الظهار
١
مسالة قال لامراته انت علي كظهر امي ِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ -
مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ قَالَ مِنْ حُرٍّ، أَوْ عَبْدٍ لِامْرَأَتِهِ، أَوْ لِأَمَتِهِ
الَّتِي يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا: أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي، أَوْ قَالَ
لَهَا: أَنْتِ مِنِّي بِظَهْرِ أُمِّي، أَوْ كَظَهْرِ أُمِّي، أَوْ مِثْلُ ظَهْرِ
أُمِّي؟ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَلَا يُحَرَّمُ بِذَلِكَ وَطْؤُهَا عَلَيْهِ،
حَتَّى يُكَرِّرَ الْقَوْلَ بِذَلِكَ مَرَّةً أُخْرَى، فَإِذَا قَالَهَا مَرَّةً
ثَانِيَةً وَجَبَتْ عَلَيْهِ كَفَّارَةُ الظِّهَارِ، وَهِيَ عِتْقُ رَقَبَةٍ. وَيُجْزِئُ
فِي ذَلِكَ: الْمُؤْمِنُ، وَالْكَافِرُ، وَالذَّكَرُ وَالْأُنْثَى، وَالْمَعِيبُ
وَالسَّالِمُ، فَمَنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى رَقَبَةٍ فَعَلَيْهِ صِيَامُ شَهْرَيْنِ
مُتَتَابِعَيْنِ، وَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَطَأَهَا، وَلَا أَنْ يَمَسَّهَا
بِشَيْءٍ مِنْ بَدَنِهِ - فَضْلًا عَنْ الْوَطْءِ - إلَّا حَتَّى يُكَفِّرَ بِالْعِتْقِ،
أَوْ بِالصِّيَامِ، فَإِنْ أَقْدَمَ أَوْ نَسِيَ فَوَطِئَ قَبْلَ أَنْ يُكَفِّرَ بِالْعِتْقِ
أَوْ بِالصِّيَامِ: أَمْسَكَ عَنْ الْوَطْءِ حَتَّى يُكَفِّرَ، وَلَا بُدَّ.
فَإِنْ عَجَزَ عَنْ الصِّيَامِ فَعَلَيْهِ أَنْ يُطْعِمَ سِتِّينَ مِسْكِينًا
مُتَغَايِرِينَ شَبَّعَهُمْ. وَلَا يُحَرَّمُ عَلَيْهِ وَطْؤُهَا قَبْلَ
الْإِطْعَامِ، وَلَا يَجِبُ شَيْءٌ مِمَّا ذَكَرْنَا إلَّا بِذِكْرِ " ظَهْرِ
الْأُمِّ " وَلَا يَجِبُ بِذِكْرِ فَرْجِ الْأُمِّ، وَلَا بِعُضْوٍ غَيْرِ
الظَّهْرِ، وَلَا بِذِكْرِ الظَّهْرِ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ غَيْرِ الْأُمِّ، لَا
مِنْ ابْنَةٍ، وَلَا مِنْ أَبٍ، وَلَا مِنْ أُخْتٍ، وَلَا مِنْ أَجْنَبِيَّةٍ،
وَالْجَدَّةُ أُمٌّ. بُرْهَانُ ذَلِكَ -: قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ:
{الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ
أُمَّهَاتُهُمْ}[المجادلة: 2] الْآيَةَ إلَى قَوْله تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ
مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ
قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ
خَبِيرٌ}[المجادلة: 3] {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ
مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ
مِسْكِينًا}[المجادلة: 4] . فَهَذِهِ الْآيَةُ تَنْتَظِمُ كُلَّ مَا قُلْنَاهُ، لِأَنَّ
اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَمْ يَذْكُرْ إلَّا الظَّهْرَ مِنْ الْأُمِّ، وَلَمْ
يُوجِبْ تَعَالَى الْكَفَّارَةَ فِي ذَلِكَ إلَّا بِالْعَوْدِ لِمَا قَالَ، وَأَوْجَبَ
عِتْقَ الرَّقَبَةِ، وَلَمْ يَخُصَّ كَافِرَةً مِنْ مُؤْمِنَةٍ، وَلَا مَعِيبَةً
مِنْ صَحِيحَةٍ، وَلَا ذَكَرًا مِنْ أُنْثَى، وَلَا كَبِيرًا مِنْ صَغِيرٍ {وَمَا
كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا}[مريم: 64]
. وَشَرَطَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي الْعِتْقِ
وَالصِّيَامِ قَبْلَ التَّمَاسِّ. وَلَمْ يَشْتَرِطْ ذَلِكَ فِي الْكَفَّارَةِ
بِالْإِطْعَامِ {لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنْسَى}[طه: 52] تِبْيَانًا لِكُلِّ
شَيْءٍ. وَلَا يُجْزِئُ التَّكْرَارُ عَلَى أَقَلَّ مِنْ سِتِّينَ مِسْكِينًا، لِأَنَّهُمْ
لَيْسُوا سِتِّينَ مِسْكِينًا، وَلَا خِلَافَ فِي الْإِشْبَاعِ. وَلَمْ يَشْتَرِطْ
تَعَالَى طَعَامًا دُونَ طَعَامٍ. وَلَمْ يَخُصَّ تَعَالَى حُرًّا مِنْ عَبْدٍ،
وَلَا زَوْجَةٍ مِنْ أَمَةٍ. وَفِيمَا ذَكَرْنَا خِلَافٌ -: ذَهَبَ قَوْمٌ إلَى أَنَّ
الظِّهَارَ مِنْ الْأَمَةِ لَا تَجِبُ فِيهِ كَفَّارَةٌ؟ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ
الشَّعْبِيِّ - فِي قَوْلٍ لَهُ - وَعِكْرِمَةُ - وَلَمْ يَصِحَّ عَنْهُمَا -
وَصَحَّ عَنْ مُجَاهِدٍ - فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ - وَابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ. وَهُوَ قَوْلُ
أَبِي حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ، وَأَصْحَابِهِمْ،
إلَّا أَنَّ أَحْمَدَ قَالَ فِي الظِّهَارِ مِنْ مِلْكِ الْيَمِينِ: كَفَّارَةُ
يَمِينٍ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: إنْ كَانَ يَطَأُ الْأَمَةَ فَعَلَيْهِ كَفَّارَةُ
الظِّهَارِ، وَإِنْ كَانَ لَا يَطَؤُهَا فَلَا كَفَّارَةَ ظِهَارٍ عَلَيْهِ -:
صَحَّ هَذَا الْقَوْلُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ
فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِمَا. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: الظِّهَارُ مِنْ الْأَمَةِ كَالظِّهَارِ
مِنْ الْحُرَّةِ -: صَحَّ ذَلِكَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَالْحَسَنِ، وَسُلَيْمَانَ
بْنِ يَسَارٍ، وَمُرَّةَ الْهَمْدَانِيِّ، وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، وَسَعِيدِ
بْنِ جُبَيْرٍ، وَالشَّعْبِيِّ، وَعِكْرِمَةَ، وَطَاوُسٍ، وَالزُّهْرِيِّ،
وَقَتَادَةَ، وَعَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، وَمَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ - وَهُوَ
قَوْلُ مَالِكٍ، وَاللَّيْثِ وَالْحَسَنِ بْنِ حَيٍّ، وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ،
وَأَبِي سُلَيْمَانَ، وَجَمِيعِ أَصْحَابِهِمْ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: احْتَجَّ
الْقَائِلُونَ بِأَنَّهُ لَيْسَ ظِهَارًا بِأَنْ قَالُوا: قِسْنَاهُ عَلَى
الْإِيلَاءِ؟ قَالَ عَلِيٌّ: الْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ، ثُمَّ لَوْ كَانَ حَقًّا
لَكَانَ هَذَا مِنْهُ عَيْنَ الْبَاطِلِ وَالتَّحَكُّمِ، لِأَنَّهُ لَيْسَ قِيَاسُ
ذِكْرِ النِّسَاءِ فِي الظِّهَارِ عَلَى ذِكْرِ النِّسَاءِ فِي الْإِيلَاءِ
بِأَوْلَى مِنْ قِيَاسِ ذِكْرِ النِّسَاءِ فِي الظِّهَارِ عَلَى ذِكْرِ النِّسَاءِ
فِيمَا حَرَّمَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْنَا، إذْ يَقُولُ {وَأُمَّهَاتُ
نِسَائِكُمْ}[النساء: 23] فَدَخَلَ فِي ذَلِكَ بِإِجْمَاعٍ مِنَّا وَمِنْهُمْ
الْإِمَاءُ مَعَ الْحَرَائِرِ. وَالْعَجَبُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ: إنَّ أَضْعَفَ
النُّصُوصِ أَوْلَى مِنْ الْقِيَاسِ، وَهَذَا مَكَانٌ تَرَكُوا فِيهِ عُمُومَ
الْقُرْآنِ لِقِيَاسٍ فَاسِدٍ، وَلَيْسَ فِي الظِّهَارِ عِلَّةٌ تَجْمَعُهُ
بِالْإِيلَاءِ فَيَجُوزُ الْقِيَاسُ عَلَيْهَا عِنْدَ أَصْحَابِ الْقِيَاسِ،
وَأَتَوْا بِأَهْذَارٍ بَعْدَ هَذَا لَا مَعْنَى لِذَكَرِهَا، لِأَنَّهَا
سَخَافَاتٌ وَحَمَاقَاتٌ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: الظِّهَارُ يَجِبُ بِقَوْلٍ
مَرَّةً. وَاخْتَلَفُوا فِي مَعْنَى " الْعَوْدِ لِمَا قَالُوا ".
فَقَالَتْ طَائِفَةٌ مَرَّةً " الْعَوْدُ لِمَا قَالُوا " هُوَ
الْوَطْءُ نَفْسُهُ، فَلَا تَجِبُ عَلَيْهِ كَفَّارَةُ الظِّهَارِ حَتَّى
يَطَأَهَا، فَإِذَا وَطِئَهَا لَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ، وَالْإِمْسَاكُ عَنْ
وَطْئِهَا حِينَئِذٍ - صَحَّ ذَلِكَ عَنْ طَاوُسٍ، وَقَتَادَةَ، وَالْحَسَنِ، وَالزُّهْرِيِّ.
رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ فِي
قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ {ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا}[المجادلة: 3] .
قَالَ: جَعَلَهَا عَلَيْهِ كَظَهْرِ أُمِّهِ ثُمَّ يَعُودُ فَيَطَؤُهَا
فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي يُونُسُ عَنْ
ابْنِ شِهَابٍ قَالَ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ، {ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا
قَالُوا}[المجادلة: 3] قَالَ: يَعُودُ لِمَسِّهَا. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ
الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ ابْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ فِي قَوْلِهِ عَزَّ
وَجَلَّ {ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا}[المجادلة: 3] . قَالَ: جَعَلَهَا
عَلَيْهِ كَظَهْرِ أُمِّهِ، ثُمَّ يَعُودُ فَيَطَؤُهَا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ.
وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: إذَا تَكَلَّمَ بِالظِّهَارِ فَقَدْ لَزِمَهُ كَفَّارَةٌ - :
كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ
عَنْ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ طَاوُسٍ قَالَ: إذَا تَكَلَّمَ بِالظِّهَارِ فَقَدْ
لَزِمَهُ - وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَعُثْمَانَ الْبَتِّيِّ -
قَالَ الْبَتِّيُّ: إنْ مَاتَتْ لَمْ يَصِلْ إلَى مِيرَاثِهَا حَتَّى يُكَفِّرَ،
وَإِنْ وَطِئَهَا كَفَرَ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: الْعَوْدُ هَهُنَا إرَادَةُ
الْوَطْءِ، فَمَنْ ظَاهَرَ مِنْ امْرَأَتِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ كَفَّارَةُ الْوَطْءِ
حَتَّى يُرِيدَ وَطْأَهَا، فَإِذَا أَرَادَ وَطْأَهَا فَحِينَئِذٍ لَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ،
فَإِنْ بَدَا لَهُ عَنْ وَطْئِهَا سَقَطَتْ عَنْهُ الْكَفَّارَةُ، فَإِنْ أَرَادَ
وَطْأَهَا عَادَتْ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ، فَإِنْ بَدَا لَهُ سَقَطَتْ عَنْهُ،
وَهَكَذَا أَبَدًا. وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ - فِي أَشْهَرِ قَوْلَيْهِ - وَرُوِيَ
عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْمَاجِشُونِ، وَمَا نَعْلَمُ هَذَا عَنْ أَحَدٍ
قَبْلَهُمَا - وَهُوَ أَسْقَطُ الْأَقْوَالِ لِتَعَرِّيهِ عَنْ الْأَدِلَّةِ،
وَلِأَنَّهُ إيجَابٌ وَإِبْطَالٌ لِلدَّعْوَى بِلَا مَعْنَى. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: مَعْنَى "
الْعَوْدِ " أَنَّ الظِّهَارَ يُوجِبُ تَحْرِيمًا لَا تَرْفَعُهُ إلَّا
الْكَفَّارَةُ، إلَّا أَنَّهُ إنْ لَمْ يَطَأْهَا مُدَّةً طَوِيلَةً حَتَّى
مَاتَتْ فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ سَوَاءٌ أَرَادَ فِي خِلَالِ ذَلِكَ وَطْأَهَا
أَوْ لَمْ يُرِدْ، فَإِنْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ، فَإِنْ
تَزَوَّجَهَا بَعْدَ زَوْجٍ عَادَ عَلَيْهِ حُكْمُ الظِّهَارِ، وَلَا يَطَؤُهَا
حَتَّى يُكَفِّرَ، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، قَالَ: وَالظِّهَارُ قَوْلٌ
كَانُوا يَقُولُونَهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَنُهُوا عَنْهُ، فَكُلُّ مَنْ قَالَهُ
فَقَدْ عَادَ لِمَا قَالَ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا قَرِيبٌ فِي الْفَسَادِ
مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ، لِأَنَّهُ تَحَكُّمٌ بِالْبَاطِلِ وَلَعِبٌ وَكَذِبٌ ظَاهِرٌ،
لِأَنَّ الَّذِينَ يَقُولُونَهُ فِي الْإِسْلَامِ لَمْ يَقُولُوهُ قَطُّ فِي
الْجَاهِلِيَّةِ، وَإِنَّمَا قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا
قَالُوا}[المجادلة: 3] وَلَمْ يَقُلْ: لِمَا قَالَ غَيْرُهُمْ. وَذِكْرُ هَذَيْنِ
الْقَوْلَيْنِ يُغْنِي عَنْ تَكَلُّفِ الرَّدِّ عَلَيْهِمَا لِظُهُورِ
فَسَادِهِمَا، وَأَنَّهُمَا شَرْعٌ لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ تَعَالَى،
وَأَنَّهُمَا لَا يُحْفَظَانِ عَنْ أَحَدٍ قَبْلَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَمَالِكٍ.
وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: الْعَوْدُ هُوَ أَنْ يُظَاهِرَ مِنْهَا ثُمَّ يُمْسِكَهَا
مُدَّةً بِقَدْرِ أَنْ يَقُولَ فِيهَا: أَنْتِ طَالِقٌ، فَلَا يُطَلِّقُهَا فِي
تِلْكَ الْمُدَّةِ، فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ عَادَ لِمَا قَالَ. وَلَزِمَتْهُ
الْكَفَّارَةُ - مَاتَتْ أَوَعَاشَتْ، طَلَّقَهَا بَعْدَ ذَلِكَ أَوْ لَمْ يُطَلِّقْهَا
- فَإِنْ طَلَّقَهَا إثْرَ ظِهَارِهِ مِنْهَا فَلَا كَفَّارَةَ ظِهَارٍ عَلَيْهِ -
وَهَذَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَبَعْضِ أَصْحَابِنَا. وَرَوَى أَشْهَبُ عَنْ
مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ: إذَا ظَاهَرَ مِنْ امْرَأَتِهِ ثُمَّ أَمْسَكَهَا وَعَزَمَ
عَلَى وَطْئِهَا فَقَدْ لَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ، وَلَا تَسْقُطُ عَنْهُ بَعْدُ -
مَاتَتْ أَوْ عَاشَتْ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ كَقَوْلِنَا - رُوِيَ عَنْ بُكَيْرِ
بْنِ الْأَشَجِّ، وَيَحْيَى بْنِ زِيَادٍ الْفَرَّاءِ - وَقَدْ رُوِيَ نَحْوُهُ عَنْ
عَطَاءٍ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: جَمِيعُ الْأَقْوَالِ الَّتِي قَدَّمْنَا إنَّمَا
هِيَ دَعَاوَى لَا تُوَافِقُ فِي اللُّغَةِ - الَّتِي بِهَا خَاطَبَنَا اللَّهُ
عَزَّ وَجَلَّ، وَبِهَا نَزَلَ الْقُرْآنُ - مَا يَقَعُ عَلَيْهِ لَفْظَةُ "
الْعَوْدِ لِمَا قَالَ " وَمَا كَانَ هَكَذَا فَهُوَ بَاطِلٌ بِيَقِينٍ،
نَعْنِي مَنْ فَسَّرَ " الْعَوْدَ
" بِالْوَطْءِ، أَوْ بِإِرَادَةِ الْوَطْءِ، أَوْ
بِالْإِمْسَاكِ، إذْ لَيْسَ شَيْءٌ مِنْ هَذَا عَوْدًا لِمَا قَالَ. وَكَذَلِكَ
مَنْ قَالَ: إنَّهُ يُوجِبُ تَحْرِيمًا لَا يَرْفَعُهُ إلَّا الْكَفَّارَةُ،
لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يُوجِبْ الْكَفَّارَةَ بِالظِّهَارِ وَحْدَهُ،
لَكِنْ بِهِ وَبِ " الْعَوْدِ لِمَا قَالَ هَذَا نَصُّ الْقُرْآنِ. قَالَ
أَبُو مُحَمَّدٍ: وَلَمْ يَبْقَ إلَّا قَوْلُنَا وَهُوَ " أَنْ يَعُودَ لِمَا
قَالَ ثَانِيَةً " وَلَا يَكُونُ الْعَوْدُ لِلْقَوْلِ إلَّا بِتَكْرِيرِهِ،
لَا يُعْقَلُ فِي اللُّغَةِ غَيْرُ هَذَا، وَبِهَذَا جَاءَتْ السُّنَّةُ -: كَمَا
رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سُلَيْمَانَ بْنِ حَرْبٍ، وَمُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ
عَارِمٍ، كِلَاهُمَا عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ
أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ: أَنَّ جَمِيلَةَ بِنْتَ ثَعْلَبَةَ
امْرَأَةَ أَوْسِ بْنِ الصَّامِتِ وَكَانَ بِهِ لَمَمٌ فَكَانَ إذَا اشْتَدَّ
لَمَمُهُ ظَاهَرَ مِنْهَا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِيهِ كَفَّارَةَ الظِّهَارِ.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا يَقْتَضِي التَّكْرَارَ وَلَا بُدَّ، وَلَا يَصِحُّ
فِي الظِّهَارِ إلَّا هَذَا الْخَبَرُ وَحْدَهُ، إلَّا خَبَرًا نَذْكُرُهُ بَعْدَ
هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، وَكُلُّ مَا عَدَا ذَلِكَ فَسَاقِطٌ:
إمَّا مُرْسَلٌ، وَإِمَّا مِنْ رِوَايَةِ مَنْ لَا خَيْرَ فِيهِ، كَمَا بَيَّنَّا
فِي " كِتَابِ الْإِيصَالِ " وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
وَاخْتَلَفُوا فِيمَا يُجْزِئُ فِي ذَلِكَ مِنْ الرِّقَابِ -: فَقَالَتْ
طَائِفَةٌ: لَا يُجْزِئُ فِي ذَلِكَ عِتْقُ الْكِتَابِيِّ - وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ. وَقَالَ
أَصْحَابُنَا، وَأَبُو حَنِيفَةَ: يَجْزِي - وَإِنَّمَا قَالَ الْمَالِكِيُّونَ
ذَلِكَ قِيَاسًا عَلَى رَقَبَةِ كَفَّارَةِ قَتْلِ الْخَطَأِ؟ . قَالَ أَبُو
مُحَمَّدٍ: وَهَذَا خَطَأٌ، لِأَنَّ الْقِيَاسَ بَاطِلٌ، وَلَوْ كَانَ حَقًّا
لَكَانَ هَذَا بَاطِلًا، لِأَنَّهُمْ جَمَعُوا بَيْنَ الْكَفَّارَتَيْنِ فِي أَنْ
لَا يَجْزِيَ فِيهِمَا كَافِرٌ، وَلَمْ يَجْمَعُوا بَيْنَهُمَا، وَلَا قَاسُوا
إحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فِي تَعْوِيضِ الْإِطْعَامِ مِنْ الصِّيَامِ لِمَنْ
عَجَزَ عَنْ الصِّيَامِ - وَهَذَا تَحَكُّمٌ لَا يَسُوغُ لِأَحَدٍ. فَإِنْ قَالُوا: لَمْ يُذْكَرْ
تَعْوِيضُ الصِّيَامِ فِي كَفَّارَةِ الْقَتْلِ، إنَّمَا ذُكِرَ فِي الظِّهَارِ؟
فَقُلْنَا: وَلَا ذُكِرَتْ الْمُؤْمِنَةُ إلَّا فِي كَفَّارَةِ الْقَتْلِ، وَلَمْ
تُذْكَرْ فِي الظِّهَارِ، فَإِمَّا قِيسُوا كُلَّ وَاحِدَةٍ عَلَى الْأُخْرَى،
وَإِمَّا أَنْ لَا تَقِيسُوا وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا عَلَى الْأُخْرَى. وَأَمَّا
قِيَاسُكُمْ إحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فِي بَعْضِ مَا فِيهَا دُونَ سَائِرِ
مَا فِيهَا - فَتَحَكُّمٌ فَاسِدٌ، وَمُنَاقَضَةٌ ظَاهِرَةٌ - وَقَالَ أَبُو
حَنِيفَةَ، وَمَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ فِي الرَّقَبَةِ الْمَعِيبَةِ أَقْوَالًا
فِي غَايَةِ الْفَسَادِ. وَلَا نَدْرِي مَا ذَنْبُ الْمَعِيبِ عِنْدَهُمْ، فَلَمْ يُجِيزُوا
عِتْقَهُ فِي وَاجِبٍ. فَإِنْ قَالُوا: السَّالِمُ أَكْثَرُ ثَمَنًا؟ قُلْنَا:
وَالْبَيْضَاءُ الْجَمِيلَةُ أَكْثَرُ ثَمَنًا مِنْ السَّوْدَاءِ الذَّمِيمَةِ،
فَلَا تُجِيزُوا فِي ذَلِكَ السَّوْدَاءَ الذَّمِيمَةَ - وَجُمْلَةُ الْأَمْرِ
فَإِنَّمَا هِيَ آرَاءٌ فَاسِدَةٌ
- وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ التَّحَكُّمِ فِي الدِّينِ
بِمِثْلِهَا. وَقَدْ رُوِّينَا عَنْ النَّخَعِيِّ، وَالشَّعْبِيِّ: أَنَّ عِتْقَ
الْأَعْمَى يَجْزِي فِي ذَلِكَ، وَعَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ أَنَّ الْأَشَلَّ يَجْزِي. وَقَالَتْ
طَائِفَةٌ: إنْ ظَاهَرَ بِذَاتِ مَحْرَمٍ فَهُوَ ظِهَارٌ، وَإِنْ ظَاهَرَ بِغَيْرِ
ذَاتِ مَحْرَمٍ فَلَيْسَ ظِهَارًا -: رُوِّينَا ذَلِكَ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ
الرَّزَّاقِ عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ قَالَ: مَنْ
ظَاهَرَ مِنْ ذَاتِ مَحْرَمٍ فَهُوَ ظِهَارٌ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ
عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ: مَنْ ظَاهَرَ بِذَاتِ مَحْرَمٍ أَوْ بِأُخْتٍ
مِنْ الرَّضَاعَةِ، فَكُلُّ ذَلِكَ كَأُمِّهِ لَا تَحِلُّ لَهُ حَتَّى يُكَفِّرَ،
فَإِنْ ظَاهَرَ بِبِنْتِ خَالِهِ فَلَيْسَ ظِهَارًا. وَرُوِّينَاهُ عَنْ الشَّعْبِيِّ
- وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ - وَأَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ،
وَلِلشَّافِعِيِّ قَوْلٌ آخَرُ - هُوَ أَشْهُرُ أَقْوَالِهِ - وَهُوَ أَنَّ كُلَّ مَنْ ظَاهَرَ
بِامْرَأَةٍ حَلَّ لَهُ نِكَاحُهَا يَوْمًا وَمِنْ الدَّهْرِ فَلَيْسَ ظِهَارًا،
مَنْ ظَاهَرَ بِامْرَأَةٍ لَمْ يَحِلَّ لَهُ نِكَاحُهَا قَطُّ فَهُوَ ظِهَارٌ.
وَقَالَ مَالِكٌ: مَنْ ظَاهَرَ بِذَاتِ مَحْرَمٍ أَوْ بِأَجْنَبِيَّةٍ أَوْ
بِابْنَةٍ فَهُوَ كُلُّهُ ظِهَارٌ. وَرُوِّينَا عَنْ الشَّعْبِيِّ: لَا ظِهَارَ
إلَّا بِأُمٍّ أَوْ جَدَّةٍ - وَهُوَ قَوْلٌ رَوَاهُ أَيْضًا - أَبُو ثَوْرٍ عَنْ الشَّافِعِيِّ.
وَبِهِ يَقُولُ أَبُو سُلَيْمَانَ، وَأَصْحَابُنَا. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ:
يُقَالُ لِمَنْ قَالَ: لَا ظِهَارَ إلَّا مِنْ ذَاتِ مَحْرَمٍ: مِنْ أَيْنَ
خَصَّصْتُمْ ذَوَاتِ الْمَحَارِمِ؟ فَإِنْ قَالُوا: لِأَنَّهُنَّ مُحْرِمَاتٌ كَالْأُمِّ؟
قُلْنَا: وَالْأَبُ أَيْضًا مُحَرَّمٌ كَالْأُمِّ، وَجَمِيعُ الرِّجَالِ كَذَلِكَ.
فَإِنْ قَالُوا: لَيْسُوا مِنْ النِّسَاءِ، وَالْأُمُّ مِنْ النِّسَاءِ؟
قُلْنَا: وَلَا ذَوَاتُ الْمَحَارِمِ أُمَّهَاتٌ، وَالْأُمُّ هِيَ الَّتِي
وَلَدَتْهُ، فَمَا الْفَرْقُ بَيْنَ قِيَاسٍ وَقِيَاسٍ - وَقَالَ لِمَنْ قَالَ بِالظِّهَارِ
مِنْ كُلِّ أَجْنَبِيَّةٍ، وَمِنْ الْأَبِ أَيْضًا: مِنْ أَيْنَ قِسْتُمْ
الظِّهَارَ بِالْأَبِ عَلَى الظِّهَارِ بِالْأُمِّ، وَلَمْ تَقِيسُوا ظِهَارَ
الْمَرْأَةِ مِنْ الرَّجُلِ عَلَى ظِهَارِ الرَّجُلِ مِنْ الْمَرْأَةِ؟ وَقَدْ
قَالَ بِهَذَا جَمَاعَةٌ، كُلُّهُمْ أَجَلُ مِنْ مَالِكٍ، وَأَبِي حَنِيفَةَ -:
كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ نَا هُشَيْمٌ أَنَا
مُغِيرَةُ هُوَ ابْنُ مِقْسَمٍ - عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ: أَنَّ عَائِشَةَ
بِنْتَ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ قَالَتْ: إنْ تَزَوَّجْت مُصْعَبَ بْنَ
الزُّبَيْرِ فَهُوَ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي؟ فَسَأَلْت أَهْلَ الْمَدِينَةِ،
فَرَأَوْا أَنَّ عَلَيْهَا الْكَفَّارَةَ - قَالَ الْأَثْرَمُ: فَقُلْت لِأَحْمَدَ
بْنِ حَنْبَلٍ: أَتُكَفِّرُ؟ قَالَ: نَعَمْ تُكَفِّرُ - فَهَذَا كَمَا يَرَى أَهْلُ
الْمَدِينَةِ فِي زَمَنِ مُصْعَبٍ - هَذَا قَدِيمٌ. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ
سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ الْمُغِيرَةِ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ: أَنَّ
عَائِشَةَ بِنْتَ طَلْحَةَ ظَاهَرَتْ مِنْ الْمُصْعَبِ بْنِ الزُّبَيْرِ إنْ
تَزَوَّجَتْهُ، فَتَزَوَّجَتْهُ فَسَأَلَتْ الْفُقَهَاءَ وَهُمْ مُتَوَافِرُونَ؟
فَأُمِرَتْ بِكَفَّارَةٍ. وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ
سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيِّ، وَأَشْعَثَ بْنِ عَبْدِ
الْمَلِكِ الْحُمْرَانِيِّ، قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ عَنْ الشَّعْبِيِّ، وَقَالَ
الْحُمْرَانِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، كِلَاهُمَا بِمِثْلِ حَدِيثِ
إبْرَاهِيمَ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ ابْنِ
شُبْرُمَةَ قَالَ: قَالَتْ بِنْتُ طَلْحَةَ: مُصْعَبُ بْنُ الزُّبَيْرِ إنْ
نَكَحْته فَهُوَ عَلَيَّ كَظَهْرِ أَبِيهَا، ثُمَّ نَكَحَتْهُ، فَسَأَلَتْ عَنْ
ذَلِكَ أَصْحَابَ ابْنِ مَسْعُودٍ؟ فَقَالُوا: تُكَفِّرُ. وَبِهِ إلَى مَعْمَرٍ
عَنْ الزُّهْرِيِّ فِي امْرَأَةٍ قَالَتْ لِزَوْجِهَا: هُوَ عَلَيْهَا كَأَبِيهَا؟
فَقَالَ الزُّهْرِيُّ: قَالَتْ مُنْكَرًا مِنْ الْقَوْلِ وَزُورًا، فَنَرَى أَنْ تُكَفِّرَ
بِعِتْقِ رَقَبَةٍ، أَوْ بِصَوْمِ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ، أَوْ تُطْعِمَ
سِتِّينَ مِسْكِينًا - وَلَا يَحُولُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ زَوْجِهَا أَنْ
يَطَأَهَا. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ عَمْرِو بْنِ
عَامِرٍ النَّهْدِيِّ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّهُ كَانَ يَرَى: تُظَاهِرُ
الْمَرْأَةُ مِنْ الرَّجُلِ ظِهَارًا - وَهُوَ قَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ،
وَالْحَسَنِ بْنِ حَيٍّ، وَالْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ اللُّؤْلُؤِيِّ. فَإِنْ
قَالُوا: كَانَ الظِّهَارُ طَلَاقَ الْجَاهِلِيَّةِ وَالطَّلَاقُ إلَى الرِّجَالِ؟
قُلْنَا: وَمِنْ أَيْنَ صَحَّ عِنْدَكُمْ أَنَّ الظِّهَارَ كَانَ طَلَاقَ الْجَاهِلِيَّةِ؟
فَكَيْفَ وَأَنْتُمْ تُجِيزُونَ أَنْ يَكُونَ الطَّلَاقُ بِيَدِ الْمَرْأَةِ إذَا
جَعَلَهُ الرَّجُلُ بِيَدِهَا؟ فَقُولُوا كَذَلِكَ فِي الظِّهَارِ، وَهَذَا
كُلُّهُ يُبَيِّنُ فَسَادَ الْقِيَاسِ وَتَنَاقُضَهُ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ،
مِنْهُمْ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ: إنْ ظَاهَرَ بِرَأْسِ أُمِّهِ
أَوْ يَدِهَا؟ فَهُوَ ظِهَارٌ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إنْ ظَاهَرَ بِشَيْءٍ لَا
يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَنْظُرَ إلَيْهِ مِنْ أُمِّهِ؟ فَهُوَ ظِهَارٌ، وَإِنْ ظَاهَرَ
بِشَيْءٍ يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَنْظُرَ إلَيْهِ مِنْ أُمِّهِ؟ فَلَيْسَ ظِهَارًا.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَكُلُّ هَذِهِ مَقَايِيسُ فَاسِدَةٌ، لَيْسَ بَعْضُهَا
أَوْلَى مِنْ بَعْضٍ. وَكَذَلِكَ قِيَاسُ قَوْلِ مَالِكٍ ذَكَرَهُ ابْنُ
الْقَاسِمِ: أَنَّ مَا ظَاهَرَ بِهِ مِنْ أَعْضَاءِ أُمِّهِ فَهُوَ ظِهَارٌ
وَالْحَقُّ مِنْ ذَلِكَ مَا ذَكَرْنَا: مِنْ أَنْ لَا نَتَعَدَّى النَّصَّ الَّذِي
حَدَّهُ اللَّهُ تَعَالَى، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ
اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ}[الطلاق: 1] . وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إنْ
كَرَّرَ الْإِطْعَامَ عَلَى مِسْكِينٍ وَاحِدٍ سِتِّينَ يَوْمًا أَجْزَأَهُ. قَالَ
أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا خِلَافُ إيجَابِ اللَّهِ تَعَالَى سِتِّينَ مِسْكِينًا - وَأَمَّا مَنْ
شَرَعَ فِي الصَّوْمِ فَوَطِئَ لَيْلًا قَبْلَ أَنْ يُتِمَّهُنَّ أَوْ وَطِئَ
قَبْلَ أَنْ يُكَفِّرَ بِعِتْقٍ أَوْ بِصَوْمٍ؟ فَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ
أَنَّهُ لَا يُكَفِّرُ، لِأَنَّهُ لَا يَسْتَطِيعُ عَلَى الْكَفَّارَةِ. وَقَالَ
آخَرُونَ: لَيْسَ عَلَيْهِ إلَّا كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ -: كَمَا رُوِّينَا عَنْ
وَكِيعٍ عَنْ هِشَامٍ الدَّسْتُوَائِيِّ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ
الْمُسَيِّبِ فِي الْمَظَاهِر يُجَامِعُ قَبْلَ أَنْ يُكَفِّرَ قَالَ: يَمْسِكُ
حَتَّى يُكَفِّرَ. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ أَيْضًا عَنْ الصَّلْتِ بْنِ دِينَارٍ قَالَ:
سَأَلْت عَشَرَةً مِنْ الْفُقَهَاءِ عَنْ الْمُظَاهِرِ يُجَامِعُ قَبْلَ أَنْ
يُكَفِّرَ؟ فَقَالُوا: كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ. وَقَالَ وَكِيعٌ: وَهُمْ -:
الْحَسَنُ، وَابْنُ سِيرِينَ، وَمُوَرِّقٌ الْعِجْلِيُّ، وَبَكْرُ بْنُ عَبْدِ
اللَّهِ الْمُزَنِيّ، وَقَتَادَةُ، وَعَطَاءٌ، وَطَاوُسٌ وَمُجَاهِدٌ،
وَعِكْرِمَةُ. قَالَ وَكِيعٌ: وَالْعَاشِرُ أَرَاهُ نَافِعًا - وَهُوَ قَوْلُ
إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، وَالشَّعْبِيِّ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: عَلَيْهِ
كَفَّارَتَانِ: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا عَبْدُ
الْأَعْلَى، وَيَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، قَالَ عَبْدُ الْأَعْلَى عَنْ سَعِيدِ بْنِ
أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ رَجَاءِ بْنِ حَيْوَةُ عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ
ذُؤَيْبٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، وَقَالَ يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ: عَنْ
التَّيْمِيِّ بَلَغَنِي عَنْ ابْنِ عُمَرَ، ثُمَّ اتَّفَقَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ وَابْنُ
عُمَرَ فِي الْمَظَاهِر يَطَؤُهَا قَبْلَ أَنْ يُكَفِّرَ؟ قَالَا جَمِيعًا:
عَلَيْهِ كَفَّارَتَانِ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ عُمَرَ عَنْ
قَتَادَةَ عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ ذُؤَيْبٍ فِي الْمَظَاهِر يَطَؤُهَا قَبْلَ أَنْ
يُكَفِّرَ؟ قَالَ عَلَيْهِ كَفَّارَتَانِ. قَالَ مَعْمَرٌ: وَهُوَ قَوْلُ
قَتَادَةَ أَيْضًا - وَهُوَ قَوْلُ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَالْحَكَمِ بْنِ
عُتَيْبَةَ، وَعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ الْقَاضِي. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ:
عَلَيْهِ ثَلَاثُ كَفَّارَاتٍ -: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ
مَنْصُورٍ نا هُشَيْمٌ نا يُونُسُ بْنُ عُبَيْدٍ، وَعُبَيْدَةُ، قَالَ يُونُسُ:
عَنْ الْحَسَنِ، وَقَالَ عُبَيْدَةُ: عَنْ إبْرَاهِيمَ، قَالَا جَمِيعًا فِي
الَّذِي يُظَاهِرُ ثُمَّ يَطَؤُهَا قَبْلَ أَنْ يُكَفِّرَ: عَلَيْهِ ثَلَاثُ
كَفَّارَاتٍ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ
لَوْلَا الْخَبَرُ الَّذِي رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ نا الْحَسَنُ
بْنُ حُرَيْثٍ نا الْفَضْلُ بْنُ مُوسَى عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ
أَبَانَ عَنْ عِكْرِمَةُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي ظَاهَرْتُ
مِنْ امْرَأَتِي فَوَقَعْتُ عَلَيْهَا قَبْلَ أَنْ أُكَفِّرَ؟ فَقَالَ لَهُ
رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لَا تَقْرَبْهَا حَتَّى
تَفْعَلَ مَا أَمَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ» قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَوَجَبَ
الْوُقُوفُ عِنْدَ أَمْرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. قَالَ عَلِيٌّ:
وَهَذَا خَبَرٌ صَحِيحٌ مِنْ رِوَايَاتِ الثِّقَاتِ لَا يَضُرُّهُ إرْسَالُ مَنْ أَرْسَلَهُ.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَأَمَّا مَنْ شَرَعَ فِي الصَّوْمِ فَوَطِئَ قُبُلَ
الَّتِي ظَاهَرَ عَلَيْهَا لَيْلًا، قَبْلَ أَنْ يُتِمَّ الشَّهْرَيْنِ؟ فَإِنَّ
مَالِكًا قَالَ: يَبْتَدِئُ الشَّهْرَيْنِ مِنْ ذِي قَبْلٍ، وَقَالَ أَبُو
حَنِيفَةَ؛ وَالشَّافِعِيُّ: يُتِمُّهُمَا بَانِيًا عَلَى مَا صَامَ مِنْهُمَا.
وَهَذَا هُوَ صَحِيحٌ، إذْ إنَّمَا كَانَ الْوَاجِبُ أَنْ يَكُونَ الشَّهْرَانِ
يَتِمَّانِ قَبْلَ الْوَطْءِ فَإِذْ لَا سَبِيلَ إلَى ذَلِكَ بَعْدُ فَلَا يَكُونُ
مَا بَقِيَ مِنْهُمَا بَعْدَ الْوَطْءِ، وَمَا مَضَى مِنْهُمَا قَبْلَ الْوَطْءِ
خَيْرٌ مِنْ أَنْ يَقْصِدَ إلَى أَنْ يَكُونَا بِكَمَالِهِمَا بَعْدَ الْوَطْءِ.
وَأَمَّا ظِهَارُ الْعَبْدِ - فَفِيهِ اخْتِلَافٌ. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ
عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ فِي الْعَبْدِ
يُظَاهِرُ مِنْ امْرَأَتِهِ أَنَّهُ إنْ صَامَ شَهْرًا أَجْزَأَ عَنْهُ. وَمِنْ
طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ فِي عَبْدٍ ظَاهَرَ
مِنْ امْرَأَةٍ؟ قَالَ: يَنْتَظِرُ الصَّوْمَ، وَلَا ظِهَارَ لِعَبْدٍ دُونَ
سَيِّدِهِ. وَقَالَ آخَرُونَ -:
كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ
سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ يُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ
فِي الْعَبْدِ الْمَظَاهِرِ يَصُومُ شَهْرَيْنِ وَإِنْ أَذِنُوا لَهُ فِي الْعِتْقِ
جَازَ، وَلَهُ أَنْ يُطْعِمَ. وَقَدْ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ
عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ لَيْثِ بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي
تَكْفِيرِ الْعَبْدِ؟ قَالَ: لَيْسَ عَلَى الْعَبْدِ إلَّا الصَّوْمُ
وَالصَّلَاةُ. وَقَالَ طَاوُسٌ كَقَوْلِنَا - كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ
بْنِ مَنْصُورٍ نا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ قَالَ: قُلْت لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ
طَاوُسٍ: مَا كَانَ أَبُوك يَقُولُ فِي ظِهَارِ الْعَبْدِ؟ قَالَ: كَانَ يَقُولُ
عَلَيْهِ مِثْلُ كَفَّارَةِ الْحُرِّ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَمَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ:
يَصُومُ شَهْرَيْنِ وَلَا يَجْزِيهِ الْعِتْقُ. قَالَ عَلِيٌّ: لَمْ يَخُصَّ
اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ حُرًّا مِنْ عَبْدٍ {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا}[مريم: 64]
٢ مسالة ظاهر من
اجنبية ثم كرره ثم تزوجها 1891 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ ظَاهَرَ مِنْ أَجْنَبِيَّةٍ
ثُمَّ كَرَّرَهُ، ثُمَّ تَزَوَّجَهَا فَلَيْسَ عَلَيْهِ ظِهَارٌ، وَلَا
كَفَّارَةٌ. وَقَدْ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي هَذَا -: فَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ
عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ سُلَيْمٍ الزُّرَقِيِّ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ
مُحَمَّدٍ، قَالَ: جَعَلَ رَجُلٌ امْرَأَةً كَظَهْرِ أُمِّهِ إنْ تَزَوَّجَهَا؟
فَقَالَ لَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: إنْ تَزَوَّجْتهَا فَلَا تَقْرَبْهَا
حَتَّى تُكَفِّرَ. وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ، وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ،
وَالْحَسَنِ، وَعُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، صَحَّ ذَلِكَ عَنْهُمْ. وَهُوَ قَوْلُ
أَبِي حَنِيفَةَ، وَمَالِكٍ، وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، وَأَصْحَابِهِمْ، وَسُفْيَانَ
الثَّوْرِيِّ، وَإِسْحَاقَ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ كَمَا قُلْنَا: رُوِّينَا مِنْ
طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ
عَجْلَانَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ لَا يَرَى
الظِّهَارَ قَبْلَ النِّكَاحِ شَيْئًا، وَلَا يَرَى أَيْضًا الطَّلَاقَ قَبْلَ
النِّكَاحِ شَيْئًا - وَهَذَا فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَمِنْ
طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الْحَسَنِ، وَقَتَادَةَ، قَالَا
جَمِيعًا: إنْ ظَاهَرَ قَبْلَ أَنْ يَنْكِحَ فَلَيْسَ بِشَيْءٍ - وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ،
وَأَبِي سُلَيْمَانَ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:
{وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ}[المجادلة: 3] فَإِنَّمَا جَعَلَ الْكَفَّارَةَ عَلَى
مَنْ ظَاهَرَ مِنْ امْرَأَتِهِ، ثُمَّ عَادَ لِمَا قَالَ، وَلَمْ يَجْعَلْ
تَعَالَى ذَلِكَ عَلَى مَنْ ظَاهَرَ مِنْ غَيْرِ امْرَأَتِهِ. فَإِنْ قِيلَ:
فَإِنَّهُ إذَا تَزَوَّجَهَا فَهُوَ مُظَاهِرٌ مِنْهَا، وَهِيَ امْرَأَتُهُ؟
قُلْنَا: إنَّمَا الظِّهَارُ حِينَ النُّطْقِ بِهِ لَا بَعْدَ ذَلِكَ، وَمِنْ الْبَاطِلِ
أَنْ لَا يَلْزَمَ الْحُكْمُ لِلْقَوْلِ حِينَ يُقَالُ ثُمَّ يَلْزَمَ حِينَ لَا
يُقَالُ. وَمَنْ عَلَّقَ ظِهَارَهُ بِشَيْءٍ يَفْعَلُهُ مِثْلَ أَنْ يَقُولَ:
أَنْتِ كَظَهْرِ أُمِّي إنْ وَطَأْتُك، أَوْ قَالَ: إنْ كَلَّمْتِ زَيْدًا - وَكَرَّرَ
ذَلِكَ - فَلَيْسَ ظِهَارًا - فَعَلَ ذَلِكَ الشَّيْءَ أَوْ لَمْ يَفْعَلْهُ -
لِأَنَّهُ لَمْ يُمْضِ الظِّهَارَ وَلَا الْتَزَمَهُ حِينَ نَطَقَ بِهِ، وَكُلُّ
مَا لَمْ يَلْزَمْ حِينَ الْتِزَامِهِ لَمْ يَلْزَمْ فِي غَيْرِ حَالِ
الْتِزَامِهِ، إلَّا أَنْ يُوجِبَ ذَلِكَ نَصٌّ، وَلَا نَصَّ هَهُنَا.
٣ مسالة ظاهر
ثم كرر ثانية ثم ثالثة 1892 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ ظَاهَرَ ثُمَّ كَرَّرَ
ثَانِيَةً، ثُمَّ ثَالِثَةً، فَلَيْسَ عَلَيْهِ إلَّا كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ،
لِأَنَّ الثَّانِيَةَ بِهَا وَجَبَتْ الْكَفَّارَةُ كَمَا قَدَّمْنَا وَحَصَلَتْ
الثَّالِثَةُ مُنْفَرِدَةً لَا تُوجِبُ شَيْئًا، فَإِنْ كَرَّرَ رَابِعَةً
فَعَلَيْهِ كَفَّارَةٌ أُخْرَى، وَهَكَذَا الْقَوْلُ فِي كُلِّ مَا أَعَادَ مِنْ
الظِّهَارِ لِأَنَّ بِتَكْرَارِهِ ثَانِيَةً تَجِبُ الْكَفَّارَةُ وَتَلْزَمُ،
فَيَكُونُ فِيمَا بَعْدَهَا مُبْتَدِئًا لِلظِّهَارِ، فَإِنْ كَرَّرَهُ وَجَبَتْ
كَفَّارَةٌ أَيْضًا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَقَدْ جَاءَتْ فِي هَذَا
آثَارٌ -: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مُطَرِّفٍ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ
قَتَادَةَ عَنْ خِلَاسٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: إذَا ظَاهَرَ فِي
مَجْلِسٍ وَاحِدٍ مِرَارًا فَكَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ، وَإِنْ ظَاهَرَ فِي مَقَاعِدَ
شَتَّى فَعَلَيْهِ كَفَّارَاتٌ شَتَّى، وَالْإِيمَانُ كَذَلِكَ - وَهُوَ قَوْلُ
قَتَادَةَ، وَعَمْرِو بْنِ دِينَارٍ صَحَّ ذَلِكَ عَنْهُمَا. وَقَالَ آخَرُونَ:
لَيْسَ فِي كُلِّ ذَلِكَ إلَّا كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ. رُوِّينَا عَنْ طَاوُسٍ،
وَعَطَاءٍ، وَالشَّعْبِيِّ قَالُوا: إذَا ظَاهَرَ الرَّجُلُ مِنْ امْرَأَتِهِ خَمْسِينَ
مَرَّةً فَإِنَّمَا عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٍ. وَصَحَّ مِثْلُهُ عَنْ
الْحَسَنِ، وَعَطَاءٍ - وَهُوَ قَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: كَفَّارَةٌ
وَاحِدَةٌ، سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ أَوْ فِي مَجَالِسَ شَتَّى
مَا لَمْ يُكَفِّرْ، فَإِنْ كَفَّرَ ثُمَّ ظَاهَرَ فَكَفَّارَةٌ أُخْرَى.
رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ رَجُلٍ عَنْ
الْحَسَنِ قَالَ: إذَا ظَاهَرَ مِرَارًا وَإِنْ كَانَ فِي مَجَالِسَ شَتَّى -
فَكَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ مَا لَمْ يُكَفِّرْ، وَالْأَيْمَانُ كَذَلِكَ - قَالَ
مَعْمَرٌ: وَهُوَ قَوْلُ الزُّهْرِيِّ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهُوَ قَوْلُ
مَالِكٍ - وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إنْ كَانَ كَرَّرَ الظِّهَارَ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ
وَنَوَى التَّكْرَارَ فَكَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ
فَلِكُلِّ ظِهَارٍ كَفَّارَةٌ، وَسَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ أَوْ
فِي مَجَالِسَ شَتَّى. قَالَ عَلِيٌّ: لَا نَعْلَمُ هَذَا عَنْ أَحَدٍ قَبْلَ
أَبِي حَنِيفَةَ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ - وَهَذِهِ أَقْوَالٌ لَا
بُرْهَانَ عَلَى صِحَّتِهَا، لَا مِنْ قُرْآنٍ، وَلَا سُنَّةٍ، وَلَا مِنْ قِيَاسٍ
- وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
٤ مسالة من
لزمته كفارة الظهار لم يسقطها عنه موته ولا موتها 1893 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ
لَزِمَتْهُ كَفَّارَةُ الظِّهَارِ لَمْ يُسْقِطْهَا عَنْهُ مَوْتُهُ، وَلَا
مَوْتُهَا، وَلَا طَلَاقُهُ لَهَا، وَهِيَ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ إنْ مَاتَ -
أَوْصَى بِهَا أَوْ لَمْ يُوصِ - لِأَنَّهَا مِنْ دُيُونِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَهِيَ
مُقَدَّمَةٌ عَلَى دُيُونِ النَّاسِ.
٥ مسالة عجز
المظاهر عن جميع الكفارات 1894 - مَسْأَلَةٌ: فَمَنْ عَجَزَ عَنْ جَمِيعِ
الْكَفَّارَاتِ: فَحُكْمُهُ الْإِطْعَامُ أَبَدًا - أَيْسَرَ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْ
لَمْ يُوسِرْ، قَوِيَ عَلَى الصِّيَامِ أَوْ لَمْ يَقْوَ - وَذَلِكَ لِأَنَّهُ
إذَا عَجَزَ عَنْ الْعِتْقِ وَالصِّيَامِ فَقَدْ اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ الْإِطْعَامُ
بِنَصِّ الْقُرْآنِ، وَلَمْ يُعَوِّضْ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - مِنْهُ شَيْئًا
أَصْلًا، فَهُوَ حُكْمُ مَنْ عَجَزَ عَنْ الْعِتْقِ وَالصَّوْمِ، وَمَنْ عَجَزَ
عَنْ شَيْءٍ لَمْ يُوَقِّتْ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - لَهُ آخَرَ فَهُوَ لَازِمٌ أَبَدًا،
لِأَنَّ أَمْرَهُ تَعَالَى وَاجِبٌ لَا يُسْقِطُهُ شَيْءٌ. وَمَنْ كَانَ حِينَ
لُزُومِهِ كَفَّارَةُ ظِهَارٍ لَهُ قَادِرًا عَلَى عِتْقِ رَقَبَةٍ لَمْ يَجْزِهِ
غَيْرُهَا أَبَدًا، وَإِنْ افْتَقَرَ فَأَمْرُهُ إلَى اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ -
لِأَنَّ فَرْضَ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ بِالْعِتْقِ قَدْ اسْتَقَرَّ، فَلَا
يُحِيلُهُ شَيْءٌ. وَمَنْ كَانَ عَاجِزًا عَنْ الرَّقَبَةِ قَادِرًا عَلَى صَوْمِ
شَهْرَيْنِ مُتَّصِلَيْنِ، وَلَا يَحُولُ بَيْنَهُمَا رَمَضَانُ، وَلَا بِيَوْمٍ
لَا يَحِلُّ صِيَامُهُ، وَاتَّصَلَتْ قُوَّتُهُ كَذَلِكَ إلَى انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ
الْمَذْكُورَةِ فَلَمْ يَصُمْهَا، ثُمَّ عَجَزَ عَنْ الصَّوْمِ - إلَى أَنْ مَاتَ
- لَمْ يَجْزِهِ إطْعَامٌ وَلَا عِتْقٌ أَبَدًا، فَإِنْ صَحَّ صَامَهُمَا، وَإِنْ
مَاتَ صَامَهُمَا عَنْهُ وَلِيُّهُ، لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صِيَامٌ صَامَ عَنْهُ وَلِيُّهُ»
فَلَوْ لَمْ تَتَّصِلْ صِحَّتُهُ وَقُوَّتُهُ عَلَى الصِّيَامِ جَمِيعَ الْمُدَّةِ
الَّتِي ذَكَرْنَا، فَإِنَّ أَيْسَرَ فِي خِلَالِهَا فَالْعِتْقُ فَرْضُهُ
أَبَدًا، فَإِنْ لَمْ يُوسِرْ فَالْإِطْعَامُ فَرْضُهُ أَبَدًا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى
التَّوْفِيقُ.
٦ مسالة تزوج
امراة فلم يقدر على وطيها 1895 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً فَلَمْ يَقْدِرْ
عَلَى وَطْئِهَا - سَوَاءٌ كَانَ وَطِئَهَا مَرَّةً أَوْ مِرَارًا أَوْ لَمْ
يَطَأْهَا قَطُّ - فَلَا يَجُوزُ لِلْحَاكِمِ وَلَا لِغَيْرِهِ أَنْ يُفَرِّقَ
بَيْنَهُمَا أَصْلًا، وَلَا أَنْ يُؤَجِّلَ لَهُ أَجَلًا، وَهِيَ امْرَأَتُهُ -
إنْ شَاءَ طَلَّقَ وَإِنْ شَاءَ أَمْسَكَ. وَفِي هَذَا خِلَافٌ قَدِيمٌ وَحَدِيثٌ
-: وَرُوِّينَا عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ أَنَّهُ أَمَرَهُ بِفِرَاقِهَا دُونَ
تَوْقِيفٍ وَلَا تَأْجِيلٍ
- وَهُوَ مُنْقَطِعٌ: سُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ أَنَّ
عُثْمَانَ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي عُبَيْدٍ نا يَزِيدُ بْنُ عُيَيْنَةَ بْنِ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ حَضَرَ سَمُرَةُ بْنُ جُنْدُبٍ قَدْ
شَكَتْ إلَيْهِ امْرَأَةٌ أَنَّ زَوْجَهَا لَا يَصِلُ إلَيْهَا: فَكَتَبَ فِي
ذَلِكَ سَمُرَةُ إلَى مُعَاوِيَةَ، فَكَتَبَ إلَيْهِ مُعَاوِيَةُ: أَنْ
يُزَوِّجَهُ امْرَأَةً ذَاتَ جَمَالٍ وَدِينٍ وَيُدْخِلَهُ عَلَيْهَا، ثُمَّ
يَسْأَلَهَا؟ فَإِنْ ذَكَرَتْ أَنَّهُ لَا يَطَؤُهَا أَمَرَهُ بِفِرَاقِ الَّتِي
شَكَتْ بِهِ، فَفَعَلَ؟ فَحَكَتْ:
أَنَّهُ لَا يُجَامِعُ، فَأَمَرَهُ بِفِرَاقِهَا
وَقَوْلٌ ثَالِثٌ - صَحَّ مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ عَنْ الْمُغِيرَةِ عَنْ
إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، قَالَ فِي الْعِنِّينِ يُؤَجَّلُ، قُلْت: كَمْ
يُؤَجَّلُ؟ قَالَ: يُؤَجَّلُ، فَكُلَّمَا كَرَّرَ عَلَيْهِ: كَمْ يُؤَجَّلْ؟ لَمْ
يَزِدْهُ عَلَى: يُؤَجَّلُ وَقَوْلٌ رَابِعٌ - رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ
بْنِ مَهْدِيٍّ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ مِقْسَمٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ
أَنَّ الْحَارِثَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ أَجَّلَ رَجُلًا لَمْ
يَسْتَطِعْ أَنْ يَأْتِيَ امْرَأَتَهُ عَشْرَةَ أَشْهُرٍ وَقَوْلٌ خَامِسٌ -
رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ يَحْيَى
بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ
جَعَلَ لِلْعِنِّينِ أَجَلَ سَنَةٍ، وَأَعْطَاهَا صَدَاقَهَا وَافِيًا وَرُوِّينَا
عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ قَالَ: إنْ لَمْ يُصِبْهَا فِي السَّنَةِ
فُرِّقَ بَيْنَهُمَا - وَلَا يَصِحُّ عَنْ عُمَرَ هَذَا أَصْلًا، لِأَنَّهَا إمَّا
عَنْ ضُعَفَاءَ، وَإِمَّا مُنْقَطِعَةً وَمِنْ جُمْلَتِهَا - أَنَّ عُمَرَ بْنَ
الْخَطَّابِ، وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ قَضَيَا فِي الْعِنِّينِ: أَنْ
يَنْتَظِرَ بِهِ سَنَةً - ثُمَّ تَعْتَدَّ بَعْد السَّنَةِ عِدَّةَ
الْمُطَلَّقَةِ، وَهُوَ أَحَقُّ بِأَمْرِهَا فِي عِدَّتِهَا وَعَنْ ابْنِ
مَسْعُودٍ أَيْضًا - تُؤَجَّلُ سَنَةً، فَإِنْ وَصَلَ إلَيْهَا وَإِلَّا فُرِّقَ
بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ - وَلَا يَصِحُّ وَرُوِّينَا أَيْضًا - عَنْ الْمُغِيرَةِ
بْنِ شُعْبَةَ: أَنَّهُ يُؤَجَّلُ سَنَةً ثُمَّ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا، وَلَهَا
الصَّدَاقُ، وَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ - وَلَا يَصِحُّ ذَلِكَ وَعَنْ عَلِيٍّ
أَيْضًا - أَنَّهُ أَجَّلَهُ سَنَةً ثُمَّ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا - وَلَا يَصِحُّ
ذَلِكَ وَصَحَّ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ:
يُؤَجَّلُ سَنَةً، وَلَهَا الصَّدَاقُ كَامِلًا وَصَحَّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ
الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ يُؤَجَّلُ سَنَةً، فَإِنْ مَسَّهَا وَإِلَّا فَرَّقَ
بَيْنَهُمَا. وَرُوِيَ هَذَا عَنْ الْقُضَاةِ هَكَذَا جُمْلَةً، وَرَبِيعَةَ،
وَشُرَيْحٍ الْقَاضِي، وَعَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، وَحَمَّادِ بْنِ أَبِي
سُلَيْمَانَ وَهُوَ قَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ، وَاللَّيْثِ، وَالْحَسَنِ بْنِ حَيٍّ،
وَأَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَصْحَابِهِمْ ثُمَّ
اخْتَلَفُوا، فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: هَذَا إنْ صَدَقَهَا، وَأَمَّا إذَا
خَالَفَهَا، فَإِنْ كَانَتْ بِكْرًا نَظَرَ إلَيْهَا النِّسَاءُ، وَإِنْ كَانَتْ
ثَيِّبًا، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجِ، وَلَا يُؤَجَّلُ لَهَا، وَلَا يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا.
وَقَالَ الْمَالِكِيُّونَ: الْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ إنْ ادَّعَى أَنَّهُ
يَطَؤُهَا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: الْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجِ مَعَ يَمِينِهِ،
فَإِنْ نَكَلَ حَلَفَتْ هِيَ، وَفُرِّقَ بَيْنَهُمَا، وَإِنْ قَالَ النِّسَاءُ:
هِيَ بِكْرٌ حَلَفَتْ - مَعَ ذَلِكَ -
وَفُرِّقَ بَيْنَهُمَا، فَإِنْ نَكَلَتْ حَلَفَ هُوَ
وَبَقِيَتْ مَعَهُ ثُمَّ اخْتَلَفُوا: فَقَالَ هَؤُلَاءِ: إنْ كَانَ قَدْ
وَطِئَهَا - وَلَوْ مَرَّةً - فَلَا كَلَامَ لَهَا وَلَا يُؤَجَّلُ لَهَا وَقَالَ
أَبُو ثَوْرٍ: مَتَى عَنَّ عَنْهَا أُجِّلَ سَنَةً ثُمَّ فُرِّقَ بَيْنَهُمَا - وَإِنْ كَانَ
قَدْ وَطِئَهَا قَبْلَ ذَلِكَ وَرُوِيَ عَنْ طَائِفَةٍ مِثْلُ قَوْلِنَا -: كَمَا
رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ
الْأَنْصَارِيِّ: أَنَّ رَجُلًا زَوَّجَ ابْنَتَهُ مِنْ ابْنِ أَخٍ لَهُ وَكَانَ
عِنِّينًا، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: قَدْ آجَرَك اللَّهُ وَوَفَّرَ لَك ابْنَتَك
وَمِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ نا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ
السَّبِيعِيِّ، قَالَ: سَمِعْت هَانِئَ بْنَ هَانِئٍ قَالَ: رَأَيْت امْرَأَةً
جَاءَتْ إلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ فَقَالَتْ: هَلْ لَك فِي امْرَأَةٍ
لَيْسَتْ بِأَيِّمٍ وَلَا بِذَاتِ بَعْلٍ؟ قَالَ: وَجَاءَ زَوْجُهَا؟ فَقَالَ: لَا
تَسْأَلْ عَنْهَا إلَّا مَبِيتَهَا؟ فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ: أَلَا تَسْتَطِيعُ أَنْ
تَصْنَعَ شَيْئًا؟ قَالَ: لَا، قَالَ: وَلَا مِنْ السِّحْرِ قَالَ: لَا، قَالَ
لَهُ عَلِيٌّ: هَلَكَتْ وَأَهْلَكَتْ أَمَّا أَنَا فَلَسْت مُفَرِّقًا
بَيْنَكُمَا؟ اتَّقِي اللَّهَ وَاصْبِرِي وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ:
نا سُفْيَانُ نا أَبُو إِسْحَاقَ عَنْ هَانِئِ بْنِ هَانِئٍ قَالَ: كُنْت عِنْدَ
عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، فَقَامَتْ إلَيْهِ امْرَأَةٌ فَقَالَتْ: لَهُ: هَلْ
لَك إلَى امْرَأَةٍ وَلَا أَيِّمٍ وَلَا ذَاتِ بَعْلٍ؟ قَالَ: وَأَيْنَ زَوْجُك؟
فَقَالَتْ: هُوَ فِي الْقَوْمِ فَقَامَ شَيْخٌ يَجْنَحُ فَقَالَ: مَا تَقُولُ هَذِهِ الْمَرْأَةُ؟
قَالَ: سَلْهَا هَلْ تَنْقِمُ فِي مَطْعَمٍ أَوْ ثِيَابٍ؟ فَقَالَ عَلِيٌّ: فَمَا مِنْ
شَيْءٍ؟ قَالَ: لَا، قَالَ: وَلَا مِنْ السِّحْرِ؟ قَالَ: لَا، قَالَ: هَلَكَتْ
وَأَهْلَكَتْ؟ قَالَتْ فَرِّقْ بَيْنِي وَبَيْنَهُ؟ قَالَ اصْبِرِي، فَإِنَّ
اللَّهَ تَعَالَى لَوْ شَاءَ لَابْتَلَاك بِأَشَدَّ مِنْ ذَلِكَ وَمِنْ طَرِيقِ
أَبِي عُبَيْدٍ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ مَعْمَرِ بْنِ أَبِي
نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ: أَنَّهُ قَالَ فِي الرَّجُلِ يَتَزَوَّجُ الْمَرْأَةَ،
ثُمَّ يَعْرِضُ لَهُ الدَّاءُ؟ قَالَ: هِيَ امْرَأَتُهُ لَا تُنْزَعُ مِنْهُ وَرُوِيَ
عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ: أَنَّهَا امْرَأَتُهُ، لَا تُؤَجَّلُ لَهُ، وَلَا
يُؤَجَّلُ لَهَا، وَلَا يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا -،
وَبِهِ يَقُولُ أَبُو سُلَيْمَانَ، وَأَصْحَابُنَا؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: احْتَجَّ مَنْ
ذَهَبَ إلَى مِثْلِ قَوْلِ عُثْمَانَ: أَنَّهُ أَمَرَهُ بِفِرَاقِهَا دُونَ
تَوْقِيفٍ بِخَبَرٍ - رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد نا أَحْمَدُ بْنُ
صَالِحٍ نا عَبْدُ الرَّزَّاقِ نا ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي بَعْضُ بَنِي أَبِي
رَافِعٍ مَوْلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ
عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ «طَلَّقَ عَبْدُ يَزِيدَ أَبُو رُكَانَةَ وَإِخْوَتِهِ أُمَّ
رُكَانَةَ وَإِخْوَتِهِ، وَنَكَحَ امْرَأَةً مِنْ مُزَيْنَةَ، فَجَاءَتْ
النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَتْ: مَا يُغْنِي عَنِّي إلَّا
كَمَا تُغْنِي هَذِهِ الشَّعْرَةُ لِشَعْرَةٍ أَخَذَتْهَا مِنْ رَأْسِهَا؟ فَفَرِّقْ
بَيْنِي وَبَيْنَهُ؟ فَأَخَذَتْ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - حَمِيَّةٌ: فَذَكَرَ الْحَدِيثَ» وَفِيهِ: أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ - «قَالَ لَهُ: طَلِّقْهَا؟ فَفَعَلَ، قَالَ: رَاجِعْ امْرَأَتَكَ
أُمَّ رُكَانَةَ وَإِخْوَتِهِ؟ فَقَالَ: إنْ طَلَّقْتُهَا ثَلَاثًا يَا رَسُولَ
اللَّهِ، قَالَ: قَدْ عَلِمْتُ، أَرْجِعْهَا وَتَلَا {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ
إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ}[الطلاق: 1] »
وَاحْتَجُّوا بِفِعْلِ عُثْمَانَ، وَقَالُوا: إنَّمَا تَزَوَّجْته لِلْوَطْءِ،
فَإِذَا عَدِمَتْهُ فَهُوَ ضَرَرٌ بِهَا، وَالضَّرَرُ مَمْنُوعٌ - لَا حُجَّةَ لَهُمْ
غَيْرُ مَا ذَكَرْنَا؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: أَمَّا الْخَبَرُ فَضَعِيفٌ،
لِأَنَّهُ عَمَّنْ لَمْ يُسَمَّ، وَلَا عُرِفَ مِنْ بَنِي أَبِي رَافِعٍ - فَهُوَ
لَا يَصِحُّ، وَأَيْضًا فَإِنَّ عَبْدَ يَزِيدَ لَمْ تَكُنْ لَهُ قَطُّ
مُتَيَقَّنٌ، وَلَا إسْلَامٌ، وَإِنَّمَا الصُّحْبَةُ لِرُكَانَةَ ابْنِهِ
فَسَقَطَ التَّمْوِيهُ بِهِ وَأَمَّا فِعْلُ عُثْمَانَ؟ فَقَدْ قُلْنَا: إنَّهُ لَا
يَصِحُّ عَنْهُ، وَقَدْ جَاءَ عَنْ غَيْرِهِ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُمْ - خِلَافُ ذَلِكَ، فَلَيْسَ الِاحْتِجَاجُ بِبَعْضِهِمْ أَوْلَى مِنْ
الِاحْتِجَاجِ بِآخَرَ مِنْهُمْ وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: إنَّمَا نَكَحْته لِلْوَطْءِ
فَعَدَمُهُ ضَرَرٌ عَلَيْهَا؟ فَنَعَمْ، إنَّ الْمُمْتَنِعَ مِنْ ذَلِكَ - وَهُوَ قَادِرٌ
عَلَيْهِ - وَجَلٌّ فَوَاجِبٌ مَنْعُهُ مِنْ ذَلِكَ، وَأَمَّا الْعَاجِزُ - فَقَدْ
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا}[البقرة:
286] فَوَجَبَ أَنْ لَا يُكَلَّفَ الْعِنِّينُ مَا لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ وَأَمَّا
قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَمَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، فِي تَأْجِيلِ السَّنَةِ،
ثُمَّ التَّفْرِيقُ بَيْنَهُمَا، فَقَوْلٌ فَاسِدٌ، لَا دَلِيلَ عَلَى صِحَّتِهِ،
لَا مِنْ قُرْآنٍ، وَلَا مِنْ سُنَّةٍ صَحِيحَةٍ وَلَا سَقِيمَةٍ، وَلَا مِنْ
شَيْءٍ يَصِحُّ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ، وَلَا مِنْ قِيَاسٍ، وَلَا مِنْ رَأْيٍ
لَهُ وَجْهٌ يُعْقَلُ أَمَّا الرِّوَايَةُ عَنْ عُمَرَ فَلَا تَصِحُّ، لِأَنَّهَا
مُرْسَلَةٌ إمَّا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ عُمَرَ، وَلَا
سَمَاعَ لَهُ مِنْ عُمَرَ إلَّا نَعْيُهُ النُّعْمَانَ بْنَ مُقْرِنٍ وَعَنْ
الشَّعْبِيِّ، وَالْحَسَنِ عَنْ عُمَرَ
- وَلَمْ يُولَدْ الشَّعْبِيُّ إلَّا بَعْدَ مَوْتِ
عُمَرَ، وَلَا وُلِدَ الْحَسَنُ إلَّا لِعَامَيْنِ بَقِيَا مِنْ حَيَاةِ عُمَرَ
وَعَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ، وَعَطَاءٍ عَنْ عُمَرَ - وَلَمْ يُولَدْ إلَّا بَعْدَ
مَوْتِ عُمَرَ - وَعَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ - وَلَمْ يُولَدْ إلَّا بَعْدَ مَوْتِ
عُمَرَ بِنَحْوِ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً وَعَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ الْأَنْصَارِيِّ، وَهُوَ مَجْهُولٌ وَقَدْ رُوِّينَا عَنْ عُمَرَ مِنْ
طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نا هُشَيْمٌ أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَوْنٍ
عَنْ ابْنِ سِيرِينَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ
بَعَثَ رَجُلًا عَلَى السِّقَايَةِ فَتَزَوَّجَ امْرَأَةً - وَكَانَ عَقِيمًا -
فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: أَعْلَمْتهَا أَنَّك عَقِيمٌ؟ قَالَ: لَا، قَالَ:
فَانْطَلِقْ فَأَعْلِمْهَا ثُمَّ خَيِّرْهَا وَرُوِيَ أَيْضًا أَنَّهُ - رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ - أَجَّلَ مَجْنُونًا سَنَةً، فَإِنْ أَفَاقَ وَإِلَّا فَرَّقَ
بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ
- وَهُمْ يُخَالِفُونَ عُمَرَ فِي ذَلِكَ، فَمِنْ أَيْنَ
وَجَبَ تَقْلِيدُهُ فِي الْعِنِّينِ دُونَ الْعَقِيمِ وَالْمَجْنُونِ؟ وَأَمَّا
الرِّوَايَةُ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ فَإِنَّمَا جَاءَتْ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ
الْكَرِيمِ الْجَزَرِيِّ - وَلَمْ يُولَدْ إلَّا بَعْدَ مَوْتِ ابْنِ مَسْعُودٍ
أَوْ مِنْ طَرِيقِ حُصَيْنِ بْنِ قَبِيصَةَ وَهُوَ مَجْهُولٌ وَأَمَّا الرِّوَايَةُ
عَنْ عَلِيٍّ فَمِنْ طَرِيقِ يَزِيدَ بْنِ عِيَاضِ بْنِ جعدبة، وَهُوَ مَذْكُورٌ
بِالْكَذِبِ وَوَضَعَ الْحَدِيثَ وَمِنْ طَرِيقِ الْحَسَنِ بْنِ عُمَارَةَ وَهُوَ
مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ جُمْلَةً هَالِكٌ وَمِنْ طَرِيقِ الضَّحَّاكِ بْنِ مُزَاحِمٍ
وَهُوَ لَا شَيْءَ وَأَمَّا الرِّوَايَةُ عَنْ الصَّحَابَةِ جُمْلَةً فَمِنْ
طَرِيقِ شَرِيكٍ - وَهُوَ مُدَلِّسٌ - عَنْ جَابِرٍ الْجُعْفِيِّ - وَهُوَ
كَذَّابٌ مَشْهُورٌ بِذَلِكَ، فَاسِدُ الدِّينِ، يَقُولُ بِالرَّجْعَةِ وَأَمَّا
الرِّوَايَةُ عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ فَمِنْ طَرِيقِ أَبِي طَلْقٍ الْعَائِدِيِّ،
وَأَبِي النُّعْمَانِ - وَهُمَا مَجْهُولَانِ لَا يَدْرِيهِمَا أَحَدٌ وَعَنْ الْحَجَّاجِ
بْنِ أَرْطَاةَ - وَهُوَ سَاقِطٌ وَجِلٌ - عَنْ رَجُلٍ - لَا يُعْرَفُ اسْمُهُ
وَلَا يَدْرِي مَنْ هُوَ - عَنْ حَنْظَلَةَ بْنِ نُعَيْمٍ - وَهُوَ مَجْهُولٌ فَسَقَطَ
كُلُّ مَا تَعَلَّقُوا بِهِ ثُمَّ لَوْ صَحَّ كُلُّ ذَلِكَ لَكَانَ قَدْ رُوِيَ
عَنْ عُثْمَانَ، وَعَلِيٍّ، وَسَمُرَةَ وَمُعَاوِيَةَ: خِلَافُ ذَلِكَ، وَلَيْسَ بَعْضُهُمْ
أَوْلَى بِأَخْذِ قَوْلِهِ مِنْ بَعْضٍ وَأَيْضًا - فَإِنَّ فِي الرِّوَايَةَ عَنْ
عُمَرَ، وَابْنِ مَسْعُودٍ: أَنَّ عَلَيْهَا الْعِدَّةَ وَهُوَ أَمْلَكُ بِهَا مَا
دَامَتْ فِي عِدَّتِهَا وَهُمْ لَا يَقُولُونَ بِذَلِكَ وَأَيْضًا - فَلَيْسَ عَنْ
أَحَدٍ مِنْ الْمَذْكُورِينَ: أَنَّهُ إنْ وَطِئَهَا مَرَّةً وَاحِدَةً، فَلَا
كَلَامَ لَهَا وَلَا تَوْقِيفَ - وَصَحَّ أَنَّهُمْ مُخَالِفُونَ لِكُلِّ مَنْ رُوِيَ
عَنْهُ فِي ذَلِكَ كَلِمَةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَلَا
مُتَعَلِّقَ لَهُمْ بِضَرَرِ فَقْدِ الْجِمَاعِ، لِأَنَّهَا إذَا كَلَّفُوهَا
صَبْرَ سَنَةٍ، فَلَا فَرْقَ بَيْنَ صَبْرِ سَنَةٍ وَبَيْنَ صَبْرِ سَنَتَيْنِ،
وَهَكَذَا مَا زَادَ ثُمَّ أَشَدُّ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ: إنْ وَطِئَهَا مَرَّةً فِي
الدَّهْرِ فَلَا كَلَامَ لَهَا - وَالضَّرَرُ فِي ذَلِكَ أَشَدُّ مِنْهُ فِي
الَّتِي لَمْ يَطَأْهَا قَطُّ، مَنْ قَالَ غَيْرَ هَذَا فَقَدْ جَاهَرَ وَكَابَرَ
الضَّرُورَةَ وَالْحِسَّ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَبُرْهَانُ صِحَّةِ قَوْلِنَا -:
هُوَ أَنَّ كُلَّ نِكَاحٍ صَحَّ بِكَلِمَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى
بَشَرَتَهَا وَفَرْجَهَا عَلَى كُلِّ مَنْ سِوَاهُ، فَمَنْ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا
بِغَيْرِ قُرْآنٍ أَوْ سُنَّةٍ ثَابِتَةٍ فَقَدْ دَخَلَ فِي صِفَةِ الَّذِينَ
ذَمَّهُمْ اللَّهُ تَعَالَى بِقَوْلِهِ {فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا
يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ}[البقرة: 102] وَنَعُوذُ
بِاَللَّهِ مِنْ هَذَا وَقَدْ صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِثْلُ قَوْلِنَا -: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ
نا أَبُو الطَّاهِرِ، وَحَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى - وَاللَّفْظُ لَهُ - قَالَ:
أَنَا ابْنُ وَهْبٍ: أَخْبَرَنِي يُونُسُ - هُوَ ابْنُ يَزِيدَ - عَنْ
الزُّهْرِيِّ ني عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ: «أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَخْبَرَتْهُ: أَنَّ رِفَاعَةَ الْقُرَظِيَّ طَلَّقَ
امْرَأَتَهُ فَتَزَوَّجَتْ بَعْدَهُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الزُّبَيْرِ،
فَجَاءَتْ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَتْ: يَا
رَسُولَ اللَّهِ، إنَّهَا كَانَتْ تَحْتَ رِفَاعَةَ فَطَلَّقَهَا آخِرَ ثَلَاثِ
تَطْلِيقَاتٍ، فَتَزَوَّجَتْ بَعْدَهُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الزُّبَيْرِ،
وَإِنَّهُ وَاَللَّهِ مَا مَعَهُ إلَّا مِثْلُ هَذِهِ الْهُدْبَةِ - وَأَخَذَتْ
بِهُدْبَةٍ مِنْ جِلْبَابِهَا - فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ضَاحِكًا، وَقَالَ: لَعَلَّك تُرِيدِينَ أَنْ تَرْجِعِي إلَى
رِفَاعَةَ؟ لَا حَتَّى تَذُوقِي عُسَيْلَتَهُ وَيَذُوقَ عُسَيْلَتَكِ» وَذَكَرَ
الْحَدِيثَ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَهَذِهِ تَذْكُرُ: أَنَّ زَوْجَهَا لَمْ
يَطَأْهَا، وَأَنَّ إحْلِيلَهُ كَالْهُدْبَةِ، لَا يَنْتَشِرُ إلَيْهَا وَتَشْكُو
ذَلِكَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَتُرِيدُ
مُفَارَقَتَهُ؟ فَلَمْ يَشْكُهَا، وَلَا أَجَّلَ لَهَا شَيْئًا، وَلَا فَرَّقَ
بَيْنَهُمَا - وَفِي هَذَا كِفَايَةٌ لِمَنْ عَقَلَ فَاعْتَرَضَ بَعْضُ
الْمُخَالِفِينَ فِي هَذَا الْأَثَرِ الصَّحِيحِ بِآثَارٍ وَاهِيَةٍ -: أَحَدِهَا
- مِنْ طَرِيقِ ابْنِ نَافِعٍ عَنْ مَالِكٍ عَنْ الْمُسْتَوْرِدِ بْنِ رِفَاعَةَ
عَنْ الزُّبَيْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الزُّبَيْرِ «أَنَّ رِفَاعَةَ بْنَ
سَمَوْأَل طَلَّقَ امْرَأَتَهُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثَلَاثًا فَنَكَحَهَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الزُّبَيْرِ
فَاعْتَرَضَ عَنْهَا فَلَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يَغْشَاهَا، فَفَارَقَهَا، فَأَرَادَ
رِفَاعَةُ أَنْ يَنْكِحَهَا - وَهُوَ زَوْجُهَا الْأَوَّلُ - فَقَالَ النَّبِيُّ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
- لَا يَحِلُّ لَكِ حَتَّى تَذُوقِي عُسَيْلَتَهُ؟»
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا مُنْقَطِعٌ لَا حُجَّةَ فِيهِ، ثُمَّ عَنْ
الْمُسْتَوْرِدِ بْنِ رِفَاعَةَ عَنْ الزُّبَيْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ -
وَهُمَا مَجْهُولَانِ - وَهُوَ خَبَرٌ غَيْرُ مَعْرُوفٍ - عَنْ مَالِكٍ، ثُمَّ
لَوْ صَحَّ لَمَا كَانَ فِيهِ اعْتِرَاضٌ عَلَى الْخَبَرِ الَّذِي احْتَجَجْنَا بِهِ،
لِأَنَّنَا لَا نُنْكِرُ أَنْ يُطَلِّقَهَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ مُخْتَارًا،
فَبَطَلَ تَمْوِيهُهُمْ بِهِ جُمْلَةً وَالْخَبَرُ الثَّانِي - رَوَاهُ ابْنُ قَانِعٍ - رَاوِي كُلِّ
بَلِيَّةٍ - عَنْ يَحْيَى بْنِ مُحَمَّدِ الْبَخْتَرِيِّ - الَّذِي لَا يُعْرَفُ
مَنْ هُوَ - عَنْ هُدْبَةَ بْنِ خَالِدٍ عَنْ وُهَيْبٍ - عَنْ هِشَامِ بْنِ
عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ " أَنَّ امْرَأَةَ رِفَاعَةَ جَاءَتْ
إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَذَكَرَ الْحَدِيثَ، إلَى
قَوْلِهِ «فَلَا تَحِلِّينَ لَهُ حَتَّى يَذُوقَ عُسَيْلَتَكِ وَتَذُوقِي
عُسَيْلَتَهُ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّهُ قَدْ جَاءَنِي هِبَةً
وَاحِدَةً» وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا - مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي عَبْدُ
الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ
عَائِشَةَ بِحَدِيثِ امْرَأَةِ رِفَاعَةَ الْقُرَظِيِّ، فَذَكَرَتْ فِيهِ أَنَّهَا
قَالَتْ: فَإِنَّهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ جَاءَنِي هِبَةً "؟ قَالَ أَبُو
مُحَمَّدٍ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي الزِّنَادِ فِي غَايَةِ الضَّعْفِ،
ثُمَّ لَوْ صَحَّ كُلُّ هَذَا لَكَانَ لَا مُتَعَلِّقَ لَهُمْ فِيهِ، لِأَنَّهُ
لَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذَيْنِ الْخَبَرَيْنِ السَّاقِطَيْنِ " أَنَّ
رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: إنَّهُ إنَّمَا أَسْقَطَ
التَّأْجِيلَ، أَوْ التَّفْرِيقَ مِنْ أَجْلِ تِلْكَ الْهِبَةِ، وَلَا أَنَّ
عَائِشَةَ قَالَتْ ذَلِكَ " فَصَحَّ أَنَّهَا كَهَانَةٌ كَاذِبَةٌ عَلَى
رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِنَّمَا جَاءَ لَفْظُ الْهِبَةِ
صَحِيحًا فِي حَدِيثٍ -: رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ نا مُحَمَّدٌ نا
أَبُو مُعَاوِيَةَ - هُوَ الضَّرِيرُ - نا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ
عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ «طَلَّقَ رَجُلٌ امْرَأَتَهُ
فَتَزَوَّجَتْ زَوْجًا غَيْرَهُ فَطَلَّقَهَا، وَكَانَتْ مَعَهُ مِثْلَ
الْهُدْبَةِ، فَلَمْ تَصِلْ مِنْهُ إلَى شَيْءٍ تُرِيدُهُ، فَلَمْ تَلْبَثْ أَنْ
طَلَّقَهَا، فَأَتَتْ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ زَوْجِي طَلَّقَنِي، وَإِنِّي تَزَوَّجْت
زَوْجًا غَيْرَهُ فَدَخَلَ بِي وَلَمْ يَكُنْ مَعَهُ إلَّا مِثْلُ الْهُدْبَةِ، فَلَمْ
يَقْرَبْنِي إلَّا هِبَةً وَاحِدَةً، وَلَمْ يَصِلْ مِنِّي إلَى شَيْءٍ،
أَفَأَحِلُّ لِزَوْجِي الْأَوَّلِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
لَا تَحِلِّينَ لِزَوْجِك الْأَوَّلِ حَتَّى يَذُوقَ الْآخَرُ عُسَيْلَتَكِ
وَتَذُوقِي عُسَيْلَتَهُ» ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَنَحْنُ لَا نَمْنَعُ أَنْ
يُطَلِّقَهَا الْعِنِّينُ إنْ شَاءَ، إنَّمَا نَمْنَعُ وَنُنْكِرُ أَنْ يُفَرَّقَ
بَيْنَهُمَا عَلَى كُرْهٍ، أَوْ أَنْ يُؤَجَّلَ عَامًا، ثُمَّ يُفَرَّقَ
بَيْنَهُمَا، فَهَذَا هُوَ الْبَاطِلُ الَّذِي لَمْ يَصِحَّ قَطُّ عَنْ أَحَدٍ
مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، لَا، وَلَا جَاءَ قَطُّ فِي قُرْآنٍ،
وَلَا سُنَّةٍ، وَلَا فِي رِوَايَةٍ فَاسِدَةٍ، وَلَا أَوْجَبَهُ قِيَاسٌ، وَلَا
مَعْقُولٌ فَإِنْ قَالُوا: قَدْ أَمَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي الْإِيلَاءِ
بِالتَّوْقِيفِ ثُمَّ الْإِجْبَارِ عَلَى الْفَيْئَةِ أَوْ الطَّلَاقِ؟ قُلْنَا:
نَعَمْ، أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ، فَأَيْنَ السُّنَّةُ وَأَيْنَ التَّفْرِيقُ؟ ثُمَّ
أَنْتُمْ أَوَّلُ مَنْ لَا يَقِيسُ عَلَى الْمُؤْلِي مَنْ امْتَنَعَ مِنْ وَطْءِ
امْرَأَتِهِ عَامِدًا مِنْ غَيْرِ إيلَاءٍ بِيَمِينٍ فَلَا تُوقِفُونَهُ، وَلَا تُؤَجِّلُونَهُ
فَظَهَرَ فَسَادُ كُلِّ مَا تَعَلَّقُوا بِهِ، وَفَسَادُ قَوْلِهِمْ جُمْلَةً، وَقَدْ
ذَكَرْنَا مَنْ رُوِيَ عَنْهُ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -
وَالتَّابِعِينَ - وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ
٧. مسالة تزوج الرجل
بكرا وله زوجة اخرى أَحْكَامُ قَسْمِ الزَّوْجَاتِ 1896 - مَسْأَلَةٌ: وَإِذَا
تَزَوَّجَ الرَّجُلُ بِكْرًا حُرَّةً أَوْ أَمَةً مُسْلِمَةً أَوْ كِتَابِيَّةً،
وَلَهُ زَوْجَةٌ أُخْرَى حُرَّةٌ أَوْ أَمَةٌ فَعَلَيْهِ أَنْ يَخُصَّ الْبِكْرَ
بِمَبِيتِ سَبْعِ لَيَالٍ عِنْدَهَا، ثُمَّ يُقَسِّمَ فَيَعُودَ وَلَا
يُحَاسِبَهَا بِتِلْكَ السَّبْعِ، وَلَا بِشَيْءٍ مِنْهَا فَإِنْ تَزَوَّجَ
ثَيِّبًا حُرَّةً أَوْ أَمَةً وَعِنْدَهُ زَوْجَةٌ أُخْرَى حُرَّةٌ أَوْ أَمَةٌ -
مُسْلِمَةٌ أَوْ كِتَابِيَّةٌ - فَلَهُ أَنْ يَخُصَّهَا بِمَبِيتِ ثَلَاثِ
لَيَالٍ، ثُمَّ يُقَسِّمُ وَيَعْدِلُ، وَلَا يُحَاسِبُهَا بِتِلْكَ الثَّلَاثِ،
فَإِنْ زَادَ عَلَى الثَّلَاثِ أَقَامَ عِنْدَ غَيْرِهَا كَمَا أَقَامَ عِنْدَهَا سَوَاءً
سَوَاءً، وَيَسْقُطُ حُكْمُهَا فِي التَّفْضِيلِ وَلَا يَحِلُّ لَهُ فِي كُلِّ مَا
ذَكَرْنَا - كَانَتْ عِنْدَهُ زَوْجَةٌ غَيْرَهَا أَوْ لَمْ يَكُنْ - أَنْ
يَتَخَلَّفَ عَنْ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ فِي الْمَسْجِدِ، وَلَا عَنْ صَلَاةِ
الْجُمُعَةِ، فَإِنْ فَعَلَ فَهِيَ مَعْصِيَةٌ وَجُرْحَةٌ فِيهِ، كَسَائِرِ
النَّاسِ وَلَا فَرْقَ وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَخُصَّ امْرَأَةً مِنْ نِسَائِهِ
بِأَنْ تُسَافِرَ مَعَهُ إلَّا بِقُرْعَةٍ بُرْهَانُ ذَلِكَ -: مَا رُوِّينَاهُ
مِنْ طَرِيقِ الْبَزَّارِ نا مُحَمَّدُ بْنُ مَعْمَرٍ نا يَعْلَى بْنُ عُبَيْدٍ نا
مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
- جَعَلَ لِلْبِكْرِ سَبْعًا وَلِلثَّيِّبِ ثَلَاثًا» وَنَا أَحْمَدُ بْنُ قَاسِمٍ قَالَ:
أَخْبَرَنِي قَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ قَاسِمٍ نا جَدِّي قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ
نا أَبُو قِلَابَةَ - هُوَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ يَزِيدَ الرَّقَاشِيُّ - نا
أَبُو عَاصِمٍ - هُوَ الضَّحَّاكُ بْنُ مَخْلَدٍ - نا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ
أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ، وَخَالِدٍ الْحَذَّاءِ كِلَاهُمَا عَنْ أَبِي
قِلَابَةَ - هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدٍ الْجَرْمِيُّ - عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ
" أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إذَا
تَزَوَّجَ الْبِكْرَ أَقَامَ عِنْدَهَا سَبْعًا، وَإِذَا تَزَوَّجَ الثَّيِّبَ
أَقَامَ عِنْدَهَا ثَلَاثًا» وَقَدْ رُوِّينَاهُ بِأَنَّ أَنَسًا قَالَ: هِيَ
السُّنَّةُ - وَكُلُّ ذَلِكَ حَقٌّ، وَاَلَّذِي ذَكَرْنَا بَيَانٌ وَاضِحٌ فِي
إسْنَادِهِ وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ - هُوَ
الْقَعْنَبِيُّ - نا سُلَيْمَانُ - يَعْنِي ابْنَ بِلَالٍ - عَنْ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ بْنِ حُمَيْدٍ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ «أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ حِينَ
تَزَوَّجَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَدَخَلَ
عَلَيْهَا فَأَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ أَخَذَتْ بِثَوْبِهِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إنْ شِئْتُ زِدْتُكِ وَحَاسَبْتُكِ بِهِ لِلْبِكْرِ سَبْعٌ
وَلِلثَّيِّبِ ثَلَاثٌ» وَمِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي
بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي
بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ عَنْ أَبِيهِ «أَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ تَزَوَّجَ أُمَّ سَلَمَةَ
وَأَصْبَحَتْ عِنْدَهُ قَالَ لَهَا: لَيْسَ بِكِ عَلَى أَهْلِكِ هَوَانٌ، إنْ
شِئْتِ سَبَّعْتُ عِنْدَكِ، وَإِنْ شِئْتِ ثَلَّثْتُ ثُمَّ دُرْتُ؟ قَالَتْ: ثَلِّثْ»
وَرُوِّينَا هَذَا الْخَبَرَ بَيْنَ الْإِسْنَادِ مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ
شُعَيْبٍ نا يَعْقُوبُ بْنُ إبْرَاهِيمَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَا
جَمِيعًا: نا يَحْيَى - هُوَ ابْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ - عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ
حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ
- هُوَ ابْنُ مُحَمَّدِ بْنُ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ - عَنْ
عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ
هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ «عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا تَزَوَّجَهَا أَقَامَ عِنْدَهَا ثَلَاثًا، وَقَالَ:
لَيْسَ بِكِ عَلَى أَهْلِكِ هَوَانٌ، إنْ شِئْتِ سَبَّعْتُ لَكِ، وَإِنْ سَبَّعْتُ
لَكِ سَبَّعْتُ لِنِسَائِي» وَبِهِ يَقُولُ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ وَإِبْرَاهِيمُ
النَّخَعِيُّ، وَالشَّعْبِيُّ، وَمَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ بْنُ
حَنْبَلٍ، وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَأَبُو عُبَيْدٍ،
وَأَبُو سُلَيْمَانَ، وَجَمِيعُ أَصْحَابِهِمْ وَذَهَبَتْ طَائِفَةٌ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ
-: وَهُوَ أَنَّ لِلْبِكْرِ ثَلَاثَ لَيَالٍ، وَلِلثَّيِّبِ لَيْلَتَانِ -:
رُوِّينَا ذَلِكَ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ أَنَّهُ سَأَلَ
عَطَاءً عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ عَطَاءٌ: يُؤْثِرُونَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ
أَنَّهُ قَالَ: لِلْبِكْرِ ثَلَاثٌ، وَلِلثَّيِّبِ لَيْلَتَانِ وَمِنْ طَرِيقِ
عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ يُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ عَنْ
الْحَسَنِ قَالَ: لِلْبِكْرِ ثَلَاثٌ، وَلِلثَّيِّبِ لَيْلَتَانِ وَمِنْ طَرِيقِ
عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ:
يَمْكُثُ عِنْدَ الْبِكْرِ ثَلَاثًا ثُمَّ يُقَسِّمُ، وَعِنْدَ الثَّيِّبِ
يَوْمَيْنِ ثُمَّ يُقَسِّمُ وَهُوَ قَوْلُ خِلَاسِ بْنِ عَمْرٍو، وَسُفْيَانَ
الثَّوْرِيِّ، وَالْأَوْزَاعِيِّ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لَا يُقِيمُ عِنْدَ
ثَيِّبٍ وَلَا بِكْرٍ إلَّا مَا يُقِيمُ عِنْدَ غَيْرِهِمَا مِمَّنْ عِنْدَهُ -
وَهُوَ قَوْلُ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ، وَحَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ،
وَأَبِي حَنِيفَةَ، وَأَصْحَابِهِ وَاحْتَجَّ مَنْ ذَهَبَ إلَى قَوْلِ الْحَسَنِ،
وَابْنِ الْمُسَيِّبِ بِخَبَرٍ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ
جُرَيْجٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، وَمُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ قَالَا
جَمِيعًا: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
«لِلْبِكْرِ ثَلَاثٌ» ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا مُرْسَلٌ وَلَا حُجَّةَ
فِيهِ - فَسَقَطَ هَذَا الْقَوْلُ وَوَجَدْنَا مَنْ ذَهَبَ إلَى قَوْلِ أَبِي
حَنِيفَةَ يَحْتَجُّونَ بِمَا يَجِبُ مِنْ الْعَدْلِ بَيْنَ النِّسَاءِ
وَبِالْخَبَرِ الثَّابِتِ الَّذِي فِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ كَانَتْ لَهُ امْرَأَتَانِ فَمَالَ إلَى
إحْدَاهُمَا جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَشِقُّهُ مَائِلٌ» قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ:
الَّذِي قَالَ هَذَا الْقَوْلُ هُوَ الَّذِي حَكَمَ لِلْبِكْرِ بِسَبْعٍ
زَائِدَةٍ، وَلِلثَّيِّبِ بِثَلَاثٍ زَائِدَةٍ، وَلَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ
يَتْرُكَ قَوْلًا لَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِقَوْلٍ لَهُ آخَرَ مَا
دَامَ يُمْكِنُ اسْتِعْمَالُهَا جَمِيعًا، بِأَنْ يَضُمَّ بَعْضَهَا إلَى بَعْضٍ، أَوْ
بِأَنْ يَسْتَثْنِيَ بَعْضَهَا مِنْ بَعْضٍ، وَمَنْ تَعَدَّى هَذَا فَهُوَ عَاصٍ
لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَلِرَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
وَمِنْ عَجَائِبِ الدُّنْيَا أَنَّ الْحَنَفِيِّينَ الْمُخَالِفِينَ
بِأَهْوَائِهِمْ الْفَاسِدَةِ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - هَهُنَا يُوجِبُونَ فِي الْقِسْمَةِ لِلزَّوْجَةِ الْحُرَّةِ
لَيْلَتَيْنِ وَلِلزَّوْجَةِ الْأَمَةِ لَيْلَةً، وَهَذَا هُوَ الْمِيلُ حَقًّا،
وَالْجَوْرُ صِرَاحًا، لَا سِيَّمَا مَعَ قَوْلِهِمْ: إنَّ لِلْحُرَّةِ
الْيَهُودِيَّةِ وَالنَّصْرَانِيَّةِ لَيْلَتَيْنِ، وَلِلْأَمَةِ الْمُسْلِمَةِ
لَيْلَةً، وَلَا يَسْتَحْيُونَ مِنْ هَذَا التَّفْضِيلِ بِالْبَاطِلِ وَقَالَ
بَعْضُهُمْ: قَدْ جَاءَ فِي ذَلِكَ أَثَرٌ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهَذَا لَا يُعْرَفُ - ثُمَّ لَوْ صَحَّ
لَكَانَ لَا يَجُوزُ الْأَخْذُ بِهِ، لِأَنَّهُ مُرْسَلٌ وَعَجَبٌ آخَرُ - وَهُوَ أَنَّهُمْ
يُجِيزُونَ لِمَنْ لَهُ زَوْجَةٌ حُرَّةٌ مُسْلِمَةٌ، وَأَمَةٌ نَصْرَانِيَّةٌ،
أَنْ يُقَسِّمَ لِلْحُرَّةِ لَيْلَةً، وَلِلْمَمْلُوكَةِ الْيَهُودِيَّةِ ثَلَاثَ
لَيَالٍ، فَاعْجَبُوا لِهَذِهِ الْفَضَائِحِ. وَلَهُمْ هَهُنَا اعْتِرَاضَاتٌ
تَشْهَدُ بِقِلَّةِ حَيَاءِ الْمُعْتَرِضِ بِهَا، وَرِقَّةِ دِينِهِ
كَتَعَلُّقِهِمْ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «إنْ سَبَّعْتُ
لَكِ سَبَّعْتُ لِنِسَائِي» فَقَالُوا: هَذَا حَدِيثٌ يُوجِبُ التَّسْوِيَةَ، وَنَسُوا
أَنْفُسَهُمْ فِي قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي هَذَا
الْخَبَرِ نَفْسِهِ: «وَإِنْ شِئْتِ ثَلَّثْتُ وَدُرْتُ» فَاعْتَرَضُوا
بِعُقُولِهِمْ الرَّكِيكَةِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَلَّمُوهُ
الْعَدْلَ وَالْحِسَابَ وَقَالُوا: إنَّمَا كَانَ يَنْبَغِي لَوْ سَبَّعَ
عِنْدَهَا أَنْ يُحَاسِبَهَا بِالْأَرْبَعِ لَيَالٍ الزَّائِدَةِ عَلَى الثَّلَاثِ
الَّتِي هِيَ حَقُّهَا قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا مِنْ الْحُمْقِ وَرِقَّةِ
الدِّينِ فِي النِّهَايَةِ الْقُصْوَى، لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ حَقٌّ لِأَحَدٍ إلَّا
أَنْ يُوجِبَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَاَلَّذِي أَوْجَبَ لَهَا ثَلَاثَ لَيَالٍ أَلَمُّ بِهَا دُونَ
ضَرَّتِهَا، هُوَ الَّذِي أَسْقَطَهَا إنْ سَبَّعَ عِنْدَهَا - لَا يَعْتَرِضُ
عَلَيْهِ إلَّا كَافِرٌ - نَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الضَّلَالِ. قَالَ أَبُو
مُحَمَّدٍ: فَإِنْ قَالُوا: فَمَا قَوْلُكُمْ إنْ أَقَامَ عِنْدَ الثَّيِّبِ
أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثٍ وَأَقَلَّ مِنْ سَبْعٍ، أَوْ أَكْثَرَ مِنْ سَبْعٍ، أَوْ
أَقَامَ عِنْدَ الْبِكْرِ أَوْ الثَّيِّبِ أَكْثَرَ مِنْ سَبْعٍ - وَلَهَا
ضَرَّةٌ، أَوْ ضَرَائِرُ زَوْجَاتٌ؟ قُلْنَا: نَعَمْ، أَمَّا إنْ أَقَامَ عِنْدَ
الثَّيِّبِ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثٍ وَأَقَلَّ مِنْ سَبْعٍ، فَلَا يُحَاسِبُهَا
إلَّا بِمَا زَادَ عَلَى الثَّلَاثِ، وَأَمَّا إنْ أَقَامَ عِنْدَهَا أَوْ عِنْدَ
الْبِكْرِ أَكْثَرَ مِنْ سَبْعٍ، فَإِنَّهُ يُحَاسِبُ الثَّيِّبَ بِجَمِيعِ مَا أَقَامَ
عِنْدَهَا، وَيُوفِي ضَرَّتَهَا أَوْ ضَرَائِرَهَا مِثْلَ ذَلِكَ كُلِّهِ وَلَا
يُحَاسِبُ الْبِكْرَ إلَّا بِمَا زَادَ عَلَى السَّبْعِ فَقَطْ بُرْهَانُ ذَلِكَ
-: أَنَّ الثَّلَاثَ حَقُّ الثَّيِّبِ، وَالسَّبْعَ حَقُّ الْبِكْرِ، فَمَا زَادَ
عَلَى هَذَيْنِ فَهُوَ ظُلْمٌ يُحَاسِبُهَا بِهِ، وَلَا يَسْقُطُ حَقُّ الثَّيِّبِ
فِي أَنْ أَلَمَّ بِالثَّلَاثِ إلَّا حَيْثُ أَسْقَطَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ
عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَطْ، وَلَيْسَ
ذَلِكَ إلَّا أَنْ يُسَبِّعَ لَهَا وَزَادَ عَلَى السَّبْعِ، لِأَنَّ الزِّيَادَةَ
عَلَى السَّبْعِ تَسْبِيعٌ وَزِيَادَةٌ، وَقَدْ سَقَطَ حَقُّهَا فِي الثَّلَاثِ
بِالتَّسْبِيعِ، فَإِذَا سَقَطَ لَمْ يَعُدْ بِالزِّيَادَةِ عَلَى السَّبْعِ
وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَاحْتَجُّوا
لِقَوْلِهِمْ: يُقَسِّمُ لِلْحُرَّةِ لَيْلَتَيْنِ، وَلِلزَّوْجَةِ الْمَمْلُوكَةِ
لَيْلَةً بِرِوَايَةٍ رُوِّينَاهَا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نا
هُشَيْمٌ أرنا ابْنُ أَبِي لَيْلَى عَنْ الْمِنْهَالِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ ذَرٍّ -
أَوْ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَسَدِيِّ - عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ كَانَ
يَقُولُ: إذَا تَزَوَّجَ الْحُرَّةَ عَلَى الْأَمَةِ قَسَّمَ لِلْأَمَةِ الثُّلُثُ،
وَلِلْحُرَّةِ الثُّلُثَانِ وَهَذَا لَا يَصِحُّ، لِأَنَّ ابْنَ أَبِي لَيْلَى
سَيِّئُ الْحِفْظِ، وَالْمِنْهَالُ ضَعِيفٌ وَرُوِيَ عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ
مِقْسَمٍ أَنَّهُ قَالَ: لَمْ يَثْبُتْ لِلْمِنْهَالِ شَهَادَةٌ فِي الْإِسْلَامِ
وَلَكِنَّهُ صَحِيحٌ مِنْ قَوْلِ إبْرَاهِيمَ، وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ،
وَمَسْرُوقٍ، وَالشَّعْبِيِّ، وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَرُوِيَ عَنْ عَطَاءٍ،
وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَمُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ وَهُوَ
قَوْلُ عُثْمَانَ الْبَتِّيِّ، وَالشَّافِعِيِّ وَقَالَ مَالِكٌ، وَاللَّيْثُ،
وَأَبُو سُلَيْمَانَ: الْقَسَمُ بَيْنَهُمَا سَوَاءٌ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: لَا
حُجَّةَ فِي أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَدْ
تَوَعَّدَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَمَا أَوْرَدْنَا قَبْلُ عَلَى
الْمَيْلِ إلَى زَوْجَةٍ دُونَ أُخْرَى وَلَمْ يَخُصَّ حُرَّةً مِنْ أَمَةٍ وَلَا
مُسْلِمَةً مِنْ كِتَابِيَّةٍ وَاحْتَجُّوا مِنْ قِيَاسِهِمْ الْفَاسِدِ بِأَنْ
قَالُوا: لَمَّا كَانَتْ عِدَّةُ الْأَمَةِ نِصْفَ عِدَّةِ الْحُرَّةِ: وَجَبَ
أَنْ يَكُونَا فِي الْقَسَمِ كَذَلِكَ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا فِي غَايَةِ
الْفَسَادِ -: أَوَّلُ ذَلِكَ أَنَّنَا لَا نُوَافِقُهُمْ عَلَى أَنَّ عِدَّةَ
الْأَمَةِ نِصْفُ عِدَّةِ الْحُرَّةِ، ثُمَّ عَلَى قَوْلِهِمْ الْمُخْتَلِطِ لَا
يَخْتَلِفُونَ أَنَّ عِدَّةَ الْأَمَةِ الْحَامِلِ كَعِدَّةِ الْحُرَّةِ
الْحَامِلِ فَهَلَّا جَعَلُوا الْقِسْمَةَ لَهُمَا سَوَاءً؟ مِنْ أَجْلِ
تَسَاوِيهِمَا فِي الْعِدَّةِ الْمَذْكُورَةِ. وَيَقُولُونَ: إنَّ عِدَّةَ
الْأَمَةِ بِالْأَقْرَاءِ ثَلَاثًا عِدَّةَ الْحُرَّةِ، فَهَلَّا قَسَمُوا لَهَا الثُّلُثَيْنِ
مِنْ قَسَمِ الْحُرَّةِ لِمَا ذَكَرْنَا؟ وَلَا خِلَافَ فِي أَنَّ الْأَمَةَ لَا
تَرِثُ، وَأَنَّ الْحُرَّةَ تَرِثُ، فَهَلَّا جَعَلُوا الْأَمَةَ لَا قِسْمَةَ
لَهَا، كَمَا لَا مِيرَاثَ لَهَا، وَكَمَا لَا شَهَادَةَ لَهَا عِنْدَهُمْ،
وَلَكِنَّهُمْ فِي أَهْذَارِهِمْ مِثْلُ الْغَرِيقِ بِمَا أَحَسَّ تَعَلَّقَ.
وَاحْتَجُّوا فِي قَوْلِهِمْ الْفَاسِدِ: إنَّ لِلزَّوْجِ أَنْ يَقْسِمَ
لِلْحُرَّةِ لَيْلَةً، ثُمَّ يَبِيتَ ثَلَاثَ لَيَالٍ حَيْثُ شَاءَ، بِرِوَايَاتٍ
سَاقِطَةٍ عَنْ كَعْبِ بْنِ سَوَّارٍ: أَنَّهُ حَكَمَ بِذَلِكَ بِحَضْرَةِ عُمَرَ
بْنِ الْخَطَّابِ، فَأُعْجِبَ عُمَرُ بِذَلِكَ وَهَذَا لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا
رَوَاهُ عَنْ عُمَرَ: الشَّعْبِيُّ، وَقَتَادَةُ، وَأَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، وَكُلُّهُمْ لَمْ يُولَدْ إلَّا بَعْدَ مَوْتِ عُمَرَ -
ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَمَا كَانَ فِي أَحَدٍ حُجَّةٌ غَيْرَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَمَّا التَّخَلُّفُ عَنْ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ -
فَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي " كِتَابِ الصَّلَاةِ " مِنْ دِيوَانِنَا هَذَا وَغَيْرِهِ
إيجَابَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَلِكَ،
وَتَوَعُّدَهُ بِحَرْقِ بُيُوتِ الْمُتَخَلِّفِينَ عَنْهَا لِغَيْرِ عُذْرٍ وَقَدْ
تَزَوَّجَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَأَصْحَابُهُ فَمَا مِنْهُمْ
مِنْ أَحَدٍ تَخَلَّفَ فِي التَّسْبِيعِ وَالتَّثْلِيثِ عَنْ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ
وَالْجُمُعَةِ، وَإِنَّمَا هِيَ ضَلَالَةٌ أَحْدَثَهَا الشَّيْطَانُ. وَأَمَّا
السَّفَرُ بِامْرَأَةٍ مِنْ زَوْجَاتِهِ أَوْ بِامْرَأَتَيْنِ أَوْ بِثَلَاثٍ
فَلَا يَكُونُ إلَّا بِالْقُرْعَةِ لِأَنَّهُ ثَبَتَ ذَلِكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ
كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نا إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ - هُوَ ابْنُ
رَاهْوَيْهِ - عَنْ أَبِي نُعَيْمٍ الْفَضْلِ بْنِ دُكَيْنٍ نا عَبْدُ الْوَاحِدِ
بْنُ أَيْمَنَ حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ
عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا خَرَجَ أَقْرَعَ بَيْنَ نِسَائِهِ فَطَارَتْ
الْقُرْعَةُ عَلَى عَائِشَةَ، وَحَفْصَةَ، فَخَرَجَتَا مَعَهُ» قَالَ أَبُو
مُحَمَّدٍ: فَإِنْ خَرَجَ بِهَا كَمَا ذَكَرْنَا بِقُرْعَةٍ لَمْ يُحَاسِبْهُنَّ
بِلَيَالِيِهِنَّ مَعَهُ فِي السَّفَرِ، لِأَنَّهُ خَرَجَ بِهِنَّ بِحَقٍّ لَا
بِمَيْلٍ وَلَا بِحَيْفٍ، فَإِنْ خَرَجَ بِهَا بِغَيْرِ قُرْعَةٍ حَاسَبَهُنَّ بِتِلْكَ
اللَّيَالِي، وَلَزِمَهُ فَرْضًا أَنْ يُوفِيَ الَّتِي لَمْ يُسَافِرْ بِهَا
عَدَدَ تِلْكَ اللَّيَالِي وَهَذَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: وَمَالِكٌ وَأَصْحَابُهُمَا: يَخْرُجُ بِهَا بِغَيْرِ قُرْعَةٍ
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا بَاطِلٌ، لِأَنَّ الْعَدْلَ بَيْنَ الزَّوْجَاتِ
فَرْضٌ، كَمَا أَوْرَدْنَا، فَلَا يَجُوزُ تَخْصِيصُ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ إلَّا مَا
خَصَّهُ نَصٌّ، وَلَمْ يَخُصَّ النَّصُّ إلَّا السَّفَرَ بِالْقُرْعَةِ فَقَطْ،
فَمَا عَدَا ذَلِكَ فَهُوَ ظُلْمٌ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. فَإِنْ
قِيلَ: إنْ لَهُ أَنْ لَا يُسَافِرَ بِوَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ؟ قُلْنَا: نَعَمْ،
وَهُوَ عَدْلٌ بَيْنَهُنَّ فِي الْمَنْعِ، فَلَيْسَ بِذَلِكَ مَائِلًا إلَى
إحْدَاهُنَّ. وَأَمَّا إذَا سَافَرَ بِغَيْرِ قُرْعَةٍ بِوَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ،
فَقَدْ مَالَ إلَيْهَا، وَهَذَا ظُلْمٌ لَا يَحِلُّ -. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى
التَّوْفِيقُ
٨ مسالة لا
يجوز للرجل ان يقسم لام ولده ولا لامته مع زوجة 1897 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَجُوزُ لِلرَّجُلِ
أَنْ يَقْسِمَ لِأُمِّ وَلَدِهِ، وَلَا لِأَمَتِهِ مَعَ زَوْجَةٍ - إنْ كَانَتْ -
وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ وَبُرْهَانُهُ: قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {فَإِنْ
خِفْتُمْ أَلا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ}[النساء: 3] فَلَمْ يَجْعَلْ
لِمِلْكِ الْيَمِينِ حَقًّا يَجِبُ فِيهِ الْعَدْلُ، فَإِذْ لَا حَقَّ لَهُنَّ فِي
الْقِسْمَةِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُشَارِكَ فِي الْوَاجِبِ مَنْ لَا حَقَّ لَهُ
فِيهِ مَعَ مَنْ لَهُ فِيهِ حَقٌّ، فَلَوْ طَابَتْ نَفْسُ الزَّوْجَةِ بِذَلِكَ
فَلَهُ حِينَئِذٍ أَنْ يَقْسِمَ لِأَمَتِهِ، لِأَنَّهُ حَقُّ الزَّوْجَةِ طَابَتْ
بِتَرْكِهِ نَفْسًا، لَكِنْ لَهُ أَنْ يَطَأَ أَمَتَهُ مَتَى شَاءَ كَمَا فَعَلَ - عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِمَارِيَةَ فِي يَوْمٍ أَيَّ نِسَائِهِ شَاءَ دُونَ
قِسْمَةٍ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ
٩ مسالة حد
القسمة للزوجات 1898 - مَسْأَلَةٌ: وَحَدُّ الْقِسْمَةِ لِلزَّوْجَاتِ: مِنْ
لَيْلَةٍ فَمَا زَادَ إلَى سَبْعٍ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ، وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ
يَزِيدَ عَلَى سَبْعٍ وَقَالَ قَوْمٌ: لَا يَزِيدُ عَلَى ثَلَاثٍ لِكُلِّ
وَاحِدَةٍ وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لَا يَزِيدُ عَلَى لَيْلَةٍ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ -:
رُوِّينَا ذَلِكَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْذِرِ النَّيْسَابُورِيِّ: نَا
بِذَلِكَ عَنْهُ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْجَسُورِ عَنْ مُنْذِرِ بْنِ
سَعِيدٍ الْقَاضِي عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ بْنِ الْمُنْذِرِ قَالَ أَبُو
مُحَمَّدٍ: بُرْهَانُ صِحَّةِ قَوْلِنَا -: مَا ذَكَرْنَاهُ فِي الْبَابِ الَّذِي قَبْلَ
هَذَا مِنْ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأُمِّ
سَلَمَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: «إنْ سَبَّعْتُ لَكِ سَبَّعْتُ لِنِسَائِي»
فَصَحَّ أَنَّ لِلزَّوْجِ أَنْ يُسَبِّعَ وَمَا دُونَ السَّبْعِ جَائِزٌ بِجَوَازِ
السَّبْعِ، لِأَنَّهُ بَعْضُ السَّبْعِ، وَأَمَّا الزِّيَادَةُ عَلَى السَّبْعِ
فَمَمْنُوعٌ لِمَا ذَكَرْنَا قَبْلُ مِنْ وُجُوبِ الْعَدْلِ بَيْنَهُنَّ فَلَوْ
جَازَ أَكْثَرُ مِنْ سَبْعٍ لَكَانَ لَهُ أَنْ يَبِيتَ عِنْدَ الْوَاحِدَةِ مَا شَاءَ
- وَلَوْ أَعْوَامًا - وَيَقُولُ: سَأَقْسِمُ لِلْأُخْرَى مِثْلَ ذَلِكَ - وَهَذَا
بَاطِلٌ وَظُلْمٌ. فَصَحَّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ مِنْ عَدَدِ اللَّيَالِي إلَّا مَا
أَجَازَهُ النَّصُّ فَقَطْ، وَلَوْلَا هَذَا الْأَثَرُ مَا أَجَزْنَا أَكْثَرَ
مِنْ لَيْلَةٍ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَلَيْلَةً أَحَبُّ
إلَيْنَا، لِأَنَّهُ كَذَلِكَ جَاءَتْ الْآثَارُ الثَّابِتَةُ مِنْ قَسْمِ رَسُولِ
اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ -
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُنَّ
١٠ مسالة وهبت
المراة ليلتها لضرتها 1899
- مَسْأَلَةٌ: وَإِنْ وَهَبَتْ الْمَرْأَةُ لَيْلَتَهَا
لِضَرَّتِهَا جَازَ ذَلِكَ، فَإِنْ بَدَا لَهَا فَرَجَعَتْ فِي ذَلِكَ، فَلَهَا
ذَلِكَ بُرْهَانُ ذَلِكَ -: مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ نا
إِسْحَاقُ - هُوَ ابْنُ رَاهْوَيْهِ - أَنَا جَرِيرٌ - هُوَ ابْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ
- عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ:
«أَنَّ سَوْدَةَ بِنْتَ زَمْعَةَ لَمَّا كَبِرَتْ قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ،
جَعَلْتُ يَوْمِي مِنْكَ لِعَائِشَةَ؟ فَكَانَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ
- يَقْسِمُ لِعَائِشَةَ يَوْمَيْنِ، يَوْمَهَا وَيَوْمَ سَوْدَةَ» وَقَدْ صَحَّ
«أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - اسْتَأْذَنَ نِسَاءَهُ فِي مَرَضِهِ - الَّذِي مَاتَ
فِيهِ - أَنْ يَمْرَضَ فِي بَيْتِ عَائِشَةَ؟ فَأَذِنَّ لَهُ فِي ذَلِكَ» وَأَمَّا
قَوْلُنَا: إنَّ لَهَا الرُّجُوعَ فِي ذَلِكَ، فَلِأَنَّ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ غَيْرُ
الْيَوْمِ الَّذِي قَبْلَهُ بِلَا شَكٍّ، وَلَا تَجُوزُ هِبَةُ مَجْهُولٍ،
فَإِنَّمَا هُوَ إبَاحَةُ حَادِثَةٍ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ إذَا جَاءَ، فَلَهَا
أَنْ لَا تُحْدِثَ تِلْكَ الْإِبَاحَةَ وَأَنْ تَتَمَسَّكَ بِحَقِّهَا الَّذِي
جَعَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَهَا - وَبِهِ جَلَّ وَعَزَّ نَتَأَيَّدُ
١١ مسالة
للرجل ان يطا جميع زوجاته وامائه في فور واحد أَحْكَامُ الْوَطْءِ وَآدَابُهُ 1900
- مَسْأَلَةٌ: وَجَائِزٌ لِلرَّجُلِ أَنْ يَطَأَ جَمِيعَ زَوْجَاتِهِ وَإِمَائِهِ
فِي فَوْرٍ وَاحِدٍ، فَإِنْ تَطَهَّرَ بَيْنَ كُلِّ اثْنَتَيْنِ فَهُوَ أَحْسَنُ،
وَإِنْ لَمْ يَغْتَسِلْ إلَّا فِي آخِرِهِنَّ فَحَسَنٌ، لَا كَرَاهَةَ فِي ذَلِكَ
رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ مَنْصُورٍ نا سُفْيَانُ
- هُوَ ابْنُ عُيَيْنَةَ - عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ ثَابِتٍ الْبَنَانِيّ عَنْ أَنَسِ بْنِ
مَالِكٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: كَانَ يَطُوفُ
عَلَى نِسَائِهِ فِي اللَّيْلَةِ الْوَاحِدَةِ ثُمَّ يَغْتَسِلُ مَرَّةً» . قَالَ
أَبُو مُحَمَّدٍ: الْإِمَاءُ مِنْ نِسَاءِ الرَّجُلِ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ
وَجَلَّ: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى
نِسَائِكُمْ}[البقرة: 187] . أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْجَسُورِ
نا وَهْبُ بْنُ مُسِرَّة نا مُحَمَّدُ بْنُ وَضَّاحٍ نا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي
شَيْبَةَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ بْنِ فُلَانِ بْنِ أَبِي رَافِعٍ عَنْ عَمَّتِهِ سَلْمَى بِنْتِ أَبِي
رَافِعٍ عَنْ أَبِي رَافِعٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
- طَافَ عَلَى نِسَائِهِ فِي لَيْلَةٍ وَاحِدَةٍ فَاغْتَسَلَ عِنْدَ كُلِّ
امْرَأَةٍ مِنْهُنَّ غُسْلًا، قَالَ فَقُلْت لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَوْ
اغْتَسَلْت غُسْلًا وَاحِدًا؟ قَالَ: هَذَا أَطْهُرُ وَأَطْيَبُ» ، أَوْ قَالَ:
وَأَنْظَفُ ". قَالَ عَلِيٌّ: وَلَوْ لَمْ يَأْتِ هَذَا الْخَبَرُ لَكَانَ
الْغُسْلُ بَيْنَ كُلِّ اثْنَتَيْنِ مِنْهُنَّ حَسَنًا، لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ
عَنْ ذَلِكَ نَهْيٌ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
٩:٤٤ ص
١٢ مسالة الوطء
في الدبر 1901 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَحِلُّ الْوَطْءُ فِي الدُّبُرِ أَصْلًا، لَا
فِي امْرَأَةٍ وَلَا فِي غَيْرِهَا - أَمَّا مَا عَدَا النِّسَاءَ، فَإِجْمَاعٌ
مُتَيَقَّنٌ. وَأَمَّا فِي النِّسَاءِ فَفِيهِ اخْتِلَافٌ - اُخْتُلِفَ فِيهِ عَنْ
ابْنِ عُمُرَ، وَعَنْ نَافِعٍ كَمَا رَوَيْنَا مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ
شُعَيْبٍ أرنا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُد نا أُصْبَغُ بْنُ
الْفَرَجِ ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ، قَالَ: قُلْت لِمَالِكٍ:
إنَّ عِنْدنَا بِمِصْرَ اللَّيْثَ بْنَ سَعْدٍ يُحَدِّثُ عَنْ الْحَارِثِ بْنِ
يَعْقُوبَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ يَسَارٍ قَالَ: قُلْت لَابْنِ عُمُرَ: إنَّا
نَشْتَرِي الْجَوَارِيَ فَنُحَمِّضُ لَهُنَّ، قَالَ: وَمَا التَّحْمِيضُ؟ قَالَ: نَأْتِيهِنَّ فِي
أَدْبَارِهِنَّ؟ قَالَ ابْنُ عُمُرَ: أُفٍّ أُفٍّ أُفٍّ، أَوَ يَعْمَلُ هَذَا
مُسْلِمٌ؟ فَقَالَ لِي مَالِكٌ: فَأَشْهَدُ عَلَى رَبِيعَةَ لَحَدَّثَنِي عَنْ
سَعِيدِ بْنِ يَسَارٍ أَنَّهُ سَأَلَ ابْنَ عُمُرَ فَقَالَ: لَا بَأْسَ بِهِ.
وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَخْبَرَنِي عَلِيُّ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ
مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُفَيْلٍ نا سَعِيدُ بْنُ عِيسَى
حَدَّثَنِي الْمُفَضَّلُ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ كَعْبِ بْنِ عَلْقَمَةَ
عَنْ أَبِي النَّضْرِ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ: أَنَّهُ قَالَ لِنَافِعٍ مَوْلَى ابْنِ
عُمُرَ: قَدْ أَكْثَرَ عَلَيْك الْقَوْلَ أَنَّك تَقُولُ عَنْ ابْنِ عُمُرَ
أَنَّهُ أَفَتَى بِأَنَّ تُؤْتَى النِّسَاءُ فِي أَدْبَارِهِنَّ؟ فَقَالَ نَافِعٌ:
لَقَدْ كَذَبُوا عَلَيَّ - وَذَكَرُوا فِي ذَلِكَ أَحَادِيثَ لَوْ صَحَّتْ
لَجَاءَنَا مَا يَنْسَخُهَا - عَلَى مَا نَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّه عَزَّ وَجَلّ
- وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا
حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ}[البقرة: 223] . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا لَا
حَجَّةَ لَهُمْ فِيهِ لِأَنَّ " أَنَّى " فِي لُغَةِ الْعَرَبِ الَّتِي
نَزَلَ بِهَا الْقُرْآنُ إنَّمَا هِيَ بِمَعْنَى " مِنْ أَيْنَ " لَا
بِمَعْنَى: أَيْنَ، فَإِذْ ذَلِكَ كَذَلِكَ - فَإِنَّمَا مَعْنَاهُ مِنْ أَيْنَ شِئْتُمْ
" قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلّ: {يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا}[آل عمران:
37] بِمَعْنَى: مِنْ أَيْنَ لَك هَذَا وَقَالُوا: لَوْ حُرِّمَ مِنْ الْمَرْأَةِ
شَيْءٌ لَحُرِّمَ جَمِيعُهَا؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا كَمَا قَالُوا لَوْ
لَمْ يَأْتِ نَصٌّ بِتَحْرِيمِهِ وَقَالُوا: وَطْءُ الْمَجْمُوعَةِ جَائِزٌ
وَرُبَّمَا مَالَ الذَّكَرُ إلَى الدُّبُرِ؟ قَالَ عَلِيٌّ: إذَا لَمْ يَتَمَكَّنْ
مِنْ وَطْءِ الْمَجْمُوعَةِ إلَّا بِالْإِيلَاجِ فِي الدُّبُرِ فَوَطْؤُهَا
حَرَامٌ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَنَظَرْنَا فِي ذَلِكَ؟ فَوَجَدْنَا مَا حَدَّثَنَاهُ
أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْجَسُورِ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ، قَالَ
أَحْمَدُ: نَا وَهْبُ بْنُ مَسَرَّةَ نا ابْنُ وَضَّاحٍ نا أَبُو بَكْرِ بْنُ
أَبِي شَيْبَةَ؛ وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: نا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ نا أَحْمَدُ
بْنُ شُعَيْبٍ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ أَبُو سَعِيدٍ الْأَشَجُّ، ثُمَّ اتَّفَقَ
الْأَشَجُّ، وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، قَالَا جَمِيعًا: نا أَبُو خَالِدٍ
الْأَحْمَرُ عَنْ الضَّحَّاكِ بْنِ عُثْمَانَ عَنْ مَخْرَمَةَ بْنِ سُلَيْمَانَ
عَنْ كُرَيْبٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا يَنْظُرُ اللَّهُ إلَى رَجُلٍ أَتَى رَجُلًا أَوْ
امْرَأَةً فِي دُبُرٍ» هَذَا لَفْظُ وَرِوَايَةُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَبِيعٍ،
وَرِوَايَةُ أَحْمَدَ " فِي دُبُرِهَا " لَمْ يَخْتَلِفَا فِي غَيْرِ
ذَلِكَ وَبِهِ إلَى أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَنْصُورٍ نا
سُفْيَانُ - هُوَ الثَّوْرِيُّ - حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
أُسَامَةَ بْنِ الْهَادِ عَنْ عُمَارَةَ بْنِ خُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ
أَبِيهِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إنَّ
اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِ مِنْ الْحَقِّ، لَا تَأْتُوا النِّسَاءَ فِي
أَدْبَارِهِنَّ» قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَانِ خَبَرَانِ صَحِيحَانِ تَقُومُ
الْحُجَّةُ بِهِمَا، وَلَوْ صَحَّ خَبَرٌ فِي إبَاحَةِ ذَلِكَ لَكَانَ هَذَانِ
نَاسِخَيْنِ لَهُ، لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ مُبَاحٌ حَتَّى يَأْتِيَ تَحْرِيمُهُ،
فَهَذَانِ الْخَبَرَانِ وَرَدَا بِمَا فَصَّلَ اللَّهُ تَحْرِيمَهُ لَنَا وَقَدْ
جَاءَ تَحْرِيمُ ذَلِكَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ،
وَأَبِي الدَّرْدَاءِ وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَأَبِي
سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، وَطَاوُسٍ، وَمُجَاهِدٍ وَهُوَ
قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيِّ، وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَغَيْرِهِمْ
وَمَا رَوَيْت إبَاحَةَ ذَلِكَ عَنْ أَحَدٍ إلَّا عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَحْدَهُ بِاخْتِلَافٍ
عَنْهُ، وَعَنْ نَافِعٍ بِاخْتِلَافٍ عَنْهُ، وَعَنْ مَالِكٍ بِاخْتِلَافٍ عَنْهُ
فَقَطْ. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ
١٣ مسالة لا
يحل لاحد ان يطا امراة حبلى من غيره 1902 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ
أَنْ يَطَأَ امْرَأَةً حُبْلَى مِنْ غَيْرِهِ، فَإِنْ فَعَلَ أُدِّبَ، فَإِنْ
كَانَتْ أَمَةً لَهُ أَعْتَقَ عَلَيْهِ مَا وَلَدَتْ مِنْ ذَلِكَ الْحَمْلِ وَلَا
بُدَّ - وَلَا تَعْتِقُ هِيَ بِذَلِكَ بُرْهَانُ ذَلِكَ -: مَا رُوِّينَا مِنْ
طَرِيقِ مُسْلِمٍ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى نا مُحَمَّدُ بْنُ
جَعْفَرٍ غُنْدَرُ نا شُعْبَةُ عَنْ يَزِيدَ بْنِ حُمَيْدٍ قَالَ: سَمِعْت عَبْدَ الرَّحْمَنِ
بْنَ جُبَيْرٍ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِيهِ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ عَنْ أَبِي
الدَّرْدَاءِ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أُتِيَ
بِامْرَأَةٍ مُجِحٍّ عَلَى بَابِ فُسْطَاطٍ فَقَالَ لَهُ: يُرِيدُ أَنْ يُلِمَّ
بِهَا؟ فَقَالُوا: نَعَمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ -: لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ أَلْعَنَهُ لَعْنًا يَدْخُلُ مَعَهُ قَبْرَهُ،
كَيْفَ يُوَرِّثُهُ وَهُوَ لَا يَحِلُّ لَهُ؟ كَيْفَ يَسْتَخْدِمُهُ وَهُوَ لَا
يَحِلُّ لَهُ؟» قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: لَا يَصِحُّ فِي تَحْرِيمِ وَطْءِ
الْحَامِلِ خَبَرٌ غَيْرَ هَذَا، فَإِذَا لَمْ يَحِلَّ لَهُ فَقَدْ حُرِّمَ
عَلَيْهِ مِلْكُهُ، وَإِذْ حُرِّمَ عَلَيْهِ مِلْكُهُ، فَهُوَ حَرَامٌ، إذْ لَيْسَ
إلَّا مَمْلُوكٌ أَوْ حُرٌّ. وَأَمَّا تَأْدِيبُ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَلِأَنَّهُ
أَتَى مُنْكَرًا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ
١٤ مسالة لا
يحل العزل عن حرة ولا عن امة أَحْكَامُ الْعَزْل 1903 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَحِلُّ الْعَزْلُ
عَنْ حُرَّةٍ وَلَا عَنْ أَمَةٍ بُرْهَانُ ذَلِكَ -: مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ
مُسْلِمٍ نا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ نا الْمَقْبُرِيُّ - هُوَ عَبْدُ
اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ - نا سَعِيدُ بْنُ أَبِي أَيُّوبَ حَدَّثَنِي أَبُو
الْأَسْوَدِ - هُوَ يَتِيمُ عُرْوَةَ - عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ
عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ عَنْ جُدَامَةَ بِنْتِ وَهْبٍ أُخْتِ عُكَاشَةَ قَالَتْ
«حَضَرْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي أُنَاسٍ
فَسَأَلُوهُ عَنْ الْعَزْلِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ -: ذَلِكَ الْوَأْدُ الْخَفِيُّ، وَقَرَأَ: {وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ
سُئِلَتْ}[التكوير: 8] » قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا خَبَرٌ فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ
وَاحْتَجَّ مَنْ أَبَاحَ الْعَزْلَ بِخَبَرِ أَبِي سَعِيدٍ الَّذِي فِيهِ «لَا
عَلَيْكُمْ أَنْ لَا تَفْعَلُوا» قَالَ عَلِيٌّ: هَذَا خَبَرٌ إلَى النَّهْيِ
أَقْرَبُ، وَكَذَلِكَ قَالَ ابْنُ سِيرِينَ - وَاحْتَجُّوا بِتَكْذِيبِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَوْلَ يَهُودَ: هُوَ الْمَوْءُودَةُ الصُّغْرَى
وَبِأَخْبَارٍ أُخَرَ لَا تَصِحُّ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: يُعَارِضُهَا خَبَرُ جُدَامَةَ الَّذِي
أَوْرَدْنَا، وَقَدْ عَلِمْنَا بِيَقِينٍ أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ فَأَصْلُهُ
الْإِبَاحَةُ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ
جَمِيعًا}[البقرة: 29] وَعَلَى هَذَا كَانَ كُلُّ شَيْءٍ حَلَالًا حَتَّى نَزَلَ
التَّحْرِيمُ قَالَ تَعَالَى: {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ
عَلَيْكُمْ}[الأنعام: 119] فَصَحَّ أَنَّ خَبَرَ جُدَامَةَ بِالتَّحْرِيمِ هُوَ
النَّاسِخُ لِجَمِيعِ الْإِبَاحَاتِ الْمُتَقَدِّمَةِ الَّتِي لَا شَكَّ فِي
أَنَّهَا قَبْلَ الْبَعْثِ وَبَعْدَ الْبَعْثِ، وَهَذَا أَمْرٌ مُتَيَقَّنٌ، لِأَنَّهُ
أَخْبَرَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنَّهُ الْوَأْدُ الْخَفِيُّ،
وَالْوَأْدُ مُحَرَّمٌ، فَقَدْ نَسَخَ الْإِبَاحَةَ الْمُتَقَدِّمَةَ بِيَقِينٍ.
فَمَنْ ادَّعَى أَنَّ تِلْكَ الْإِبَاحَةَ الْمَنْسُوخَةَ قَدْ عَادَتْ، وَأَنَّ
النَّسْخَ الْمُتَيَقَّنَ قَدْ بَطَلَ فَقَدْ ادَّعَى الْبَاطِلَ، وَقَفَا مَا لَا
عِلْمَ لَهُ بِهِ، وَأَتَى بِمَا لَا دَلِيلَ لَهُ عَلَيْهِ، قَالَ تَعَالَى:
{قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ}[البقرة: 111] وَقَدْ
جَاءَتْ الْإِبَاحَةُ لِلْعَزْلِ صَحِيحَةً عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، وَابْنِ
عَبَّاسٍ، وَسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَابْنِ مَسْعُودٍ
وَصَحَّ الْمَنْعُ مِنْهُ عَنْ جَمَاعَةٍ -: كَمَا رُوِّينَا عَنْ حَمَّادِ بْنِ
سَلَمَةَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ: أَنَّ ابْنَ عُمَرَ
كَانَ لَا يَعْزِلُ، وَقَالَ: لَوْ عَلِمْت أَحَدًا مِنْ وَلَدِي يَعْزِلُ
لَنَكَّلْته قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ:
لَا يَجُوزُ أَنْ يُنَكِّلَ عَلَى شَيْءٍ مُبَاحٍ
عِنْدَهُ. وَمِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ نا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ
عَاصِمِ بْنِ بَهْدَلَةَ عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ
كَانَ يَكْرَهُ الْعَزْلَ وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ عَنْ
عَاصِمٍ عَنْ زِرٍّ عَنْ عَلِيٍّ نا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ نا أَحْمَدُ بْنُ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْبَصِيرِ نا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ نا مُحَمَّدُ
بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ الْخُشَنِيُّ نا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ نا يَحْيَى بْنُ
سَعِيدٍ الْقَطَّانُ نا سُلَيْمَانَ التَّيْمِيُّ عَنْ أَبِي عَمْرٍو
الشَّيْبَانِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَالَ فِي الْعَزْلِ:
هِيَ الْمَوْءُودَةُ الْخَفِيَّةُ وَرُوِّينَا هَذَا الْخَبَرَ مِنْ طَرِيقِ
سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ قَالَ: نا مُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيُّ
حَدَّثَنِي أَبُو عَمْرٍو الشَّيْبَانِيُّ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَالَ فِي
الْعَزْلِ: هِيَ الْمَوْءُودَةُ الصُّغْرَى وَبِهِ إلَى مُحَمَّدِ بْنِ بَشَّارٍ
نَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ نا شُعْبَةُ نا زَيْدُ بْنُ خُمَيْرٍ عَنْ
سُلَيْمَانَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ: سَمِعْت أَبَا أُمَامَةَ الْبَاهِلِيَّ يَقُولُ
وَقَدْ سُئِلَ عَنْ الْعَزْلِ؟ فَقَالَ:
مَا كُنْت أَرَى مُسْلِمًا يَفْعَلُهُ وَمِنْ طَرِيقِ
سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نا هُشَيْمٌ أرنا ابْنُ عَوْنٍ قَالَ حَدَّثَنِي نَافِعٌ
عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: ضَرَبَ عُمَرُ عَلَى الْعَزْلِ بَعْضَ بَنِيهِ وَمِنْ طَرِيقِ
سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نا هُشَيْمٌ نا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيُّ عَنْ
سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ: كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، وَعُثْمَانُ
بْنُ عَفَّانَ يُنْكِرَانِ الْعَزْلَ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: سَمَاعُ سَعِيدٍ عَنْ
عُثْمَانَ صَحِيحٌ وَصَحَّ أَيْضًا عَنْ الْأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ، وَطَاوُسٍ
١٥ مسالة الاحسان
الى النساء فرض أَحْكَامُ حُقُوقُ الزَّوْجَيْنِ 1904 - مَسْأَلَةٌ: وَالْإِحْسَانُ إلَى
النِّسَاءِ فَرْضٌ وَلَا يَحِلُّ تَتَبُّعُ عَثَرَاتِهِنَّ وَمَنْ قَدِمَ مِنْ
سَفَرِهِ لَيْلًا فَلَا يَدْخُلُ بَيْتَهُ إلَّا نَهَارًا، وَمَنْ قَدِمَ نَهَارًا
فَلَا يَدْخُلُ إلَّا لَيْلًا، إلَّا أَنْ يَمْنَعَهُ مَانِعٌ عُذْرٌ بُرْهَانُ
ذَلِكَ: قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ}[النساء: 19] وَقَوْلُ
اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ}[الطلاق:
6] قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: إذْ حُرِّمَ التَّضْيِيقُ عَلَيْهِنَّ فَقَدْ أَوْجَبَ
تَعَالَى التَّوْسِيعَ عَلَيْهِنَّ وَافْتَرَضَ تَرْكَ ضَرِّهِنَّ -: رُوِّينَا
مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نا إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيم عَنْ حَاتِمِ بْنِ
إسْمَاعِيلَ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ
اللَّهِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَطَبَ
النَّاسَ - فَذَكَرَ كَلَامًا كَثِيرًا وَفِيهِ -: فَاتَّقُوا اللَّهَ فِي النِّسَاءِ
فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانِ اللَّهِ، وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ
بِكَلِمَةِ اللَّهِ، وَلَكُمْ عَلَيْهِنَّ أَنْ لَا يُوطِئْنَ فِرَاشَكُمْ أَحَدًا
تَكْرَهُونَهُ، فَإِنْ فَعَلْنَ ذَلِكَ فَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ،
وَلَهُنَّ عَلَيْكُمْ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ» قَالَ أَبُو
مُحَمَّدٍ: لَمْ يَعْنِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
فِرَاشَ الْمَضْجَعِ، ذَلِكَ أَمْرٌ يَجِبُ فِيهِ الرَّجْمُ عَلَى الْمُحْصَنَةِ، فَلَا
يُؤْمَرُ فِيهِ بِضَرْبٍ غَيْرِ مُبَرِّحٍ، وَإِنَّمَا عَنَى - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -
بِلَا شَكٍّ كُلَّ مَا اُفْتُرِشَ فِي الْبُيُوتِ، وَهَذَا نَهْيٌ عَنْ أَنْ
يَدْخُلَ فِي مَسْكَنِهِ أَوْ فِي بَيْتِهِ مَنْ لَا يُرِيدُ دُخُولَهُ مَنْزِلَهُ
مِنْ رَجُلٍ أَوْ امْرَأَةٍ فَقَطْ - وَهَذَا يَأْتِي مُبَيَّنًا فِي
الْمَسْأَلَةِ الَّتِي تَأْتِي بَعْدَ هَذِهِ وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نا أَبُو
بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ نَا حُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ عَنْ زَائِدَةَ عَنْ
مَسَرَّةَ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَذَكَرَ كَلَامًا، وَفِيهِ «فَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ
خَيْرًا» وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ نا عَمْرُو بْنُ مَنْصُورٍ نا
أَبُو نُعَيْمٍ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ مُحَارِبِ بْنِ دِثَارٍ عَنْ
جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَطْرُقَ الرَّجُلُ أَهْلَهُ لَيْلًا أَنْ
يَتَخَوَّنَهُمْ أَوْ يَلْتَمِسَ عَثَرَاتِهِمْ» وَمِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ نا
أَبُو النُّعْمَانِ - هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ عَارِمٌ - نا هُشَيْمٌ نا
سَيَّارٌ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: «قَفَلْنَا
مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - مِنْ غَزْوَةٍ
فَلَمَّا ذَهَبْنَا لِنَدْخُلَ قَالَ أَمْهِلُوا حَتَّى تَدْخُلُوا لَيْلًا لِكَيْ
تَمْتَشِطَ الشَّعِثَةُ وَتَسْتَحِدَّ الْمُغْيِبَةُ» فَإِنْ قِيلَ: هَذَا
تَعَارُضٌ؟ قُلْنَا: كَلًّا، بَلْ قَدْ بَيَّنَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ - فِي كِلَا الْخَبَرَيْنِ مُرَادَهُ، ذَكَرَ فِي الْخَبَرِ
الْأَوَّلِ: أَنْ لَا يَدْخُلَ لَيْلًا فَيَتَّبِعَ بِذَلِكَ عَثْرَةً إنْ كَانَتْ
أَوْ لَمْ تَكُنْ فَصَحَّ أَنَّ ذَلِكَ فِي الَّذِي جَاءَ لَيْلًا وَبَيَّنَ - عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي الْآخَرِ: أَنْ يُمْهِلَ مَنْ أَتَى نَهَارًا
حَتَّى يَدْخُلَ لَيْلًا بَعْدَ أَنْ يَتَّصِلَ خَبَرُهُ بِأَهْلِهِ، فَتَسْتَحِدَّ
وَتَمْتَشِطَ وَلَا يَنْسُبُ التَّعَارُضَ إلَى كَلَامِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - إلَّا كَافِرٌ وَلَا يَنْسُبُهُ إلَى
الصَّحَابَةِ إلَّا مُبْتَدِعٌ، وَلَا يَنْسُبُهُ إلَى الْأَئِمَّةِ - وَمَنْ
دُونَهُمْ - إلَّا مُنْحَرِفُ الْقَلْبِ عَنْ السُّنَنِ - وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ
مِنْ كُلِّ ذَلِكَ
كتاب الظهار لابن حزم