَهَا حُقُوقَ الزَّوْجِيَّةِ: مِنْ النَّفَقَةِ، وَالْكِسْوَةِ، وَالْإِسْكَانِ، وَالْقِسْمَةِ فَهُوَ إمْسَاكٌ فَاسِدٌ بَاطِلٌ مَا لَمْ يُشْهِدْ بِإِعْلَامِهَا فَحِينَئِذٍ يَكُونُ بِمَعْرُوفٍ. وَكَذَلِكَ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلاحًا وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ}[البقرة: 228] . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: إنَّمَا يَكُونُ " الْبَعْلُ " أَحَقَّ بِرَدِّهَا إنْ أَرَادَ إصْلَاحًا - بِنَصِّ الْقُرْآنِ وَمَنْ كَتَمَهَا الرَّدَّ، أَوْ رَدَّ بِحَيْثُ لَا يَبْلُغُهَا، فَلَمْ يُرِدْ إصْلَاحًا بِلَا شَكٍّ، بَلْ أَرَادَ الْفَسَادَ، فَلَيْسَ رَدًّا وَلَا رَجْعَةً أَصْلًا. وَقَدْ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي هَذَا عَلَى خَمْسَةِ أَقْوَالٍ: -:. فَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ - كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ فِي امْرَأَةٍ طَلَّقَهَا زَوْجُهَا، فَأَعْلَمَهَا، ثُمَّ رَاجَعَهَا وَلَمْ يُعْلِمْهَا حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا: فَقَدْ بَانَتْ مِنْهُ. وَمِنْ طَرِيقِ سَعْدِ بْنِ مَنْصُورٍ أَنَا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ مَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ إذَا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ فَأَعْلَمَهَا طَلَاقَهَا، ثُمَّ رَاجَعَهَا فَكَتَمَهَا الرَّجْعَةَ حَتَّى انْقَضَتْ الْعِدَّةُ: فَلَا سَبِيلَ لَهُ عَلَيْهَا. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ أَخْبَرَنِي أَبُو الشَّعْثَاءِ جَابِرُ بْنُ زَيْدٍ، قَالَ: تَمَارَيْتُ أَنَا وَرَجُلٌ مِنْ الْقُرَّاءِ الْأَوَّلِينَ فِي الْمَرْأَةِ يُطَلِّقُهَا الرَّجُلُ ثُمَّ يَرْتَجِعُهَا، فَيَكْتُمُهَا رَجْعَتَهَا؟ فَقُلْت أَنَا: لَيْسَ لَهُ شَيْءٌ فَسَأَلْنَا شُرَيْحًا الْقَاضِيَ؟ فَقَالَ: لَيْسَ لَهُ إلَّا فَسْوَةُ الضَّبُعِ. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ أَنَا هُشَيْمٌ أَنَا يُونُسُ بْنُ عُبَيْدٍ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ قَالَ: سَأَلَ رَجُلٌ عِمْرَانَ بْنَ الْحُصَيْنِ فَقَالَ: إنَّهُ طَلَّقَ وَلَمْ يُشْهِدْ، وَرَاجَعَ وَلَمْ يُشْهِدْ؟ فَقَالَ لَهُ عِمْرَانُ: طَلَّقْت بِغَيْرِ عِدَّةٍ، وَرَاجَعْت فِي غَيْرِ سُنَّةٍ، فَأَشْهِدْ عَلَى مَا صَنَعْت. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ أَنَا هُشَيْمٌ أَخْبَرَنِي عَبِيدَةُ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ رَوَّاحٍ قَالَ: سَأَلْت سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ عَنْ رَجُلٍ طَلَّقَ سِرًّا، وَرَاجَعَ سِرًّا؟ فَقَالَ: طَلَّقْت فِي غَيْرِ عِدَّةٍ، وَارْتَجَعْت فِي عَمَاءٍ، أَشْهِدْ عَلَى مَا صَنَعْت؟ وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ أَنَا هُشَيْمٌ أَنَا مَنْصُورٌ عَنْ الْحَسَنِ قَالَ: إذَا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثُمَّ رَاجَعَهَا فِي غَيْبٍ أَوْ مَشْهَدٍ، وَلَمْ يُعْلِمْهَا بِالرَّجْعَةِ حَتَّى انْقَضَتْ الْعِدَّةُ، فَلَا سَبِيلَ لَهُ عَلَيْهَا - فَهَذَا قَوْلٌ. وَقَوْلٌ ثَانِي - رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ الَّذِي يُطَلِّقُ امْرَأَتَهُ - وَهُوَ غَائِبٌ - ثُمَّ يُرَاجِعُهَا وَلَا يُبَلِّغُهَا مُرَاجَعَتَهُ -، وَقَدْ بَلَّغَهَا طَلَاقُهُ -: أَنَّهَا إنْ تَزَوَّجَتْ وَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا زَوْجُهَا الْآخَرُ، أَوْ دَخَلَ: فَلَا سَبِيلَ إلَى زَوْجِهَا الْأَوَّلِ إلَيْهَا. وَقَالَ مَالِكٌ: وَهَذَا أَحَبُّ مَا سَمِعْت إلَيَّ فِيهَا وَفِي الْمَفْقُودِ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي يُونُسُ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ: مَضَتْ السُّنَّةُ فِي الَّذِي يُطَلِّقُ امْرَأَتَهُ ثُمَّ يُرَاجِعُهَا فَيَكْتُمُهَا رَجْعَتَهَا حَتَّى تَحِلَّ فَتَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ: فَإِنَّهُ لَيْسَ لَهُ مِنْ أَمْرِهَا شَيْءٌ، وَلَكِنَّهَا مِنْ زَوْجِهَا الْآخَرِ. قَالَ ابْنُ وَهْبٍ: وَأَخْبَرَنِي مَخْرَمَةُ بْنُ بُكَيْرٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، وَنَافِعٍ مِثْلُهُ - وَصَحَّ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ سَمْعَانَ عَنْ الزُّهْرِيِّ مِثْلُ ذَلِكَ، إذَا كَانَا فِي بَلَدٍ وَاحِدٍ. وَقَالَ ثَالِثٌ - مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ، قَالَ مَالِكٌ: الْأَمْرُ لِي لَا اخْتِلَافَ فِيهِ: إنَّهُ إذَا دَخَلَ بِهَا زَوْجُهَا الْآخَرُ قَبْلَ أَنْ يُدْرِكَهَا الْأَوَّلُ فَلَا سَبِيلَ لَهُ إلَيْهَا - وَذَلِكَ الْأَمْرُ عِنْدَنَا فِي هَذَا وَفِي الْمَفْقُودِ - يَعْنِي: فِي الَّذِي طَلَّقَهَا وَأَعْلَمَهَا ثُمَّ رَاجَعَهَا وَأَشْهَدَ وَلَمْ يُبْلِغْهَا. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: ثُمَّ رَجَعَ مَالِكٌ عَنْ ذَلِكَ وَقَالَ: زَوْجُهَا الْأَوَّلُ أَحَقُّ بِهَا قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: أَمَّا أَنَا فَأَرَى أَنَّهَا إنْ دَخَلَ بِهَا زَوْجُهَا فَلَا سَبِيلَ لَهُ إلَيْهَا، فَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا فَهِيَ لِلْأَوَّلِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: إنَّمَا أَوْرَدْنَا هَذَا لِنَرَى الْمُشْغِبِينَ بِقَوْلِ مَالِكٍ: " الْأَمْرُ عِنْدَنَا، وَالْأَمْرُ الَّذِي لَا اخْتِلَافَ فِيهِ عِنْدَنَا " حُجَّةٌ، وَإِجْمَاعٌ، لَا يَحِلُّ خِلَافُهُ. وَهَذَا مَالِكٌ قَدْ رَجَعَ عَنْ قَوْلٍ ذَكَرَ أَنَّهُ الْأَمْرُ عِنْدَهُمْ، وَالْأَمْرُ الَّذِي لَا اخْتِلَافَ فِيهِ: فَحَسْبُهُمْ وَحَسْبُكُمْ. وَرُوِّينَا مِنْ طُرُقٍ عَنْ عُمَرَ كُلِّهَا مُنْقَطِعَةٌ؛ لِأَنَّهَا عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ عُمَرَ أَوْ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ عُمَرَ، أَوْ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ عُمَرَ، أَوْ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ: أَنَّ عُمَرَ قَالَ فِيمَنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثُمَّ سَافَرَ وَأَشْهَدَ عَلَى رَجْعَتِهَا قَبْلَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ لَا عِلْمَ لَهَا بِذَلِكَ حَتَّى تَزَوَّجَتْ: أَنَّهُ إنْ أَدْرَكَهَا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا فَهِيَ امْرَأَتُهُ، وَإِنْ لَمْ يُدْرِكْهَا حَتَّى دَخَلَ بِهَا الثَّانِي فَهِيَ امْرَأَةُ الثَّانِي، حَكَمَ بِذَلِكَ فِي أَبِي كَنَفٍ - وَهُوَ قَوْلُ اللَّيْثِ، وَالْأَوْزَاعِيِّ. وَقَوْلٌ رَابِعٌ - رُوِّينَاهُ: مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ فِيمَنْ طَلَّقَ ثُمَّ ارْتَجَعَهَا وَأَشْهَدَ فَلَمْ تَأْتِهَا الرَّجْعَةُ حَتَّى تَزَوَّجَتْ؟ قَالَ: إنْ أُصِيبَتْ فَلَا شَيْءَ لِلْأَوَّلِ فِيمَا بَلَغَنَا - يُقَالُ ذَلِكَ، فَإِنْ نُكِحَتْ وَلَمْ تُصَبْ؟ فَالْأَوَّلُ أَحَقُّ بِهَا - وَبِهِ يَقُولُ عَبْدُ الْكَرِيمِ. وَقَوْلٌ خَامِسٌ - رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ قَالَ: قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ: إذَا طَلَّقَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ ثُمَّ رَاجَعَهَا وَلَمْ يُعْلِمْهَا: فَهِيَ امْرَأَتُهُ إذَا أَشْهَدَ. وَمِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ مَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّهُ قَالَ فِيمَنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثُمَّ غَابَ، فَكَتَبَ إلَيْهَا بِرَجْعَتِهَا، فَضَاعَ الْكِتَابُ حَتَّى انْقَضَتْ عِدَّتُهَا، فَإِنَّ زَوْجَهَا الْأَوَّلِ أَحَقُّ بِهَا دَخَلَ بِهَا الْآخَرُ أَوْ لَمْ يَدْخُلْ. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ، وَقَتَادَةَ عَنْ عَلِيٍّ مِثْلُهُ - وَمِنْ طَرِيقِ إبْرَاهِيمَ عَنْ عَلِيٍّ فِي أَبِي كَنَفٍ مِثْلُهُ وَهُوَ قَوْلُ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ. ثُمَّ وَجَدْنَاهُ مُتَّصِلًا عَنْ عَلِيٍّ كَمَا أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نُبَاتٍ أَنَا عَيَّاشُ بْنُ أَصْبَغَ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ قَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ الْخُشَنِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى أَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى أَنَا سَعِيدٌ - هُوَ ابْنُ أَبِي عَرُوبَةَ - عَنْ قَتَادَةَ عَنْ خِلَاسٍ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ رَجُلًا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ، وَأَعْلَمَهَا، وَأَرْجَعَهَا، وَأَشْهَدَ شَاهِدَيْنِ وَقَالَ: اُكْتُمَا عَلَيَّ، فَكَتَمَا، حَتَّى انْقَضَتْ عِدَّتُهَا، فَارْتَفَعُوا إلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ؟ فَأَجَازَ الطَّلَاقَ وَجَلَدَ الشَّاهِدَيْنِ وَاتَّهَمَهُمَا. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: ثُمَّ نَظَرْنَا فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ، فَوَجَدْنَاهَا لَا حُجَّةَ فِيهَا لِمَنْ ذَهَبَ إلَى هَذَا الْقَوْلِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهَا إلَّا إجَازَةُ الطَّلَاقِ، لَا إجَازَةُ الرَّجْعَةِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: لَيْسَ إلَّا هَذَا الْقَوْلُ، أَوْ الَّذِي تَخَيَّرْنَاهُ، وَمَا عَدَاهُمَا فَخَطَأٌ لَا إشْكَالَ فِيهِ؛ لِأَنَّ زَوَاجَهَا أَوْ دُخُولَهُ بِهَا، أَوْ وَطْأَهُ لَهَا، لَا يَفْسَخُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ نِكَاحًا صَحِيحًا -، وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ -، وَإِنَّمَا هُوَ صِحَّةُ الرَّجْعَةِ أَوْ فَسَادُهَا، وَبِقَوْلِ عَلِيٍّ الَّذِي ذَكَرْنَا يَقُولُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَبُو سُلَيْمَانَ، وَأَصْحَابُهُمْ.

٨:٢٩ م

٤٣ مسالة الرجعة من الطلاق الثلاث مَسْأَلَةٌ وَنَجْمَعُ هَاهُنَا مَا لَعَلَّنَا ذَكَرْنَاهُ مُفَرَّقًا هُوَ: أَنَّهُ لَا يَكُونُ طَلَاقٌ لَا يَمْلِكُ فِيهِ الْمُطَلِّقُ الرَّجْعَةَ مَا دَامَتْ فِي الْعِدَّةِ إلَّا طَلَاقَ الثَّلَاثِ - مَجْمُوعَةً، أَوْ مُفَرَّقَةً - وَطَلَاقُ الَّتِي لَمْ يَطَأْهَا الْمُطَلِّقُ سَوَاءٌ طَلَّقَهَا وَاحِدَةً أَوْ اثْنَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا - إلَّا أَنَّهُ دُونَ الثَّلَاثِ - إنْ رَضِيَ هُوَ وَهِيَ - فَلَهُمَا ابْتِدَاءُ النِّكَاحِ بِوَلِيٍّ، وَإِشْهَادٍ، وَصَدَاقٍ - وَهَذَا حُكْمُ الْفَسْخِ كُلِّهِ. وَأَمَّا طَلَاقُ الْمَوْطُوءَةِ وَاحِدَةً، أَوْ اثْنَتَيْنِ: فَلِلْمُطَلِّقِ مُرَاجَعَتُهَا - أَحَبَّتْ أَمْ كَرِهَتْ - بِلَا صَدَاقٍ، وَلَا وَلِيٍّ، وَلَكِنْ بِإِشْهَادٍ فَقَطْ - وَهَذَا مَا لَا خِلَافَ فِيهِ -، وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

٨:٣٠ م

٤٥ مسالة انواع العدد ُ 1984 - مَسْأَلَةٌ: الْعِدَدُ ثَلَاثٌ -: إمَّا مِنْ طَلَاقٍ فِي نِكَاحٍ وَطِئَهَا فِيهِ مَرَّةً فِي الدَّهْرِ فَأَكْثَرَ. وَإِمَّا مِنْ وَفَاةٍ، سَوَاءٌ وَطِئَهَا أَوْ لَمْ يَطَأْهَا. وَأَمَّا الْمُعْتَقَةُ - إذَا اخْتَارَتْ نَفْسَهَا وَفِرَاقَ زَوْجِهَا؟ فَإِنَّ هَذِهِ خَاصَّةً دُونَ سَائِرِ وُجُوهِ الْفَسْخِ: عِدَّتُهَا عِدَّةُ الْمُطَلَّقَةِ سَوَاءً سَوَاءً. وَأَمَّا سَائِرُ وُجُوهِ الْفَسْخِ، وَاَلَّتِي لَمْ يَطَأْهَا زَوْجُهَا فَلَا عِدَّةَ عَلَى وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ، وَلَهُنَّ أَنْ يُنْكَحْنَ: سَاعَةَ الْفَسْخِ، وَسَاعَةَ الطَّلَاقِ. بُرْهَانُ ذَلِكَ -: أَنَّ عِدَّةَ الطَّلَاقِ، وَالْوَفَاةِ: مَذْكُورَةٌ فِي الْقُرْآنِ - وَكَذَلِكَ سُقُوطُ الْمَسْقُوطَةِ الْعِدَّةِ عَنْ الَّتِي طَلُقَتْ وَلَمْ يَطَأْهَا الْمُطَلِّقُ فِي ذَلِكَ النِّكَاحِ. وَأَمَّا الْمُعْتَقَةُ - تَخْتَارُ فَسْخَ نِكَاحِهَا -: فَكَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد أَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ أَنَا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ أَنَا هَمَّامُ بْنُ يَحْيَى عَنْ قَتَادَةَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: «أَنَّ زَوْجَ بَرِيرَةَ كَانَ عَبْدًا أَسْوَدَ اسْمُهُ مُغِيثٌ فَخَيَّرَهَا - يَعْنِي رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَمَرَهَا تَعْتَدُّ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَلَوْ كَانَتْ عِدَّةٌ غَيْرَ الْمَذْكُورَةِ فِي الْقُرْآنِ لَبَيَّنَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِلَا شَكٍّ، وَإِنَّمَا قُلْنَا: إنَّهَا عِدَّةُ الطَّلَاقِ؛ لِأَنَّهَا عِدَّةٌ مِنْ حَيٍّ لَا مِنْ مَيِّتٍ - فَصَحَّ إذْ أَمَرَهَا - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِأَنْ تَعْتَدَّ مِنْ فِرَاقِهَا لَهُ - وَهُوَ حَيٌّ - أَنَّهَا الْعِدَّةُ مِنْ مُفَارَقَةِ الْحَيِّ بِلَا شَكٍّ. وَأَمَّا سَائِرُ وُجُوهِ الْفَسْخِ - سَوَاءٌ كَانَتْ مِنْ نِكَاحٍ صَحِيحٍ أَوْ مِنْ عَقْدٍ فَاسِدٍ -: فَلَا عِدَّةَ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجِبْ ذَلِكَ قُرْآنٌ، وَلَا سُنَّةٌ، وَلَا حُجَّةٌ فِيمَا سِوَاهُمَا. وَلَا يَكُونُ طَلَاقٌ إلَّا فِي نِكَاحٍ صَحِيحٍ، وَكَذَلِكَ لَا عِدَّةَ مِنْ وَفَاةِ مَنْ لَيْسَ عَقْدُ زَوَاجِهِ صَحِيحًا؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يُوجِبْ عِدَّةَ طَلَاقٍ لَهُ، أَوْ وَفَاةٍ، إلَّا مِنْ زَوْجٍ، وَمَنْ عَقْدُهُ فَاسِدٌ لَيْسَ زَوْجًا، فَلَا طَلَاقَ لَهُ، وَإِذْ لَا طَلَاقَ لَهُ فَلَا عِدَّةَ مِنْ فِرَاقِهِ، وَإِذْ لَيْسَ زَوْجًا فَلَا عِدَّةَ مِنْ وَفَاتِهِ {وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ}[الطلاق: 1] . فَإِنْ قَالُوا: قِسْنَا كُلَّ فَسْخٍ عَلَى الْمُعْتَقَةِ تَخْتَارُ فِرَاقَ زَوْجِهَا. قُلْنَا: الْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ، ثُمَّ لَوْ كَانَ حَقًّا لَكَانَ هَذَا مِنْهُ عَيْنَ الْبَاطِلِ؛ لِأَنَّ جَمِيعَ وُجُوهِ الْفَسْخِ لَا خِيَارَ فِيهِ لِلْمُنْفَسِخِ نِكَاحُهَا إلَّا الْمُعْتَقَةَ فَقَدْ أَجْمَعُوا - بِلَا خِلَافٍ - عَلَى مُفَارَقَةِ حُكْمِهَا لِحُكْمِ سَائِرِ الْمُنْفَسِخِ نِكَاحُهُنَّ، وَالْعِدَّةُ الْوَاجِبَةُ إنَّمَا هِيَ حُكْمٌ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ، لَيْسَ شَيْءٌ مِنْهَا لِاسْتِبْرَاءِ الرَّحِمِ. بُرْهَانُ ذَلِكَ -: أَنَّ الْمُخَالِفِينَ لَنَا فِي هَذَا لَا يُخَالِفُونَنَا فِي أَنَّ الْعِدَّةَ: عَلَى الصَّغِيرَةِ الْمَوْطُوءَةِ أَيْ الَّتِي لَا تَحْمِلُ، وَالْعَجُوزِ الْكَبِيرَةِ الَّتِي لَا تَحْمِلُ -: فِي الطَّلَاقِ وَالْوَفَاةِ، وَلَوْ خَالَفُونَا فِي الطَّلَاقِ فِي الصَّغِيرَةِ لَكَانَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {وَاللائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللائِي لَمْ يَحِضْنَ}[الطلاق: 4] حَاكِمًا بِصِحَّةِ قَوْلِنَا وَبُطْلَانِ قَوْلِهِمْ. وَمَعْنَى قَوْله تَعَالَى: {إِنِ ارْتَبْتُمْ}[الطلاق: 4] إنَّمَا هُوَ إنْ ارْتَبْتُمْ كَيْفَ يَكُونُ حُكْمُهَا لَا يَجُوزُ غَيْرُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ اللَّائِي يَئِسْنَ مِنْ الْمَحِيضِ لَا يَشُكُّ أَحَدٌ فِي أَنَّهُ لَا يَرْتَابُ فِيهَا بِحَمْلٍ. وَكَذَلِكَ لَا يَخْتَلِفُونَ فِي أَنَّ الْخَصِيَّ الَّذِي بَقِيَ لَهُ مِنْ الذَّكَرِ مَا يُولِجُ، فَإِنَّ عَلَى امْرَأَتِهِ الْعِدَّةَ - وَهُوَ بِلَا شَكٍّ لَا يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ أَبَدًا. وَكَذَلِكَ لَا يَخْتَلِفُونَ فِي أَنَّ مَنْ وَطِئَ امْرَأَتَهُ مَرَّةً، ثُمَّ غَابَ عَنْهَا عَشْرَاتِ السِّنِينَ، ثُمَّ طَلَّقَهَا أَنَّ الْعِدَّةَ عَلَيْهَا. وَلَا شَكَّ فِي أَنَّهَا لَا حَمْلَ بِهَا، وَلَوْ كَانَتْ الْعِدَّةُ خَوْفَ الْحَمْلِ لَأَجْزَأَتْ حَيْضَةٌ وَاحِدَةٌ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

٨:٣٠ م

٤٦ مسالة عدة المطلقة الموطوءة التي تحيض 1985 - مَسْأَلَةٌ: وَعِدَّةُ الْمُطَلَّقَةِ الْمَوْطُوءَةِ الَّتِي تَحِيضُ ثَلَاثَةُ قُرُوءٍ - وَهِيَ بَقِيَّةُ الطُّهْرِ الَّذِي طَلَّقَهَا فِيهِ - وَلَوْ أَنَّهَا سَاعَةٌ أَوْ أَقَلُّ أَوْ أَكْثَرُ - ثُمَّ الْحَيْضَةُ الَّتِي تَلِي بَقِيَّةَ ذَلِكَ الطُّهْرِ، ثُمَّ طُهْرٍ ثَانِي كَامِلٍ، ثُمَّ الْحَيْضَةُ الَّتِي تَلِيهِ، ثُمَّ طُهْرٍ ثَالِثٍ كَامِلٍ -: فَإِذَا رَأَتْ أَثَرَهُ أَوَّلَ شَيْءٍ مِنْ الْحَيْضِ فَقَدْ تَمَّتْ عِدَّتُهَا وَلَهَا أَنْ تَنْكِحَ حِينَئِذٍ إنْ شَاءَتْ. وَاخْتَلَفَ النَّاسُ فِي هَذَا -: فَقَالَتْ كَمَا قُلْنَا. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: الْأَقْرَاءُ الْحَيْضُ - مَعَ اتِّفَاقِ الْجَمِيعِ عَلَى الطَّاعَةِ - لِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ}[البقرة: 228] . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: الْقُرُوءُ جَمْعُ " قُرْءٍ " وَالْقُرْءُ فِي لُغَةِ الْعَرَبِ الَّتِي بِهَا نَزَلَ الْقُرْآنُ: يَقَعُ عَلَى الطُّهْرِ وَيَقَعُ عَلَى الْحَيْضِ، وَيَقَعُ عَلَى الطُّهْرِ وَالْحَيْضِ -: أَنَا بِذَلِكَ أَبُو سَعِيدٍ الْجَعْفَرِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الْمُقْرِي أَنَا أَبُو جَعْفَرٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إسْمَاعِيلَ النَّحَّاسِ النَّحْوِيُّ أَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الطَّحَاوِيَّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَسَّانَ أَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ هِشَامٍ أَنَا أَبُو زَيْدٍ الْأَنْصَارِيُّ قَالَ: سَمِعْت أَبَا عَمْرِو بْنَ الْعَلَاءِ يَقُولُ فَذَكَرَهُ كَمَا أَوْرَدْنَا - وَقَالَ الْأَعْشَى: أَفِي كُلِّ عَامٍ أَنْتَ جَاشِمُ غَزْوَةٍ تَشُدُّ لِأَقْصَاهَا غَرِيمَ عَزَائِكَا مُورِثَةٍ مَالًا وَفِي الْأَصْلِ رِفْعَةٌ لِمَا ضَاعَ فِيهَا مِنْ قُرُوءِ نِسَائِكَا فَأَرَادَ الْأَطْهَارَ - وَقَالَ آخَرُ: يَا رُبَّ ذِي ضِغْنٍ عَلَى قَارِضٍ لَهُ قُرُوءٌ كَقُرُوءِ الْحَائِضِ فَأَرَادَ الْحَيْضَ. وَمِمَّنْ رُوِيَ عَنْهُ مِثْلُ قَوْلِنَا جَمَاعَةٌ -: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ: إذَا دَخَلَتْ الْمُطَلَّقَةُ فِي الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ فَقَدْ بَانَتْ مِنْ زَوْجِهَا. وَبِهِ إلَى الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ مِثْلُ قَوْلِ زَيْدٍ نَصًّا، قَالَ الزُّهْرِيُّ: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ - وَبِهِ يَأْخُذُ الزُّهْرِيُّ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مِثْلُ قَوْلِ زَيْدٍ الْمَذْكُورِ نَصًّا - وَهُوَ قَوْلُ أَبَانِ بْنِ عُثْمَانَ، وَالْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ. وَبِهِ يَقُولُ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَأَبُو سُلَيْمَانَ، وَأَصْحَابُهُمْ. وَقَالَ بَعْضُ هَؤُلَاءِ: إذَا رَأَتْ أَوَّلَ الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ فَقَدْ بَانَتْ مِنْ زَوْجِهَا وَلَا يَجُوزُ لَهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ حَتَّى تَرَى الطُّهْرَ مِنْ تِلْكَ الْحَيْضَةِ. كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ أَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ الدَّرَاوَرْدِيُّ عَنْ ثَوْرِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: إذَا حَاضَتْ الثَّالِثَةَ فَقَدْ بَرِئَتْ مِنْهُ، إلَّا أَنَّهَا لَا تَتَزَوَّجُ حَتَّى تَطْهُرَ. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ إذَا دَخَلَتْ فِي الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ فَقَدْ ذَهَبَتْ مِنْهُ - قَالَ يَحْيَى فَقُلْت لَهُ: أَتَتَزَوَّجُ فِي الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ؟ قَالَ: لَا، رُوِيَ هَذَا الْقَوْلُ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ. وَتَوَقَّفَتْ فِي ذَلِكَ طَائِفَةٌ -: كَمَا رُوِّينَا عَنْ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ أَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ نَافِعٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ قَالَ طَلَّقَ رَجُلٌ امْرَأَتَهُ طَلْقَةً أَوْ طَلْقَتَيْنِ فَلَمَّا دَخَلَتْ فِي الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ مَاتَ فَطَلَبَتْ مِيرَاثَهُ، فَأُتِيَ مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ فِي ذَلِكَ، فَأَرْسَلَ فِي ذَلِكَ إلَى رَهْطٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْهُمْ: فَضَالَةُ بْنُ عُبَيْدٍ، فَلَمْ يَجِدْ عِنْدَهُمْ بِذَلِكَ عِلْمًا. وَاضْطَرَبَ فِي ذَلِكَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ -: فَمَرَّةً قَالَ: الْأَقْرَاءُ الْأَطْهَارُ وَمَرَّةً قَالَ: الْأَقْرَاءُ الْحَيْضُ، وَمَرَّةً تَوَقَّفَ فِي ذَلِكَ. وَاخْتَلَفَ الْقَائِلُ بِأَنَّهَا الْحَيْضُ -: فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لَهُ رَجْعَةٌ مَا كَانَتْ فِي الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ، فَإِذَا رَأَتْ الطُّهْرَ مِنْهَا فَلَا رَجْعَةَ عَلَيْهَا. كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ مُسْلِمٍ عَنْ طَاوُسٍ قَالَ: يُرَاجِعُهَا مَا كَانَتْ فِي الدَّمِ - وَهُوَ قَوْلُ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ -. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ أَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: هُوَ أَحَقُّ بِهَا مَا كَانَتْ فِي الدَّمِ. وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ شُبْرُمَةَ، وَالْأَوْزَاعِيِّ، وَرُوِّينَا عَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ. كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: عِدَّةُ الْأَمَةِ حَيْضَتَانِ، وَعِدَّةُ الْحُرَّةِ ثَلَاثُ حِيَضٍ. وَمِنْ طَرِيقِ الزُّهْرِيِّ عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ ذُؤَيْبٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ مِثْلُ ذَلِكَ سَوَاءً سَوَاءً. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ رُفَيْعٍ عَنْ مَعْبَدٍ الْجُهَنِيِّ قَالَ: إذَا غَسَلَتْ فَرْجَهَا مِنْ الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ فَقَدْ بَانَتْ مِنْهُ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: إنَّ لَهُ أَنْ يَرْتَجِعَهَا مَا لَمْ تَغْتَسِلْ مِنْ الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ -: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ أَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ كَانَ عِنْدَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَأَتَتْهُ امْرَأَةٌ مَعَ رَجُلٍ فَقَالَتْ: طَلَّقَنِي ثُمَّ تَرَكَنِي حَتَّى إذَا كُنْت فِي آخِرِ ثَلَاثِ حِيَضٍ وَانْقَطَعَ عَنِّي الدَّمُ وَضَعْت غُسْلِي وَنَزَعْت ثِيَابِي فَقَرَعَ الْبَابَ وَقَالَ: قَدْ رَاجَعْتُك؟ فَقَالَ عُمَرُ لِابْنِ مَسْعُودٍ: مَا تَقُولُ فِيهَا؟ فَقَالَ: أَرَاهُ أَحَقُّ بِهَا مَا دُونَ أَنْ تَحِلَّ لَهَا الصَّلَاةُ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: نِعْمَ مَا رَأَيْت، وَأَنَا أَرَى ذَلِكَ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ: أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: لِزَوْجِهَا الرَّجْعَةُ عَلَيْهَا حَتَّى تَغْتَسِلَ مِنْ الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ وَتَحِلُّ لَهَا الصَّلَاةُ. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ الْحَسَنِ: أَنَّ رَجُلًا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ طَلْقَةً، فَلَمَّا أَرَادَتْ أَنْ تَغْتَسِلَ مِنْ الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ رَاجَعَهَا؟ فَاخْتَصَمَا إلَى أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ، فَاسْتَحْلَفَهُمَا بِاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ لَقَدْ حَلَّتْ لَهَا الصَّلَاةُ؟ فَأَبَتْ أَنْ تَحْلِفَ، فَرَدَّهَا إلَيْهِ - وَصَحَّ مِثْلُهُ أَيْضًا عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ رُفَيْعٍ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: أَرْسَلَ عُثْمَانُ إلَى أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ فِي ذَلِكَ؟ فَقَالَ أُبَيّ بْنُ كَعْبٍ: أَرَى أَنَّهُ أَحَقُّ بِهَا حَتَّى تَغْتَسِلَ مِنْ حَيْضَتِهَا الثَّالِثَةِ، وَتَحِلَّ لَهَا الصَّلَاةُ؟ قَالَ: فَمَا أَعْلَمُ عُثْمَانَ إلَّا أَخَذَ بِذَلِكَ. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رَاشِدٍ عَنْ مَكْحُولٍ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، وَأَبِي الدَّرْدَاءِ مِثْلُهُ. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ عِيسَى الْحَنَّاطُ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ ثَلَاثَةَ عَشَرَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْخَيِّرُ، فَالْخَيِّرُ -: مِنْهُمْ: أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، وَابْنُ عَبَّاسٍ: أَنَّهُ أَحَقُّ بِهَا مَا لَمْ تَغْتَسِلْ مِنْ الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ عُمَرَ بْنِ رَاشِدٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ: أَنَّ عُبَادَةَ بْنَ الصَّامِتِ قَالَ: لَا تَبِينُ حَتَّى تَغْتَسِلَ مِنْ الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ، وَتَحِلَّ لَهَا الصَّلَوَاتُ وَصَحَّ هَذَا عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ وَعَبْدِ الْكَرِيمِ الْجَزَرِيِّ، وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَالْحَسَنِ بْنِ حَيٍّ، وَسَوَّى فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْمُسْلِمَةِ وَالذِّمِّيَّةِ. وَقَالَ شَرِيكُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْقَاضِي: إنْ فَرَّطَتْ فِي الْغُسْلِ عِشْرِينَ سَنَةً فَلَهُ الرَّجْعَةُ عَلَيْهَا. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا ظَاهِرُ مَا رُوِّينَا عَنْ الصَّحَابَةِ آنِفًا - نَعْنِي الْقَائِلِينَ: هُوَ أَحَقُّ بِهَا مَا لَمْ تَغْتَسِلْ وَتَحِلَّ لَهَا الصَّلَوَاتُ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ كَمَا رُوِّينَا عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ قَالَ: إلَّا أَنْ تَرَى الطُّهْرَ ثُمَّ تُؤَخِّرُ اغْتِسَالَهَا حَتَّى تَفُوتَهَا تِلْكَ الصَّلَاةُ، فَإِنْ فَعَلَتْ فَقَدْ بَانَتْ حِينَئِذٍ. وَبِهِ - يَقُولُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ: إنْ كَانَتْ حَيْضَتُهَا عَشَرَةَ أَيَّامٍ فَبِتَمَامِهَا تَنْقَضِي عِدَّتُهَا، وَلَا تَحِلُّ لِلْأَزْوَاجِ - اغْتَسَلَتْ أَوْ لَمْ تَغْتَسِلْ، رَأَتْ الطُّهْرَ أَوْ لَمْ تَرَهُ. قَالُوا: وَأَمَّا الذِّمِّيَّةُ فَبِانْقِطَاعِ الدَّمِ مِنْ الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ تَنْقَضِي عِدَّتُهَا وَتَحِلُّ لِلْأَزْوَاجِ - كَانَتْ عِدَّتُهَا عَشَرًا أَوْ أَقَلَّ مِنْ عَشَرٍ، اغْتَسَلَتْ أَوْ لَمْ تَغْتَسِلْ. قَالُوا: وَأَمَّا الْمُسْلِمَةُ الَّتِي حَيْضُهَا أَقَلُّ مِنْ عَشَرَةِ أَيَّامٍ فَلَهُ الرَّجْعَةُ عَلَيْهَا مَا لَمْ تَغْتَسِلْ كُلُّهَا وَلَوْ لَمْ يَبْقَ لَهَا مِنْ الْغُسْلِ إلَّا عُضْوٌ وَاحِدٌ كَامِلٌ. قَالُوا: وَكَانَ الْقِيَاسُ أَنَّهُ إنْ بَقِيَ لَهَا عُضْوٌ كَامِلٌ لَمْ تَغْسِلْ أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ عَلَيْهَا رَجْعَةٌ؟ قَالُوا: وَلَكِنْ نَدَعُ الْقِيَاسَ، وَنَسْتَحْسِنُ أَنْ يَكُونَ لَهُ عَلَيْهَا الرَّجْعَةُ، فَإِنْ لَمْ يَبْقَ لَهَا أَنْ تَغْسِلَ إلَّا بَعْضَ عُضْوٍ فَلَا رَجْعَةَ لَهُ عَلَيْهَا، وَقَدْ حَلَّ لَهَا الزَّوَاجُ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ قَوْلٌ آخَرُ - وَهُوَ أَنَّهُ إنْ بَقِيَ عَلَيْهَا مِنْ الْعُضْوِ أَكْثَرُ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ الْبَغْلِيِّ فَلَا رَجْعَةَ لَهُ عَلَيْهَا، وَلَا يَحِلُّ لَهَا الزَّوَاجُ حَتَّى تَغْسِلَ تِلْكَ اللُّمْعَةَ. قَالَ: فَلَوْ رَأَتْ الطُّهْرَ مِنْ الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ وَهِيَ مُسَافِرَةٌ لَا مَاءَ مَعَهَا فَتَيَمَّمَتْ، فَلَهُ عَلَيْهَا الرَّجْعَةُ مَا لَمْ تُصَلِّ. قَالَ: فَلَوْ وَجَدَتْ مَاءً قَدْ شَرِبَ مِنْهُ حِمَارٌ - وَلَمْ تَجِدْ غَيْرَهُ - فَاغْتَسَلَتْ بِهِ، أَوْ تَيَمَّمَتْ فَلَا رَجْعَةَ لَهُ عَلَيْهَا، وَلَا يَحِلُّ مَعَ ذَلِكَ لَهَا الزَّوَاجُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: أَمَّا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ - فَفِي غَايَةِ الْفَسَادِ، وَهُوَ قَوْلٌ لَا يُعْرَفُ عَنْ أَحَدٍ قَبْلَهُ - وَكَذَلِكَ تَحْدِيدُ مَنْ حَدَّ انْقِطَاعَ الْعِدَّةِ بِأَنْ يَمْضِيَ لَهَا وَقْتُ صَلَاةٍ فَلَا تَغْتَسِلُ؛ لِأَنَّهُ قَوْلٌ لَا دَلِيلَ عَلَى صِحَّتِهِ أَصْلًا، لَا مِنْ قُرْآنٍ، وَلَا مِنْ سُنَّةٍ، وَلَا رِوَايَةٍ صَحِيحَةٍ وَلَا قَوْلِ صَاحِبٍ. وَكَذَلِكَ قَوْلُ مَنْ قَالَ حَتَّى تَغْسِلَ فَرْجَهَا مِنْ الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ فَسَقَطَتْ هَذِهِ الْأَقْوَالُ كُلُّهَا. وَلَمْ يَبْقَ إلَّا قَوْلُ مَنْ قَالَ: هُوَ أَحَقُّ بِهَا مَا لَمْ تَغْتَسِلْ وَتَحِلَّ لَهَا الصَّلَاةُ، وَقَوْلُ مَنْ قَالَ: إنَّ بِطُهْرِهَا مِنْ الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ تَتِمُّ عِدَّتُهَا - وَهُوَ قَوْلُنَا. فَوَجَدْنَا حُجَّةَ مَنْ قَالَ: هُوَ أَحَقُّ بِهَا مَا لَمْ تَحِلَّ لَهَا الصَّلَوَاتُ - يَحْتَجُّونَ بِأَنَّهُ صَحَّ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَرُوِيَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، وَأَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ، وَأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، وَمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، وَأَبِي الدَّرْدَاءِ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَعُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، وَغَيْرِهِمْ، وَإِنْ لَمْ يَصِحَّ عَنْهُمْ - قَالُوا: وَمِثْلُ هَذَا لَا يُقَالُ بِالرَّأْيِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَمَا نَعْلَمُ لَهُمْ شَغَبًا غَيْرَ هَذَا، وَهُوَ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحِلُّ أَنْ يُضَافَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالظَّنِّ الَّذِي أَخْبَرَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنَّهُ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ، مَا لَمْ يَأْتِ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَا سِيَّمَا وَالثَّابِتُ عَنْ عُمَرَ، وَابْنِ مَسْعُودٍ مَا ذَكَرْنَا قَبْلُ مِنْ أَنَّهُ رَأْيٌ رَأَيَاهُ لَا عَنْ أَثَرٍ عِنْدَهُمَا قَالَاهُ. وَمَعَ ذَلِكَ فَلَا يَفْرَحُ الْحَنَفِيُّونَ بِهَذَا الشَّغَبِ، فَهُمْ أَوَّلُ مُخَالِفٍ لِلصَّحَابَةِ فِي هَذَا الْمَكَانِ؛ لِأَنَّ الثَّابِتَ عَمَّنْ ذَكَرْنَا مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أَنَّ لَهُ الرَّجْعَةَ مَا لَمْ تَحِلَّ لَهَا الصَّلَاةُ، وَهُمْ يَقْطَعُونَ عَنْهُ الرَّجْعَةَ قَبْلَ أَنْ تَحِلَّ لَهَا الصَّلَاةُ إذَا بَقِيَ لَهَا شَيْءٌ مِنْ أَعْضَاءِ جَسَدِهَا وَلَوْ قَدْرَ الدِّرْهَمِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ وَقَدْ خَالَفَ مَنْ ذَكَرْنَا هَذَا مَنْ رَأَى مِنْ الصَّحَابَةِ أَنَّ بِدُخُولِهَا فِي الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ تَتِمُّ عِدَّتُهَا - فَبَطَلَ هَذَا الْقَوْلُ أَيْضًا بِلَا شَكٍّ إذْ لَا دَلِيلَ عَلَى صِحَّتِهِ مِنْ قُرْآنٍ، وَلَا سُنَّةٍ، وَلَا رِوَايَةٍ سَقِيمَةٍ، فَلَمْ يَبْقَ إلَّا قَوْلُ مَنْ قَالَ بِانْقِطَاعِ الدَّمِ مِنْ الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ تَتِمُّ عِدَّتُهَا - وَهُوَ قَوْلُ مَنْ قَالَ: الْأَقْرَاءُ الْحِيَضُ، فَوَجَدْنَا مِنْ حُجَّتِهِمْ أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْقُرْءُ الطُّهْرَ لَكَانَتْ الْعِدَّةُ قُرْأَيْنِ وَشَيْئًا مِنْ قُرْءٍ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَوْجَبَ ثَلَاثَ قُرُوءٍ، فَصَحَّ أَنَّهَا الْحِيَضُ الَّتِي تُسْتَوْفَى ثَلَاثٌ مِنْهَا كَامِلَةٌ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: لَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ بَعْضُ الْقُرْءِ قُرْءٌ بِلَا شَكٍّ، وَبَعْضُ الْحَيْضِ حَيْضٌ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ وَذَكَرُوا مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَسْعُودٍ أَنَا أَبُو عَاصِمٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ مُظَاهِرِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «طَلَاقُ الْأَمَةِ طَلْقَتَانِ، وَعِدَّتُهَا حَيْضَتَانِ» . وَنَا حُمَامٌ أَنَا يَحْيَى بْنُ مَالِكِ بْنِ عَائِذٍ أَنَا أَبُو الْحَسَنِ بْنُ أَبِي غَسَّانَ أَنَا أَبُو يَحْيَى زَكَرِيَّا ابْنُ يَحْيَى السَّاجِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إسْمَاعِيلَ بْنِ سَمُرَةَ الْأَحْمَسِيُّ أَنَا عُمَرُ بْنُ شَبِيبٍ الْمُسْلِيُّ أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عِيسَى عَنْ عَطِيَّةَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «طَلَاقُ الْأَمَةِ ثِنْتَانِ وَعِدَّتُهَا حَيْضَتَانِ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَانِ خَبَرَانِ سَاقِطَانِ لَا يَجُوزُ الِاحْتِجَاجُ بِهِمَا؛ لِأَنَّ مُظَاهِرَ بْنَ أَسْلَمَ ضَعِيفٌ - وَكَذَلِكَ عُمَرُ بْنُ شَبِيبٍ، وَعَطِيَّةُ ضَعِيفَانِ لَا يُحْتَجُّ بِهِمَا، وَلَوْ صَحَّ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا لَمَا خَالَفْنَاهُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَإِنْ ذَكَرَ ذَاكِرٌ الْخَبَرَ الثَّابِتَ «عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ لِلْمُسْتَحَاضَةِ: إذَا أَتَاكِ قُرْؤُكِ فَلَا تُصَلِّي وَإِذَا مَرَّ الْقُرْءُ تَطَهَّرِي ثُمَّ صَلِّي مِنْ الْقُرْءِ إلَى الْقُرْءِ» وَالْخَبَرُ الثَّابِتُ عَنْهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنَّهُ أَمَرَهَا أَنْ تَتْرُكَ الصَّلَاةَ قَدْرَ أَقْرَائِهَا وَحَيْضَتِهَا؟ قُلْنَا: لَمْ نُنْكِرْ أَنَّ الْحَيْضَ يُسَمَّى قُرْءًا، كَمَا أَنَّكُمْ لَا تُنْكِرُونَ أَنَّ الطُّهْرَ يُسَمَّى قُرْءًا، وَإِنَّمَا اخْتَلَفْنَا فِي أَيِّ ذَلِكَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْله تَعَالَى: {ثَلاثَةَ قُرُوءٍ}[البقرة: 228] . وَقَالُوا: إنَّمَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِطَلَاقِ النِّسَاءِ لِاسْتِقْبَالِ الْعِدَّةِ. قَالُوا: فَلَوْ كَانَ الْقُرْءُ هُوَ الطُّهْرَ لَكَانَ مُطَلِّقًا فِي الْعِدَّةِ؟ فَقُلْنَا: هَذَا خَطَأٌ مِنْ حُكْمِكُمْ وَبِنَائِكُمْ عَلَى مُقَدَّمَةٍ صَحِيحَةٍ وَنَعَمْ، إنَّ الطَّلَاقَ إنَّمَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِالطَّلَاقِ فِي اسْتِقْبَالِ الْعِدَّةِ، فَلَوْ كَانَتْ الْعِدَّةُ الَّتِي هِيَ الْأَقْرَاءُ الْحِيَضَ، لَكَانَ بَيْنَ الطَّلَاقِ وَبَيْنَ أَوَّلِ الْعِدَّةِ مُدَّةٌ لَيْسَتْ فِيهَا مُعْتَدَّةً، وَهَذَا بَاطِلٌ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَسَقَطَ كُلُّ مَا احْتَجُّوا بِهِ - وَبَقِيَ قَوْلُنَا - فَوَجَدْنَا حُجَّةَ مَنْ قَالَ بِهِ -: مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ أَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ «عَنْ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ، وَهِيَ حَائِضٌ، فَسَأَلَ عُمَرُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ ذَلِكَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا ثُمَّ لِيُمْسِكْهَا حَتَّى تَطْهُرَ ثُمَّ تَحِيضَ ثُمَّ تَطْهُرَ، ثُمَّ إنْ شَاءَ أَمْسَكَ بَعْدُ، وَإِنْ شَاءَ طَلَّقَ قَبْلَ أَنْ يَمَسَّ فَتِلْكَ الْعِدَّةُ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى أَنْ تَطْلُقَ لَهَا النِّسَاءُ» . فَأَشَارَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى الطُّهْرِ، وَأَخْبَرَ أَنَّهُ الْعِدَّةُ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى أَنْ تَطْلُقَ لَهَا النِّسَاءُ - فَصَحَّ أَنَّ الْقُرْءَ هُوَ الطُّهْرُ. وَأَيْضًا - فَإِنَّ الْعِدَّةَ وَاجِبَةٌ فَرْضًا إثْرَ الطَّلَاقِ بِلَا مُهْلَةٍ - فَصَحَّ أَنَّهَا الطُّهْرُ الْمُتَّصِلُ بِالطَّلَاقِ، لَا الْحَيْضُ الَّذِي لَا يَتَّصِلُ بِالطَّلَاقِ. وَلَوْ كَانَ الْقُرْءُ هُوَ الْحَيْضَ لَوَجَبَ عِنْدَهُمْ عَلَى أَصْلِهِمْ فِيمَنْ طَلَّقَ حَائِضًا أَنْ تَعْتَدَّ بِتِلْكَ الْحَيْضَةِ قُرْءًا - وَقَدْ قَالَ بِذَلِكَ الْحَسَنُ. كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ مَطَرٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ مَطَرٍ الْوَرَّاقِ عَنْ الْحَسَنِ فِيمَنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا وَهِيَ حَائِضٌ أَنَّهَا تَعْتَدُّ بِهَا مِنْ أَقْرَائِهَا. وَقَالَ ابْنُ أَبِي عَرُوبَةَ: وَحَدَّثَنِي قَتَادَةُ، وَأَبُو مَعْشَرٍ، قَالَ قَتَادَةُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَقَالَ أَبُو مَعْشَرٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ، قَالَا جَمِيعًا: لَا تَعْتَدُّ بِهَا. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَأَيُّ الْقَوْلَيْنِ كَانَ مُرَادَ اللَّهِ تَعَالَى، فَالْأَقْرَاءُ الْأَطْهَارُ أَمْ الْحِيَضُ؟ فَإِنَّ قَوْلَنَا يَقْتَضِيهِمَا جَمِيعًا؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ يَقَعُ فِي الطُّهْرِ فَهُوَ قُرْءٌ، ثُمَّ الطُّهْرِ الثَّانِي، ثُمَّ الثَّالِثِ، وَبَيْنَ الطُّهْرِ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي حَيْضٌ، ثُمَّ بَيْنَ الثَّانِي وَالثَّالِثِ حَيْضٌ، ثُمَّ دُفْعَةُ حَيْضِ آخِرِ الثَّلَاثِ. وَقَدْ قُلْنَا: إنَّ بَعْضَ الْحَيْضِ حَيْضٌ، وَبَعْضَ الطُّهْرِ طُهْرٌ، وَبَعْضَ الْقُرْءِ قُرْءٌ، فَهِيَ ثَلَاثَةُ أَقْرَاءٍ بِكُلِّ حَالٍ - وَبِقَوْلِ الْحَسَنُ نَقُولُ إنْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا - وَهِيَ حَائِضٌ - فَإِنَّهَا تَعْتَدُّ بِتِلْكَ الْحَيْضَةِ، ثُمَّ بِالطُّهْرِ الَّذِي يَلِيهَا، ثُمَّ بِالْحَيْضَةِ الثَّانِيَةِ ثُمَّ بِالطُّهْرِ الثَّانِي، ثُمَّ بِالْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ فَإِذَا رَأَتْ الطُّهْرَ مِنْهَا - فَهُوَ طُهْرٌ ثَالِثٌ - حَلَّتْ بِهِ لِلْأَزْوَاجِ، وَهَكَذَا الْقَوْلُ فِي عِدَّةِ الْأَمَةِ الَّتِي تُعْتَقُ فَتَخْتَارُ فِرَاقَ زَوْجِهَا - إنْ كَانَتْ حِينَ ذَلِكَ حَائِضًا - وَلَا فَرْقَ. وَكَذَلِكَ نَقُولُ فِي الْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا فِي طُهْرٍ مَسَّهَا فِيهِ، وَفِي الْمُعْتَقَةِ تَخْتَارُ فِرَاقَ زَوْجِهَا أَنَّهُمَا يَعْتَدَّانِ بِذَلِكَ الطُّهْرِ قُرْءًا. وَقَدْ صَحَّ عَنْ الزُّهْرِيِّ أَنَّهَا لَا تَعْتَدُّ بِهِ، لَكِنْ بِثَلَاثَةِ أَقْرَاءٍ مُسْتَأْنَفَةٍ.

٨:٣١ م

٤٧ مسالة اتبعها في عدتها قبل انقضايها طلاقا باينا 1986 - مَسْأَلَةٌ: فَإِنْ أَتْبَعَهَا فِي عِدَّتِهَا قَبْلَ انْقِضَائِهَا طَلَاقًا بَائِنًا، وَلَمْ تَكُنْ عِدَّتُهَا تِلْكَ مِنْ طَلَاقِ ثَلَاثٍ مَجْمُوعَةٍ وَلَا مِنْ طَلْقَةٍ ثَالِثَةٍ فَعَلَيْهَا أَنْ تَبْتَدِئَ الْعِدَّةَ مِنْ أَوَّلِهَا فَإِنْ طَلَّقَهَا بَعْدَ ثِنْتَيْنِ ثَالِثَةً فَتَبْتَدِئُ الْعِدَّةَ أَيْضًا وَلَا بُدَّ - وَكَذَلِكَ لَوْ رَاجَعَهَا فِي عِدَّتِهَا فَوَطِئَهَا أَوْ لَمْ يَطَأْهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا فَإِنَّهَا تَبْتَدِئُ الْعِدَّةَ وَلَا بُدَّ. وَرُوِّينَا مِثْلَ قَوْلِنَا عَنْ طَائِفَةٍ مِنْ السَّلَفِ -: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ، وَغَيْرِهِ عَنْ قَتَادَةَ أَنَّ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ، وَخِلَاسَ بْنَ عَمْرٍو، قَالَا جَمِيعًا فِي الْمُطَلَّقَةِ فِي الْعِدَّةِ: تَعْتَدُّ مِنْ الطَّلَاقِ الْآخَرِ ثَلَاثَ حِيَضٍ. وَرُوِّينَا عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ: أَنَّهَا تَبْنِي عَلَى عِدَّتِهَا مِنْ الطَّلَاقِ الْأَوَّلِ - وَهُوَ قَوْلُ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَالْحَسَنُ، وَأَبِي قِلَابَةَ - وَبِهِ قَالَ الزُّهْرِيُّ، وَقَتَادَةُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَبِهِ يَقُولُ أَبُو حَنِيفَةَ، وَمَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، إلَّا أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ، وَمَالِكًا، وَأَحَدَ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ فِي الَّتِي يُرَاجِعُهَا فِي الْعِدَّةِ ثُمَّ يُطَلِّقُ قَبْلَ أَنْ يَطَأَهَا: أَنَّهَا تَسْتَأْنِفُ الْعِدَّةَ - وَقَالَ الشَّافِعِيُّ مَرَّةً: تَبْنِي عَلَى عِدَّتِهَا مِنْ الطَّلَاقِ الْأَوَّلِ - وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: مَا نَعْلَمُ لَهُمْ حُجَّةً مِنْ قُرْآنٍ، وَلَا مِنْ سُنَّةٍ أَصْلًا وَلَا مُتَعَلَّقَ لِهَذِهِ الطَّوَائِفِ فِيمَا جَاءَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ خَبَرٌ -: حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ قَالَ: أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ الْقُرَشِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ الْمَرْوَزِيِّ أَنَا حَفْصٌ - هُوَ ابْنُ غِيَاثٍ - أَنَا الْأَعْمَشُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: طَلَاقُ السُّنَّةِ يُطَلِّقُهَا تَطْلِيقَةً وَهِيَ طَاهِرَةٌ فِي غَيْر جِمَاعٍ، فَإِذَا جَاءَ وَطَهُرَتْ طَلَّقَهَا أُخْرَى فَإِذَا حَاضَتْ وَطَهُرَتْ طَلَّقَهَا أُخْرَى، ثُمَّ تَعْتَدُّ بَعْدَ ذَلِكَ بِحَيْضَةٍ. قَالَ الْأَعْمَشُ فَسَأَلْت إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ؟ فَقَالَ مِثْلَ ذَلِكَ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: كُلُّ هَؤُلَاءِ الطَّوَائِفِ مُخَالِفُونَ لِمَا صَحَّ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ هَاهُنَا أَنَّهُ السُّنَّةُ؛ لِأَنَّهُمْ كُلُّهُمْ يَكْرَهُونَ أَنْ يُتْبِعَهَا طَلَاقًا فِي الْعِدَّةِ، وَالْمَالِكِيُّونَ وَالشَّافِعِيُّونَ لَا يَرَوْنَ الْحَيْضَ عِدَّةً. وَلَا عَجَبَ أَعْجَبُ مِمَّنْ يَحْتَجُّ بِقَوْلِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ فِي دِيَةِ أَصَابِعِ الْمَرْأَةِ: هِيَ السُّنَّةُ يَا ابْنَ أَخِي، وَيَحْتَجُّ بِقَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ هَاهُنَا أَنَّهُ السُّنَّةُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَأَمَّا نَحْنُ فَلَا حُجَّةَ عِنْدَنَا فِيمَا عَدَا نَصِّ قُرْآنٍ وَسُنَّةٍ ثَبَتَ حُكْمُهَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَحُجَّتُنَا لِقَوْلِنَا هَاهُنَا: هُوَ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ إنَّمَا أَسْقَطَ الْعِدَّةَ عَنْ الْمُطَلَّقَةِ غَيْرِ الْمَمْسُوسَةِ فَقَطْ، وَأَوْجَبَهَا عَلَى الْمَطْقَةِ الْمَمْسُوسَةِ. وَأَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى مَنْ طَلَّقَ أَنْ يُطَلِّقَ لِلْعِدَّةِ، وَجَعَلَ الْعِدَّةَ عَلَى الَّتِي تَحِيضُ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ. وَعَلَى الَّتِي لَا تَحِيضُ - لِصِغَرٍ أَوْ كِبَرٍ - ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ. وَحَكَمَ تَعَالَى أَنَّهَا امْرَأَتُهُ مَا لَمْ تَنْقَضِ عِدَّتُهَا مِنْهُ: يَتَوَارَثَانِ، وَيَلْحَقُهَا طَلَاقُهُ، فَهُوَ إذَا طَلَّقَهَا ثَانِيَةً: مُطَلِّقٌ امْرَأَتَهُ الْمَوْطُوءَةَ مِنْهُ فِي ذَلِكَ النِّكَاحِ بِلَا شَكٍّ، فَعَلَيْهَا أَنْ تَبْتَدِئَ الْعِدَّةَ مِنْ إثْرِهِ بِلَا فَصْلٍ. وَمِنْ الْبَاطِلِ أَنْ يَتَقَدَّمَ شَيْءٌ مِنْ الْعِدَّةِ قَبْلَ الطَّلَاقِ، كَمَا مِنْ الْبَاطِلِ طَلَاقُ مَوْطُوءَةٍ بِلَا عِدَّةٍ. أَوْ طَلَاقُ مَوْطُوءَةٍ يَكُونُ قُرْءًا وَاحِدًا أَوْ قُرْأَيْنِ، وَلَا بُدَّ لِمُخَالِفِينَا هَاهُنَا مِنْ أَحَدِ هَذِهِ الْوُجُوهِ الثَّلَاثَةِ - وَهِيَ كُلُّهَا بَاطِلٌ بِيَقِينٍ. وَكَذَلِكَ مِنْ الْمُحَالِ أَنْ تَبْنِيَ الْمُرْتَجَعَةُ عَلَى عِدَّةٍ قَدْ بَطَلَتْ بِالرَّجْعَةِ، إذْ مِنْ الْبَاطِلِ أَنْ تَكُونَ مُرْتَجَعَةً، وَهِيَ بَعْدَ الِارْتِجَاعِ فِي الْعِدَّةِ -، وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

٨:٣١ م

٤٨ مسالة كانت المطلقة حاملا من الذي طلقها او من زنى او باكراه 1987 - مَسْأَلَةٌ: فَإِنْ كَانَتْ الْمُطَلَّقَةُ حَامِلًا مِنْ الَّذِي طَلَّقَهَا أَوْ مِنْ زِنًى أَوْ بِإِكْرَاهٍ فَعِدَّتُهَا وَضْعُ حَمْلِهَا - وَلَوْ إثْرَ طَلَاقِ زَوْجِهَا لَهَا بِسَاعَةٍ أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ - وَهُوَ آخِرُ وَلَدٍ فِي بَطْنِهَا، فَإِذَا وَضَعَتْهُ - كَمَا ذَكَرْنَا - أَوْ أَسْقَطَتْهُ فَقَدْ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا وَحَلَّ لَهَا الزَّوَاجُ. وَكَذَلِكَ الْمُعْتَقَةُ - وَهِيَ حَامِلٌ - تَتَخَيَّرُ فِرَاقَ زَوْجِهَا وَلَا فَرْقَ. وَكَذَلِكَ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا - وَهِيَ حَامِلٌ مِنْهُ، أَوْ مِنْ زِنًى، أَوْ مِنْ إكْرَاهٍ - فَإِنَّ عِدَّتُهَا تَنْقَضِي بِوَضْعِ آخِرِ وَلَدٍ فِي بَطْنِهَا - وَلَوْ وَضَعَتْهُ إثْرَ مَوْتِ زَوْجِهَا - وَلَهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ إنْ شَاءَتْ. وَكَذَلِكَ لَوْ أَسْقَطَتْهُ، وَلَا فَرْقَ. بُرْهَانُ ذَلِكَ -: قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَأُولاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ}[الطلاق: 4] فَلَمْ يَخُصَّ عَزَّ وَجَلَّ كَوْنَ الْحَمْلِ مِنْهُ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ - وَسَوَاءٌ وَطِئَهَا الزَّوْجُ أَوْ لَمْ يَطَأْهَا؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ مَا ذَكَرْنَا. وَقَالَ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا}[الأحزاب: 49] . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَاحْتَمَلَ أَنْ يَسْتَثْنِيَ هَذِهِ مِنْ الْأُولَى فَيَكُونُ الْمُرَادُ: وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ إلَّا اللَّوَاتِي لَمْ تَمَسُّوهُنَّ وَهُنَّ حَوَامِلُ مِنْكُمْ مِنْ تَشْفِيرٍ أَوْ مِنْ غَيْرِكُمْ. وَاحْتَمَلَ أَنْ تُسْتَثْنَى الْأُولَى مِنْ هَذِهِ فَيَكُونُ الْمُرَادُ: ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا إلَّا أَنْ يَكُنَّ حَوَامِلَ مِنْكُمْ أَوْ مِنْ غَيْرِكُمْ، فَوَاجِبٌ أَنْ نَنْظُرَ أَيَّ الِاسْتِعْمَالَيْنِ، أَوْ أَيَّ الِاسْتِثْنَاءَيْنِ هُوَ الْحَقُّ؟ إذْ قَدْ ضَمِنَ عَزَّ وَجَلَّ بَيَانَ ذَلِكَ فِيمَا أَنْزَلَ إلَيْنَا مِنْ شَرَائِعِهِ -: فَوَجَدْنَا - خَبَرَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ فِي طَلَاقِ امْرَأَتِهِ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي " أَوَّلِ مَسْأَلَةٍ مِنْ الطَّلَاقِ فِي كِتَابِنَا هَذَا " بِإِسْنَادِهِ. فَوَجَدْنَا فِيهِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ مُرْهُ: فَلْيُرَاجِعْهَا ثُمَّ لِيُطَلِّقْهَا طَاهِرًا، أَوْ حَامِلًا مِنْهُ» . وَفِيهِ أَيْضًا «إذَا طَهُرَتْ فَلْيُطَلِّقْ أَوْ لِيُمْسِكْ، وَقَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِقُبُلِ عِدَّتِهِنَّ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَصَحَّ أَنَّ طَلَاقَ الْحَامِلِ جَائِزٌ عُمُومًا، إذْ هَذَا مِنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - تَعْلِيمٌ لِكُلِّ مُطَلِّقٍ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، سَوَاءٌ كَانَ الْحَمْلُ مِنْهُ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمْ يَخُصَّ حَامِلًا مِنْ حَامِلٍ مِنْ غَيْرِهِ، وَأَنَّ تِلْكَ الْحَالَ هُوَ قُبُلُ عِدَّتِهَا، فَوَجَبَتْ الْعِدَّةُ عَلَيْهَا بِمَا ذَكَرْنَا، وَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَسْقُطَ هَذَا الْحُكْمُ إلَّا بِيَقِينٍ، وَلَا يَقِينَ فِي سُقُوطِهِ إلَّا فِي الْمُطَلَّقَةِ الَّتِي لَمْ يَطَأْهَا وَلَيْسَتْ حَامِلًا فَقَطْ. وَإِذَا صَحَّ أَنَّ عَلَيْهَا الْعِدَّةَ فَقَدْ وَجَبَ ضَرُورَةً أَنَّ لَهُ الرَّجْعَةَ عَلَيْهَا مَا دَامَتْ فِي الْعِدَّةِ مِنْ، طَلَاقِهِ، وَعَلَيْهِ النَّفَقَةُ، وَيَتَوَارَثَانِ، وَيَلْحَقُهَا إيلَاؤُهُ، وَظِهَارُهُ، وَيُلَاعِنُهَا؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ}[البقرة: 228] . وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ}[الطلاق: 2] . وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَكَذَلِكَ نَقُولُ: إنَّهُ إنْ طَلَّقَهَا وَعِدَّتُهَا بِالْأَقْرَاءِ أَوْ بِالشُّهُورِ، ثُمَّ حَمَلَتْ قَبْلَ تَمَامِ الْعِدَّةِ مِنْهُ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ بِزِنًى أَوْ بِإِكْرَاهٍ، فَإِنَّهَا تَنْتَقِلُ عِدَّتُهَا إلَى وَضْعِ ذَلِكَ الْحَمْلِ، فَإِذَا وَضَعَتْ فَقَدْ تَمَّتْ عِدَّتُهَا. وَكَذَلِكَ لَوْ مَاتَ فَحَمَلَتْ فِي عِدَّتِهَا مِنْ وَفَاتِهِ مِنْ زِنًى أَوْ إكْرَاهٍ فَإِنَّ عِدَّتَهَا تَنْتَقِلُ إلَى عِدَّةِ الْحَامِلِ بِوَضْعِ الْحَمْلِ؛ لِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ دَاخِلٌ فِي عُمُومِ قَوْله تَعَالَى: {وَأُولاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ}[الطلاق: 4] . وَقَدْ غَلَّبَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَضْعَ الْحَمْلِ فِي الْوَفَاةِ عَلَى الْأَرْبَعَةِ الْأَشْهُرِ وَالْعَشْرِ -: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَنَا حُسَيْنُ بْنُ مَنْصُورِ بْنِ جَعْفَرٍ النَّيْسَابُورِيُّ أَنَا جَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ أَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ - هُوَ الْأَنْصَارِيُّ - أَخْبَرَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ قَالَ: «بَعَثْنَا كُرَيْبًا - هُوَ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ - إلَى أُمِّ سَلَمَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ؟ فَجَاءَنَا مِنْ عِنْدِهَا أَنَّ سُبَيْعَةَ وَضَعَتْ بَعْدَ وَفَاةِ زَوْجِهَا بِأَيَّامٍ، فَأَمَرَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ تَتَزَوَّجَ» . وَأَمَّا قَوْلُنَا " آخِرُ وَلَدٍ فِي بَطْنِهَا " فَلِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ}[الطلاق: 4] فَمَتَى مَا بَقِيَ مِنْ حَمْلِهَا شَيْءٌ فِي بَطْنِهَا: لَمْ تَضَعْ حَمْلَهَا. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَلِمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ قَوْلٌ هَاهُنَا نَذْكُرُهُ - لِيَحْمَدَ اللَّهَ تَعَالَى سَامِعُهُ عَلَى السَّلَامَةِ - وَهُوَ أَنَّهُ قَالَ: إذَا خَرَجَ مِنْ بَطْنِ الْمَرْأَةِ مِنْ الْوَلَدِ النِّصْفُ فَقَدْ تَمَّتْ عِدَّتُهَا، لَا يَعُدُّ فِي ذَلِكَ النِّصْفِ: فَخِذَاهُ، وَلَا سَاقَاهُ، وَلَا رِجْلَاهُ، وَلَا رَأْسَهُ - وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: مَنْ قَالَ لِأَمَتِهِ وَهِيَ تَلِدُ: أَنْتِ حُرَّةٌ فَإِنْ كَانَتْ حِينَ قَوْلِهِ ذَلِكَ قَدْ خَرَجَ نِصْفُهُ الَّذِي فِيهِ رَأْسُهُ فَهِيَ حُرَّةٌ وَالْوَلَدُ حُرٌّ، وَإِنْ كَانَتْ قَدْ خَرَجَ نِصْفُ بَدَنِهِ سِوَى رَأْسَهُ فَالْوَلَدُ مَمْلُوكٌ، وَهِيَ حُرَّةٌ. رَوَى عَنْهُمَا ذَلِكَ جَمِيعًا هِشَامُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ الرَّاوِي فِي سَمَاعِهِ مِنْهُمَا؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَلْيَعْجَبْ سَامِعُ هَذَا مِنْ هَذَا الِاخْتِلَاطِ؟ أَتُرَاهُ الْبَائِسَ كَانَ مِنْ الْغَرَارَةِ بِحَيْثُ لَا يَدْرِي أَنَّهُ مَتَى خَرَجَ رَأْسُ الْمَوْلُودِ وَمَنْكِبَاهُ فَإِنَّهُ فِي أَسْرَعِ مِنْ كَرِّ الطَّرْفِ يَسْقُطُ كُلُّهُ، فَمَتَى يَتَفَرَّغُ لِتَكْسِيرِ صُلْبِ الْمَوْلُودِ وَمِسَاحَتِهِ؟ حَتَّى يَعْلَمَ أَخَرَجَ نِصْفُهُ أَمْ أَقَلُّ أَمْ أَكْثَرُ، وَأَنَّهُ مَتَى خَرَجَ رَأْسُهُ وَمَنْكِبَاهُ فَإِنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَلْبَتَّةَ أَنْ يَتِمَّ قَوْلُهُ أَنْتِ حُرَّةٌ حَتَّى يَقَعَ جَمِيعُهُ. أَتُرَاهُ خَفِيَ عَلَيْهِ أَنَّهَا الْمِسْكِينَةُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ " أَشْغَلُ مِنْ ذَاتِ النَّحْيَيْنِ ". إنَّ الْعَجَبَ لَيَكْثُرُ مِنْ نِسْبَةِ مَنْ هَذَا مِقْدَارُ عِلْمِهِ إلَى شَيْءٍ مِنْ الْعِلْمِ - وَحَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ. فَإِنْ بَقِيَ مِنْ الْمَشِيمَةِ وَلَوْ شَيْءٌ - فَهِيَ فِي الْعِدَّةِ بَعْدُ؛ لِأَنَّهَا مِنْ حَمْلِهَا الْمُتَوَلِّدِ مَعَ الْوَلَدِ سَوَاءٌ سَوَاءٌ

٤٩ مسالة مات الحمل في بطن المعتدة فلا تنقضي عدتها الا بطرح جميعه 1988 - مَسْأَلَةٌ: فَإِنْ مَاتَ فِي بَطْنِهَا فَلَا تَنْقَضِي عِدَّتُهَا إلَّا بِطَرْحِ جَمِيعِهِ، وَلَوْ لَمْ يَبْقَ مِنْهُ إلَّا أُصْبُعٌ أَوْ بَعْضُهَا؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَضَعْ جَمِيعَهُ فَلَمْ تَضَعْ حَمْلَهَا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

٥٠ مسالة كانت المطلقة لا تحيض ولم تكن حاملا وكان قد وطيها 1989 - مَسْأَلَةٌ: فَإِنْ كَانَتْ الْمُطَلَّقَةُ لَا تَحِيضُ لِصِغَرٍ أَوْ كِبَرٍ أَوْ خِلْقَةٍ وَلَمْ تَكُنْ حَامِلًا وَكَانَ قَدْ وَطِئَهَا: فَعِدَّتُهَا ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ مِنْ حِينِ بُلُوغِ الطَّلَاقِ إلَيْهَا أَوْ إلَى أَهْلِهَا إنْ كَانَتْ صَغِيرَةً؛ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَاللائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللائِي لَمْ يَحِضْنَ}[الطلاق: 4] . وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ، وَأَصْحَابِهِمْ - يَعْنِي: لُزُومَ ذَلِكَ لِلصَّغِيرَةِ وَالْكَبِيرَةِ. وَقَالَ مَالِكٌ: لَا عِدَّةَ عَلَى الصَّغِيرَةِ جِدًّا. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَلَا نَعْلَمُ أَحَدًا قَالَ بِهَذَا قَبْلَهُ، وَهُوَ قَوْلٌ فَاسِدٌ؛ لِوُجُوهٍ: أَحَدُهَا - أَنَّهُ تَخْصِيصٌ لِلْقُرْآنِ مُخَالِفٌ لِحُكْمِهِ. وَثَانِيهَا - أَنَّهُ أَوْجَبَ عَلَيْهَا عِدَّةَ الْوَفَاةِ - وَلَوْ أَنَّهَا فِي الْمَهْدِ - وَأَسْقَطَ عَنْهَا عِدَّةَ الطَّلَاقِ - وَهِيَ مَوْطُوءَةٌ مُطَلَّقَةٌ - وَهَذَا تَنَاقُضٌ ظَاهِرُ الْفَسَادِ. وَثَالِثُهَا - أَنَّهُ لَمْ يَحُدَّ مُنْتَهَى الصِّغَرِ الَّذِي أَسْقَطَ فِيهِ عَنْهَا عِدَّةَ الطَّلَاقِ مِنْ مَبْدَأِ وَقْتٍ أَلْزَمَهَا فِيهِ الْعِدَّةَ - وَهَذَا تَلْبِيسٌ لَا خَفَاءَ بِفَسَادِهِ، وَمَزْجٌ لِلْفَرْضِ بِمَا لَيْسَ فَرْضًا -. وَيَكْفِي مِنْ هَذَا كُلِّهِ أَنَّهُ قَوْلٌ لَا دَلِيلَ عَلَى صِحَّتِهِ، لَا مِنْ قُرْآنٍ، وَلَا سُنَّةٍ، وَلَا رِوَايَةٍ سَقِيمَةٍ، وَلَا رِوَايَةٍ فَاسِدَةٍ، وَلَا قِيَاسٍ، وَلَا رَأْيٍ لَهُ وَجْهٌ، وَلَا قَوْلِ سَلَفٍ - وَمَا كَانَ هَكَذَا فَهُوَ سَاقِطٌ بِيَقِينٍ.

٥١ مسالة طلقها في استقبال اول ليلة من الشهر 1990 - مَسْأَلَةٌ: فَإِنْ طَلَّقَهَا فِي اسْتِقْبَالِ أَوَّلِ لَيْلَةٍ مِنْ الشَّهْرِ مَعَ تَمَامِ غُرُوبِ الشَّمْسِ اعْتَدَّتْ حَتَّى يَظْهَرَ هِلَالُ الشَّهْرِ الرَّابِعِ، فَإِذَا ظَهَرَ حَلَّتْ مِنْ عِدَّتِهَا. فَإِنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ ذَلِكَ أَوْ بَعْدَهُ لَزِمَهَا أَنْ تَعْتَدَّ سَبْعًا وَثَمَانِينَ لَيْلَةً بِمِثْلِهِنَّ مِنْ الْأَيَّامِ كَمْلَى، إلَى مِثْلِ الْوَقْتِ الَّذِي لَزِمَتْهَا فِيهِ الْعِدَّةُ. وَلَا يُلْغَى كَسْرُ الْيَوْمِ، وَلَا كَسْرُ اللَّيْلَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بَيْنَ أَوَّلِ عِدَّتِهَا وَبَيْنَ وَقْتِ لُزُومِ الْعِدَّةِ لَهَا فَرْقٌ أَصْلًا، لَا مَا قَلَّ وَلَا مَا كَثُرَ. فَإِذَا أَتَمَّتْ مَا ذَكَرْنَا حَلَّتْ؛ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الشَّهْرُ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ» وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي " كِتَابِ الصِّيَامِ " بِإِسْنَادِهِ. فَإِنْ قِيلَ: إنَّهُ قَدْ لَزِمَتْهَا عِدَّةٌ بِيَقِينٍ فَلَا تَخْرُجُ مِنْهَا إلَّا بِيَقِينٍ؟ قُلْنَا: هَذَا وَضْعٌ فَاسِدٌ، لَكِنْ قَدْ لَزِمَتْهَا عِدَّةٌ بِوَحْيِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِيَقِينٍ مِنْ قِبَلِ الْوَحْيِ الَّذِي ذَكَرْنَا لَا بِيَقِينٍ مُطْلَقٍ مِنْ ظَنٍّ كَاذِبٍ، أَوْ قَوْلِ قَائِلٍ، فَلَا نَخْرُجُ مِنْ ذَلِكَ إلَّا بِبَيَانِ رَسُولِ اللَّهِ الَّذِي هُوَ الْيَقِينُ حَقًّا. وَقَدْ بَيَّنَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنَّ الشَّهْرَ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ فَلَا يَحِلُّ أَنْ يُزَادَ عَلَى ذَلِكَ شَيْءٌ بِوَسْوَسَةٍ لَا أَصْلَ لَهَا {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا}[مريم: 64] . 



  1. التعقيبات في شكل روابط
  2. أرشيف المدونة الإلكترونية.مم النخبة في شرعة الطلاق
  3. الفرق في تشريعات الطلاق بين سورة الطلاق و سورة البقرة
  4. امتناع الطلاق في الحمل وتحريمه(نخبة)
  5. روابط موضوعات الطلاق للعدة شريعة سورة الطلاق6أو7هـ
  6. الطلاق في عقول وقلوب الفقهاء (من زاد المعاد والتعقيب)
  7. ابن كثير في سورة الطلاق وذكره لاختلافات العلماء وم...
  8. (لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا)وسيكولوجية الا...
  9. مكبر/ قانون الحق الجزء الاول والثاني والمعاني الثا...
  10. تكنولوجيا الباثولوجيا المناعية
  11. مصحف الشمرلي كله
  12. لقد وضع الله تعالي{عدة الإحصاء}في طريق الأزواج عقب...
  13. جدول فروق في أحكام الطلاق بين سورة البقرة وسورة ال...
  14. استبدل الله تعالي عدة التربص بعدة الإحصاء{بنزول سو...
  15. الفرق بين التسريح والتفريق في ضوء نزول سورة الطلاق...
  16. تحقيق بطلان الطلاق في الحمل وبيان شذوذ روايته
  17. ترتيب سور القرآن الكريم حسب تاريخ نزولها
  18. لهذا الذي طلق امرأته في الشهر الثامن وهي حامل لم ي...
  19. حادثة طلاق فاطمة بنت قيس وقعت ابان العام الثاني هج...
  20. خصائص الأحكام في سورة الطلاق وماهيتها:
  21. ورد/ الطرق الثمانية لحديث عبد الله بن عمر في طلاق ...
  22. الاخراج في الكائنات الحية(اقرأ للتوسع في الاخراج م...
  23. كتاب:الطلاق بالميزان والقسط{حمل}
  24. الطلاق بين سورة البقرة{1و2هـ}وسورة الطلاق{6 أو7 هـ}
  25. برامج روابط للدخول الي موقعها علي النت
  26. ماذا يعني قول الله تعالي(أسكنوهن من حيث سكنتم من و...
  27. حمل مباشرة جدول المقارنة بين مصطلحات الطلاق في سور...
  28. بعض الفروق في أحكام الطلاق بين سورة البقرة وسورة ا...
  29. دلالة المصطلحات الفقهية في أحكام الطلاق المأخوذة م...
  30. 🔔 الطلاق بين سورة البقرة السابقة في التنزيل وسورة...
  31. كانت ترتيبات الطلاق السابقة في سورة البقرة هي... ث...
  32. عدة الإحصاء وعدة الاستبراء والفرق بينهما
  33. */ قول الألباني : أقوال الأئمة في اتباع السنة وترك...
  34. ما المغزي من قول الله تعالي(لا تدري لعل الله يُحْد...
  35. سورة الطلاق الجامعة المانعة في أحكامها
  36. ولأن التكليف بإقامة الشهادة لله يُفترض فيه:
  37. لماذا أراد الله أن يُنَزِّل القرآن منجما ومفرقا عل...
  38. أحكام سورة البقرة / أحكام سورة الطلاق
  39. -سورة الطلاق واياتها 12
  40. الطلاق للعدة مفصل جدا
  41. قواعد غائبة عن الناس في أحكام الطلاق
  42. صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم من التكبير إلى ا...
  43. ماذا يعني نزول سورة الطلاق بالعام الخامس هجريا؟
  44. ما هو الفرق بين تشريع سورة البقرة(2هجري) وبين تشري...
  45. الطلاق للعدة في سورة الطلاق هيمن علي شريعة الطلاق ...
  46. الطلاق للعدة في سورة الطلاق(المنزلة في العام الساد...
  47. iiiiiiiiiiii
  48. اختلافا أساسي تحت كل منهم اختلافات فرعية كثيرة...
  49. تتتتت
  50. حمل كتاب كيف تهيكلت خلافات الفقهاء في الطلاق ومعجم...
  51. كيف تهيكلت الخلافات الطاحنة بين الفقهاء في شريعة ا...
  52. جججججججج
  53. الحائــــــرون الملتاعون هلموا الي رحمة الله ومحكم...
  54. الحائرون الملتاعون بنار الفراق وهم الطلاق هلموا ال...
  55. عدة الإحصاء أضحت عقبة الأزواج الكؤود في سبيل تطليق...
  56. (كامل)كيف تهيكلت الخلافات الطاحنة بين الفقهاء والم...
  57. حمل كتاب صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم من التك...
  58. قواعد غائبة عن الناس في أحكام الطلاق ؟؟؟,
  59. من الفروق المهمة جدا بين سورة الطلاق وسورة البقرة ...
  60. الطلاق في عقول وقلوب الفقهاء (من زاد المعاد والتعقيب)
  61. عمل مؤثرات تركيب صور كتابه عليها اونلاين
  62. تحقيق متن روايات عبد الله بن عمر
  63. ابطال الرأي والاستحسان
  64. ابطال الرأي والاستحسان 48- 94
  65. 3.ابطال الرأي والاستحسان في أصول الدين لابن حزم ال...
  66. 4.ابطال الرأي والاستحسان من142-----179 .
  67. 5.إبطال القياس للحفظ ابن حزم من180-الي226 ..
  68. 6.ابطال القياس من227-ال274
  69. 7ابطال القياس من275-الي322 .
  70. 8# ابطال القياس للحافظ الفقيه ابن حزم الأندلسي من3...
  71. 9.ابطال القياس من صفحة 371. الي432 .(من صفحة 424...
  72. 10.ابطال القياس من433-الي484.##
  73. ---------
  74. ------
  75. المناعة البشرية وعلاج الأمراض المستعصية من خلالها
  76. // تحقيق متن روايات عبد الله بن عمر (مكرر)
  77. (مدونة للمعرفة العامة) علاج الأمراض المزمنة والسر ...
  78. أدلة اللام بمعني بعد في الآية الأولي من سورة الطلاق
  79. ما هي أهمية الشهادة في أحكام التطليق وماذا يعني فر...
  80. 🌑 الحائــــــرون الملتاعون هلموا الي رحمة الله وم...
  81. 🌚 إن إقامة الشهادة لله في أحكام الطلاق لها مغزيين..
  82. الحائــــــرون الملتاعون من حرقة الطلاق ونار الفرا...
  83. الطلاق في الطهر ليس هو الطلاق في العدة التي أمر ال...
  84. انتهاء مسمي الطلاق الرجعي بعد نزول سورة الطلاق في
  85. اختلافات المسلمين كثيرة جدا في أحكام الطلاق بسبب ا...
  86. ما هي قصة إحصاء العدة؟ ومتي كلف المؤمنون بها؟
  87. فعناد البشر وإعراضهم عن شرع الله الحق وتتبعهم لتص...
  88. 1.اقسام لام معجم القواعد العربية الطلاق للعدة*
  89. مدونة المصحف مكتوبا ورد
  90. الطلاق في الحمل واختلاف الفقهاء حتي فيه وبيانالحق فيه
  91. مدونة (ديوان الطلاق) ما هي دلالة قوله تعالي{من حيث...
  92. ** النخبة (وليس الطلاق في الطهر كالطلاق للعدة /وفه...
  93. بيان الحافظ بن كثير في اختلافات الفقهاء في أصول ال...
  94. مدونة مواقع عامة الفصام العقلي (Schizophrenia)
  95. مدونة الفلكيات خلق الكون وكيف تكونت الأرض؟
  96. السفر بين المجرات ومجرةالنجوم درب التبانة
  97. مدونة الطلاق*2.
  98. مدونة احكام الطلاق المنسوخة تبديلا(تحقيقات كل رواي...
  99. الفلكيات علم الكون
  100. لا طلاق إلا بعد عدة الإحصاء وكل من يقول بغير ذلك ه...
  101. *مدونة أحكام ونظام الطلاق والعدة في الإسلام وقانو...
  102. مقدمة عن المجموعة الشمسية
  103. * علاج السرطان والأمراض الجلدية التي لها ظهور علي
  104. صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم من التكبير إلى ا...
  105. كيف لا تحتسب التطليقة الخاطئة وكيف؟
  106. معني الإحصاء من لغة العرب ومن آيات القرآن/ وما بقي...
  107. أرشيف المدونة الإلكترونية
  108. **لماذا أراد الله أن يُنَزِّل القرآن منجما ومفرقا ...
  109. التعقيب علي إجابة من أجاب علي السؤال { حجة مازال ...
  110. مصطلح الحديث أحاديث آخر الزمان بين الفضل والذم
  111. * ماذا يفعل المسلم إذا تعارض نصان شرعيان ؟؟وهل الت...
  112. هل القاعدة إذا تعارض نصان شرعيان ، فأول واجب هو ال...
  113. يمتنع مع لام القَبْلِ أن تسري دلالات الآيات التالية
  114. التعارض والترجيح علم أصول الفقه والتعقيب علي البحث...
  115. ج2 من كتاب التعارض والترجيح في أصول الفقه وتعقيب ا
  116. يمتنع مع لام القَبْلِ أن تسري دلالات الآيات الت...
  117. الكون المنظور
  118. امتناع الطلاق في الحمل وتحريمه مكبرا
  119. روابط مدونة الديوان الشامل في شرعة الطلاق
  120. {وَأُوْلاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ ح...
  121. بطلان الطلاق في الحمل وامتناعه وشذوذ الرواية الوحي...
  122. خصائص الأحكام في سورة الطلاق:مكبرا
  123. أحكام الخلع
  124. مدونة الطلاق للعدة س وج *الأحاديث الصحيحة فى الطلا...
  125. عناصر محتمة لحدوث الطلاق
  126. 1/ عناصر الطلاق حسابا ووقوعا
  127. 333
  128. الطلاق والتعقيب عليه في الصفحة
  129. الطلاق كتيب الحائــــــرون الملتاعون هلموا الي رحم...
  130. حكم الخُلع بعد نزول سورة الطلاق 7/6 من الهجرة
  131. // مدونة الطلاق للعدة ما هو؟ قانون الحق
  132. التأويل خطورته وآثاره للدكتور الأشقر والتعقيب
  133. قانون الحق عرض تصويري وبطلان التأويل إلا...
  134. عرض جديد لتشريع الطلاق للعدة في الإسلام للعدة مكبر
  135. تحقيق امتناع تطليق المرأة الحامل وبطلانه إذا حدث إ...
  136. @الآيات المنسوخة والناسخة في أحكام الطلاق بين سورة...
  137. ص1/ عدم احتساب الطلقة الخاطئة
  138. ص2/ تابع عدم احتساب التطليقة الخاطئة بالصفحة السابقة
  139. (إذا) الشرطية في القرآن الكريم من دراسة (إذا) الشر...
  140. حفص بن المغيرة طلق امرأته فاطمة بنت قيس،
  141. لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن وبيان عن الخلوة بي...
  142. 111.اللام بمعني بعد وسائر مصطلحات الطلاق
  143. *لام العاقبة أو الغاية في قوله تعالي(فطلقوهن لــ ع...
  144. مدلول قوله تعالي لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِل...
  145. ولا تضارهن لتضيقوا عليهن /تفسير الفاحشة المبينة12ص
  146. فإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن
  147. لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا وسيكولوجية الان...
  148. 2. ضبط حجج القائلين بقواعد اجتهادية في الطلاق
  149. إذا الشرطية غير الجازمة ودورها في آية سورة الطلاق...
  150. مصطلح اللام المضافة الي عدتهن (فطلقوهن لـــ عدتهن
  151. الفرق في تشريعات الطلاق بين سورة البقرة وسورة الطلاق
  152. */*/ انتهاء مسمي الرجعة من الفقه بعد نزول سورة الط...
  153. انتهاء مسمي الرجعة من الفقه بعد نزول سورة الطلاق ا...
  154. فهرست النخبة
  155. إذا أسلوب شرط غير جازم يستخدم لما يستقبل من زمان ا...
  156. إذا الشرطية الغير الجازمة
  157. استخدامات اللام في اللغة العربية قال: أبو القاسم ع...
  158. كتاب اللامات المؤلف: أبو القاسم عبد الرحمن الزجاجي
  159. شرح انواع اللام فى اللغة العربية فيديو
  160. *بطلان كل أعذار المطلقين المثارة فقهيا بعد نزول سو...
  161. الخلع في نظر الفقهاء
  162. علم المواريث والفرائض في الإسلام
  163. كراسة
  164. روابط ح ل ع
  165. الخلع س وج مجمعة من فتاوي اسلام ويب للتعقيب
  166. --* الخلع من وجهة نظر الإمام الشوكاني والتعقيب عليه
  167. -*-*طرق حديث ثابت بن قيس في الخلع
  168. 5.حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخلع
  169. معني قوله تعالي( فَإِنْ خِفْتُمْ أَلا يُقِيمَا حُد...
  170. كل الفهرست للنخبة من أول معني قوله تعالي قإن خفتم ...
  171. باقي مضموم الي الفهرست العام لمدونة النخبة في شرعة...
  172. ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
  173. 2// نبذة تاريخية مكبرة عن أحكام الطلاق
  174. الديوان الشامل لأحكام الطلاق قول الله تعالي في سور...
  175. ** بطلان العمل بالشريعة المنسوخة وفرض التكليف بالش...
  176. تدرج تشريع تحريم الخمر
  177. تحويل القبلة ونسخ التوجه للمسجد الأقصي بالناسخ الم...
  178. فهرست النخبة في الطلاق من1 الي167.
  179. ضبط حجج القائلين بقواعد اجتهادية في الطلاق
  180. روابط مهمة :دليل مواقع الطلاق للعدة احكام سورة الطلاق
  181. (ديوان الطلاق) مصطلحات منسوخة أو ناسخة في مسائل وأ...
  182. حمل تلاوة الشيخ كامل يوسف البهتيمي
  183. حمل كتاب الاختلاف بين الفقهاء ورد وبي دي اف
  184. مخالفة الرواه لحديث طلاق ابن عمر - رضي الله عنه - ...
  185. فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَ...
  186. 4.باب طلاق الحامل
  187. - المنسوخ والناسخ في ابداعات كتاب الله الوا...
  188. الإنذار والتذكير بالقرآن
  189. متى تحولت قبلة المسلمين من بيت المقدس الى الكعبة ا...
  190. ^^^^ تصاوير المنسوخ من شرعة الطلاق والناسخ والتعلي...
  191. 1.علة الإيجاز النقلي ۱
  192. 2.علة الإختصار النقلي۲
  193. 3.علة الرواية بالإجمال۳
  194. 4.علة الرواية بالمعني٤ .
  195. 5.علة الإسقاط بالتدليس٥.
  196. 6.علة الرواية بالفهم البشري للراوي٦.
  197. 7.علة الرواية ٧ .
  198. ٦.علة الرواية بالفهم البشري للراوي٦.
  199. فهرست مؤلفات الدكتور ماهر الفحل في نقد المتون والأ...
  200. 1.د ماهر الفحل الاختلاف لغة واصطلاحاً
  201. 2. د ماهر الفحل أنواع الاختلاف
  202. 3.د مااهر الفحل المبحث الخامس معرفة الاختلاف ودخو...
  203. 4.د ماهر الفحل أثر هَذَا الْحَدِيْث في اختلاف الفق...
  204. 5.د ماهر الفحل المبحث الثاني أثر التَّفَرُّد في ا...
  205. 6.د ماهر الفحل الفصل الثاني الاختلاف في الْمَتْن ...
  206. 7.د ماهر الفحل المبحث الثاني مخالفة الْحَدِيْث لل...
  207. 8.د ماهر الفحل المبحث السابع مخالفة الْحَدِيْث لل...
  208. 9 د*/ ماهر الفحل المبحث الثامن اختلاف الْحَدِيْث...
  209. 10.د ماهر الفحل الفصل الثَّالِث : الاختلاف في السّ...
  210. 11.د ماهر الفحل اثر الاختلاف في بول الصبي
  211. 12.د ماهر الفحل النوع الخامس : زيادة رجلٍ في أحد ا...
  212. 13* .د ماهر الفحل القسم الثاني الاضطراب...
  213. 14.د ماهر الفحل المبحث الثاني : الاختلاف في الزياد...
  214. 15.د ماهر الفحل أثر هَذَا الحَدِيْث في اختلاف الفُ...
  215. 16.د ماهر الفحل اختلف الفقهاء في سجود السهو المبحث...
  216. 17.د ماهر الفحل الادراج واختلاف الضعيف والثقة والم...
  217. 16/18.أثر هذه الزيادة في اختلاف الفقهاء : كيفية ال...
  218. 18^ /16.أثر هذه الزيادة في اختلاف الفقهاء : كيفية ...
  219. 19 د ماهر الفحل.المبحث الرابع اختلاف الضعيف مع ال...
  220. 20.د ماهر الفحل وهذا النوع من الإدراج هُوَ الغالب ...
  221. 21.د ماهر الفحل المبحث السابع : المقلوب ، وأثره في...
  222. 22.د ماهر الفحل أثر القلب في اختلاف الفقهاء
  223. 23.د ماهر الفحل ترجمة القطعة الأجنبية بالكتاب
  224. 24.د ماهر الفحل ثبت المراجع
  225. 26.
  226. 27.
  227. 28.
  228. 29.
  229. 30.
  230. ج
  231. الاختلاف لغة واصطلاحاً
  232. تباين منهج المتقدمين والمتأخرين في التصحيح والتعلي...
  233. 1.اختلاف الثقة مع الثقات
  234. اختلاف الضعيف مع الثقات
  235. 2.أخطاء المحررين في نص التقريب
  236. 1.أخطاء المحررين في نص التقريب د ماهر الفحل
  237. التعارض بين الرواية الموصولة والمرسلة وسبل الترجيح
  238. أسـباب القـلب في المتن أو السبب
  239. أسباب وقوع الإدراج
  240. اضطراب في المتن
  241. الاختلاف في الحديث بسبب خطأ الراوي
  242. الاختلاف في اسم الراوي ونسبه إذا كان متردداً بين ث...
  243. الاختلاف لغة واصطلاحاً
  244. التصحيف والتحريف
  245. مكرر/ التصحيف والتحريف
  246. الكشف عن الاختلاف في الرواية للحديث
  247. الحديث المضطرب في المتن
  248. الحديث المقبول .
  249. الرواية المقلوبة في المتن
  250. أهمية مَعْرِفَة الاختلافات في المتون والأسانيد
  251. تعارض الاتصال والانقطاع
  252. تعارض الوقف و الرفع
  253. توثيق ابن حبان ما هو؟؟
  254. حكم التدليس ، وحكم من عرف بِهِ
  255. دراسات تجديدية فِي أصول الْحَدِيْث : التفرد
  256. طرق الكشف عن الإدراج الدكتور ماهر الفحل
  257. اختلاف الضعيف مع الثقات ونماذج منه
  258. زيادة رجلٍ في أحد الأسانيد ما حكمه
  259. دراسة كتاب شرح التبصرة والتذكرة
  260. 1.مخطوطات عرضت بواسطة ماهر الفحل
  261. 1و2..مخطوطات عرضت بواسطة الدكتور ماهر الفحل
  262. نموذجٌ لما فيه زيادةٌ في أحد أسانيده
  263. وقوع الإدراج في السند دون الْمَتْن
  264. الصحيح في اسم كتاب ابن الصلاح
  265. فرائد الفوائد
  266. 1.مُسْنَدُ الإمِامِ أبِي عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدِ بن...
  267. 2. مسند الامام الشافعي 2.
  268. سنة الوفاة بالهجري
  269. 2. سنة الوفاة بالهجري الصفحة الثانية
  270. 1.سنة الوفاة بالهجري الصفحة الأولي
  271. (( شيوخ أبي داود كلهم ثقات )) الحقيقة بين التنظير ...
  272. توثيق شيوخ بقي بن مخلد الأندلسي
  273. دراسة تحليلية لسيرة الحافظ العراقي
  274. الإحالة في الموسوعة/منهج مقارنة الأسانيد /منهج مقا...
  275. الاحالة من موسوعة الأطراف الي مراجع التحقيق الحديثي
  276. منهج مقارنة الأسانيد والمتون باستخدام التصنيف البب...
  277. علل المتون علة الايجاز النقلي *علة الرواية بالمفهو...
  278. ضبط الخبر في اطار التفاوت في درجات الضبط والحفظ بي
  279. يييييييييييييييييي
  280. ع
  281. ====
  282. هل إقامة الشهادة لله علي حدث الطلاق شرط في وقوعه و...
  283. */ تعارض الوقف و الرفع مكرر بعرض فقهي
  284. الأحاديث الواردة في بول الصبي، روى الأئمة الستة في...
  285. فروق احكام الطلاق وورد/1
  286. فروق احكام الطلاق وورد/1
  287. تحقيق متن روايات عبد الله بن عمر
  288. تحقيق روايات عبد الله بن عمر في حادثة طلاق امرأته ...
  289. -*-*/ تحقيقات متون روايات عبد الله بن عمر في حادثة...
  290. وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِ...
  291. لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آَتَاهَا ...
  292. الدلائل القاطعة علي وجود تراخي زمني ونسخ بين سورتي...
  293. *-*-* معني المراجعة من لسان العرب والتعقيب وما يست...
  294. اذا الظرفية وقول الله تعالي(إذا طلقتم النساء فطلقو...
  295. أحكام الطلاق بسورة البقرو1و2هـ سورة الطلاق7/6هـ وح...
  296. صور تعبيرية خارج النخبة
  297. لماذا وكيف بدل الله تعالي أحكام الطلاق في سورة الب...
  298. حق السكني والنفقة لم يتقرر إلا في تشريع سورة الطلاق
  299. فهرست النخبة
  300. روابط سورة البقرة من تفسير البغوي
  301. < وورد الفرق بين أحكام الطلاق في سورة البقرة وسور...
  302. << إقامة الشهادة في الطلاق ماذا تعني؟؟ وحسم الخلا...
  303. 1. انواع الخشب المعهد العالي للفنون التطبيقية
  304. فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَ...
  305. التطليقة الخاطئة لا تحتسب
  306. اسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم الآية دليل علي كون ا
  307. إن كل من طلق امرأته بطريق الخطأ هو رجل لم ي...
  308. التكليف بإقامة الشهادة لله دليل قاطع علي التشري...
  309. روابط الطلاق للعدة
  310. اللهم إني أعوذ بك من عذاب النار وعذاب القبر ومن فت...
  311. أبغض الحلال إلي الله الطلاق والاختلافات من1 الي8 ...
  312. تتتتتتتتتتتتتت
  313. سورة الإنسان مدنية
  314. سورة الحشر
  315. غزوة أحد وهي قبل غزوة بني النضير
  316. حديث حرق نخل بني النضير
  317. نننننننننننن
  318. ""الاضطراب في المتن د ماهر الفحل
  319. ""الاضطراب في المتن د ماهر الفحل
  320. الكاملة في الطلاق من كتاب الجامعة المانعة وبيان هي...
  321. كتاب الكاملة من الجامعةالمانعة في أحكام الطلاق
  322. القرء هو حيضة وطهر
  323. هوت ميل عرض كتاب الكاملة في الجامعة المانعة لأحكام...
  324. هوتميل كتاب الكاملة من الجامعة المانعة
  325. وورد الطلاق للعدة رؤية صحيحة
  326. ii
  327. h
  328. 1.كتاب المغازي للواقدي 1.
  329. 2.المغازي للواقدي 2.
  330. 3.المغازي للواقدي 3.
  331. 4.كتاب المغازي للواقدي4.
  332. 5.المغازي للواقدي5.
  333. 5>.المغازي خامس
  334. 6.المغازي الشاملة سادس
  335. 7.المغازي للواقدي سابع الشاملة
  336. 8.المغازي
  337. 9 المغازي للواقدي
  338. 10.المغازي للواقدي ورد
  339. 11.المغازي للواقدي ورد من سرية محمد بن مسلمة
  340. 12 المغازي للواقدي ورد
  341. 13 المغازي للواقدي وورد *
  342. 14 المغازي **
  343. 15.المغازي للواقدي
  344. 16 المغازي للواقدي ورد
  345. 17.المغازي للواقدي
  346. 18.المغازي للواقدي تَسْمِيَةُ مَنْ اُسْتُشْهِدَ بِ...
  347. 19.المغازي للواقدي ورد
  348. 20 المغازي ورد ذِكْرُ مَا نَزَلَ مِنْ الْقُرْآنِ ف...
  349. 21.المغازي للواقدي
  350. 22.المغازي للواقدي ورد/ خُطْبَةُ النّبِيّ صَلّى ال...
  351. 23.
  352. 24.
  353. 1. بسم الله / الروض الأنف
  354. 2. الروض الانف
  355. 3 الروض النف
  356. -----------------------
  357. 4 حلف الفضول
  358. 5 الروض الانف
  359. 6 الروض الأنف ج 3 أَبُو طَالِبٍ يَفْخَرُ بِنَسَبِه...
  360. 7
  361. 8 الروض الانف من قصة إسلام الطّفَيْلُ بْنُ عَمْرٍو...
  362. 9 الروض الأنف ج4 /1.
  363. 10. الروض الانف ج4 /2. سُرَاقَةَ بْنِ مَالِكٍ الي ...
  364. 11 الروض الأنف ج5.
  365. 12 الروض الانف ج5 /2.
  366. 13 الروض الأنف ج6 / 13 شِعْرُ صَفِيّةَ:
  367. 14 الروض الأنف ج6 /14. أَوّلُ مَنْ عَرَفَ الرّسُول...
  368. 15 الروض الأنف ج 6//15 . شِعْرُ كَعْبٍ فِي بُكَاءِ...
  369. 16.الروض الأنف ج16/7. إسْلَامُ بَعْضِ بَنِي هَدَلٍ...
  370. 7 /17الروض الأنف بُشْرَى فَتْحِ مَكّةَ وَتَعْجِيلُ...
  371. ج /8./1/18..الروض الأنف(من أول إقْرَارُ الرّسُولِ ...
  372. ج19/8./2.لروض الأنف من مَصْرَعُ أَبِي عَامِرٍ الْأ...
  373. 20. /3/ج8 الروض الأنف من أول حَجّ أَبِي بَكْرٍ بِا...
  374. 21./. ج1/9. الروض الأنف وَبَعَثَ حَاطِبَ بْنَ أَب...
  375. 22. ج9/ 2 الروض الأنف من(أَمْرُ الرّسُولِ بِإِنْفَ...
  376. 23.
  377. السيرة النبوية لابن هشام
  378. 1.السيرة النبوية لابن هشام (*1*المجلد الأول )
  379. 2.ص 2 من السيرة النبوية لابن هشام أمر سامة بن لؤي ...
  380. 3 السيرة النبوية لابن هشام (الوليد بن المغيرة يبدأ...
  381. 4. السيرة النبوية لابن هشام(بعض ما نال أبا بكر في ...
  382. 5. السيرة النبوية لابن هشام دعوته زوجه اي الطفيل ...
  383. 6* السيرة النبوية لابن هشام من كل بني حرة مصيرهم ...
  384. 7 السيرة النبوية لابن هشام من ما قالته اليهود عند ...
  385. 8 السيرة لنبوية لابن هشام
  386. 9. السيرة النبوية لابن هشام عدد من شهد بدرا من الم...
  387. 10. السيرة النبوية لابن هشام الي انخزال المنافقين
  388. 11** السيرة النبوية لابن هشام
  389. 12 اسيرة النبوية لابن هشام شعر ابن رواحة في رثاء حمزة
  390. 13. السيرة النبوية لابن هشام من (4/ 159.حتي (4/ 210)
  391. 14. السيرة لابن هشام من (4/ 211) الي (4/ 294)
  392. 15 السيرة النبوية لابن هشام من 295/4 الي 34/5
  393. 16. السيرة النبوية لابن هشام من (5/ 35) الي (5/ 123)
  394. 17. السيرة النبوية لابن هشام من (5/ 123) الي ...
  395. 18. السيرة النبوية لابن شام من (5/ 204) الي (5/ 2...
  396. 19. السيرة النبوية لابن هشام من (5/ 282) الي (6...
  397. الفرق في تشريعات الطلاق بين سورة الطلاق و سورة ...
  398. صفحة دليل المدونة
  399. غزوة بني النضير عند الواقدي
  400. سنة أربع من الهجرة النبوية
  401. سنة خمس 5هـ من الهجرة النبوية
  402. فصل في غزوة بني قريظة البداية والنهاية لابن كثير ا...
  403. وقائع وأحداث السنة الثالثة والرابعة والخامسة والسا...
  404. السرايا في سنة 6 من الهجرة
  405. غزوة بدر الآخرة
  406. حدث في السنة الخامسة من الهجرة
  407. موسوعة السيرة النبوية - الإصدار الثالث
  408. ترتيب سور القرآن تاريخيا وحسب تاريخ النزول
  409. وورد تحقيق روايات حديث عبد الله ابن عمر في طلاق...
  410. احداث السنة الرابعة من الهجرة 4.
  411. حدث في السنة الخامسة من الهجرة 1.و2و3.
  412. حدث في السنة الخامسة من الهجرة (4)
  413. تحقيق ابن القيم لتاريخ غزوة بني النضير// وأنها كا...
  414. غزوة بني قريظة وفي ذي القعدة من هذه السنة: وقعت غز
  415. السيرة الحلبية ويكي وغزوة بني قريظة وبني النضير
  416. أحداث السنين بعد هجرة النبي محمد صلي الله عليه وسل...
  417. هأحداث السنين (4و5و6و7.) في سيرة النبي محمد ص
  418. عرض أحداث السنين السنة الرابعة 1 .السنة الرابعة من...
  419. حدث في السنة السادسة من الهجرة 1و2و3و4و5و6و7و8و9.
  420. 7.حدث في السنة السابعة بعد الهجرة
  421. 4.السنة الرابعة من الهجرة وفيها ثلاثة عشر حدثًا
  422. 5.أحداث السنة الخامسة من الهجرة وفيها أربعة عشر حد...
  423. 1./1..حدث في السنة الأولى من الهجرة (1) الحدث الأول
  424. 2/1 حدث في السنة الأولى من الهجرة (2) الأحداث (م...
  425. 3/1 حدث في السنة الأولى من الهجرة (3) الأحداث (من...
  426. 4/1 حدث في السنة الأولى من الهجرة (4) الحدث الرابع...
  427. 5/1 حدث في السنة الأولى من الهجرة (5) الحدث الخ...
  428. 6/1 الحدث السادس والسابع عشر خلال هذه السنة الحدث
  429. 7/1 حدث في السنة الأولى من الهجرة (7) الحدثان الثا...
  430. 1/1 حدث في السنة الأولى من الهجرة (1) الحدث الأول
  431. 1/2 حدث في السنة الثانية من الهجرة (1)/ و 2/2 حدث ...
  432. 3/2 حدث في السنة الثانية من الهجرة (3)
  433. 4/2 السنة الثانية من الهجرة الأحداث الرابعة
  434. 2/2 حدث في السنة الثانية من الهجرة (2)
  435. -------------------
  436. 6//1 حدث في السنة السادسة من الهجرة (1)
  437. 6//2 حدث في السنة السادسة من الهجرة (2)
  438. 6//3 حدث في السنة السادسة من الهجرة (3)
  439. 6//4 حدث في السنة السادسة من الهجرة (4)
  440. 6//5 حدث في السنة السادسة من الهجرة (5)
  441. 6//6 حدث في السنة السادسة من الهجرة (6)
  442. 6//7 حدث في السنة السادسة من الهجرة (7)
  443. 6//8 حدث في السنة السادسة من الهجرة (8)
  444. 6//9 حدث في السنة السادسة من الهجرة (9) (الأغصان ...
  445. 6//10 حدث
  446. ---------------------------
  447. 5//1.حدث في السنة الخامسة من الهجرة (1)
  448. 5//2.حدث في السنة الخامسة من الهجرة (2)
  449. 5//3 حدث في السنة الخامسة من الهجرة (3)
  450. 5//4 حدث في السنة الخامسة من الهجرة ( 4)
  451. 3//1 حدث في السنة الثالثة من الهجرة (1)
  452. 3//2 . حدث في السنة الثالثة من الهجرة (2)
  453. 3//3 حدث في السنة الثالثة من الهجرة (3)
  454. 4//1 حدث في السنة الرابعة من الهجرة (1)
  455. 4//2 حدث في السنة الرابعة من الهجرة (2)
  456. 4//3 حدث في السنة الرابعة من الهجرة (3)
  457. 2//1 حدث في السنة الثانية من الهجرة (1)
  458. 2//2 حدث في السنة الثانية من الهجرة (2)
  459. 2//3 حدث في السنة الثانية من الهجرة (3)
  460. 2//4 حدث في السنة الثانية من الهجرة (4)
  461. 2//5 من(الأغصان الندية شرح الخلاصة البهية في ترتيب...
  462. حدث في السنة الثانية من الهجرة (٦)
  463. كل فهرست مدونة النخبة في شرعة الطلاق هتي تاريخه
  464. تباين منهج المتقدمين والمتأخرين في التصحيح والتعلي...
  465. الاختلاف في الزيادات للدكتور ماهر الفحل
  466. مَثَّل ابن الصَّلاح لزيادة الثِّقَة بمثالين
  467. مثال مَا حقق فِيهِ أنَّ الزيادة خطأ :
  468. مثال آخر للزيادة الشاذة بسبب كثرة المخالفة :
  469. مثال آخر لزيادة الثقة الشاذة
  470. ريادة ( إلا كلب صيد )في طريق حماد بن سلمة ، عن أبي...
  471. وقد يختلف النقاد في زيادة من الزيادات فيقبلها بعضه...
  472. وقد يختلف الراوي في زيادة فيذكرها مرة ويهملها مرة .
  473. وقد تكون الزيادة محتملة القبول والرد
  474. 1. الجزء الاول من المغازي للواقدي مجملا
  475. 1. الجزء الاول من المغازي للواقدي مجملا
  476. تابع الجزء الاول المغازي للواقدي ح1.
  477. iiiiiiiiiii
  478. شَرَّع الله تعالي للشارعين في الطلاق بعد نزول سور...
  479. مجموعة دياجرامات تصويرية لبيان تصويري لأحكام الطلا...
  480. دليل النخبة المنقح حديثا
  481. تحقيقات حديث بن عمر وورد *
  482. وورد مكرر تحقيق روايات حديث عبد الله ابن عمر في
  483. وورد تحقيق روايات حديث عبد الله ابن عمر في طلاق ام...
  484. أحكام الطلاق بين سورتي الطلاق(5هـ تقريبا)والبقرة(2...
  485. كيف صار الأمر في سورة الطلاق وتحول من عدة التسريح.
  486. الجملة الإعتراضية في القرآن الكريم
  487. جزء الطلاق محققا في كتاب الطلاق لابن حزم الأندلسي ...
  488. تحقيقات روايات ابن عمر كلها وبيان الأصح منها والشا...
  489. ماهى الصورة الخلقية التى رسمتها لنا النصوص النبوية...
  490. ادلة ثبوت خبر تميم الداري المستيقنة
  491. سورة الطلاق الجامعة المانعة لأحكام الطلاق إلي يوم ...
  492. قانون الحق وسنَّة ثبات الخلق والأمر في ملكوت الله ...
  493. الكاملة في الطلاق من كتاب الجامعة المانعة وبيان هي...
  494. تحقيق كتاب الطلاق من السنن الكبري وحصر الإختلافات
  495. الحائرون ..:مصطلحات الفقهاء في سورتي الطلاق والبقر...
  496. وقوف العدة حائلا بين الزوج وبين تلفظه بالطلاق ص46.
  497. وقوف العدة حائلا بين الزوج وبين تلفظه بالطلاق ص46.
  498. الطلاق في الحمل وامتناعه وشذوذ الرواية الوحيدة له ...
  499. فهرست مدونة الديوان الشامل للطلاق
  500. دليل مدونة الديوان الشامل للطلاق مكرر باختصار
  501. قائمة مختصرة للديوان الشامل لأحكام الطلاق
  502. أحكام الطلاق في سورة البقرة1و2هـ والتي بدلها الله ...
  503. نخبة/ امتناع الطلاق في الحمل وتحريمه مكبرا
  504. فنصاب الورق" يعني الفضة
  505. زكاة الذهب والفضة كتاب الحافظ الشوكاني
  506. كتاب الزكاة للشوكاني زكاة الذهب والفضة للشوكاني
  507. كيف نخرج زكاة الذهب والفضة اليوم؟ وكيفية زكاة الأو...
  508. قصص رواها النبي صلى الله عليه وسلم
  509. قصة الملك الزاهد في ملكه
  510. قصة :ثواب العمل الصالح -
  511. قصص رواها النبي صلى الله عليه وسلم / لأسى لا يُنسى
  512. 3.زكاة الذهب والفضة
  513. 5.في زكاة الذهب والفضة: وزكاة الحلي وزكاة عُرُوض ا...
  514. ما هي المقحمات [ التعجل + بغير روية + انتها...
  515. / في زكاة الذهب والفضة: وزكاة الحلي وزكاة عُرُ...
  516. الدليل من السنة على تحديد الزكاة بـ 2.5 بالمائة أو...
  517. 7.كل كتاب الزكاة: ويشتمل على ستة أبواب
  518. تابح الاعتكاف ثم كتاب الحج ثم الأضحية ثم الغقيقة
  519. تحقيق الفرق بين نزول سورة البقرة 1 و2 من الهجرة.
  520. من حيث سكنتم / حق السكني والنفقة لم يتقرر إلا في ت...
  521. لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آَتَاهَا ...
  522. من المخاطب بأمر الإحصاء؟ وما القول في الرجعة علي
  523. تعريف حدود الله
  524. وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ ...
  525. لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ...
  526. جدول روابط مواقع الطلاق للعدة
  527. جدول روابط مواقع الطلاق للعدة 2.
  528. */ الطلاق من زاد المعاد والتعقيب
  529. من زاد المعاد *فإذا كان حال العازمين علي الطل...
  530. إن كل ما سيذكره ابن القيم هو استدلالات مخلوطة بين ...
  531. فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَ...
  532. معني الإمساك بالمعروف والمفارقة بالمعروف والفرق ب...
  533. فرض التكليف بإقامة الشهادة لله في الطلاق نزل في سو...
  534. وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ...
  535. أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ
  536. وَلَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ وحك...
  537. وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِ...
  538. لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ ...
  539. لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آَتَاهَا ...
  540. الدلائل القاطعة علي وجود تراخي زمني ونسخ بين...
  541. تحقيق روايات عبد الله بن عمر كلها جدول فروق في أحك...
  542. تحقيق روايات حادثة ابن عمر في طلاقه لامرأته
  543. جدول فروق الطلاق بين سورتي البقرة والطلاق شامل الفروق
  544. ما جاء من اختلافات للفقهاء في تفسير سورة الطلاق قم...
  545. فالزوج والزوجة متساويان في مسكن الزوجية =والزوج
  546. [مره فليراجعها] الحديث بكامله
  547. أنزل الله تعالي أحكام الطلاق علي زمنين الزمن الأول...
  548. أنزل الله أحكام الطلاق علي مرحلتن مرحلة ناسخة لساب...
  549. لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن / وبيان عن أن ا...
  550. الحكمة المستشعرة بعد تبديل أحكام الطلاق في سورة ال...
  551. تحقيق الطلاق وزمنه وشكل العدة من الطلاق بعد نزول س...
  552. الطلاق للعدة -وورد الطلاق للعدة الشريعة الناسخة ...
  553. Submit another site1.مهم جدا أدلة نصاب الذهب والف...
  554. إقامة الشهادة في الطلاق وبيان عن الخلوة بين الغربا...
  555. * اختلافات للفقهاء في تفسير سورة الطلاق قام برصدها...
  556. [مره فليراجعها] + فرض خلوة الزوجين في عدة الإحصاء
  557. معني المراجعة من لسان العرب والتعقيب
  558. من الاختلاف 11 الي 12الاختلاف الحادي عشر والثاني ع
  559. google.com/passwod
  560. أرشيف مدونة النخبة في شرعة الطلاق المزال(***)
  561. لا تحتسب التطليقة الخاطئة كيف؟ وتحريم الطلاق في الحمل
  562. قصص عن الطلاق والمطلقات والتعرف علي أسباب الأحداث...
  563. أن التسريح هو تفريق بعد تفريق لكن التفريق هو تفريق...
  564. انعدام الزعم بأن هناك تعارضا بين آيات القرآن إلا م...
  565. وكذلك لو تنزل القران علي رسول الله صلي الله عليه و...
  566. حادثة طلاق فاطمة بنت قيس وقعت ابان العام الثاني هج...
  567. اسباب الإختلاف التي عمت وطمت في أحكام الطلاق بين...
  568. الفرق بين التسريح والتفريق في ضوء نزول سورة الطلاق...
  569. الطلاق في عقول وقلوب الفقهاء (من زاد المعاد والتعقيب)
  570. فهرست المدونة
  571. ضبط حجج الطلاق البائن في ضوء ما نزل من سورة الطلاق
  572. إن عبد الله بن عمر طلق امرأته وهي حائض، قال عبد ال...
  573. قانون الحــــــــــــق
  574. عدة الإحصاء؟ وما هي وكيف تؤدي؟
  575. الفرق بين تشريعات الطلاق في سورة الطلاق وسورة البقرة
  576. الطلاق للعدة في سورة الطلاق هيمن علي شريعة الطلاق ...
  577. كتاب الكاملة في الطلاق من كتاب الجامخة المانعة وبي...
  578. كتاب الجامعة المانعة وبيان هيمنة أحكام الطلاق في س...
  579. تفصيل أحكام سورة الطلاق المنزلة في العام 5 أو6 هـ
  580. خلفيات. (ذلك أمر الله أنزله إليكم........ )
  581. ذلك أمر الله أنزله إليكم ........ 2
  582. بيان مسائل الاختلاف في أحكام الطلاق بين الفققهاء و...
  583. بيان شذوذ قراءة الآية (فطلقوهن لعدتهن) بقراءة (فطل...
  584. تفصيل الطلاق حسب سورة الطلاق
  585. الطلاق للعدة رؤية صحيحة حسب سورة الطلاق 5هـ
  586. معني الاحصاء والعد واللام بمعني بعد
  587. *المغزي من ألفاظ سورة الطلاق في تشريعات الطلاق
  588. جدول الفرق في أحكام الطلاق بين سورتي الطلاق 5هـ تق...
  589. تحقيقات pdf حديث ابن عمر كلها وبيان الروايات الشاذ...
  590. مصحف المدينة الأزرق
  591. مصحف المدينة الأزرق
  592. وورد *عدم احتساب التطليقة الخاطئة
  593. كتاب العقيقة من كتاب المحلي لابن حزم الاندلسي&
  594. كتاب العقيقة من كتاب المحلي لابن حزم الاندلسي
  595. ( وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُود...
  596. ترتيبات الطلاق بين سورة البقرة السابقة في التنزيل ...
  597. فضل الصلاة علي النبي(صلي الله عليه وسلم)
  598. المصطلحات الفقهية في أحكام الطلاق المأخوذة من سورة...
  599. لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا وسيكولوجية الانسان
  600. ذلك أمر الله أنزله إليكم ..يا الله؟!!
  601. إذا الشرطية غير الجازمة
  602. لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آَتَاهَا ...
  603. رواية ابي الزبير عن ابن عمر في عدم احتساب الطلقة ا...
  604. ابطال القياس والاستحسان والاستنباط في الرأي وإبطا...
  605. ابطال القياس والاستحسان والاستنباط بالرأي وإبطال ...
  606. 2.إبطال القياس لابن حزم
  607. 3.باقي إبطال القياس
  608. 5 إبطال القول بالعلل في جميع أحكام الدين
  609. 4. باقي كتاب ابطال القياس والرأي
  610. (ديوان الطلاق)مصطلحات منسوخة أو ناسخة في مسائل وأح...
  611. دياجرامات شارحة لهيئة الطلاق بعد نزول سورة الطلاق ...
  612. الجزء الثاني من س وج في أحكام الطلاق وورد
  613. *يمكن التعرف علي تاريخ نزول سورة الطلاق بأحد الدلا...
  614. كيف يمكن التعرف علي تاريخ نزول سورة الطلاق بأحد ...
  615. اثبات النزول التاريخي لسورة الطلاق
  616. تبدل هيئة حدوث الطلاق من سورة البقرة2هـ إلي سورة...
  617. آخر دليل الي تبدل هيئة حدوث الطلاق من سورة البقرة2...
  618. المغزي من ألفاظ سورة الطلاق المستعملة في السورة م...
  619. عدم احتساب التطليقة الخاطئة الجزء الثاني
  620. تداعيات اختلاف الناقلين لحديث عبد الله بن عمر في...
  621. الحكمة من نزول القرآن منجما ومفرقا علي مدار 23سنة...
  622. لماذا أراد الله أن يُنَزِّل القرآن منجما ومفرقا عل...
  623. الآيات المنسوخة والناسخة في أحكام الطلاق بين سورة ...
  624. الناسخ والمنسوخ من أحكام الطلاق
  625. 2.. الآيات المنسوخة والناسخة في أحكام الطلاق بين س...
  626. قانون الحق ج1 وج2.
  627. قانون الحق ج1 وج2
  628. يمكن التعرف علي تاريخ نزول سورة الطلاق بأحد الدلائ...
  629. الإحصاء هو العَـــدُ الي بلوغ آخر المعدود وهو الع...
  630. جديد/ اهدار الشرع للتطليقة الخاطئة وعدم الاعتداد بها
  631. النص المحكم والمتشابه من حيث التاريخ ص10
  632. هيئة تشريع الطلاق بعد نزول سورة الطلاق بالعام الخ...
  633. المتلاحق تددوينه من الفهرست
  634. دليل كامل الي 600 النخبة
  635. الفارق التاريخي بين نزول سورة البقرة التي نزلت يقي...
  636. ---------------
  637. المقارنة بين مصطلحات الفقهاء في سورتي الطلاق والبق...
  638. دعاء ورجاء من رب العباد
  639. معرفة علوم الحديث للحاكم النيسابوري
  640. معرفة علوم الحديث للحاكم النيسابوري
  641. */ وكان من بعض العادات التي تمددت من عهد الجاهلية ...
  642. سورة الطلاق هي الجامعة المانعة في أحكام الطلاق الي...
  643. * شبهات القرآنيين إعداد عثمان بن معلم محمود
  644. فضائل ابي بكر الصديق للحافظ السيوطي
  645. الفرق بين التسريح والتفريق في ضوء نزول سورة الطلاق...
  646. عرض آخر (إن التسريح هو تفريق بعد تفريق لكن التفريق...
  647. يمتنع الطلاق في الحمل،للآتي
  648. تحريم القول بالطلاق في الحمل واثبات شذوذ رواية محم...
  649. تحقيق بطلان رواية محمد ابن عبد الرحمن مولي طلحة عن...
  650. تكبير تحقيق بطلان الطلاق في الحمل وبيان شذوذ روايته
  651. حكم طلاق الحامل هو امتناع الطلاق في الحمل وتحريمه ...
  652. انعدام الزعم بأن هناك تعارضا بين آيات القرآن إلا م...
  653. حادثة طلاق فاطمة بنت قيس وقعت ابان العام الثاني هج...
  654. الحائرون من هول الخلاف والملتاعون من نار الفراق ه...
  655. الخلع في فقه للحافظ الشوكاني نيل الاوطار والتعقيب
  656. فريق في الجنة وفريق في السعير) نعوذ بالله من السعي...
  657. (فريق في الجنة وفريق في السعير) أجارنا الله من السعير
  658. نبذة مهمة عن الناسخ والمنسوخ
  659. دلائل نسخ آيات أحكام الطلاق من سورة الطلاق لمقابله...
  660. ح-------ح
  661. كيف تهيكلت الخلافات الطاحنة بين الفقهاء والمذاهب ف...
  662. آخر دليل للمدونة حتي يومنا هذا
  663. % أقوال العلماء في حكم الموسيقى والغناء
  664. القول الفصل في الغناء حلا أو حرمة
  665. فلله الحجة جميعا (المحكم في اصدرات النووي منعدم ...
  666. ان اختلاف المسلمين في شأن الغناء هو دليل قاطع علي ...
  667. كيف تأسست المذاهب الإسلامية
  668. كيف تأسست المذاهب الاسلامية
  669. ** كيف تأسست المذاهب الاسلامية
  670. ددليل فرعي محدود
  671. *نظام الطلاق في الإسلام هو الطلاق للعدة
  672. جدول الفرق في أحكام الطلاق بين سورتي الطلاق 5هـ.
  673. تحقيق امتناع تطليق المرأة الحامل وبطلانه إذا حدث إ...
  674. بريطانية تبكي بعد سماعها للصوت لأول مرة في حياتها
  675. بيان عدم احتساب التطليقة الخاطئة والأحاديث الصحيح...
  676. لماذا انغرز الفقهاء في آتون الخلاف المتأجج بينهم ف...
  677. علم التجويد
  678. 1/ اهدار الشرع للتطليقة الخاطئة وعدم الاعتداد بها ...
  679. نائب الفاعل
  680. علم المعاني
  681. علم الدلالة أو أو الدلالية أو السيمانطيقا أو السيم...
  682. علم البلاغة
  683. علم المعانى مهم:المطلق والمقيد
  684. القصر وأقسامه في اللغة
  685. علم المعانى : الإيجاز والإطناب والمساواة بواسطة م...
  686. علم البيان التشبيه والمجاز
  687. الكناية وأقسامها
  688. التورية.. الجناس التصحيف الإزدواج السجع التشطير ...
  689. علم البديع : المحسنات اللفظية الجناس
  690. نور الحق
  691. قول الله تعالي في سورة الطلاق لـــ عدتهن هو علي حذ...
  692. ❤ كيف نتعرَّف علي تاريخ نزول سورة الطلاق
  693. مدونة قانون الحق الالهي*سنة الله الثابتة في نصر عب...
  694. الخلود خلودان مصطلح باطل لبَّسَ فيه مخترعوه الحقَ ...
  695. الخلود خلودان مصطلح باطل لبَّسَ فيه مخترعوه الحقَ ...
  696. جهاز المناعة //النظم الفهرسية الموسوعية الببلوجراف...
  697. أما مصطلح كفر دون كفر فقد وضعوه وغالطوا فيه فهم ...
  698. مدونة قانون الحق الالهي ٢.الآيات القرانية بمسمي ال...
  699. ✓ ✓ الأدلة علي تفرد رب العزة بالتشريع أصلا وكمالا ...
  700. الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَ...
  701. الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَا...
  702. الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَ...
  703. روابط مجمعة لمدونات الطلاق
  704. جدول فهرست المدونتين
  705. ◻ جديث أبي ذر (من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة...
  706. ☐ ما هي المقحمات = اقْتَحَم وتَقْحِيمُ النفْسِ في ...
  707. 3. المقحمات وغفر لمن لم يشرك بالله من أمته شيئ...
  708. مدونة كل أحكام الطلاق بين سورتي البقرة 2هـ والطلاق...
  709. تفسير سورة الطلاق للحافظ ابن كثير يَا أَيُّهَا ال...
  710. الطلاق للعدة حسب نزول سورة الطلاق وأحكامه الناسخة ...
  711. ما هي عدة الإحصاء بحيث صار الأمر في سورة الطلاق
  712. ضبط حجج القائلين بالبينونة الصغري أو الكبري بعد نز...
  713. "اللهم وسع لي في داري، ووسع لي في مالي، وجنبني ال...
  714. أضف موقعك ل150محرك بحث عالمي/جيجا بلاست/ بينج(ياهو...
  715. الأيات التي فيها الظالمون وبيان أن الظالمين... مل...
  716. ما هي المقحمات وشواهد الحديث فيها..
  717. حديث ابي ذر من مات لا يشرك بالله يئا دخل الجنة وشو...
  718. الغدة الدرقية عند الأطفال
  719. 1.دمار الكون بالصيحة بي دي اف 2.دمار الكون...
  720. كل كتاب دمار الكون بالصيحة
  721. مقدمة السنن الكبري للحافظ النسائي طبعة دار الكتب ا...
  722. الفرق بين الإمساك والرجعة / المسيح الدجال
  723. نماذج لاعراض علماء المسلمين عن غير عمدٍ عما نبه ال...
  724. نماذج لاعراض علماء المسلمين عن غير عمدٍ عما نبه ال...
  725. ⏪ سورة البقرة مجدولة مع تنقيحات وزيادات
  726. ^^ أولاً شرعة الطلاق المنزلة أولا في سورة البقرة1...
  727. *أولاً شرعة الطلاق المنزلة أولا في سورة البقرة1-2...
  728. التحقق التاريخي لنزول سورة الطلاق {سورة الأحزاب ←
  729. Googlebot هو برنامج تتبّع من Google للزحف إلى
  730. كيف تهيكلت الإختلافات في أحكام الطلاق بين الفقهاء ...
  731. xلقد وضع الله تعالي{عدة الإحصاء}في طريق الأزواج..
  732. عدة الاحصاااء 191 ما هي ولم لم يتنبه المسلمو...
  733. .docx ضبط حجج القائلين بالطلاق البائن في ضوء ما نز...
  734. أحكام سورة الطلاق 5هـ ومقارنتها بأحكام سورة البقرة...
  735. 1 الحائرون الملتاعون ممن طلقتم أزواجكم تهورا واندف...
  736. الحائرون الملتاعون ممن طلقتم أزواجكم تهورا واندفاع...
  737. اجتناب الكبائر ما هو ؟ وهل تعرف عليه المسلمون كما ...
  738. 20 صفحة / ترتيبات التطليق اختلفت بعد نزول سورة ال...
  739. 27 صفحة : المسيح الدجال ماهي صورته التي خلق بها وا...
  740. 54 ص/ اسبدل الله تعالي عدة التربص بعدة الإحصاء.
  741. فهرست المدونتين مدنة الحق الإلهي 1 و2 ..
  742. 20 صفحة/ فهرست مدونتي الحق الإلهي ا واا .بكامل ال...
  743. وورد / فهرست المدونتين مدنة الحق الإلهي ا و 11 .
  744. وورد / عدد الصفحات13 ص/ حديث البطاقة (يُصَاحُ
  745. 21 صفحة pdf / الروابط مفعلة تماما / حديث البطاقة (...
  746. كتاب فهرست مدونة النخبة في شرعة الطلاق فهرست شامل
  747. فهرست النخبة في شرعة الطلاق وورد كاملة التفعيل
  748. فهرست كامل بروابط مفعلة بمشيئة الله لمدونة النخبة
  749. الي الحائرين الملتاعين الذين أحرقتهم نيران الفراق ...
  750. الي الحائرين الملتاعين الذين أحرقتهم نيران الفراق ...
  751. امتناع الطلاق في الحمل وتجريمه وبيان شذوذ رواية مح...
  752. pdf/ امتناع الطلاق في الحمل وتجريمه وبيان شذوذ روا...
  753. وورد/ الطرق الثمانية لحديث عبد الله بن عمر في طلاق...
  754. الجداول الثلاثة للمقارنة بين النصوص الأصلية والنصو...
  755. دليل مدونة الطلاق بين سورة البقرة 2هــ وسورة الطلا...
  756. هكذا قدَّر سبحانه أن يكون التشريع الجديد في سورة ا...
  757. *هكذا قدَّر سبحانه أن يكون التشريع الجديد في سورة ...
  758. هكذا قدَّر سبحانه أن يكون التشريع الجديد في سورة ا...
  759. وورد //هكذا قدَّر سبحانه أن يكون التشريع الجديد ف...
  760. لا تدري لعل الله يجدث بعد ذلك أمرا لماذا ولما وكيف...
  761. دليل مدونة الطلاق بين سورة البقرة 2هــ وسورة الطلا...
  762. قلت المدون نعود لتحقيق حديث عبد الله بن عمر فأقول ...
  763. تحقيق روايات حديث عبد الله بن عمر في حادثة طلاقه ل...
  764. تحقيق روايات حديث عبد الله بن عمر في حادثة طلاقه ل...
  765. دياجرامات شارحة لأحكام الطلاق بين سورة البقرة2هـ ...
  766. رسومات هي في ذاتها تشرح أحكام الطلاق بين سورة الق
  767. الحكمة المستشعرة بعد تبديل أحكام الطلاق في سورة ال...
  768. الحكمة المستشعرة بعد تبديل أحكام الطلاق في سورة ال...
  769. لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا (وورد) 31/8
  770. لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا (وورد) مكرر
  771. لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا (وورد) +تحقيقات...
  772. كيف تهيكلت الإختلافات في أحكام الطلاق بين الفقهاء ...
  773. الطلاق في سنن النسائي محققا المتن والسند
  774. كتاب الطلاق في سنن ابي داود والتعقيب
  775. المحكم في اصدرات النووي منعدم المحكم من الآيات ا...
  776. المحكم من الآيات والأحاديث هو مالم يحتمل أكثر من ا...
  777. صاحب البطاقة من هو؟
  778. صاحب البطاقة من هو؟ هو من فعل الذنوب في حياته ثم.
  779. وتوبوا إلي الله جميعا
  780. الطلاق في سنن النسائي الطلاق في سنن انساااا...
  781. اول كتاب الطلاق في صحيح مسلم
  782. الطلاق في سنن ابي داود
  783. خصائص الأحكام في سورة الطلاق وماهيتها:
  784. خصائص الأحكام في سورة الطلاق وماهيتها:
  785. الفرق بين الامساك والرجعة / انعدام الزعم بتعارض ال...
  786. تعريف النووي للمقحمات مخالفا تماما للمعني في لسان ...
  787. ذهب النووي الي تفسير المقحمات مخالفا لما فسره جهاب...
  788. جدول روابط مدونة قانون الحق الإلهي
  789. جدول روابط مدونة قانون الحق الإلهي
  790. شرعة الطلاق كما جاءت في سورة الطلاق وتبديل الله تع...
  791. كتاب الطلاق في سنن ابي داود
  792. *الأحاديث الصحيحة فى الطلاق وبيان عدم احتساب التط
  793. كيف يطلق المسلم زوجته إذا تحتم الطلاق
  794. المسيح الدجال ماهي صورته التي خلق بها والتي صورتها...
  795. انتهاء مسمي الطلاق الرجعي بعد نزول سورة الطلاق في.
  796. اسباب الخلاف الشديد بين المذاهب والفقها في أحكام ا...
  797. -نتهاء مسمي الطلاق الرجعي بعد نزول سورة الطلاق ...
  798. {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ م...
  799. كل الصفحات وورد وورد في الطلاق وتحقيقه ورد
  800. وورد الشديد بين المذاهب والفقها في أحكام الطلاق
  801. برامج مجانية رااااائعة
  802. القرآن الكريم مع التفسير برنامج يعرض للقرآن الك...
  803. ايقونات التحميل من موقع نداء الايمان
  804. روابط برامج مجانية مهمة *-*-
  805. لماذا يتساءل الناس حول سؤال جال بخاطر أكثرهم نتيجة...
  806. لماذا يتساءل الناس حول سؤال جال بخاطر أكثرهم نتيجة...
  807. الحجة لله والرسول
  808. فيزياء س و ج الثالث الثانوي
  809. امتناع الطلاق في وقت الحمل وتجريمة و الطرق الثماني...
  810. تحميل مذكرة الفصل الثالث الحث الكهرومغناطيسى للثان...
  811. الشيخ الألباني ورفضه التقليد واتباع البشر بدون دلي...
  812. الجامع لمؤلفات الشيخ الألباني /.الجنى الداني من د...
  813. فهرست اسماء صلاح مذكرة روابط × ..
  814. فهرست مدونة النخبة في شرعة الطلاق
  815. موقع بي ايجي لاضافة المواقع الصالحة
  816. خطوات رفع ملفات الباور بوينت علي موقع SLIDESHARE ا...
  817. كتاب تعريف الشيئ في استخداماته العقائدية بواسطة دك...
  818. ملاحظات علي علاج المسالك البولة بواسطة دكتور عبد ا...
  819. كتابان الاول في ملاحظات علي ععلاج المسالك البولية ...
  820. المقحمات
  821. كتاب تحريز نصوص الشرع وضمان ان لا يصل الي نصةصها ا...
  822. ما جزاء الميت علي المعصية عياذا بالله الواحد
  823. المقحمات والنووي
  824. ماذا يري اصحاب التأويل في المقحمات
  825. معني الاحصاء والعد و{ الطلاق للعدة} ليس هو { الطل...
  826. دليل l منصة الصلاة
  827. منهج مقارنة الأسانيد والمتون وعلل المتن
  828. أسباب تصرف الراوي بالايجاز في روايته
  829. من علل المتن التصرف بالايجاز النقلي والرواية ...
  830. وصف كيف يحج المسلم أسوة بحج رسول الله صلي الله علي...
  831. 👈 مقدمة مكتوبة لكل موضوعات الطلاق
  832. 👆👆 مقدمة مكتوبة لكل موضوعات الطلاق أحدث مقدمة
  833. أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِك...
  834. 💭مقدمة مكتوبة لكل موضوعات الطلاق أحدث مقدمة
  835. أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِك...
  836. نصوص الأحكام ونصوص الوعيد والأخرة والعقيدة
  837. 3ث/الديناميكا(تفاضل الدوال المتجه.pdf ) الميكانيكا...
  838. 3 ثانوي / استاتيكا الصف الثالث الثانوي
  839. ما موضوعات التجربة الشعرية ؟ 3ث
  840. كتاب الرحيق المختوم في اللغة العربية للصف الثالث ا...
  841. رابط تحميل مذكرة الجبر 3 ثانوي للاستاذ الشنتوري =...
  842. 3ث رضا الفاروق ادب وبلاغة وقصة
  843. مذكرة فلسفة شاملة للصف الثالث الثانوي .2017
  844. التكبير 900×800 الرياضيات البحتة -مخطط الهندسة الف...
  845. * يمتنع مع لام القَبْلِ أن تسري دلالات الآيات التالية
  846. معاني اللام في لغة العرب وحالات استخدامها.
  847. جدول قواعد استخدام اللام
  848. كل محتوي اللامات واسخداماته


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق