الأحد، 19 نوفمبر 2017

روابط صوتيات القران الكريم

روابط صوتيات اسلام ويب للقرآن الكريم

القراء القراء القراء
محمد جابر محمد حسن الأسواني خالد محمد بكري أحمد عبد الفتاح أحمد صالح
عبد الرشيد الشرقاوي المراكشي أحمد عبد العزيز إبراهيم جوهر محمد إبراهيم الدسوقي المنياوي
سيد أحمد عبد الستار حسين أسامة محمد جمعة أبو بكر عطية عبد المتعال حجاجي
إبراهيم بن نايف الجبوري عبد الله عبد المحسن القرافي علي الحربي
عبد الحكيم الجزائري محمد فضيل محمد أحمد البكري
أحمد محمد يونس سعد التوم السبيعي أسامة صبحي حسين
محمود ديح علي كامل علي اللالا سالم أحمد شوقي الأزهري
كمال محمد المرزوقي محمد رامي الذويبي أحمد حبيب
فيصل جميل حسن غزاوي محمد بلال غنام الميداني عبد المانع السعداوي
عبد الرحيم عبد السلام نبولسي حيدر الجنابي ياسر الصيري
إبراهيم سعيد حمد الدوسري يوسف أبكر محمود علي راضي
حمدي السيد طلبة سعد محمد عبد المنعم محمود نور الدين مناني
توفيق عامر محمد علي الديب أحمد عبد الحليم
بندر آل يسر مصحف مكتمل عبد الله بن عبد الفتاح حاكم تميم الريمي
عمر الصلال فهد الجربوع يوسف السليم
عبد العزيز محمد التركي خالد بن سليمان المطرودي عمر أحمد عبد الرحمن
محمد يحيى علي محمد صالح اليمني مصحف مكتمل مصطفى عمر عامر
مصحف مكتمل رامي بن أحمد بن عبد الغني الدعيس أسامة بن علي الغانم عزت صبري
صفوت غزال قلموش عبد الباسط أبو عبيد البرزي أحمد قيس
عبد السلام رمضان تامر إسلام أسامة رشيد الفلسطيني
مؤمن الراعي الفلسطيني أحمد السيلاوي الفلسطيني محمد إرحيم الفلسطيني
أيمن عياد الفلسطيني عبد الرحمن عبد المجيد الشميري عبد المجيد عبد الرحمن
ياسر محمد القاضي محمد سعد إبراهيم عبد الله غيلان
حسين بطي يحيى عباد عمار عبد الله الساكني
صالح مرعي عبد الإله محمد هازع خميس عبد العظيم عيص
محمد عبد العزيز الشامي خالد الزنبعي محمد طيب عبد الحليم
زكرياء عبد الله غازيوي محمد عمر الجعادي إبراهيم الدردساوي
عبد القادر ناصر الدين علي عبد الرحيم محمود المالكي الليبي
عامر همام هتلان بن علي الهتلان سيد رمضان أبوخطوة
أحمد محمد مصطفى ديبان محمود عبد القادر إدريس أحمد عثمان المصري
عبد المجيد عبد الأحد الأركاني مصطفى عزت حميدان محمد عبد الله الشميري
محمد مجدي فادي سعود الجبور أشرف عبده درويش
أحمد محمد مأمون مصطفى محمد جرموني إبراهيم عبدالمنعم
محمد عبد السميع رسلان ناصر محمد الجعشاني مصطفى بن مالك المغربي
توفيق النوري المغربي مصحف مكتمل مصحف الحرم المدني لعام 1437هـ مصحف مكتمل مصحف الحرم المكي لعام 1437هـ
عبد المطلب بن عاشورة أشرف حسين فرغلي رياض الجزائري
رشيد اللويزة زكرياء الرقيبي معاذ الدويك
الحسين البقالي أسامة عبد الهادي أبو الخير نور الدين المسلاتي
أحمد رمضان عمر محمد عثمان القاسم محمد القاسم المصري
ياسر عبد الله المصري صلاح النجار السكندري عبد الله عبد الفتاح بركات
عبد القوي عبد المجيد خالد الحوسني سعد السيد الشال
ياسر عبد الله الحوري محمد عثمان عدرة عدنان الحمامي
كريم منصوري محمود محمد رشاد الشيمي رأفت الغيطاني
محمد السالم محمدن عبد الرحمن ساجد بن عباس الأركي أبو حاتم السالمي
مصحف مكتمل مصطفي عبد الله خليل مسعد بلتاجي أحمد عبد العزيز السكندري
عبد الرحمن محمد الجريذي خالد يوسف الجهيم شوقي عبد الصادق عبد الحميد
حسن عيسى المعصراوي إسماعيل لونت محمد ناصر العزاوي
إبراهيم سليم الدرملي مؤيد المزين نايف الفيصل
مصطفى السيد مصطفى ثامر الزير محمد إرشاد مربعي
فهد واصل المطيري محمد محمود الخوجة عبد المهيمن يوسف العسل
منصور السالمي محمد سليمان باتل أحمد محمد منصور
أشرف علي مرتضى أحمد عبد الله علي مصحف مكتمل إبراهيم صقر الزعيم أنس بن عبدالرحمن الميمان
أحمد محمد سلامة أحمد محمد الجبالي إدريس الهاشمي
ياسر عاشور إسماعيل جمعان العصيمي محمد حمزة
عامر محمود القيسي تامر محمد الخطيب عاصم عمر الهوساوي
حسن مرعب خالد عباسي ماهر عرار
معاذ الخلطي محمد العجوز محمد عكة
فاتح سفرجيك محمد سايد خليل عبد الرحمن القارئ
محمد الإمام محمد حسين الشهاوي عبد الله ربيع عبد الوهاب
سعد حسن عبد القوي علي بوخماده المغربي يوسف بن عبد الله الشويعي
محمد عمر الجنايني محمد عبد الرحيم حجاز مصحف الحرم المكي لعام 1435هـ
سعد بن ناصر المجدوعي فواز فرحان الدوماني حسن سعيد السكندري
داوود الجبرتي أحمد عبد القادر فيصل بن محمد الرشيد
كمال صميدة محمود عبد الصمد الجيار عبد الرحمن البيلي
عبد الله السبعاوي محمد عارف العسلي محمد قاسم القحطاني
فالح الهاجري إبراهيم غسان الناجي أحمد سعيد العمراني
إسلام منتصر أيمن أحمد الديب محمد علي أحمد السكندري
رجب الشرقاوي مصحف الحرم المدني لعام 1436هـ أنس العمادي
حسام الدين عبادي السيد مسلم صلاح الدين الجزائري
مهند سلام صهيب جمال الملاح عبد الرحمن رخيص العنزي
نادر القلاوي عبد المطلب البودى إسلام فكري الخطيب
مصطفى الغريب طه راجح هزاع البلوشى مصحف مكتمل مصحف الحرم المكي لعام 1436هـ
محمد نور الدين السعدني محمد علي أبو الحسن آدم بوصخرة
محمد الإبراهيمي همام الريان مصحف مكتمل محمد الكريني الملوكي
وليد عبد الله الفص أيمن سويد محمد عبد اللطيف
أحمد مختار حمدان نايف السالم توفيق شقرون
وليد مهساس الجزائري عبد الرحيم أحمد أمين إبراهيم شحاته المغربي
حاتم المالكي الزين محمد أحمد محمد جمال الخواص
أحمد بن قاسم باعلي وسعيد مصحف مكتمل عمران منصور رعد محمد الكوردي
محمد طه الجنيد أبو عبيده الليبي محمد عبد الحكيم الدماريسي
ناصر عبد الرحمن الحمد محمود منصور المعيقلي عيسى القرضاوى
توفيق بن شعبان الجزائري إسماعيل الجزائري رشيد إفراد
محمد عبد الباعث الفقى عبد العزيز القوري عبد القادر محمد الصوملي
محمد بن موسى عبد الحكيم الشبرمي مصطفى بن حمو نجار
حمزة عالم شاه سمير بلعشية المغربي عبد الباسط هاشم
محمد بن بركات يوسف بن نوح أحمد حسن سعيد
وليد البطراويش عمرو عبد الرازق أبو الوفا هاني كارم فتيح
عبد المنعم عبد الرحيم ليقاوي محمد صلاح عبد العزيز عادل حميد
حسين عشيش مصحف مكتمل جابر عبد الحميد جوهر القردلي
محمد الفاتح الزين محمد هلال الزبيدي شمس الإسلام بن محمد رحمان الأراكاني
عيسى الحجلاوي نور عبد الكريم نور الحسين المجدولي
مصحف مكتمل ياسر سرحان الديب رضا علي الخلاقي سعد سلمان الزبيدي
وضاح خضر حسين رضا أحمد الجمل مصحف مكتمل أحمد سيد هاشم
أبوالحسن محمد بن حسين هلال أحمد سعيد عبد الرازق الادهم
علي الجعفري العنزي عزت جمال عزت مصحف مكتمل إياد عبد الحليم النجار
محمد عبد العظيم الباز محمد فوزي عبد المجيد عبد الرحمن سمير سيف
أبو أيوب الجزائري أبو أويس محمد بازون الجزائري عصام الرباعي
أبو إسحاق الطنطاوى إسلام ياسين السيد أحمد بن عبد الله اللحدان‏
عماد المنصري كامل جاب الله الفشني عبد القادر محمد علي
عبد الله كامل الحفاظ القطريين خليفة الطنيجي
محسن نعيم بديع بديع جادو أنس جلهوم
حمزة الجزائري الهان توك العربي الكثيري
إبراهيم عبد الله الماس سيد أبو زيد يونس عوض علي
محمد جاسم الجبوري مصحف مكتمل محمد حسن نور الدين إسماعيل عبد الله الشعراوى
محمد الأفغاني محمد زاهر عبد الله بن عبد الرحمن البعيجان
صلاح الجمل الناجي ولد بلال حسن إبراهيم القزاز
محمد إبراهيم حول يامن المصري سمير الليثى أبوأنس
محمد حسن الدرعمي محمد عبدلله مصطفى محمد أحمد محمد عبد اللطيف
سيد رمضان محمد إسماعيل السروى خالد حسن الصلعاوي
عبد الله عبد المجيد المصري شيخنا ولد الحاج جمال الدين الزيلعي
محمود لقم استاذ زامري الماليزي محمد أحمد داوود
خالد سليمان زيتون أحمد على الكاملي أحمد عيد مهنا
محمد تميم الزعبي السيد القوصي أحمد أبو بكر نافد
إحسان محمد خضرة الحافظ خليل إسماعيل هانى حسين الزعبلاوى
محمد سالم ابو مويس محمد رمضان محمد محمد رشدي
محمد تموري عز الدين بن أحمد عمارنه عبد الله محمد الرحيمان
عبد الرحمن رئيس الجسوي أحمد طاهر سالم ولد محمد الأمين الملقب الداهن
هيثم الجدعاني مصحف مكتمل عبد الرحمن الشحات محمد شهاب الحفناوي
عبد الرحمن حمدي أبوالعنين عبد اللطيف عفيف الورزازاي المغربي عبد اللطيف شمام
أنس المحمدي محمود عبد الرازق طه حسن صلاح بعلول
منصور الزهراني محسن سعيد الغازي محمد نور
يحيى أحمد محمد سلامين إبراهيم جبر أبو رحيق مصعب بن محمد فقيهي
علي محمد هارب حجوري لخضر بن الحمدي لزرق زايد ال عطية
خالد نفادي الأزهري خليل إسماعيل تامر تيمور حسن
محمد البرزنجي سرحان عادل سرحان مصطفى محمد عبد العزيز
أحمد عطية أبوالخير عبد اللطيف باري أحمد الهذيلي
محمد عبد المؤمن علاء عبد الوهاب محسن عبد العزيز
حسن معلم إبراهيم الواجدي رمضان شكور تامر علي عيسى
مصطفي الفرجاني الترهوني محمود شعبان محمد الصاوي
عبد الباسط بن زايد الريدي مصطفى طه الحسيني محمد زعرور
محمود داوود دسوقي خطابي عبد الله المكنوي مرضي شرف الدين أبو هريرة
علاء نعمان مصحف مكتمل محمود محمد عبد الوهاب مصحف مكتمل باسل الراوي
عبد الرحمن الناوي عمر عبد البصير إبراهيم الجميلي
محمود أحمد مروح وليد الفلوجي محمد علي أحمد كوريبة
محمود مصطفى النجار أحمد الرباعي وقار يونس بن أمير حمزة
مجدي طه صلاح باعثمان هاني عبد الله أبوشيتة
أحمد السعيد مندور أحمد صابر العايدى عمرو الدماريسي المنياوي
أحمد الحراسيس محمد أحمد فايز عطيه بسيوني الحبيب
زيد علي العباسي محمد صلاح الدين كبارة بهجت السعيد النادى
محمد السيد محمد القط عبد الله يوسف إسماعيل المالكي عبد الرحمن الدلالي
أحمد علي مرتضى سعود لطيف الرميزان ياسين العساف
يحيى نوح محمد سلمان الدهاس عبد الرحمن فؤاد
محمود الطوخي حسين أبو المعاطى عدنان المصقري
يوسف الجزائري مصطفى حسين مصحف الحرم المكي لعام 1433هـ
حمزة الفار مصحف مكتمل أحمد البطل عبد الرحمن عبد الله الظاهري
حسن مصطفى الوراقي أحمد حسين حلاوة طارق عبد الحكيم عبد الستار
صالح عبد المقصود صالح أحمد عبد الفتاح المنياوي أحمد العوامي
زكرياء زيني المغربي محمد مكي عبد الملك بن عبد الله المصري
عبد الرحمن الشوربجى محمد نجيب الحسين سيد عبد العاطى
محمد ركابي عبد الرؤوف الجزائري حسام محمد الأجاوي
عبد اللطيف محمد احميداني هاني محمد نصر أحمد بن عباس العلي
خالد القمبشاوي رامي حسن أحمد غسان الناجي
حميد الهوتي ماهر شخاشيرو مصحف مكتمل محمد شعبان أبو قرن
مصطفى خميس أحمد جليل مولوي بدر أحمد المغربي
كمال المروش المغربي عثمان الانداري فهد بن علي قحل
علي عبد الله حسين الكميت لطفي إبراهيم أحمد يوسف الدغوش
مصحف مكتمل وائل دسوقي حماده إسماعيل فوده عبد الله عبد العزيز الحارثي
أحمد السيد محمد إسماعيل علي راشد محمد طه شيحه
إبراهيم كبوري فاروق ماحي جمعة بن علي المهنا
أحمد سمير الأبيوقى فهد عبد الله المحمدي عبد العزيز المزيد
عبد الكبير الحديدي مال لله بن عبدالرحمن الجابر عاطف سند الغنيمى
أحمد محمد العبيد طارق يوسف عرفة عبد الكريم الدغوش
إدريس أبكر مصحف مكتمل عبد الرحمن بن جمال العوسي بهاء الدين الطوالبة
مصحف مكتمل أئمة قطريين حميدي الطاهر الجزائري عزالدين عمارنه
سعيد دباح الجزائري أحمد محمد طاهر صلاح العراقي
عثمان المسيمي أبي الحسن هشام المحجوبي أبوطلحة البوسعيدي
إسماعيل عبده محمد يوسف معاطي إبراهيم بوعنني
محمد السعيد ماهر يوسف كالو علي إبراهيم الدرسي
مشحوت آل مخلوف تركي الرميح أحمد بدر الدين
أسامة النجار أنس الغامدي أحمد عماد سمان
محمد السلمان زمال كمال الجزائري محمد أحمد أيوب أبو مازن
مصحف مكتمل خالد المهنا صالح الصاهود مصحف مكتمل مفتاح محمد السلطني
عبد السلام غالب السفياني مصحف مكتمل حسن بن محمد يحيى الدغريري مجدي سالم
أحمد الحداد محمد صالح شيخ النجارين إبراهيم جمال القرجاوي
محمد حسين عامر تركي عبيد المري إسلام عبد الشافي
أحمد سباق محمد المطر مبارك المبارك
عبد الوهاب المنيفي عبد الله الهزيم عبد الله الكندري
طلال الخضر أحمد القصار أبي عبادة محمود الطيب
عبد المجيد الجزائري سامي الحسن عبد القادر أحمد المغربي
أبو ذر القلموني الهادي الفخفاخ محمد المنشد
حاتم فريد الواعر السيد عبد الحليم الصباغ عمرو صلاح الدين
هاني الجاسر محمد بن عودة العنزي عواد بن سبتي العنزي
سعود بن ملوح العنزي عبد الرزاق الشمري علي جريد العنزي
بندر بن طلال المحمدي منير محمود علي المسيري عبد الرحمن علي الشهري
عاطف عبد المعز الفيومي عبد الرحمن الزيني حسين محمد فضل
إبراهيم الجرمي محمد ثاني العروسي سامح فاروق أبوبكر راشد
مصحف مكتمل محمد رشاد الشريف محمد مصطفى الزيات وليد حسين
مصحف مكتمل العشري عمران عبد العزيز العويد محمد صلاح نافع
عادل عبد العزيز أحمد عامر عبد اللطيف إسماعيل عبد الرحمن محمد طلبية
محمد عبد الحليم الصباغ أحمد الجمالي فيصل عبد الرحمن أمين العمودي
مصحف مكتمل خالد بركات أحمد محمد عمر خالد الوهيبي
حسن عدلي مصحف مكتمل حسن صالح سلطان صغير العنزي
أحمد أبو غياتي مصطفى أمنشار محمد نزار الدمشقي
أحمد حسني الشيخ مصحف مكتمل درويش فرج درويش العطار هارون حسين أحمد عبد العزيز
علاء بن إبراهيم المزجاجي الأسعد الدريدي معمر السيد
أحمد عبد الحكيم ياسر فرج الشندويلي منصف بنشقرون
محمد عبد العزيز عبد الدائم محمد محمد زكريا أشرف بن علي عبد الباري
مصحف مكتمل رشيد بلعالية معتز الغنام أحمد عبد الغفار بحبح
رائد محمد الوصابي مصحف مكتمل عبد المحسن الحارثي أحمد بن يوسف الأهدل
عبد الله بن علي النفجان عمر إبراهيم شلبي أنور الشلتوني
يونس مشطان طارق فتحي أحمد مصحف مكتمل مصطفى بن رعد العزاوي
مصحف مكتمل صداقت علي مصحف مكتمل عبد العزيز عليلي مصحف مكتمل حسن إبراهيم هاشم
مصحف مكتمل عماد زهير حافظ يحيى احسايني أحمد كندوز
محمد عبد البصير إسماعيل الهداجي عباس محمد مقادمي الثبيتي
عمر محمد القاسم مصحف مكتمل علي ثابت عبد الحافظ حمد الدغريري
بندر بن عبد العزيز بليلة إبراهيم حسين الحجوري أبو الكرم إبراهيم أنفلوس
عادل الزبيري أبو موسى الجزائري أحمد علي عبد الرحمن الحذيفي
إبراهيم الزيات إبراهيم الفارس نور الدين أحمد
عبد العزيز بن سعد الناصر مصحف مكتمل سعيد بن عبد الله العبد الله ثامر بن مبارك العامر
أحمد رضوان مصحف مكتمل شعبان محمود عبد الله عبد العزيز الكرعاني
عبد الحكيم صوفي سند محروس شعبان أيمن مرسي
أشرف البسيوني أحمد إبراهيم إبراهيم بن عبد الله المرزوقي
إبراهيم بن عبد الله البديوي إبراهيم السويد إبراهيم الثويني
إبراهيم البصيلي محمود حسنين الكلحي مصحف مكتمل أبو يوسف الخرخاشي
أحمد الحلبية أبو حذيفة المكي محمد غرام
خالد أبو شادي محمد جمال عبد الناصر معيض بن عبد العزيز الحارثي
مصحف مكتمل المصحف المجود لمشاهير القراء الأربعة محمود أبو الوفاء الصعيدي مصحف مكتمل عبد الرزاق بن عبطان الدليمي
محمود أبو زيد مصحف مكتمل عبد الحكيم عبد اللطيف عبد الله بندر بن محمد الجعدي
عبد العزيز حربي أحمد سمير شرارة شوقي حامد شرف الدين
أحمد نواف المجلاد أحمد حسين أبو عمر أحمد زياد
مصحف مكتمل مصطفى اللاهوني محمد علي قاسم الغرباني محمد صالح الحضيري
طارق عبد الغني دعوب مصحف مكتمل أحمد أحمد عثمان القريو مصحف مكتمل مصحف الحرم المكي لعام 1426هـ
مصحف مكتمل مصحف الحرم المدني لعام 1426هـ محمود سليمان رافع مصحف مكتمل محمد اللحيدان
فيصل الرشود مصحف مكتمل عادل مسلم صالح العمري
سامي الدوسري خالد محمد فتحى عبد الولي الأركاني
أحمد سعود محمد إبراهيم السيد سمير البشيري
سلطان الذيابي مصحف مكتمل سالم محمود عبد الجليل نعمه الحسان
حسن قاري فيصل عبد الرحمن الشدي عبد الله السالم
خالد السعيدي مصحف مكتمل جمال شاكر عبد الله أيمن شعبان الدروى
إسماعيل الشيخ أحمد رجب محمد بن عبد الرحمن العريفي
محمد المهنا ماجد فاروق علي أبو هاشم
مصحف مكتمل شيرزاد عبد الرحمن طاهر الحسيني العزازي وليد عاطف
ياسر الفيلكاوي أسامة الصافي أحمد سمير عوض
أحمد أسامة الترجمان عبد الله البريمي يحيى عبد العزيز اليحيى
مصحف مكتمل يحيى حوى ياسين درويش ياسر صبري
ياسر برهامي هزاع المسوري مصحف مكتمل نبيل عبد الرحيم الرفاعي
محمد الكنتاوي عبد البديع أبو هاشم سيد درويش
خليل الآنسي أحمد المصباحي الزبير الوصابي
مصحف مكتمل عبد الله طه سربل وليد إدريس المنيسي محمد فاروق منسي
مصحف مكتمل محمد أبو سنينة قدري محمد عبد الوهاب صلاح الهاشم
محمد محمود الوائلي مصحف مكتمل عبد المنعم عبد المبدىء علي جابر والسديس
مصحف مكتمل محمد سعيد خياط عبد العزيز بن صالح الزهراني محمد عتيق
مصحف مكتمل فؤاد الخامري أحمد الحاج قاسم مصحف مكتمل وليد النائحي الليبي
مصحف مكتمل محمد إسماعيل المقدم عبد الحميد حافظ طارق إبراهيم
محمد الطيب حمدان صالح آل طالب شادي السيد
رمضان الصباغ مصحف مكتمل ياسين الجزائري مصحف مكتمل سعيد شعلان
مصحف مكتمل ياسر القرشي هاشم هيبة نصر الدين طوبار
منصور الشامي الدمنهوري معمر الإندونيسي مدين منصور مدين
محمود عبد الحكم محمود محمد رمضان محمود محمد الخشت
محمود سعد عبد الكريم محمود حسين منصور محمود صديق المنشاوي
محمود البجرمي محمود إسماعيل الشريف محمد محمود عصفور
محمد عبد الحليم سلامة محمد حسن النادي محمد هليل
محمد عمران محمد عكاشة محمد عطية حسب
محمد عبد العزيز حصان محمد توفيق الخضري محمد بدر حسين
محمد الهلباوي محمد الليثي محمد الصيفي
محمد أحمد بسيوني محمد أحمد شبيب كامل يوسف البهتيمي
فتحي المليجي علي محمود علي حزين
عزت العناني عبد الله عبد الرزاق هندي عبد الفتاح الطاروطي
عبد العزيز علي فرج عبد العاطي ناصف عبد الرحمن الدروي
ياسين حسين ندا محمد مدين محمد محمود عوض
محمد محمود البحري محمد فكري الملاح محمد فريد السنديوني
محمد عبد الشافي النادي محمد عبد الحميد عبد الله محمد عبد الحميد البوشي
محمد حماد محمد السيد ضيف محمد الجزاوي
فتحي محمد سليمان فتحي قنديل فتحي العطار
فؤاد العروسي عوضين المغربي علي سليم
عبد الواحد زكي راضي عبد الله طبل عبد العزيز عكاشة
عبد الرؤوف شلبي عبد الفتاح الشعشاعي صديق المنشاوي
عبد الحميد الباسوسي زكي إسماعيل حامد أحمد صلاح
السيد بيومي الصواف مصحف مكتمل الأمين محمد قنيوه أحمد السيد البليطي
عثمان الشبراوي عبد الوارث عبد العزيز عبد المنعم الطوخي
عبد المنعم أبو الخير عبد العظيم زاهر عبد الحافظ سيد رجب
طه الجندي صلاح شمس الدين صلاح الدين عبد الرحمن
صبري المنشاوي سيد عطية ندا سيد سعيد
رأفت حسين حمدي الزامل حلمي الجمل
حسن يوسف القرناوي حجاج الهنداوي الشحات محمد أنور
السعيد عبد الصمد الزناتي إسماعيل السيد الطنطاوي سيد النقشبندي
ربيع زين حمزة مغازي إبراهيم سليمان درعة
أحمد حسن أبو الفرج أحمد سليمان السعدني أحمد أبو طالب السوهاجي
مصحف مكتمل أحمد محمد عامر أحمد صالح أحمد عبد الرحمن الزارع
أحمد أبو المعاطي إبراهيم المنصوري مصحف مكتمل مصطفى محمود البنا
يوسف قبلان أحمد المعصراوي محمد طه - القاريء الصغير
مصحف مكتمل ياسر المزروعي مصحف مكتمل فارس عباد مصحف مكتمل ياسر سلامة
محمد عبد الوهاب الطنطاوي سلطان العويد محمد صالح عالم شاه
فيصل الحليبي إسماعيل حافظ وديع حمادي حمود اليمني
محمد إبراهيم النعيم مصحف مكتمل عبد العزيز ندا فهد بن سالم الكندري
عمر بن عبد العزيز القبيسي عبد العزيز الروضان قيس هائل
مصحف مكتمل أكرم عبد الله العلاقمي مشعل يوسف المطر مصطفى أوزجان
عاصم عبد المحسن المغربي أحمد الشامي غسان أبو خضرة
راضي إبراهيم السعيد إبراهيم كدّاف علي مصحف مكتمل محمد عبد الحكيم سعيد العبد الله
مصطفى الشناوي ماجد زبن أمين بن عبد الله بربيد
لافي العوني شعبان عبد العزيز الصياد إبراهيم الشعشاعي
أسامة عبد الله الخياط حسين بن عبد العزيز آل الشيخ محمد البلوشي
مصحف مكتمل ماهر حمد المعيقلي أبوهاجر العراقي عبد الله البطاح
السيد عبد العزيز السعدني طلال المطر يحيى حوباني
سمير المالكي محمد الماجد مصحف مكتمل عبد الرشيد بن الشيخ علي صوفي
فيصل الحميد عثمان الصديقي محمد متولي
يحيى الجهراني خالد النهاري فهد صقر الهلال
مصحف مكتمل الدوكالي محمد العالم مصحف مكتمل مصطفى غربي مصحف مكتمل العيون الكوشي
أحمد الشاوي لطف الله حاتم مصحف مكتمل سهل ياسين
علي السعدون تركي الخليوي سعيد الدهموش
مهدي البيشي يوسف القرضاوي عبد الله عصام
عبد الحميد محمود محمد يوسف وليد الدليمي
صالح الهبدان ياسر الدوسري محمد السعران
طارق و محمد الحواس يحيى أبو كرم محمد حبش
وسام العثمان عبد الكريم الديواني أسامة فخري
إلياس أحمد مصحف مكتمل ناصر القطامي علي الزهراني
أحمد العمران يوسف الهقاص موسى بلال
خالد عبد الكافي إبراهيم الجبرين علي العشبان
خالد الجليل عبد الله الغامدي طارق الحسين
عادل السنيد خالد الشريدة عبد المحسن العجيمي
ماجد الزامل محمد صادق أبو أنس
عيسى العجمي قاسم المالكي فيصل الخلاقي
خالد الدراج منصور العريدي سراج الدين سليمان
عبد الحكيم العصيمي عدنان بانافع مصحف مكتمل صابر عبد الحكم
إبراهيم العسيري عبد السلام الحمدان محمد الطيار
مالك العمودي سعيد كرامة مصحف مكتمل عمر القزابري المغربي
ناصر العبيد عبد الله بوقيان محمد عبد الله
محمد عابد صالح الشمراني خالد عبد اللطيف
خالد الرميح خالد الحمودي خلدون الذيب
خالد صلاح عجلان هيثم أسطى حسن غالب
فهد الغراب أنور الصبان مصحف مكتمل صلاح بن محمد البدير
مصحف مكتمل عادل ريان عبد الواحد المغربي مصحف مكتمل عبد الله عواد الجهني
عبد السلام اليحيى طلحة بن عبد المطلب محمد شرف الحلواني
إبراهيم السعدان أحمد القاضي علي السديس
سعد البريك واصل داوود المذن مصحف مكتمل مشاري راشد العفاسي
مصحف مكتمل عبد الله المطرود عبد الله الخليفي ناصر الغامدي
محمد البراك مساعد الصايغ صلاح الراشد
طه الفشني أحمد الطرابلسي مصحف مكتمل أحمد الرزيقي
السيد متولي مكاوي السنباطي عبد الرحيم نور
أحمد الديب شحاتة الهلالي أبوالعينين شعيشع
راغب مصطفى غلوش محمد رفعت مصحف مكتمل صلاح أبو خاطر
مصحف مكتمل محمد عبد الكريم مصحف مكتمل زكي داغستاني مصحف مكتمل عبد الله الخياط
مصحف مكتمل عبد الباري الثبيتي مصحف مكتمل أحمد خليل شاهين مصحف مكتمل شيخ أبوبكر الشاطري
مصحف مكتمل علي السويسي مصحف مكتمل مصطفى إسماعيل مصحف مكتمل عبد الرحمن السديس
مصحف مكتمل عبد المحسن القاسم مصحف مكتمل محمد صالح أبوزيد مصحف مكتمل توفيق الصايغ
مصحف مكتمل عبد العزيز الأحمد مصحف مكتمل محمود علي البنا مصحف مكتمل عبد الله بصفر
مصحف مكتمل الحرم المدني.. 4 قراء مصحف مكتمل أحمد نعينع مصحف مكتمل السيد أحمد أبوزيد
مصحف مكتمل إبراهيم الأخضر مصحف مكتمل محمد المحيسني مصحف مكتمل سعد الغامدي
مصحف مكتمل عبد الودود حنيف مصحف مكتمل محمد حسان مصحف مكتمل هاني الرفاعي
مصحف مكتمل علي الحذيفي مصحف مكتمل عبد الهادي الكناكري مصحف مكتمل عادل الكلباني
مصحف مكتمل خالد القحطاني مصحف مكتمل محمد جبريل مصحف مكتمل أحمد العجمي
مصحف مكتمل محمد محمود الطبلاوي مصحف مكتمل السديس والشريم مصحف مكتمل سعود الشريم
مصحف مكتمل علي عبد الله جابر مصحف مكتمل محمد أيوب مصحف مكتمل محمد صديق المنشاوي
مصحف مكتمل محمود خليل الحصري مصحف مكتمل عبد الباسط عبد الصمد

الأربعاء، 15 مارس 2017

عرض كتاب احذروا الحسد


إهداء أهدي هذا الكتاب (احذروا الحسد) لكل مسلم ومسلمة
راجياً من الله لي ولهم السلامة من الزلل
كلمة للناشر
الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على النبي الكريم محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه أجمعين .
أما بعد :
فهذه الطبعة الجديدة لكتاب احذروا الحسد لفضيلة الشيخ :عيسى بن إبراهيم الدريويش ، وذلك لنفاد الكمية السابقة .
جرى طبعه للمرة الثانية على نفقة فاعل خير أجرى هذه الطبعة وقفاً في سبيل الله له ولوالديه فنسأل الله أن يأجر المؤلف والمنفق.
الناشر
دعاء
إلهي إن كانت ذنوبنا قد أخافتنا من عقابك فإن حسن الظن قد أطمعنا في ثوابك فإن عفوت فمن أولى منك بذلك وإن عذبت فمن أعدل منك هنالك [قلت المدون/غير أننا نسألك العافية]. 
 
إلهي إن كنت لا ترحم إلا المجتهدين فمن للمقصرين وإن كنت لا تقبل إلا المخلصين فمن للمخطئين وإن كنت لا تكرم إلا المحسنين فمن للمسيئين؟
إلهي ما أعظم حسرتي أذكر غيري وأنا الغافل!
إلهي إذا أنا دللت السالكين عليك فوصلوا بإذنك ثم بحسن موعظتي إليك أتراك تقبل المدلول وترد الدليل فيارب أسألك بنور وجهك أن ترزقني الإخلاص وحسن القصد وأن تجعل عملي هذا خالصًا لوجهك الكريم آمين.
المقدمة
إن الحمد لله نحمده، ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. 
 
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران: 102].
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء: 1].
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 70، 71].
أما بعد : فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد r، وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
فإن كل من أخلص في دينه لله يجد نفسه مرتبطًا بالكتاب والسنة وصاحب السنة هو الذي بواسطته جاء التشريع الإلهي بشقيه القرآن والسنة، ولهذا فمن نعمة الله علينا أن رزقنا الإسلام، وجعلنا من أهله وعلمنا القرآن والسنة، وهذه نعمة عظيمة {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا} وكتابي هذا: «احذروا الحسد» أردت فيه بيان ماذا ينبغي على المسلم من البعد تجاه هذا الخلق الرديء والطبع السقيم، وماذا عليه أن يعمل تجاه نفسه حين يجد فيها حسدًا للآخرين وكيف يرده عملًا بالكتاب والسنة. فالحسد يظهر من ضعف الإيمان، وضعف وازع الخير، وضيق العطن، والبخل على خلق الله، فصاحبه صاحب خلق لئيم، وهو رزية من الرزايا، وبلية من البلايا، وشر كبير، قال الله تعالى: {أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا} [النساء: 54].
فالإخوة الإيمانية تحتم على كل مسلم أن يترفَّع عن الإساءة لأخيه المسلم حينما يراه قد فاقه في علم أو تجارة أو صناعة أو ثناء ونحو ذلك لكن ليس من المانع أن أن يجتهد هذه في بذل الجهد للوصول إلى ما وصل إليه غيره مع احترام من ينافسه مع صفاء السريرة وصفاء العلاقة وهذا تنافس في محله ومن المشروع لأن في النتيجة مصالح عامة دعا إليها الإسلام.
قال رسول الله r عن الحسد: «لا يجتمعان في قلب عبد: الإيمان والحسد» [رواه النسائي].. والله تعالى أسأله التوفيق والسداد.
المؤلف
عيسى بن إبراهيم الدريويش
تعريف الحسد
قال العلامة أحمد بن محمد المقري في كتابه «المصباح المنير»: «حسد: حسدته على النعمة وحسدته النعمة حسدًا بفتح السين أكثر من سكونها يتعدى إلى الثاني بنفسه وبالحرف إذا كرهتها عنده وتمنيت زوالها عنه، وأما الحسد على الشجاعة ونحو ذلك فهو الغبطة، ومنه معنى التعجب، وليس فيه تمني زوال ذلك عن المحسود فإن تمناه فهو القسم الأول وهو حرام».
وقال زين الدين محمد عن أبي بكر الرازي في كتابه «مختار الصحاح»: «الحسد أن تتمنى زوال نعمة المحسود إليك».
وقال الأخفش: «وبعضهم يقول يحسده بالكسر حسدًا بفتحتين وحساده وحسده على الشيء وحسده الشيء بمعنى: وتحاسد القوم وقوم حسدة».
قال ابن رجب- رحمه الله- : «والحسد مركوز في طباع البشر وهو أن الإنسان يكره أن يفوقه أحد من جنسه في شيء من الفضائل ثم ينقسم الناس بعد هذا إلى أقسام منهم من يسعى في زوال نعمة المحسود بالبغي عليه بالقول وبالفعل ثم منهم من يسعى في نقل ذلك إلى نفسه، ومنهم من يسعى في إزالة النعمة عن المحسود فقط من غير نقل إلى نفسه ، وهو شرهما وأخبثهما وهذا هو الحسد المذموم المنهي عنه، قال الله تعالى: {وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا} [النساء: 32].
فالحسد من أخلاق نفس وضيعة ساقطة ليس فيها رغبة على الخير، فلمهانتها تحسد الآخرين الذين يكتسبون الخير والفضائل والمحامد والمعالي، فهو يتمنى زوال النعمة عن المحسود كما قال تعالى: {وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً} [النساء: 89].
فصاحب الحسد عدو للنعمة محارب للخير لأنه يريد غيره كمثله في النقصان.
***
كيف يحصل الحسد؟!
يحصل الحسد بين الأقران والإخوان والأقارب والعام والخاص لوجود الأسباب الداعية إلى الحسد.
يقول أبو حامد- رحمه الله- : «اعلم أن الحسد إنما يكثر بين قوم تكثر بينهم الأسباب الداعية إلى الحسد، وهذه الأسباب إنما تكثر بين أقوام تجمعهم روابط يجتمعون بسببها في مجالس المخاطبات ويتواردون على الأغراض، فإذا خالف واحد منهم صاحبه في غرض من الأغراض نفر طبعه عنه وثبت الحق في قلبه فعند ذلك يريد أن يستحقره ويتكبر عليه ويكافئه على مخالفته لغرضه ويكره تمكنه من النعمة التي توصله إلى أغراضه، وتترادف جملة من هذه الأسباب؛ إذ لا رابطة بين شخصين في بلدتين متنائيتين، فلا يكون بينهما محاسدة، وكذلك في محلتين، نعم إن تجاورا في مسكن أو سوق أو مدرسة أو مسجد توادداً على مقاصد تتناقض فيها أغراضها فيثور من التناقض التنافر والتباغض ومنه تثور بقية أسباب الحسد ولذلك نرى العالم يحسد العالم دون العابد، والعابد يحسد العابد دون العالم، والتاجر يحسد التاجر بل الإسكافي يحسد الإسكافي ولا يحسد البزاز إلا بسبب آخر سوى الاجتماع في الحرفة، ويحسد الرجل أخاه وابن عمه أكثر مما يحسد الأجانب والمرأة تحسد ضرتها وسرية زوجها أكثر مما تحسد أم الزوج وابنته، والشجاع يحسد الشجاع ولا يحسد العالم لأن مقصده أن يذكر بالشجاعة ويشتهر بها، وينفرد بهذه الخصلة.
ولا يزاحمه العالم على هذا الغرض وكذلك يحسد العالِم العالم ولا يحسد الشجاع، ثم حسد الواعظ للواعظ أكثر من حسده للفقيه والطبيب لأن التزاحم بينهم على مقصود واحد أخص، فأصل هذه المحاسدات العداوة وأصل العداوة التزاحم بينهما على غرض واحد فلذلك يكثر الحسد بينهما نعوذ بالله من الخزي والبوار.
***
أسباب ومظاهر الحسد
1- العداوة والبغضاء. 2- الكبر.
3- التعزز. 4- التعجب.
5- الخوف من فوات المقاصد.
6- حب الرياسة وطلب الجاه لنفسه.
7- خبث النفس وشحها بالخير لعباد الله تعالى.
* فالعداوة والبغضاء: من أشد أسباب الحسد فإن من أذاه شخص بسبب من الأسباب وخالفه في غرض بوجه من الوجوه أبغضه قلبه وغضب عليه ورسخ في نفسه الحقد، والحقد يقتضي التشفي والانتقام، فإن عجز المبغض عن أن يتشفى بنفسه أحب أن يتشفى منه الزمان وربما يحيل ذلك على كرامة نفسه عند الله تعالى، فمهما أصابت عدوه بلية فرح بها وظنها مكافأة له من جهة الله على بغضه وأنها لأجله ومهما أصابته نعمة ساءه ذلك لأنه ضد مراده، وهذا مما وصف الله تعالى الكفار به- أعني الحسد بالعداوة- إذ قال الله تعالى: {وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} [آل عمران: 119].
وقال الله تعالى: {إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ
يَفْرَحُوا بِهَا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ} [آل عمران: 120].
* أما التعزز: وهو أن يثقل عليه أن يترفع عليه غيره فإذا أصاب بعض أمثاله ولاية أو علمًا أو مالًا خاف أن يتكبر عليه وهو لا يطيق تكبره، ولا تسمح نفسه باحتمال صلفه وتفاخره عليه وليس من غرضه أن يتكبر بل غرضه أن يدفع كبره فإنه قد رضي بمساواته مثلًا ولكن لا يرضى بالترفع وهذا يقع فيه البعض من الناس هداهم الله حيث أنهم يظهرون حسدهم لمن فاقهم من أقرانهم وذلك لمرض في قلوبهم.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية- رحمه الله- : «الحسد مرض النفس وهو مرض غالب فلا يخلص منه إلا القليل من الناس». ولهذا قيل: «ما خلا جسد من حسد، لكن اللئيم يبديه والكريم يخفيه». حتى قال رحمه الله: «فمن وجد في نفسه حسدًا لغيره فعليه أن يستعمل معه التقوى والصبر فيكره ذلك نفسه وكثير من الناس الذين عندهم دين لا يعتدون على المحسود ».
* وأما الكبر: قال عنه وهو أن يكون في طبعه أن يتكبر عليه ويستصغره ولربما يتشرف إلى مساواته أو إلى أن يرتفع عليه فيعود متكبرًا ومن التكبر كان حسد أكثر الكفار لرسول الله r إذ قالوا: «كيف يتقدم علينا غلام يتيم؟ وكيف نُطأطئ رؤوسنا» فقالوا كما حكاه الله عنهم: {وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ}. فجاءت الآيات بالرد عليهم: {أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ} [الزخرف: 31، 32].
* وأما التعجب: كما أخبر الله تعالى عن الأمم السالفة إذ قالوا: {مَا أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا} وقالوا: {أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا}.
فتعجبوا أن يفوز برتبة الرسالة والوحي والقرب من الله تعالى بشر مثلهم فحسدوهم وأحبوا زوال النبوة عنهم جزعًا أن يفضل عليهم من هو مثلهم في الخلقة ولهذا نرى بعض الحساد يتمنى زوال النعمة عن المحسود وما ذاك إلا لأنهم تعجبوا من رؤية المحسود في مال أو جاه أو علم أو خير نعوذ بالله من الخذلان.
إن الحسود الظلوم في كرب
­
يخاله من يراه مظلومًا
ذا نفس دائم على نفس
يظهر منها ما كان مكتومًا
* وأما الخوف من فوت المقاصد:
وذلك يختص بمتزاحمين على مقصود واحد، فإن كان واحد يحسد صاحبه في كل نعمة تكون عونًا له في الإنفراد بمقصوده، ومن هذا الجنس تحاسدات الضرَّات في التزاحم على مقاصد الزوجية، وتحاسد الإخوة في التزاحم على نيل المنزلة في قلب الأبوين للتوصل إلى مقاصد الكرامة والمال، وكذلك تحاسد التلميذين لأستاذ واحد على نيل المرتبة من قلب الأستاذ، وتحاسد ندماء الملك وخواصه في نيل المنزلة من قلبه للتوصل به إلى المال والجاه، وكذلك تحاسد الواعظَيْن المتزاحمين على أهل بلدة واحدة إذا كان غرضهما نيل المال بالقبول عندهم، وكذلك تحاسد العالمين المتزاحمين على طائفة من المتفقهة محصورين إذ يطلب كل واحد منزلة في قلوبهم للتوصل إلى أغراض له.
وعند هذا تأسف لحال البغض حيث ارتبطت همتهم بالدنيا ، فنافسوا أقرانهم فيها، فوقعوا في حسدهم نعوذ بالله من الخذلان.
قال ابن المعتز- رحمه الله-:
اصبر على كيد الحسود
فإن صبرك قاتله
فالنار تأكل بعضها
إن لم تجد ما تأكله
قال معاوية t: «ليس في خصال الشر أعدل من الحسد يقتل الحاسد قبل أن يصل إلى المحسود».
* وأما الرياسة وطلب الجاه لنفسه: من غير توصل إلى مقصود وذلك كالرجل الذي يريد أن يكون عديم النظر في فن من الفنون إذ غلب عليه حب الثناء واستفزه الفرح بما يمدح به من أنه واحد الدهر وفريد العصر في فنه وأنه لا نظير له فإنه لو سمع بنظير له في أقصى العالم لساءه ذلك وأحب موته أو زوال النعمة عنه قلت يقع في هذا من ساقته نفسه الرديئة وخلقه الذميم للإضرار بالآخرين من الأقران لشدة الأسى على الخيرات التي وهبهم الله إياها.
إن يحسدوني فإني غير لائمهم
قبلي من الناس أهل الفضل قد حُسدوا
فدام لي ولهم وما بي وما بهم
ومـــــات أكثرنا غيــــظًا بــما يــجـــد
*وأما خبث النفس وشحها بالخير لعباد الله تعالى : فإنك تجد من لا يشتغل برياسة ولا تكبر ولا طلب مال إذا وصف عنده حسن حال عبد من عباد الله فيما أنعم الله به عليه يشق عليه وإذا وصف له اضطراب أمور الناس وإدبارهم وفوات مقاصدهم وتنغص عيشهم فرح به فهو أبدًا يحب الإدبار لغيره ويبخل على عباده كأنهم يأخذون ذلك من ملكه وخزانته. قلت: وهذا يقع فيه بعض الناس الذين مرضت قلوبهم حيث يتألمون ضيقًا وحرجًا وكراهية على النعمة التي أنعم الله بها على غيرهم فتحدث عندهم الرغبة في زوال النعمة من المحسود ويتمنون ذلك ويسعون لإزالتها. هكذا ذكر.
قال محمد الوراق- رحمه الله-:
أعطيت كل الناس من نفسي الرضا
إلا الحسود فإنه أعياني
ما إن لي ذنبًا إليه علمته
إلا تظاهر نعمة الرحمن
وأبى فما يرضيه إلا ذلتي
وذهاب أموالي وقطع لساني
قال بعض الحكماء: «ما أمحق للإيمان، ولا أهتك للستر من الحسد وذلك أن الحاسد معاند لكم الله باغ على عباده عات على ربه يعد نعم الله نقمًا ومزيده غيرًا وعدل قضائه حيفًا. للناس حال وله حال ليس يهدأ ليله ولا ينام جشعه ولا ينفعه عيشه محتقر لنعم الله عليه متسخط ما جرت به أقداره لا يبرد غليله ولا تؤمن غوائله إن سالمته وترك وإن وصلته قطعك وإن صرمته سبقك».
***
آفات الحاسد
اعلم أن للحاسد آفات عديدة منها:
الأولى: إفساده الطاعة والحسنة.
الثانية: الإفضاء إلى فعل المعاصي والآثام والأضرار بالآخرين.
الثالثة: التعب والهم والحسرات.
الرابعة: الاعتراض على القضاء.
الخامسة: انحطاط منزلته.
السادسة: بغض ومقت الخلق له.
السابعة: الحرمان والخذلان.
الثامنة: عمى القلب.
التاسعة: دخول النار.
الآفة الأولى: إفساد الطاعة والحسنة:
فإن الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب، وفيه إسخاط الله تعالى عليه وذلك في معارضته واكتساب الأوزار في المخالفة فالحاسد ليس راض فيما قضى الله.
وجاء في الحديث الذي رواه ابن ماجه عن أنس t أن رسول الله r قال: «الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب، والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار، والصلاة نور المؤمن، والصيام جنة من النار» [وهذا فيه ضعف لأن فيه عيسى بن عيسى وهو ضعيف].
روى الإمام البزار بإسناد جيد والبيهقي وغيرهما عن الزبير t أن رسول الله r قال: «دب إليكم داء الأمم قبلكم الحسد والبغضاء. والبغضاء هي الحالقة أما إني لا أقول تحلق الشعر، ولكن تحلق الدين».
الآفة الثانية: الإفضاء إلى فعل المعاصي والإضرار بالآخرين:
مما لاشك فيه أن الحسد طريق يوصل إلى فعل كل قبيح لأنه أول ذنب عصي الله به في السماء يعني حسد إبليس الرجيم لأبي البشر آدم u، وأول ذنب عصي الله به في الأرض يعني حسد ابن آدم لأخيه حتى قتله، فتأمل كيف أوصله الحسد إلى القتل فهو قد يوصل صاحبه إلى الضرب والشتم والسب والطعن ولربما التعدي على الأنفس والأرواح والأموال والهمز والغمز واللمز وارتكاب الآثام والمنكرات لأن صاحب الحسد نفسه رديئة.
إن الحسود لظلوم في كرب
يخاله من يراه مظلومًا
ذا نفس دائم على نفس
يظهر منها ما كان مكتومًا
قال الإمام الماوردي- رحمه الله-: «لو لم يكن من ذم الحسد إلا أنه خلق دنيء يتوجه نحو الأكفاء والأقارب ويختص بالمخالط والمصاحب لكانت النزاهة عنه كرمًا والسلامة منه مغنمًا فكيف وهو بالنفس مضر وعلى الخصم مصر حتى ربما أفضى بصاحبه إلى التلف من غير نكاية في عدو ولا إضرار بمحسود».
وقيل: من علامات الحاسد: أن يتملق إذا شهد، ويغتاب إذا غاب، ويشمت بالمصيبة إذا نزلت.. وأنشدوا:
كل العداوة ترجى إماتتها
إلا عداوة من عاداك من حسد
الآفة الثالثة: التعب والهم والحسرات:
دع الحسود وما يلقاه من كمده
كفاك منه لهيب النار في جسده
إن لمت ذا حسد نفست كربته
وإن سكت فقد عذبته بيده
قال الأصمعي: «سمعت أعرابيًا يقول: ما رأيت ظالمًا أشبه بمظلوم من الحاسد. حزن لازم، ونفس دائم، وعقل هائم، وحسرة لا تنقضي».
قال بعض الحكماء: «يكفيك من الحاسد أنه يغتم في وقت سرورك».
وقال بعضهم: «غم الحاسد لا ينقطع، وقلبه لا يستريح، ونفسه لا تطمئن، وثائرته لا تسكن، ومصيبته لا يُجبر فيها، وعمله لا يرضى به أحد ولا يقره عليه إلا خبيث مثله، وربه ساخط عليه، ولا ترى الحاسد إلا كئيبًا حزينًا».
الآفة الرابعة: الاعتراض على قضاء الله:
ومعنى هذا كأن الحاسد يقول: يا رب أنا أولى منه بالنعمة. إذ ليس يرى قضاء الله عدلًا ولا النعمة من الناس أهلًا.
قال عبد الله بن المعتز: «الحاسد مغتاظ على من لا ذنب له، بخيل بما لا يملكه، طالب ما لا يجده».
ولهذا حاسد النعمة لا يرضيه إلا زوالها، إذا رأيته وجدته حزينًا معارضًا لقضاء الله وقدره، يحب الشر ولو بيده لسلب النعمة من أخيه، ولجعله فقيرًا بعد الغنى، وذليلًا بعد العز، وأميًا بعد المعرفة، وجاهلًا بعد العلم.
هكذا يسعى الحاسدون، ولكن الله يختص برحمته من يشاء.
وجاء في الحديث القدسي: «الحاسد عدو لنعمتي متسخط لقضائي غير راض بقسمتي التي قسمت بين عبادي».
ولله در القائل:
سلم لربك يا حسود ولا تكن
فيما يريد الله بالمعترض
فالرزق مقسوم وما من موسر
أو معسر إلا بأمر قد مضى
وإذا أفاض الله نعمته على
عبد فأول ما تشاء وفوض
واعلم بأن الله عدل حكمه
سيان إن غضب الحسود وإن رضى
قال منصور الفقيه:
ألا قل لمن ظل لي حاسدًا
أتدري من أسأت الأدب
أسأت على الله في حكمه
إذا أنت لم ترض لي ما وهب
فالحسد يود لو أصبح أصحاب النعم محرومين ويتشفى ويتمنى لو أضحوا لا مكان لهم مشردين ومحرومين وهذا من دلائل الصغار وتعمق الغل في النفوس المريضة بالحسد فالكثير من أصحاب النفوس المريضة بهذا الداء لا يستريحون إلا إذا أفسدوا. نعوذ بالله أن نكون سببًا في شقاء أحد من عباده المسلمين.
الآفة الخامسة والسادسة: انحطاط منزلته وبغضه ومقت الخلق له:
لا شك أن الحاسد إذا أبغضه الناس لأجل أذاه وحسده انحطت منزلته بين الناس، فصار نشازًا يكرهونه ولا يألفونه لأن الطباع البشرية تحب وتألف من يحسن إليها وتكره من يسيء إليها والحسد من أشد الإساءات ولهذا يحصل النفور بينه وبين الخلق لأنه شارك إبليس وعامة الكفار في رغبتهم للمؤمنين البلايا، وزوال النعم وهذه خبائث في النفوس تمحو الحسنات كما يمحو الليل النهار.
ذكر ابن أبي الدنيا قال: «بلغني عن عمر بن ذر رحمه الله أنه قال: اللهم من أرادنا بشر فكفناه بأي حكميك شئت، إما بتوبة وإما براحة».
الآفة السابعة: الحرمان والخذلان:
وهذا من البلاء أن يحرم الإنسان الخير ويخذل في نفسه وحاجته.
فالحاسد هذا لباسه فهو محروم من طمأنينة القلب ومخذول من غيره كلما سار سقط. هفواته متعددة. يحرق نفسه ويعذب قلبه.
قال الحسن علي بن محمد الماوردي - رحمه الله- عن الحاسد: «صدته الشهوة عن مراشده، وأضله الحرمان عن مقاصده، فانقاد للطبع اللئيم، وغلب عليه الخُلُق الذميم، حتى ظهر حسده واشتد كمده». فنعوذ بالله من الحرمان والمقت والخذلان.
قال محمد الوراق:
أعطيت كل الناس من نفسي الرضا
إلا الحسود فإنه أعياني
ما إن لي ذنبًا إلا علمته
إلا تظاهر نعمة الرحمن
وأبى فما يرضيه إلا ذلتي
وذهاب أموالي وقطع لساني
الآفة الثامنة: عمى القلب:
الحسد والبصيرة ضدان لا يجتمعان في قلب كما لا يجتمع الماء والنار.
فالقلب يستنير بالإيمان والطاعات، ومع الحسد يظلم القلب ويقسوا فيأبى صاحبه إلا الجهر بالسوء والتنكر للمعروف.
قال سليمان التيمي- رحمه الله-: «الحسد يضعف اليقين ويسهر العين ويكثر الهم».
يقول ابن القيم رحمه الله:
«ما ضرب عبد بعقوبة أعظم من قسوة القلب والبعد عن الله».
* خلقت النار لإذابة القلوب القاسية.
* أبعد القول من الله القلب القاسي.
* إذا قسا القلب قحطت العين.
* من أراد صفاء قلبه فليؤثر الله على شهواته.
* القلوب المتعلقة بالشهوات محجوبة عن الله بقدر تعلقها بها فالقلوب آنية الله في أرضه فأحبها إليها أرقها وأصلبها وأصفاها.
فالحسد طبع خبيث فكم رابطة قطعها، وكم من محبة مزقها، وكم قلوب أظلمها وأقساها، ولهذا عد العلماء الحسد من الفواحش الباطنة، نعوذ بالله من الإثم ما ظهر منه وما بطن.
الآفة التاسعة: دخول النار:
إن من الدلائل على وخامة الحسد وسوء نهايته قال الله تعالى: {أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا * فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ وَكَفَى بِجَهَنَّمَ سَعِيرًا} [النساء: 54: 55].
فقوله: {وَكَفَى بِجَهَنَّمَ سَعِيرًا} نارًا مسعورة يعذبون بها هذا إن لم تقع عليهم العقوبة فقد كفاهم ما أعد لهم من عذاب جهنم وسعيرها.
وقال رسول الله r: «لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر».
والحسد من الكبر وديننا يمنع الكبر والتعرض للناس بالأذى.
وقد قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا} [الأحزاب: 58].
ومع هذا إن تاب الحاسد وترك أذا فإن الله وعد بأن من تاب إليه تاب عليه، ولعل بما ذكرت من آفات الحاسد وأضراره ما يدعوه إلى الانكفاف عن الحسد وتطهير النفس منه.
***
الاستشهاد على سوء الحسد
قال الله تعالى: {وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا} [النساء: 32].
وقال الله تعالى: {وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهَؤُلَاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ} [الأنعام: 53].
وقال الله تعالى: {لَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ} [الحجر: 88].
وقال الله تعالى: {وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى}[طه: 131].
وقال الله تعالى: {وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ} [الفلق: 5].
وقال الله تعالى: {وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ} [البقرة: 109].
وقال الله تعالى: {أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا} [النساء: 54].
***
التفسير الموجز لهذه الآيات
قال الله تعالى: {وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا} [النساء: 32].
* التفسير الموجز لهذه الآية:
قال الله تعالى: {وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ}. قال الطبري رحمه الله: «ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض من منازل الفضل ودرجات الخير وليرضى أحدكم بما قسم الله له» أ هـ.
وقوله تعالى : {لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ}.
للرجال نصيب من ثواب الله وعقابه مما اكتسبوا من خير أو شر وللنساء نصيب مثل ذلك.
قال الله تعالى: {وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ} أي اسألوا الله توفيقه ومعونته على ما يرضيه {إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا} عليمًا بما يصلح العباد فيما قسم لهم من خير فسلموا الأمر إليه ورضوا بقضائه.
قال الله تعالى: {وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهَؤُلَاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا}.
قال القرطبي رحمه الله: «إن المعنى أُختبر الأغنياء بالفقراء».
وقال الطبري رحمه الله تعالى: «أي ابتلينا واختبرنا بعض الناس بالغنى والفقر، والقوة والضعف، والعز والذل، والهدى والضلال، كي يقول من أضله الله وأعماه عن سبيل الحق أهؤلاء تفضل الله عليهم من دوننا بالهدى والرشاد وهم فقراء ضعفاء ونحن أغنياء أقوياء قالوا ذلك استهزاء وسخرية».
قال الله تعالى: {لَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ}.
قال الطبري رحمه الله عند تفسير هذه الآية: «لا تتمنين ما جعلنا متاعًا للأغنياء الكفار زينة هذه الدنيا فإن من ورائهم عذابًا غليظًا، ولا تحزن على ما متعوا به فإن لك في الآخرة ما هو خير منه».
قال الله تعالى: {وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى}.
قال الطبري رحمه الله: «ولا تمدن: أي لا تنظر».
{إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ}: اي ما جعلنا لأصناف هؤلاء المعرضين من آيات ربهم {زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} متعة في حياتهم الدنيا يتمتعون بزهرتها ونضرتها. {لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ} لنختبرهم في ذلك.
{وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى} ورزق ربك خير مما متعناهم به وأدوم لأنه لا انقطاع له.
وقال الله تعالى: {وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ}.
قال ابن كثير- رحمه الله-: «يحذر الله تعالى عباده المؤمنين من سلوك طريق الكفار وأهل الكتاب ويعلمهم بعداوتهم في الباطن والظاهر وما هم مشتملون عليه من الحسد للمؤمنين».
قال الله تعالى: {أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ}.
قال ابن كثير- رحمه الله-: «يعني بذلك حسدهم للنبي r على ما رزقه الله من النبوة العظيمة، ومنعهم من تصديقه إياه حسدهم لكونه من العرب وليس من بني إسرائيل وهذا فيه إشارة إلى ذم الحسد».
قال الله تعالى: {وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ}.
قال المفسرون: «أي من شر كل حاسد إذا حسد غيره».
قال الشوكاني- رحمه الله-: «ومعنى إذا حسد أي: إذا أظهر ما في نفسه من الحسد وعمل بمقتضاه وحمله الحسد على إيقاع الشر بالمحسود».
قال عمر بن عبد العزيز- رحمه الله-: «لم أر ظالمًا أشبه بالمظلوم من حاسد».
قل للحسود إذا تنفس طعنة
يا ظالمًا وكأنه مظلوم
الدليل من السنة على ذم الحسد
* عن أبي هريرة t أن رسول الله r قال: «إياكم والظن، فإن الظن أكذب الحديث، ولا تحسسوا، ولا تجسسوا، ولا تنافسوا، ولا تحاسدوا، ولا تباغضوا، ولا تدابروا، وكونوا عباد الله إخوانًا كما أمركم ربكم. المسلم أخو المسلم؛ لا يظلمه، ولا يخذله، ولا يحقره. التقوى ههنا، التقوى ههنا - وأشار إلى صدره- بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم. كل المسلم على المسلم حرام؛ دمه وعرضه وماله» [ذكره المنذري رحمه الله في الترغيب. وقال: رواه مالك والبخاري ومسلم].
* وروى ابن ماجه يإسناد صحيح. عن عبد الله بن عمرو- رضي الله عنهما- قال: قيل: يا رسول الله، أي الناس أفضل؟ قال: «كل مخموم القلب صدوق اللسان» قالوا: صدوق اللسان نعرفه، فما مخموم القلب؟ قال: «التقي النقي لا إثم فيه ولا بغي ولا غل ولا حسد».
* وروى ابن ماجه عن أبي الزناد عن أنس t أن رسول الله r قال: «الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب، والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار، والصلاة نور المؤمن، والصيام جنة من النار» [وفيه ضعف].
* وروى الطبراني عن ضمرة بن ثعلبةt قال: قال رسول الله r: «لا يزال الناس بخير ما لم يتحاسدوا» [قال المنذري رحمه الله في الترغيب: ورواته ثقات].
* وأخرج عبد الرازق عن معمر بن إسماعيل بن أمية: «ثلاث لا يسلم منها أحد الطيرة والظن والحسد» قيل فما المخرج منها يا رسول الله؟ قال: «إذا تطيرت فلا ترجع، وإذا ظننت فلا تحقق، وإذا حسدت فلا تبغ» [وذكره صاحب الفتح].
* وجاء في كتاب «المثال» لأبي الشيخ الأصبهاني عن عطاء عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله r: «إن لأهل النعمة حسادًا فاحذروهم» [وفيه ضعف].
***
المؤمن يحب وليس بحسود
قال الله تعالى: {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ * وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الحشر: 8، 9].
تأمل (تبوءوا الدار والإيمان) والمراد الأنصار تبوءوا مدينة رسول الله r فانشرحت صدورهم للمسلمين المهاجرين وصفت قلوبهم لهم فصاروا يقدمون المهاجرين على أنفسهم حتى أن من كان عنده امرأتان ترك عن واحدة ليتزوجها من آخاه من المهاجرين.
وقال الله تعالى: {إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا} [الفتح: 26].
نلاحظ أن الله مدح المؤمنين بما أنزل عليهم من السكينة والطمأنينة.
قال الله تعالى: {وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَلَا
أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} [يونس: 61].
جاء في «الترغيب والترهيب»: «أي شيء ظنهم؟ أيحسبون أن لا يجازوا عليه؛ وفيه إنذار العصاة ويدخل الحسد في ذلك».
وروى أحمد بإسناد على شرط البخاري ومسلم والنسائي عن أنس t قال: بينا نحن عند النبي r إذ قال: «يطلع رجل من أهل الجنة معلق نعليه بشماله» فطلع رجل بهذه الصفة، فسلم وجلس على القدم فلما كان من الغد. قال رسول الله r مثل ذلك فطلع ذلك الرجل على مثل هيئته فلما كان اليوم الثالث قال مثل ذلك، فلما قام رسول الله r سار معه عبد الله بن عمروt وقال: «وقع بيني وبين أبي كلام، وأقسمت أن لا أدخل عليه ثلاث ليال فإذا رأيت أن تؤيني إليك لأجل يميني فعلت». قال: نعم. قال: فكان عبد الله بن عمرو بن العاص يحدث أنه بات عنده ليلة فلم يقم منها إلا أنه إذا نام على فراشه ذكر الله تعالى وكبره حتى يقوم مع الفجر فإذا توضأ أسبغ الوضوء وأتم الصلاة ثم أصبح وهو مفطر قال: فرمقته ثلاث ليال لا يزيد على ذلك غير أني لا أسمعه يقول إلا خيرًا، فلما مضت الثلاث وكدت أن أحقر عمله قلت له: إني لم يك بيني وبين أبي غضب ولا هجرة ولكني سمعت رسول الله r يقول في ثلاث مجالس: «يطلع عليكم رجل من أهل الجنة» فطلعت أنت فأردت أن آوي إليك حتى أنظر ما تعمل فأقتدي بك، فلم أرك تعمل كثيرًا، فما الذي بلغ بك ما قال النبي r؟ قال: «ما هو إلا ما رأيت». فانصرفت عنه فدعاني حين وليت فقال: «ما هو إلا ما رأيت غير أني لا أجد في نفسي شرًّا لأحد من المسلمين، ولا أحسده على خير أعطاه الله إياه». قال: فقلت: هذا الذي بلغ بك ما قال رسول الله r.
قال ابن سعيد المغربي:
ولا تجادل أبدًا حاسدًا
فإنه أدعى إلى هيبتك
وامش الهوينى مظهرًا عفة
وابغ رضا الأعين عن هيبتك
وافش التحيات إلى أهلها
ونبه الناس إلى رتبتك
ولأبي حسن التهامي:
إني لا أرحم حاسدي من حرما
ضمنت صدورهم من الأوغار
نظروا صنيع الله بي فعيونهم
في جنة وقلوبهم في النار
لا ذنب لي قد رمت كتم فضائلي
فكأنما برقــــــعت وجـــــــــه نــهــــــــــــــار
وسترتها بتواضعي فتطلعت
أعناقها تعلو على الأستار
ومن الرجال معالم ومجاهل
ومن النجوم غوامض ودراري
والناس مشتهون في إيرادهم
وتفاضل الأقوام في الإصدار
عمري لقد أوطأتهم طرق العلا
فعموا فلم يقفوا على آثاري
وقال المتنبي:
وهبنني قلت هذا الصبح ليل
أيعمى الظالمون عن الضياء
تطيع الحاسدين وأنت امرؤ
جعلت فداءه وهم فدائي
وقال الطغرائي:
جامل عدوك ما استطعت فإنه
بالرفق يطمع في صلاح الفاسد
واحذر حسودك ما استطعت فإنه
إن نمت عنه فليس عنك براقد
إن الحسود وإن إراك توددًا
منه أضر من العدو الحاقد
ولربما رضي العدو إذا رأى
منك الجميل فصار غير معاند
ورضا الحسود زوال نعمتك التي
أوتيتها من طارق أو تالد
فاصبر على غيظ الحسود فناره
ترمي حشاه بالعذاب الخالد
أو ما رأيت النار تأكل نفسها
حتى تعود إلى الرماد الهامد
تضفوا على المحسود نعمة ربه
ويذوب من كمد فؤاد الحاسد
وقال آخر:
لا غرو إن حسدت بنوء مناقبي
كل على مجرى أيبه جار
ورحمتا للحاسدين فنارهم
قد سعرت بعدًا لها من نار
وإذا جرى ذكري تكاد قلوبهم
تنشق أو تغتالني بشرار
كرهوا عطاء الله لي يا ويحهم
لشقائهم كرهوا صنيع الباري
ويزيدهم نارًا قوة قريحتي
وبلوغ أخباري إلى الأقطار
فاحذر بني الدنيا وكن في غفلة
عنهم وجانب كل كلب ضار
واحفظ لصاحبك القديم مكانه
لا تترك الود القديم الطاري
ومعالجة ذلك: تارة بالزهد في الدنيا وأنها لا تعدل عند الله جناح بعوضة فلا وجه للمنافسة فيها عند العقلاء؛ وتارة بالرضا بالقضاء فإنك إن لم ترض لم تحصل إلا على الندم وفوات الثواب وغضب رب الأرباب، فهما مصيبتان أو أكثر وليس للعاقل حيلة في دفع القضاء فعليه بالرضا.
مالي على مر القضاء
من حيلة غير الرضا
أنا في الهوى عبد وما
للعبد أن يتعرضا
***
الجزاء من جنس العمل
قال الله تعالى: {جَزَاءً وِفَاقًا} [النبأ: 26].
لقد جعل الله عز وجل في هذا الكون الفسيح سننًا ثابتة تفعل فعلها متى شاء الله لها وهي تتحرك بأمر خالقها جل وعلا فإننا معشر المسلمين لو وضعنا قاعدة الجزاء من جنس العمل، وكما تدين تدان أمام أعيننا لتوقفنا عن أفعال أنفسنا القبيحة، ولسلكنا ما ينفعنا وينفع غيرنا ولو تأمل المجترئ على فعل القبيح أن عاقبة فعله ستؤول عليه لما أقدم على فعل القبيح ولو تأمل الظالم المتسلط بظلمه على غيره أنه سيقع في عاقبة ظلمه وأن الله سينصر المظلوم ولو بعد حين لكف الظالم عن ظلمه.
وكذلك الحاسد لو تأمل عاقبة حسده وفتنته وشره لكف عن الحسد ولأحب لأخيه المسلم ما يحبه لنفسه.
يقول ابن الجوزي رحمه الله: «واعلم أن الجزاء بالمرصاد كانت حسنة أو سيئة، قال تعالى: {مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ} [النساء: 123].
والحاسد يعادي نفسه يحسد فيغتاب ليصل لمراده من الإساءة بالآخرين، والله تعالى يقول: {وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا}.
وروى الإمام أحمد وأبو داود عن سعيد بن زيد t بسند صحيح أن النبي r قال: «إن من أربى الربا الاستطالة في عرض المسلم بغير حق».
ولهذا جاء في حديث أبي هريرة t مرفوعًا: «من أكل لحم أخيه في الدنيا قرب به يوم القيامة فيقال له: كله ميتًا كما أكلته حيًّا، فيأكله ويكلح ويصيح».
وكذلك ترى الحاسد يتتبع العورات فإذا ما هاج في حسد أحد من المسلمين أو أبغضه تتبع عوراته والجزاء من جنس العمل.
جاء في الحديث الذي رواه أبو عن أبي برزة الأسلمي t قال: قال رسول الله r: «يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان في قلبه، لا تغتابوا المسلمين، ولا تتبعوا عوراتهم، وإن من تتبع عورة أخيه تتبع الله عورته، ومن تتبع الله عورته يفضحه ولو في جوف بيته» هكذا كما تدين تدان.
كذلك ترى الحاسد له همة في التعبير فإنك تراه لا يطمئن في مجلسه إلا ويعير المحسود ويصفه بأوصاف لا تمت له بصلة أو لربما كانت فيه فالحاسد جرئ على القبيح من القول. وغفل الحاسد أنه سيقع في شر عمله هذا. قيل في الأمثال: «من عير أخاه بلبن الكلبة لا يموت إلا إذا رضعها».
وقال عمرو بن شرحبيل: «لو رأيت رجلًا يرضع عنزًا فضحكت منه لخشيت أن أصنع مثل الذي صنع».
وقال عبد الله بن مسعود t: «البلاء موكل بالقول لو سخرت من كلب لخشيت أن أحول كلبًا» كما تدين تدان فهل يعلم الحاسد هذا؟!
فالحاسد يختلق الكذب لما في قلبه من المرض فهو يروج الباطل على المحسود ليصل لمراده من التشفي به مع أن الكذب من كبائر الذنوب.
قال الله تعالى: {إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ} [النحل: 105].
قال مالك بن دينار: «الصدق والكذب يعتركان في القلب حتى يخرج أحدهما صاحبه».
وروى البيهقي رحمه الله عن عائشة رضي الله عنها عن النبي r قال: «وإن الكذب يهدي إلى الفجور وإن الفجور يهدي إلى النار وإن الرجل ليكذب حتى يكتب عند الله كذابًا».
قال ابن دينار رحمه الله: «ما من خطيب إلا وتعرض خطبته على عمله، فإن كان صادقًا صدق، وإن كان كاذبًا قرضت شفتاه بمقاريض من نار كلما قرضتا نبتتا» وهكذا كما تدين تدان.
وكذلك ترى الحاسد يصمك بما ليس فيك أو يتنقص في منزلتك عند الناس أو يحتقر أفعالك عند الآخرين فنفسه مريضة مشغوفة بذكر السقطات وما ذاك إلا لتشويه صورة المحسود وهذا من البغي.
وغفل الحاسد أن بغيه هذا سيعاقب عليه والجزاء من جنس العمل. قال الله تعالى: {إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ} [يونس: 23].
قيل في الحكم: «البغي من فروع الحسد وأقدم الناس على البغي من جهل المعرفة بسرعة نصر الله لمن بغي عليه».
روي عن ابن عباس t أنه قال: «لو بغى جبل على جبل لدك الباغي منهما».
ومن قول ابن عباس هذا؛ أخذ الشاعر فقال:
لو بغي جبل يومًا على جبل
لدك منه أعاليه وأسفله
ولكن مع هذا البغي من الحاسد على المحسود لربما كان الحسد منبهًا على مكانة المحسود بين الناس وذم ونقص واحتقار الحسود. كما قال أبو تمام الطائي:
وإذا أراد الله نشر فضيلة
طويت أتاح لها لسان حسود
لولا اشتعال النار فيما جاورت
ما كان يعرف طيب عرف العود
لولا التخوف للعواقب لم يزل
للحاسد النعمى على المحسود
قال الإمام الماوردي رحمه الله: «ليعلم أن مكانته في نفسه أبلغ ومن الحسد ابعد- يعني المحسود-».
وقد قيل: «العجب لغفلة الحساد عن سلامة الأجساد».
وقد يتعدى الحاسد إلى ما هو أفظع من ذلك لينال أغراضه ومقاصده الخبيثة، وهذه آفة تزيد القلب بعدًا وتملئه قسوةً، وإليك بعضًا من الأمثلة التي ظهر فيها الحسد يحمل معه في قلبه صاحبه غيظًا وزفيرًا وقد وقع من هذا الكثير إلا أنني أذكر بعضًا منها على سبيل المثال لا الحصر:
هذه قصة حسد إبليس لآدم u
قال الله تعالى: {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ} [البقرة: 34].
لما خلق الله تعالى آدم u أمر الملائكة أن يسجدوا لآدم سجود تكريم لا سجود عبادة، فقام الملائكة بواجب الطاعة لله تعالى فسجدوا، إلا إبليس ففسق عن أمر ربه، وأبى أن يسجد استكبارًا وحسدًا، فقال: {قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ} [ص: 76].
وسأل الله تعالى إبليس وهو أعلم عن السبب الذي من أجله امتنع عن السجود إذ أمره فذكر إبليس محتجًا بأنه أفضل من آدم! فعاقبه الله تعالى وطرده من رحمته، ولعنه وأعد له جهنم وساءت مصيرًا.
قال الله تعالى: {قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعَالِينَ * قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ * قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ * وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَى يَوْمِ الدِّينِ} [ص: 75- 78].
وهذه قصة ابني آدم u
وماذا فعل الحسد بهما
قال الله تعالى: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ * لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ * إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ * فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [المائدة: 17- 30].
وقد ذكر السدي عن أبي مالك وأبي صالح عن ابن عباس رضي الله عنهما وعن ناس من الصحابة رضي الله عنهم كما نقله ابن كثير: «أن آدم u كان يزوج ذكر كل بطن بأنثى الآخر، وان هابيل أراد أن يتزوج بأخت قابيل، وكان أكبر من هابيل وأخت قابيل أحسن، فأراد قابيل أن يستأثر بها على أخيه وأمره آدم u أن يزوجه إياها، فأبى فأمرهما أن يقربا قربانًا فقرب هابيل جذعة سمينة وكان صاحب غنم، وقرب قابيل حزمة من زرع من رديء زرعه، فنزلت نار فأكلت قربان هابيل وتركت قربان قابيل فغضب وقال لأقتلنك! حتى لا تنكح أختي فقال إنما يتقبل الله من المتقين فرمى على رأسه صخرة وهو نائم فشدخه بها، وهكذا حسد أخاه فقتله.
وأحب أن أبين لأخي القارئ أنه لم يرد في القرآن وكتب السنة تعيين اسمي ولدي آدم ولا طريقة القتل وإنما نقل ذلك عن بني إسرائيل ولا بأس بقول ذلك لإشهاره وعدم المخالفة.
والشاهد ما ورد في الآيات السابقة أنه قتله لأنه لم يتقبل من القاتل وتقبل من أخيه فحسده ثم قتله عدوانًا وظلمًا.
فحذار حذار من الحسد فلا تهمله وتتهاون به لأنه يبدأ صغيرًا فيكبر شيئًا فشيئًا نعوذ بالله من ذلك.
وهذا أول ذنب عصي الله به في الأرض حيث حسد ابن آدم أخاه حتى قتله قال بعض الحكماء من رضي بقضاء الله تعالى لم يسخطه أحد ومن قنع بعطائه لم يدخله حسد.
وهنا لو أن ابن آدم رضي بما حصل من نعمة لأخيه لما كان منه القتل ولكن لما ضاق صدره أظهر غيظه وحسده فقتله فباء بالإثم والحرمان.
فالذي ينبغي علينا عند ملاحظة النعم عند الآخرين أن نحب لهم ما نحبه لأنفسنا وإن ولج في أنفسنا غيرة مذمومة فنستعيذ بالله منها ونسأل الله من فضله.
قال الله تعالى: {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [آل عمران: 26].
قصة حسد أبناء يعقوب u
لأخيهم يوسف u
قال تعالى حاكيًا عن يوسف أنه قال: {إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ * قَالَ يَا بُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ} [يوسف: 4- 5].
يوسف u رأى هذه الرؤيا في حداثة سنه، ووقع تفسيرها بعد أربعين سنة وذلك بعد أن جاء بأبويه وإخوانه من بلاد الشام إلى مصر بعد أن صار في مصر ملكًا على أموالها وخزائنها ويوسف u أمره أبوه أن لا يحدث بهذه الرؤيا حتى لا يحسده إخوانه. فالشمس والقمر هما أبواه وإخوانه الأحد عشر كوكبًا وسيخرون له سجدًا تكريمًا له وهذا في شريعتهم من الجائز.
ثم تفضيل وميل يعقوب u ليوسف على إخوانه سببًا من الأسباب التي ألهبت ضغينة إخوانه فحسدوه على هذه المنزلة فكادوا له ليخلوا لهم وجه أبيهم.
ماذا فعل بهم الحسد؟
لقد أثار ضغينتهم فاتفق الإخوة على إقصاء يوسف من حياتهم قال الله تعالى: {إِذْ قَالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ * اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ}[يوسف: 8، 9].
قال الله تعالى: {وَجَاءُوا أَبَاهُمْ عِشَاءً يَبْكُونَ * قَالُوا يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِنْدَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ * وَجَاءُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ} [يوسف: 16- 18].
إن أخوة يوسف دفعهم الحسد إلى إلقاء يوسف في البئر.
تأمل كم يُهيَّض الحسد تلك النفوس حتى يجعلها تدب في الكيد والخديعة والوقيعة والإفساد في الأرض.. «إن الحسد لنار لكنه في قلب الحاسد».
***
وهذه قصة حسد قريش لرسول الله r
لما بعث الله عز وجل محمدًا r نبيًّا ورسولًا إلى الثقلين كافة وأظهر الله له هذا الدين، أبت قريش وأظهرت غيظها وحسدها لماذا تكون الرسالة في آل هاشم دوننا فأبوا طاعته، وأعلنوا الحرب عليه وهيضوا القبائل ضد دعوته، وسفهوا أمره، وكادوا له المكائد، ونادوا عليه بالساحر والكاهن والشاعر وانطلق حسدهم وعدائهم يفتح أبواقه في المواسم أن محمدًا يفرق بين الأخ وأخيه والمرء وأبيه وبين الرجل وزوجه ولم تكتف قريش بهذا بل بحثت عن أساليب أخرى للكيد والصد معلنة حسدها فأقامت النضر بن الحارث زعيم إعلانها للصد والحسد وقد كان النضر بن الحارث على صلة وثيقة بالفرس حيث سكن الحيرة وتعلم من مبادئ ملوك الفرس وعلومها وديانتها وقام يتابع النبي r في أماكن دعوته التي ينادي الناس فيها إلى توحيد الله ونبذ ما يعبدون من دون الله، فيقوم النضر ويحذر قريشًا ويحدثهم بأحاديث وقصص فارس ثم يقول من باب الحسد: «وهل كان محمد أحسن مني حديثًا وبيانًا؟ إنه يتلوا أساطير الأولين» وهكذا لم يتوقف الأمر على ذلك بل اظهروا خبثهم الممزوج بِسُم حسدهم أن حاولوا اغتياله في مواطن عدة.
واليهود ليس بأقل منهم حسدًا لرسولنا r فلقد وصف الله اليهود في مواضع عدة في كتابه كقوله: {وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ} [البقرة: 109].
والله تعالى عصم نبيه وأعلى شأنه ورفع ذكره في الأولين والآخرين صلوات الله وسلامه عليه.
قال ابن الجوزي رحمه الله إن أردت العيش فأبعد عن الحسود لأنه يرى نعمتك. وقال: وقد عرفت أن قابيل أخرجه الحسد إلى القتل وإخوة يوسف باعوه بثمن بخس وكان أبو عامر الراهب من المتعبدين العقلاء وعبد الله بن أبي من الرؤساء أخرجهما حسدهم لرسول الله r إلى النفاق وترك الصواب قد غطى الحسد على أقوام فتركوا الحق وقد عرفوه فأمية بن الصلت يقر برسول الله r ويقصده ليؤمن به ثم يعود فيقول لا أؤمن برسول ليس من ثقيف».
وقال- رحمه الله-: «لا ينبغي أن تطلب لحاسدك أكثر مما هو فيه فإنه في أمر عظيم متصل لا يرضيه إلا زوال نعمتك وكلما أمددت امتد عذابه فلا عيش له وما طاب عيش أهل الجنة إلا حين نزع الحسد والغل من صدورهم ولولا أنه نزع تحاسدوا وتنغص عيشهم فنعوذ بالله من ظلمة الحسد فهو مرض من أشد الأمراض والابتلاء به أعظم أنواع الابتلاء يحمل صاحبه على البغي والمكر والوقيعة ويبعد صاحبه عن التقوى».
***
الحسد وطالب العلم
هناك فرق بين طلب العلم بالمنافسة المحمودة، وطلبه بالمنافسة المذمومة. قال ابن القيم الجوزية رحمه الله: «الفرق بين المنافسة والحسد أن المنافسة هي المبادرة إلى الكمال الذي تشاهده من غيرك فتنافسه فيه حتى تلحقه أو تجاوزه فهي من شرف النفس وعلو الهمة وكبر القدر.
قال الله تعالى: {وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ} [المطففين: 26].
وأصلها من الشيء النفيس الذي تتعلق به النفوس طلبًا ورغبة فتنافس فيه كل من النفسين الأخرى ربما فرحت إذا شاركتها فيه كما كان أصحاب الرسول r يتنافسون في الخير ويفرح بعضهم ببعض باشتراكهم فيه بل يحض بعضهم بعضًا عليه مع تنافسهم فيه وهي نوع من المسابقة قال الله تعالى: {فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ} [البقرة: 148].
فإذا رغب العلماء وطلاب العلم بعلمهم المال والشهرة والجاه تحاسدوا ولهذا قال ابن تيمية رحمه الله: «الحسد مرض من أمراض النفس وهو مرض غالب فلا يخلص منه إلا القليل من الناس».
فالحسد إذا تمكن من طالب العلم فإنه ينبت حب الدنيا في قلبه وهذا يفسد عليه أعماله فكلما زاد وتوغل في نفسه كان الإثم أكثر والضرر أكبر وهذا يفسد على طالب العلم طريقه في الطلب نعوذ بالله من ذلك.
فلو أن طالب العلم طلبه بإخلاص لصفا قلبه في الطلب، وعمل بالمنافسة المحمودة مع الأقران دون التعرض لهم بالأذى أو قدحهم بالإساءة أو الرغبة في حصول المكروه لديهم أو الفرح بما يضرهم.
فهذا ترى الحاسد من هؤلاء يسره ويفرح إذا وقع قرينه من طلبة العلم في الخطأ، ففرحه هذا لأن قرينه يزاحمه على الصدارة في الطلب، ويفرح بتأخره عن مجلس العلم، وتجده ينشرح إذا همز قرينه أو أحرج، لأن هذا الأمر في راحة في نفسه، وكذلك تراه يحب أن تراه يقال في قرينه الغيبة أو الأخذ عليه ولا يدافع عنه، وإذا مدح قرينه أمامه تغير وجهه وكره سماع الثناء عليه. وإذا أمر قرينه بالكلام أو الموعظة أو أُستفي أو طلب منه أن يذكر حديثًا من العلم إلا وتراه إما أن يقوم من المجلس أو يهوَّن من شأن ذلك، لأن هذا الحاسد يرى ذلك من أصعب الأمور عليه. كيف يتصدَّر قرينه ويُطلب منه هذا وهو لا يُطلب منه.
وإن قام الناس لقرينه في المجلس من باب الاحترام والتقدير إلا وتراه يُظهر التأفف وعدم الاهتمام فهو يكره أن يفوقه قرينه بهذا التقدير من الناس، وهذه آفاتٌ ينبغي لطالب العلم أن يتخلص منها بمجاهدة نفسه وصيانتها.
ذكر أن الأحنف بن قيس صلى على حارثة بن قدامة السعدي فقال: «رحمك الله كنت لا تحسد غنيًا ولا تحقر فقيرًا».
***
أمثلة من مواقف السلف في الرعاية والتذمم
يبرز فيها التقدير والاحترام لبعضهم ونبذهم الحسد فيما بينهم.
قال ابن القاسم رحمه الله: «سمعت مالكًا وهو يذكر رجلًا رأى فيما يراه النائم في خلافة أبي بكر t أن القيامة قد قامت، وأن الناس حشروا، قال: فكأنه ينظر إلى عمر بن الخطاب t قد فرع الناس بسطه (أي علاهم) قال: فقلت في منامي: بما فضل عمر بن الخطاب الناس؟! قال: فقيل لي بالخلافة والشهادة، وأنه لا يخاف في الله لومة لائم.
فأتى الرجل حين أصبح فإذا أبو بكر وعمر قاعدان جميعًا، فقص عليهما الرؤيا فلما فرغ منها انتهزه عمر، ثم قال له: قم أحلام نائم!! فقام الرجل فلما توفى أبو بكر وولى عمر أرسل إليه، ثم قال له: أعد علي الرؤيا التي رأيتها. قال: أو ما كنت رددتها علي؟! فقال له عمر: أو ما كنت تستحي أن تذكر فضلي في مجلس أبي بكر وهو قاعد».
تأمل هذه الرعاية وهذا البسط في حفظ ما للآخرين وخاصة أهل المنزلة من احترام وتوقير وود.
وروى الحافظ ابن أبي الدنيا في كتابه :«الصمت وحفظ اللسان» عن علي بن الحصين قال: «سمعت طارقًا قال: كان بين سعد وخالد كلام، فذهب رجل يقع في خالد t عند سعد t فقال له: مه! إنَّ ما بيننالم يبلغ ديننا».
ومعنى «مه»: أي اكفف عن هذا.
تأمل كيف منعه سعد أن يخوض في القول ضد خالد، وهذا يدل على سلامة القلوب وإن كان هناك من الخلاف في أمر ما.
وروى الإمام الآجري في كتابه «أخلاق العلماء»: «قال محمد بن الحسين في وصف العلم وطلب العلم: أن يأمن شره من خالطه، ويأمن خيره من صاحبه، لا يؤاخذ بالعثرات، ولا يشيع الذنوب عن غيره، ولا يقطع بالبلاغات ولا يفشي سر من عاداه ولا ينتصر منه بغير حق، ويعفو ويصفح عنه، ذليل للحق عزيز عن الباطل كاظم للغيظ لا مدهن ولا مشاحن ولا محتال ولا حسود ولا حقود ولا سفيه ولا جاف ولا فظ ولا غليظ ولا طعان ولا لعان ولا مغتاب ولا سباب، يخالط من الإخوان من عاونه على طاعة ربه ونهاه عما يكرهه مولاه ويخالق بالجميل، سليم القلب للعباد من الغل والحسد، يغلب على قلبه حسن الظن بالمؤمنين، ولا يحب زوال النعم عن أحد من العباد»
وذكر رحمه الله: عن عطاء بن السائب عن عبد الرحمن بن أبي ليلى رحمهما الله قال: «أدركت عشرين ومائة من أصحاب النبي r من الأنصار إذا سئل أحدهم عن الشيء أحب أن يكفيه صاحبه».
تأمل، فهذا يدل على سلامة القلوب من الحسد.
جاء في سير أعلام النبلاء للإمام الذهبي- رحمه الله-: «محمد ابن سلام وأبو حفص الفقيه رحمهما الله كان بينهما مودة وأخوة وتآلف مع اختلاف في مذهبهما» وهذا يدل على أن من يطلب العلم وينشره ابتغاء وجه الله لا يحسد أقرانهم من طلاب العلم وإنما يبتغي لهم ما يبتغيه لنفسه ويحب لهم ما يحب لنفسه.
وذكر الإمام الذهبي رحمه الله قال عبد الله بن محمد الوراق: «كنت في مجلس أحمد بن حنبل فقال: من أين أقبلتم؟ قلنا: من مجلس أبي كريب. فقال: اكتبوا عنه فإنه شيخ صالح. فقلنا إنه يطعن عليك. قال: فأي شيء حيلتي شيخ صالح قد بلي بي». وهذا يدل على سلامة القلوب وعافيتها.
وذكر السلماسي رحمه الله في كتابه «منازل الأئمة الأربعة» قال: قال الشافعي رحمه الله: «إذا رأيت رجلًا من أصحاب الحديث فكأني رأيت رجلًا من أصحاب رسول الله r فجزاهم الله خيرًا فهم حفظوا لنا الأصل فهم علينا فضل».
هكذا نبذوا الحسد من قلوبهم بتقدير الأقران.
وجاء في سير أعلام النبلاء للذهبي- رحمه الله- أن الإمام أحمد رحمه الله تعالى كان يوقر الشافعي- رحمه الله- ويسأله عما أشكل عليه وبلغه عن بعض من حضره أنه ينقل عن فلان وفلان من الأئمة أنهما يهونان من أمر الشافعي ففطن الإمام أحمد لهذا وقال: اعلموا رحمكم الله تعالى أن الرجل من أهل العلم إذا منحه الله شيئًا من العلم وحرمه قرناؤه حسدوه فرموه بما ليس فيه وتبت هذه الخصلة في أهل العلم وطلابه».
اشتهر الشافعي وذاع صيته وبلغ الآفاق وسمع به الركبان وتجمع حوله الطلاب ينهلون مما وهبه الله من العلم فضم مجلسه الكثير من الراغبين للعلم فحسده بعض الأقران.
وأرحم أقوامًا من العي والغباء
وأعذر في بغضي لأنهم ضد
فحاول حاسدوه أن يحرجوه أمام الناس لينتقصوا من مكانته وعلمه ولهذا اتفق أولئك الحساد من أقرانه على الاستعداد لإحراجه أمام الخليفة الرشيد الذي كان يحب الشافعي ويقدره لعلمه وقصد أولئك الحساد التنقيص في شخصية الشافعي رحمه الله تعالى.
دخل الشافعي رحمه الله تعالى إلى مجلس الخليفة فلما جلس بادره هؤلاء بأسئلة حرجة جاء كما يلي:-
ماذا تقول في رجل ذبح شاة في منزله ثم خرج لحاجة وعاد فقال لأهله كلوا أنتم الشاة فقد حرمت علي، فقال أهله ونحن حرمت علينا كذلك؟
فقال الشافعي: إن الرجل كان مشركًا فذبح الشاة على اسم الأنصاب وخرج من منزله لبعض حاجاته فهداه الله إلى الإسلام، وأسلم فحرمت عليه الشاة. وعندما علم أهله بإسلامه أسلموا هم أيضًا فحرمت عليهم الشاة.
ثم سألوا: أخذ رجل قدح ماء ليشرب فشرب نصفه حلالًا وحرم عليه بقية ما في القدح!
قال إن الرجل شرب نصف القدح ورعف في الماء الباقي في القدح فاختلط الدم بالماء فصار حرامًا عليه.
ثم سألوا: رأى رجل وامرأة غلامين في الطريق فقبلاهما، ولما سئلا في ذلك قال الرجل: أبي جدهما، وأخي عمهما، وزوجتي امرأة أبيهما.
فقال الشافعي رحمه الله تعالى: إن الرجل كان أبًا للغلامين، والمرأة أمهما.
وسألوه: زنى خمسة نفر بامرأة فوجب على أولهم القتل، وثانيهم الرجم، وثالثهم الحد، ورابعهم نصف الحد وخامسهم لا شيء عليه! فقال رحمه الله: استحل الأول الزنا فصار مرتدًّا فوجب عليه القتل، والثاني كان محصنًا والثالث غير محصن والرابع كان عبدًا والخامس كان مجنونًا.
وسألوه: أعطى رجل امرأته كيسًا مملوءًا مختومًا وطلب إليها أن تفرغ ما فيه بشرط أن لا تفتحه أو تفتقه أو تكسر خاتمه أو تخرقه وهي إن فعلت شيئًا فهي طالق.
فقال رحمه الله: «إن الكيس مملوءًا بالسكر أو الملح، وما على المرأة إلا أن تضعه في الماء فيذوب ما فيه.
عندها زاد حب الخليفة الشافعي وزاد إعجابه لما شاهده من سرعة فهمه وإدراكه لمثل هذه المسائل، وقال: لله درك. فتصبب العرق من جباه هؤلاء، وما كان قصدهم إلا إحراج الشافعي رحمه الله لينالوا غرضهم من تنقيصه إذا لم يجب على ما طلبوا من أسئلتهم.
كم تطلبون لنا عيبًا فيعجزكم
ويكره الله ما تأتون والكرم
ما أبعد العيب والنقصان من شيمي
أنا الثريا وذان الشيب والهرم
يقول الأحنف بن قيس: «ما عاداني أحد قط إلا أخذت في أمره بإحدى ثلاث خصال: إن كان أعلى مني عرفت له قدره، وإن كان دوني رفعت قدري عنه، وإن كان نظيري تفضلت عليه».
فأخذ الشاعر هذا فنظمه شعرًا فقال:
سألزم نفس الصفح عن كل مذنب
وإن كثرت منه الجرائم
فأما الذي فوقي فأعرف قدره
وأتبع فيه الحق والحق لازم
وأما الذي دوني فأحلم دائبًا
أصون به عرضي وإن لام لاثم
كيف يتخلص الحاسد من داء الحسد
علمنا فيما مضى صريح الآيات والحديث والآثار ما ينفر من طبع الحسد وإذا علم الحاسد أنه بعمله هذا شابه إبليس في طبعه لأنه يرغب ما يريده إبليس من فساد الناس وزوال ما أنعم الله له عليهم، وأن من تطبع بهذا فهو من جند إبليس وأنه بحسده يعترض على أقدار الله وأنه في هم ونكد وكمد وعذاب فإذا علم الحاسد ذلك دفعه إيمانه ومن ثم خوفه إلى هجران الحسد والانكفاف عنه والاستعاذة بالله منه.
قال الشيخ محمد بن أحمد الحنبلي في كتابه «غذاء الألباب شرح منظومة الآداب»: «إن الآدمي قد جبل على حب الرفعة فلا يحب أن يعلو عليه أحد في نعمة من نعم الدنيا فإذا علا أحد شق عليه وأحب زوال ما علا به».
أنا في الهوى عبد وما
للعبد أن يتعرضا
وتارة في النظر فيما يتعلق بتلك النعم من الآفات.
فإذا لم يعمل بمقتضى ما في النفس ولم ينطق لم يضره ما وضع في الطبع وقد روى أبو هريرة t عن النبي r: «ثلاثة لا ينجو منهن أحد الظن، والطيرة، والحسد. وسأحدثك بالمخرج من ذلك إذا ظننت فلا تحقق، وإذا حسدت فلا تبغ، وإذا تطيرت فلا ترجع».
أي: امض لما قصدت له ولا تصدنك عنه الطيرة فالحسد يضر الحاسد في الدين والدنيا، ولا يستضر بذلك المحسود فلا تؤذ نفسك.
أما ضرره في الدين فإن الحاسد قد سخط قضاء الله تعالى فكره نعمته على عباده وهذا قذى في بصر الإيمان، ويكفيه أن شارك إبليس في الحسد وفارق الأنبياء في حبهم الخير لكل أحد.
ثم إن الحسد يحمل على إطلاق اللسان في المحسود بالشتم والتحيل على آذاه.
وأما ضرره في الدنيا فإن الحاسد يتألم ولا يزال في كمد.
دع الحسود وما يلقاه من كمده
كفاك منه لهيب النار في جسده
إن لمت ذا حسد نفست كربته
وإن سكت فقد عذبته بيده
***
فهل لمريض داء الحسد دواء؟
إنه متى كان الحاسد مدركًا عقوبة حسده وأذاه فإن علاجه أن يترك أسباب الحسد كلها باطنها وظاهرها وهي المذكورة سابقًا ثم عليه أن يعلم أنه يحسد أخوة له في الدين، والله تعالى يقول: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [الحجرات: 10].
وهو يحسدهم على ماذا؟ إنما يحسدهم على حطام الدنيا الزائل لا غير فهل حسدهم على صيام النهار وقيام الليل وقراءة القرآن وحضور مجالس العلم والذكر والعمل الصالح ظاهره وباطنه فلا أراه هنا يحسدهم فرحم الله مسلمًا عرف مقدار نفسه، وتأمل حال الدنيا وزوالها وعاش الدنيا مع إخوانه المسلمين برحابة صدر وصدق لقاء وطلاقة وجه ومحبة في إخاء وتعاون على البر والتقوى.
قال الأصمعي: «رأيت أعرابيًا أتى عليه مائة وعشرون سنة فقيل له: ما أطول عمرك! قال: تركت الحسد فبقيت».
هذا هو شأن المسلم مع إخوانه المسلمين.
كما قال العابد حاتم الأصم: «نظرت في هذا الخلق فأحببت واحدًا، وأبغضت واحدًا، فالذي أحببته من الناس لم يعطني والذي أبغضته لم يأخذ مني شيئًا، فقلت في نفسي: من أين أتيت في هذا؟ فرأيت أني أوتيت من قبل الحسد فطرحت الحسد من قلبي، فأحببت الناس كلهم فكل شيء لم أرضه لنفسي لم أرضه لهم».
هكذا نستطيع أن نحب المسلمين ماداموا على طاعة الله. ومحبة الخير للمسلمين أمر واجب في ديننا.
ولذلك قال رسول الله r: «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه» [متفق عليه].
وتأمل قوله: «فكل شيء لم أرضه لنفسي لم أرضه لهم».
هكذا استطاع حاتم بتوفيق ربه أن يزيل أسباب الحسد من قلبه، وينعم بالطمأنينة مع إخوانه المسلمين وما ذاك إلا حينما طرح الحسد من قلبه وأحب الناس وتعامل معهم بمقتضى روابط الأخوة الإيمانية.
فهل يتحقق هذا في واقعنا؟
إنه يتحقق حينما نعود إلى ظل الأخوة الإسلامية ورياضها كما أمرنا الله بذلك، فقال تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا} [آل عمران: 103].
فالإخوة الإسلامية تقتضي حسن الخلق وطيب اللقاء مع المسلمين حيث أنها رباط إيماني يمتدد من تقوى الله عز وجل ليصل بالفرد إلى الاعتصام مع الجماعة بحبل الله تعالى.
قال تعالى: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [الحشر: 10].
قال خالد بن صفوان رحمه الله: «إن أعجز الناس من قصر في طلب الإخوان وأعجز منه من ضيع من ظفر به منهم».
قال عمر t: «لقاء الإخوان جلاء الأحزان، وإذا رزقك الله مودة امرئ مسلم فثبت بها». قال الإمام الشافعي رحمه الله تعالى: «لولا صحبة الأخيار، ومناجاة الحق تعالى بالأسحار، ما أحببت البقاء في هذه الدار».
وقال ابن مسعود t: «من أراد أن يُعطى الدرجة القصوى يوم القيامة فليصاحب في الله».
وذكر ابن قتيبة رحمه الله تعالى: «قال اليزيدي: رأيت الخليل بن أحمد فوجدته قاعدًا على طنفسة فأوسع لي فكرهت التضييق عليه فقال: إنه لا يضيق سم الخياط على متحابين، ولا تسع الدنيا متباغضين».
يقول أبو سليمان الدارني رحمه الله تعالى: «لو أن الدنيا كلها في لقمة ثم جاءني أخ لي لأحببت أن أضعها في فيه».
وهو الذي يقول: «إني لألقم اللقمة أخًا من إخواني فأجد طعمها في حلقي».
وقال علي بن الحسين t لرجل: «هل يدخل أحدكم يده في كم أخيه أو كيسه فيأخذ منه ما يريد بغير إذنه؟! قال: لا. قال: فلستم بإخوان؟!».
هكذا يعرفون قدر إخوانهم ويجعلون الميزان الحقيقي للأخوة الحب في الله كما بينه النبي r في الحديث الذي رواه الإمام البخاري رحمه الله عن أنس t قال: قال رسول الله r: «والذي نفسي بيده لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه».
وجاء في لفظ آخر فيما رواه البخاري وأبو داود والترمذي ومالك رحمهم الله تعالى: «والذي نفسي بيده لا يؤمن عبد حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه من الخير».
فهذا هو الضابط لمفهوم الأخوة الإسلامية الذي لا يكمل الإيمان إلا بمثله نقل ابن حجر رحمه الله تعالى أن الإمام الكرماني رحمه الله قال عند شرح هذا الحديث: «ومن الإيمان أيضًا أن يبغض ما يبغض لنفسه من الشر ولم يذكر في الحديث لأن حب الشيء مستلزم لبعض نقيضه، فترك التنصيص عليه اكتفاء».
ولهذا كان السلف رحمهم الله تعالى يبذلون ما في وسعهم للإخاء الصادق، فهذا الإمام مسلم رحمه الله تعالى يروي لنا في صحيحه في كتاب فضائل الصحابة أن أبا هريرة t يطلب من النبي r أن يدعوا له ولأمه بالمحبة الصادقة للمؤمنين، فقام الرسول r يدعوا لهما: «اللهم حبب عبيدك هذا وأمه إلى عبادك المؤمنين وحبب إليهم المؤمنين».
وهذا لأن الحب في الله والبغض في الله من أوثق عرى ديننا ولا يكمل الإيمان إلا بهذا التواجد العاطفي بين المسلم وأخيه المسلم.
ومصداقًا لذلك قال الله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [الحجرات: 10].
وجاء في الحديث الذي رواه الإمام البخاري رحمه الله تعالى: «لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا، ألا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم».
فمن حق هذه الأخوة والرابطة القوية التي دعا لها الإسلام أن يقوم المسلم بواجبها مع إخوانه المسلمين من التعاون على البر والتقوى والسماحة واللطافة والاحترام والجود والإحسان والكرم والبر والصلة والألفة والتواضع والحياء وضبط النفس وحفظ اللسان واللين والرفق ورغبة الخير لهم والابتعاد عن الإساءة لهم كالحسد والتجريح والمضايقة والإثم والبخل والشح والخيانة والظلم والغلظة والفضاضة والكبر وكشف العيوب وسلاطة اللسان بالغيبة والنميمة وكل ما يسيء للأخوة بينهم، وهذا هو مقتضى حديث نبينا r: «المؤمن ألف مألوف ولا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف» [رواه الإمام أحمد رحمه الله تعالى].
فأصحاب النفوس الزكية والقلوب النقية يحبون الخير لإخوانهم المسلمين، ويتمتعون بلذة المآخاة معهم ويعتبرونها عبادة يتقربون إلى الله بها، أما أصحاب القلوب المظلمة التي عماها الحسد وأفسدتها الغيرة الممقوتة، فإنهم لا يرقبون في مؤمن إلًا ولا ذمة ويبغونهم السوء، ويفرحون بسوء حالهم، ويسعدون لتتبع سقطات أقرانهم وما ذاك إلا بسبب الإرادات المريضة التي لا تحب للآخرين ما تحبه لها فتكيد وتمكر وتحتال على الموهوب، وما ذنبه؟! إلا لأن الله فضله بشيء من نعمه فحاز الرفعة والسبق، ومحط الأنظار فصار ذلك المريض بداء الغيرة الممقوتة يظهر ما في نفسه من الحسد، قال رسول الله r عن الحسد: «لا يجتمعان في قلب عبد الإيمان والحسد».
فالحسد عواقبه خطيرة، قال القرطبي رحمه الله: «الحسد مذموم، وصاحبه مغموم».
حسد العين
قال الله تعالى حكاية عن يعقوب في قصة يوسف u: {وَقَالَ يَا بَنِي لَا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُتَفَرِّقَةٍ} [يوسف: 67].
قال الله تعالى: {وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ} [القلم: 51].
قال النبي عليه الصلاة والسلام: «العين حق، ولو كان شيء سابق القدر سبقته العين، وإذا استغسلتم فاغسلوا» [رواه مسلم رحمه الله عن ابن عباس t].
ومعنى قوله: (استغسلتم فاغسلوا): أي إذا وقع حسد العين من أحدكم على الآخر فإنه يؤمر بالاغتسال ليأخذ المحسود الماء بعد غسله ليغتسل به.
وفي الحديث: «العين حق حتى تدخل الجمل القدر والرجل القبر». [متفق على صحته].
وروى البزار رحمه الله عن جابر بن عبد الله t أن النبي r قال: «أكثر من يموت من أمتي بعد كتاب الله وقضاءه وقدره بالأنفس».
وروى مالك عن محمد بن أبي أمامه بن سهل بن حنيف: «أنه سمع أباه يقول: اغتسل سهل بن حنيف بالجرار «ماء المدينة» فنزع جبة كانت عليه. وعامر بن ربيعة ينظر قال وكان سهل رجلًا أبيض حسن الجلد قال: فقال له عامر بن ربيعة: «ما رأيت كاليوم ولا جلد عذراء» فوعك سهل مكانه، واشتد وعكه فأتى رسول الله فأخبر أن سهلًا وعك وأنه غير رائح معك يا رسول الله، فأتاه رسول الله r فأخبره سهل بالذي كان من شأن عامر. فقال رسول الله r: «علام يقتل أحدكم أخاه ألا بركت إن العين حق توضأ له». فتوضأ عامر فراح سهل مع رسول الله r ليس به بأس وفي رواية اغتسل فاغتسل له عامر وجه ويديه ومرفقيه وركبتيه وأطراف رجليه وداخل إزاره في قدح ثم صب عليه فراح سهل مع رسول الله r ليس به بأس.
ومن هنا نعلم أن حسد العين حقيقة ظاهرة فالله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم وهو قائم في النفوس التي لا تتقي الله.
جاء في الطب لابن القيم الجوزية رحمه الله أنه قال: «أبطلت طائفة ممن قل نصيبهم من السمع والعقل أمر العين وقالوا إنما ذلك أوهام لا حقيقة لها وهؤلاء من أجهل الناس بالسمع والعقل ومن أغلظهم حجابًا وأكثفهم طباعًا وأبعدهم عن معرفة الأرواح والنفوس وأفعالها وتأثيراتها وعقلاء الأمم على اختلاف مللهم ونحلهم لا تدفع أمر العين ولا تنكره وإن اختلفوا في سببه ووجهه تأثير العين».
وقال في موضع آخر: «العين عينان: عين إنسية وعين جنية».
وهذا يعني أن الجن يصيبون بهذا الداء كما هو حال الإنس فالإنس يصيبون بنظرات عيونهم وكذا الجن ينفسون بأعينهم.
قال الخطابي رحمه الله: «عيون الجن أنفذ من الأسنة».
وعلى هذا يفهم أن العين قد تأتى عن طريق الإنس أو الجن وكلاهما شر يجب التعوذ بالله منه، فحسد العين ينطلق من نفس شريرة لم تروض على الخير بل تفلتت فتطبعت على الشر.
قال ابن القيم رحمه الله عن العين التي تخرج من الإنسان: «سهام تخرج من نفس الحاسد، والعائن نحو المحسود والمعين تصيبه تارة وتخطئه تارة، فإن صادفته مكشوفًا لا وقاية عليه أثرت فيه ولابد، وإن صادفته حذرًا شاكي السلاح لا منفذ فيه للسهام لم تؤثر فيه».
وهذا والذي يظهر لي أن المقصود أنه تحصن بالأذكار الشرعية وقوة الإيمان فإنه والحالة هذه لا تؤثر فهي وإن كان ضعيفًا هزيلًا بإيمانه وأذكاره أثرت فيه.
فالعين تحصل بمشيئة الله بسبب إعجاب العائن بما لدى الآخرين فإن العائن يتبع ذلك الإعجاب بنفس خبيثة توجه نارها بنظرة إلى الميعن وتعينه على ذلك قوة شيطانية خفية تؤدي هذا الغرض.فأمثل تلك العين بنظرة مسمومة تخرج من نفس العائن كالسهم الحاد فيخطفه الشيطان ويطعن به في جسد المعين فتارة تصيب رأسه وتارة تصيب بطنه أو قدمه أو يده أو ماله ونحو ذلك فيتأثر المعين بمشيئة الله وربما مرض أو مات.
لهذا ينبغي على من يحصل منه هذا أن يستغفر الله ويذكره ويثني عليه ويعود لسانه «ما شاء الله تبارك الله» حين يرى ما يعجبه عند الآخرين فإن النبي r قال: «إذا رأى أحدكم ما يعجبه في نفسه أو ماله فليبارك عليه فإن العين حق» [رواه ابن السني رحمه الله].
وجاء في لفظ آخر: «وأعجبه ما يعجبه فليدع بالبركة».
وفي لفظ : «علام يقتل أحدكم أخاه إذا رأى أحدكم ما يعجبه فليدع له بالبركة».
فعلى المسلم إذا رأى ما يعجبه عند نفسه أو عند الآخرين أن يثني على الله ويحمده ويقول:«ما شاء الله لا قوة إلا بالله» وليتق الله من النظرات الشرهة الجامحة للشرِّ والحقد.
والعاقل هو الذي يدرك أن فضل الله يؤتيه من يشاء وأن الله قسم على العباد أرزاقهم فيرضى بما قسم الله فتطمئن نفسه.
***
قرأت
أن امرأة كانت مشهورة بحسد العين فجاء إليها رجل يعمل بالتجارة فقال لها: إن تجارًا سيأتون اليوم بقافلة محملة بالتجارة والبضائع فأريد منك أن تخرجي معي على طرف الطريق فإذا أقبلت القافلة من بعيد ترمينها بسهام عينك قالت: نعم؛ فخرجت معه فلما أقبلت القافلة من بعيد قال لها: انظري. قالت: له أتراها من بعيد؟ فأصابته بالعين فعميت عينه فكأنه عاتبها فقالت خرجت. نعوذ بالله.
وذكر الحموي صاحب «ثمرات الأوراق» رحمه الله قال: كان أبو عبد الله البناجي مجاب الدعوة فبينما هو في أسفاره إما حاجًا وإما غازيًا على ناقة وكان في الطريق رجل عائن قلّما ينظر إلى شيء إلا أتلفه وأسقطه وكانت الناقة فارهة فقيل له: أحفظها من العائن فقال أبو عبد الله: ليس له إلى ناقتي سبيل فأخبر العائن بقوله فتحيز غيبة أبي عبد الله فجاء إلى رحله وعان ناقته فاضطربت ناقته وسقطت تضطرب فجاء أبو عبد الله فأخبر فقيل له: قد عان ناقتك وهي تراها تضطرب. فقال: دلوني على العائن فدل عليه فقال: بسم الله ردت عين العائن عليه ثم قرأ: {فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ * ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ} فخرجت حدقة العائن وقامت الناقة لا بأس بها».
قال الأصمعي رأيت رجلًا عيونًا سمع بقرة تحلب فأعجبه شخبها فقال أيتهن هذه؟ فقالوا الفلانية لبقرة أخرى يورون عنها فهلكتا جميعًا المورى بها والمورى عنها.
قال الأصمعي وسمعته يقول: «إذا رأيت الشيء يعجبني وجدت حرارة تخرج من عيني» نعوذ بالله.
وقرأت أن رجلًا إذا نظر للملاعق تنثني وإذا نظر إلى لفازة الزهور أسقطها فتتحطم من شر حسده وقوة عينه وفي وقتنا الكثير من هذه الوقائع التي تحكي هذا الأمر ولهذا ذكر العلماء أن الحسد آفة حقيقية تنفذ سمومها في الواقع».
***
كيف يتوقى من حسد العين؟
بالاستعاذة بالله وتوحيده ومعرفته بأسمائه وصفاته مع التوكل عليه.
روى البخاري ومسلم رحمهما الله عن عائشة رضي الله عنها قالت: أن رسول الله r: «كان إذا أوى إلى فراشه جمع كفيه ثم نفث فيهما فقرأ فيها { قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} و {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ} و {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} ثم يمسح بهما ما استطاع من جسده يبدأ بهما على رأسه ووجه وما أقبل من جسده يفعل ذلك ثلاث مرات».
وروى الإمام أحمد والنسائي عن عقبة: «أن النبي r قال: يا عقبة ألا أعلمك خير سورتين قرئتا {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ} و { قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} يا عقبة اقرأهما كل ما نمت وقمت ما سأل سائل ولا استعاذ مستعيذ بمثلهما».
وروى البخاري رحمه الله عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان رسول الله r يعوذ الحسن والحسين ويقول: «أعيذكما بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة وكل عين لامة ويقول: هكذا كان إبراهيم يعوذ إسحاق وإسماعيل عليهما السلام».
فينبغي للمسلم أن يكثر من الاستعاذة بالله في كل وقته في الليل والنهار والصباح والمساء وكذا قراءة آية الكرسي وفاتحة الكتاب.
روى الديلمي عن عمران بن الحصين رضي الله عنهم أن النبي r قال: «فاتحة الكتاب وآية الكرسي لا يقرأهما عبد في دار فتصيبهم في ذلك اليوم عين إنس ولا جن».
وكان بعض السلف يتحصن فيقول: «تحصنت بالله الذي لا إله إلا هو. إلهي وإله كل شيء، واعتصمت بربي ورب كل شيء، توكلت على الحي الذي لا يموت واستدفعت الشر بلا حوله ولا قوة إلا بالله حسبي الله ونعم الوكيل حسبي الرب من العباد حسبي الخالق من المخلوق حسبي الرازق من المرزوق حسبي الذي هو حسبي، حسبي الذي بيده ملكوت كل شء وهو يجير ولا يجار عليه، حسبي الله وكفى، سمع الله لمن دعا، ليس وراء الله مرمى حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم» هكذا يستطيع المسلم أن يحصن نفسه من أعين الإنس وأنفس الجن.
أما إذا وقعت الإصابة بحسد العين فإن العلاج كالآتي:
إذا عرفنا صاحب العين (الحاسد) فإن الأمر يتطلب حسن الظن بالله تعالى والتوكل عليه ثم مشافهة العائن بفعله حتى يقوم العائن بالغسل كما هو من حديث محمد بن أبي أمامة بن سهل بن حنيف بالخرار فنزع جبة كانت عليه وعامر بن ربيعة ينظر قال: وكان سهل رجلًا أبيض حسن الجلد فقال له عامر بن ربيعة: ما رأيت كاليوم ولا جلد عذراء» قال: فوعك سهل مكانه واشتد وعكه فأتى رسول الله r فأخبر أن سهلًا وعك. فقال رسول الله r: «علام يقتل أحدكم أخاه ألا بركت إن العين حق توضأ له». فتوضأ له عامر فراح سهل مع رسول الله r ليس به بأس».
وفي لفظ آخر رواه الإمام أحمد وابن ماجة: «هل تتهمون له أحدًا؟» قالوا: نتهم عامر بن ربيعة. قال: فدعا رسول الله r عامرًا فتغيظ عليه وقال: «علام يقتل أحدكم أخاه؟ ألا بركت. اغتسل له» فغسل عامر وجهه ويديه ومرفقيه وركبتيه وأطراف رجليه وداخل إزاره في قدح ثم صب عليه فراح سهل مع الناس ليس به بأس».
ذكر القرطبي رحمه الله فقال: «ركب سعد بن أبي وقاص t يومًا فنظرت إليه امرأة فقالت: إن أميركم هذا ليعلم أنه أهضم الكشحين فرجع إلى منزله فسقط فبلغه ما قالت المرأة فأرسل إليها فغسلت له».
أما ما يفعله بعض الناس من تتبع أثر العائن وأخذ موطأ قدمه أو أكل ما فضل منه من طعام وأمثال هذا فلا أصل له.
وكذلك ما يفعله البعض من تعليق الحروز والتمائم والخيوط والنعال وجلود الذئاب والثعالب ونحو هذا لطرد العين والتحصن منها فهذا النوع يعد من الشرك.
ثانيًا: إذا أصيب الإنسان بالعين ولم يعرف العائن فإن طريقة علاجه بالتوجه بالدعاء إلى الله ثم بالرقية الشرعية وهي أن يقرأ عليه سورة الفاتحة وآية الكرسي وقل أعوذ برب الفلق وقل أعوذ برب الناس مع النفث ويدعى له بالشفاء ويعوذ بالتعوذات الشرعية التي وردت عن رسول الله r منها: «أعيذك بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة ومن كل عين لامة». ونحو ذلك مما سبق ذكره.
خلاصة هذا الكتاب
1- الحسد مرض اجتماعي جاء التحذير منه.
2- الحسد نار يحرق صاحبه.
3- الحسد يقتل التنافس الشريف.
4- الحسد يؤدي إلى اللدد والخصومة.
5- الحسد يزرع الضغائن في المجتمع.
6- الحسد لباس من لا خلاق له.
7- الحسد من أسلحة الشيطان للفرقة والتناحر.
8- الحسد يتنافى مع روح السماحة بين المسلمين.
9- الحسد يزرع في قلب صاحبه الفساد وفي نفسه الفجور.
10- الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب.
11- الحسد يجنح بصاحبه إلى المقت والكذب.
12- الحسد صورة للغلظة في القلوب والعيب في النفوس.
13- الحسد سم في فم صاحبه، يجرح به الآخرين.
14- الحسد يعمل على تفشي سوء الظن بين المسلمين.
15- الحسد ينبت الجفاء في القلوب.
16- الحسد نقص في الإيمان وقدح في القلوب.
17- الحسد يحض صاحبه على الغمز والهمز واللمز { وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ} .
18- الحسد علامة على قلة الحياء (والحياء من الإيمان).
19- الحسد بريد النظرات المسمومة والنفوس الشرهة.
20- الحسد يزرع الإثم والقطيعة.
21- الحسد من كبائر الذنوب والآثام.
22- الحسد من وسائل هلاك الأمة.
23- يزرع منهج الاختلاف وجاء في الحديث: «فإن من كان قبلكم اختلفوا فهلكوا».
24- الحسد يعين على خلق الاتهام وعدم التثبت.
25- الحسد يزرع العداوات وينشر الظلم ويقضي على الولاء والبراء في قلب صاحبه.
26- الحسد صاحبه يبغض من يحبه الله ويحب من يبغضه الله.
27- الحسد يقطع صلة الود والمحبة بين المسلمين.
28- الحسد صاحبه يناصب أقرانه العداء.
29- الحسد يجر صاحبه للاحتكار والتسخط بالآخرين.
30- الحسد يحمل صاحبه على إيقاع الشر بالمحسود.
31- الحسد لا يجتمع مع الإيمان.
32- الحسد صاحبه شرعت له الاستعاذة بالله من شره. قال الله تعالى: { وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ } .
***
الخاتمة
والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، الداعي للبشارات.
وأود أن أجعل خاتمة هذا لكتاب إقراري بأن ما جاء فيه من حق فهو بمعونة الله وتوفيقه، وما يحتمل أن يكون خلافه فهو من قصوري وأستغفر الله وأتوب إليه.
دعاء
اللهم متّع قلوبنا بذكر جلالك، وسهرنا عما نامت عنه عيون الغافلين.
اللهم نسألك لذة العيش بعد الموت، وحسن النظر إلى وجهك الكريم والشوق إلى لقائك، ونعوذ بك من شر حاسد إذا حسد. آمين.
كتبه ويرجو الدعاء
عيسى بن إبراهيم الدريويش

------------------------