٠ كتاب النكاح بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كِتَابُ النِّكَاحِ
1819 - مَسْأَلَةٌ: وَفَرْضٌ عَلَى كُلِّ
قَادِرٍ عَلَى الْوَطْءِ إنْ وَجَدَ مِنْ أَيْنَ يَتَزَوَّجُ أَوْ يَتَسَرَّى أَنْ
يَفْعَلَ أَحَدَهُمَا وَلَا بُدَّ، فَإِنْ عَجَزَ عَنْ ذَلِكَ فَلْيُكْثِرْ مِنْ
الصَّوْمِ. بُرْهَانُ ذَلِكَ -: مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ نا
عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ نا أَبِي نا الْأَعْمَشُ نا إبْرَاهِيمُ
النَّخَعِيُّ عَنْ عَلْقَمَةَ أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ
يَقُولُ: لَقَدْ قَالَ لَنَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
«يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ وَمَنْ
لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ» . وَمِنْ طَرِيقِ
مُسْلِمٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ نا حُجَيْنٌ نا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى نا
لَيْثٌ - هُوَ ابْنُ سَعْدٍ - عَنْ عُقَيْلٍ - هُوَ ابْنُ خَالِدٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ
أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ سَمِعَ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ
يَقُولُ: «أَرَادَ عُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونٍ أَنْ يَتَبَتَّلَ فَنَهَاهُ رَسُولُ
اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -» وَهُوَ قَوْلُ جَمَاعَةٍ مِنْ
السَّلَفِ. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ
عَبْدِ اللَّهِ الْبَلْخِيُّ نا أَبُو سَعِيدٍ مَوْلَى بَنِي هَاشِمٍ نا حُصَيْنُ
بْنُ نَافِعٍ الْمَازِنِيُّ قَالَ: ني الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ
هِشَامِ بْنِ عَامِرٍ أَنَّهُ سَأَلَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ - رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهَا - عَنْ التَّبَتُّلِ؟ فَقَالَتْ: لَا تَفْعَلْ أَمَا سَمِعْت
قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا
لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً}[الرعد: 38] فَلَا تَتَبَتَّلْ. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ
عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَإِبْرَاهِيمَ بْنِ مَيْسَرَةَ، كِلَاهُمَا عَنْ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ لِرَجُلٍ:
لِتَتَزَوَّجَنَّ أَوْ لَأَقُولَنَّ لَك مَا قَالَ عُمَرُ لِأَبِي الزَّوَائِدِ:
مَا يَمْنَعُك مِنْ النِّكَاحِ إلَّا عَجْزٌ أَوْ فُجُورٌ. وَقَدْ احْتَجَّ قَوْمٌ
فِي الْخِلَافِ هَذَا بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَسَيِّدًا وَحَصُورًا}[آل
عمران: 39] ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ:
وَهَذَا لَا حُجَّةَ فِيهِ؛ لِأَنَّنَا لَمْ نَأْمُرْ
الْحَصُورَ بِاتِّخَاذِ النِّسَاءِ، إنَّمَا أَمَرْنَا بِذَلِكَ مَنْ لَهُ قُوَّةٌ
عَلَى الْجِمَاعِ. وَمَوَّهُوا أَيْضًا بِخَبَرَيْنِ -: أَحَدُهُمَا - عَنْ النَّبِيِّ
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «خَيْرُكُمْ فِي الْمِائَتَيْنِ الْخَفِيفُ
الْحَاذِ الَّذِي لَا أَهْلَ لَهُ وَلَا وَلَدَ» . وَالْآخَرُ: مِنْ طَرِيقِ حُذَيْفَةَ
أَنَّهُ قَالَ «إذَا كَانَ سَنَةَ خَمْسٍ وَمِائَةٍ فَلَأَنْ يُرَبِّيَ أَحَدُكُمْ
جَرْوَ كَلْبٍ خَيْرٌ مِنْ أَنْ يُرَبِّيَ وَلَدًا» ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ:
وَهَذَانِ خَبَرَانِ مَوْضُوعَانِ؛ لِأَنَّهُمَا مِنْ رِوَايَةِ أَبِي عِصَامٍ
رَوَّادِ بْنِ الْجَرَّاحِ الْعَسْقَلَانِيِّ - وَهُوَ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ - لَا يُحْتَجُّ
بِهِ. وَبَيَانُ وَضْعِهِمَا: أَنَّهُ لَوْ اسْتَعْمَلَ النَّاسُ مَا فِيهِمَا
مِنْ تَرْكِ النَّسْلِ لَبَطَلَ الْإِسْلَامُ، وَالْجِهَادُ، وَالدِّينُ، وَغَلَبَ
أَهْلُ الْكُفْرِ مَعَ مَا فِيهِ مِنْ إبَاحَةِ تَرْبِيَةِ الْكِلَابِ، فَظَهَرَ
فَسَادُ كَذِبِ رَوَّادٍ بِلَا شَكٍّ
- وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ؟ قَالَ عَلِيٌّ:
وَلَيْسَ ذَلِكَ فَرْضًا عَلَى النِّسَاءِ، لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى عَزَّ
وَجَلَّ: {وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللاتِي لا يَرْجُونَ نِكَاحًا}[النور: 60] . وَلِلْخَبَرِ
الثَّابِتِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -
مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَابِرِ بْنِ
عَتِيكٍ عَنْ عَتِيكِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَتِيكٍ أَنَّ جَابِرَ بْنَ عَتِيكٍ
أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -
قَالَ: «الشَّهَادَةُ سَبْعٌ سِوَى الْقَتْلِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَذَكَرَ - عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِيهَا: وَالْمَرْأَةُ تَمُوتُ بِجُمْعٍ شَهِيدَةٌ» .
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهِيَ الَّتِي تَمُوتُ فِي نِفَاسِهَا، وَاَلَّتِي
تَمُوتُ بِكْرًا لَمْ تُطْمَثْ.
٩:٢٥ ص
١ مسالة
التزوج من اكثر من اربعة نسوة 1820 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ
يَتَزَوَّجَ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعَةِ نِسْوَةٍ إمَاءٍ أَوْ حَرَائِرَ، أَوْ
بَعْضُهُنَّ حَرَائِرُ وَبَعْضُهُنَّ إمَاءٌ. وَيَتَسَرَّى الْعَبْدُ وَالْحُرُّ
مَا أَمْكَنَهُمَا، الْحُرُّ وَالْعَبْدُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ، بِضَرُورَةٍ
وَبِغَيْرِ ضَرُورَةٍ. وَالصَّبْرُ عَنْ تَزَوُّجِ الْأَمَةِ لِلْحُرِّ أَفْضَلُ.
بُرْهَانُ ذَلِكَ -: قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ
مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ}[النساء: 3] . نا حُمَامٌ نا عَبَّاسُ
بْنُ أَصْبَغَ نا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ نا بَكْرُ بْنُ
حَمَّادٍ نا مُسَدَّدٌ نا يَزِيدُ نا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمِ
بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ غَيْلَانَ بْنَ سَلَمَةَ أَسْلَمَ
وَعِنْدَهُ عَشْرُ نِسْوَةٍ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ
وَسَلَّمَ -: «اخْتَرْ مِنْهُنَّ أَرْبَعًا» . فَإِنْ قِيلَ: فَإِنَّ مَعْمَرًا أَخْطَأَ
فِي هَذَا الْحَدِيثِ فَأَسْنَدَهُ؟ قُلْنَا: مَعْمَرٌ ثِقَةٌ مَأْمُونٌ، فَمَنْ ادَّعَى
عَلَيْهِ أَنَّهُ أَخْطَأَ فَعَلَيْهِ الْبُرْهَانُ بِذَلِكَ، وَلَا سَبِيلَ لَهُ
إلَيْهِ. وَأَيْضًا -: فَلَمْ يَخْتَلِفْ فِي أَنَّهُ لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ
زَوَاجُ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِ نِسْوَةٍ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ،
وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ قَوْمٌ مِنْ الرَّوَافِضِ لَا يَصِحُّ لَهُمْ عَقْدُ
الْإِسْلَامِ. وَبَقِيَ مِنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ: نِكَاحُ الْحُرِّ الْأَمَةَ، وَكَمْ
يَنْكِحُ الْعَبْدُ، وَهَلْ يَتَسَرَّى الْعَبْدُ؟ فَأَمَّا نِكَاحُ الْحُرِّ
الْأَمَةَ فَاخْتَلَفَ النَّاسُ فِي ذَلِكَ -: فَرُوِّينَا عَنْ عَلِيٍّ - وَلَمْ
يَصِحَّ -: لَا يَنْبَغِي لِحُرٍّ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَمَةً وَهُوَ يَجِدُ طَوْلًا
يَتَزَوَّجُ بِهِ حُرَّةً، فَإِنْ فَعَلَ فُرِّقَ بَيْنَهُمَا. عَنْ ابْنِ
عَبَّاسٍ: مَنْ مَلَكَ ثَلَاثَمِائَةِ دِرْهَمٍ وَجَبَ عَلَيْهِ الْحَجُّ،
وَحَرُمَ عَلَيْهِ نِكَاحُ الْأَمَةِ. وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ - وَلَمْ يَصِحَّ
عَنْهُمَا -: مَا إنْ يَخَفْ نِكَاحَ الْأَمَةِ عَلَى الزِّنَا إلَّا قَلِيلًا.
وَصَحَّ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ: مَنْ وَجَدَ صَدَاقَ حُرَّةٍ فَلَا
يَنْكِحُ أَمَةً، وَلَا تُنْكَحُ الْأَمَةُ عَلَى الْحُرَّةِ، وَتُنْكَحُ
الْحُرَّةُ عَلَى الْأَمَةِ. وَعَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ كَتَبَ
إلَيْهِ يَعْلَى بْنُ مُنَبِّهٍ فِي رَجُلٍ تَحْتَهُ امْرَأَتَانِ حُرَّتَانِ،
وَأَمَتَانِ مَمْلُوكَتَانِ؟ فَكَتَبَ إلَيْهِ عُمَرُ: فَرِّقْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ
الْأَمَتَيْنِ. وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنِ عُمَرَ: أَنَّهُمَا كَرِهَا أَنْ
تُنْكَحَ أَمَةٌ عَلَى حُرَّةٍ يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا. وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ: لَا
تُنْكَحُ الْأَمَةُ عَلَى الْحُرَّةِ إلَّا الْمَمْلُوكُ. وَصَحَّ عَنْ ابْنِ
عَبَّاسٍ قَالَ: تَزْوِيجُ الْحُرَّةِ عَلَى الْأَمَةِ الْمَمْلُوكَةِ طَلَاقُ
الْمَمْلُوكَةِ - وَبِهِ يَقُولُ الشَّعْبِيُّ. وَرُوِّينَا عَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّهُ قَالَ:
مِمَّا وَسَّعَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ عَلَى هَذِهِ الْأُمَّةِ نِكَاحُ الْأَمَةِ وَالنَّصْرَانِيَّةِ
وَإِنْ كَانَ مُوسِرًا -. وَرُوِّينَا عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ قَالَ: سَأَلْت
سُفْيَانَ الثَّوْرِيَّ عَنْ نِكَاحِ الْأَمَةِ؟ فَقَالَ: لَمْ يَرَ عَلِيٌّ بِهِ
بَأْسًا. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهُوَ قَوْلُ عُثْمَانَ الْبَتِّيِّ. وَقَالَ
أَبُو حَنِيفَةَ: جَائِزٌ لِلْحُرِّ الْمُسْلِمِ وَاجِدِ الطَّوْلِ وَلِلْعَبْدِ
أَنْ يَنْكِحَا الْأَمَةَ، إلَّا أَنْ يَكُونَ عِنْدَهُ حُرَّةٌ، قَالَ: فَإِنْ كَانَتْ
فِي عِصْمَتِهِ حُرَّةٌ مُسْلِمَةٌ أَوْ كِتَابِيَّةٌ لَمْ يَجُزْ لَهُ نِكَاحُ
الْأَمَةِ أَلْبَتَّةَ - لَا بِإِذْنِ الْحُرَّةِ وَلَا بِغَيْرِ إذْنِهَا -
فَإِنْ فَعَلَ فُسِخَ نِكَاحُ الْأَمَةِ - وَكَذَلِكَ لَوْ تَزَوَّجَ أَمَةً وَقَدْ
طَلَّقَ زَوْجَتَهُ الْحُرَّةَ ثَلَاثًا، أَوْ أَقَلَّ مَا دَامَتْ فِي
عِدَّتِهَا. وَجَائِزٌ عِنْدَهُ نِكَاحُ الْحُرَّةِ عَلَى الْأَمَةِ مَا لَمْ
يَتَجَاوَزْ بِالْجَمِيعِ أَرْبَعًا.
وَقَالَ مَالِكٌ: لَا يَجُوزُ لِلْحُرِّ نِكَاحُ أَمَةٍ
إلَّا بِاجْتِمَاعِ الشَّرْطَيْنِ: أَنْ لَا يَجِدَ صَدَاقَ حُرَّةٍ، وَأَنْ
يَخْشَى الْعَنَتَ، فَإِنْ تَزَوَّجَهَا عَلَى حُرَّةٍ فُسِخَ نِكَاحُ الْأَمَةِ. ثُمَّ رَجَعَ
عَنْ ذَلِكَ فَأَبَاحَ نِكَاحَ الْأَمَةِ الْمُؤْمِنَةِ خَاصَّةً لِلْفَقِيرِ
وَلِلْمُوسِرِ الْحُرِّ وَالْعَبْدِ. قَالَ: فَإِنْ كَانَتْ عِنْدَهُ حُرَّةٌ
فَتَزَوَّجَ أَمَةً عَلَيْهَا: خُيِّرَتْ الْحُرَّةُ، فَإِنْ شَاءَتْ أَقَامَتْ
عِنْدَهُ، وَإِنْ شَاءَتْ فَارَقَتْهُ. قَالَ: فَإِنْ رَضِيَتْ بِذَلِكَ فَلَهُ
أَنْ يَتَزَوَّجَ عَلَيْهَا تَمَامَ أَرْبَعٍ مِنْ الْإِمَاءِ إنْ شَاءَ، وَلَا
خِيَارَ لِلْحُرَّةِ بَعْدُ. قَالَ: وَيَتَزَوَّجُ الْعَبْدُ الْأَمَةَ عَلَى الْحُرَّةِ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَجُوزُ نِكَاحُ الْحُرِّ الْوَاجِدِ صَدَاقَ حُرَّةٍ
مُؤْمِنَةٍ، أَوْ كِتَابِيَّةٍ لِأَمَةٍ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ طَوْلًا لِحُرَّةٍ -
وَخَشِيَ مَعَ ذَلِكَ الْعَنَتَ - فَلَهُ نِكَاحُ أَمَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَاحِدَةٍ،
لَا أَكْثَرَ. وَقَالَ مَرَّةً: إنْ لَمْ يَجِدْ صَدَاقَ حُرَّةٍ مُسْلِمَةٍ
وَوَجَدَ صَدَاقَ حُرَّةٍ كِتَابِيَّةٍ، فَلَهُ نِكَاحُ الْأَمَةِ الْمُسْلِمَةِ.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: أَمَّا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ فَهُوَ عَارٍ مِنْ
الْأَدِلَّةِ جُمْلَةً، وَإِنْ كَانَ قَدْ وَافَقَ فِي بَعْضِهِ بَعْضَ السَّلَفِ
فَقَدْ خَالَفَ قَوْلَ سَائِرِهِمْ، وَلَيْسَ قَوْلُ أَحَدٍ بِأَوْلَى مِنْ قَوْلِ
غَيْرِهِ إلَّا بِبَيَانِ قُرْآنٍ أَوْ سُنَّةٍ. وَأَمَّا قَوْلُ مَالِكٍ
الْأَوَّلُ، وَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ الْآخَرُ، فَقَدْ يُظَنُّ أَنَّهُمَا
تَعَلَّقَا بِالْقُرْآنِ، وَأَمَّا قَوْلَاهُمَا الْمَشْهُورَانِ عَنْهُمَا،
فَخِلَافٌ لِلْقُرْآنِ؛ لِأَنَّ قَوْلَ مَالِكٍ فِي مَنْعِ الْحُرِّ نِكَاحَ
الْأَمَةِ بِأَنْ تَكُونَ عِنْدَهُ حُرَّةٌ، وَإِبَاحَتُهُ لَهُ نِكَاحَ الْأَمَةِ
إذَا لَمْ تَكُنْ عِنْدَهُ حُرَّةٌ، وَإِنْ كَانَ مُسْتَطِيعًا لِطَوْلٍ يَنْكِحُ
بِهِ الْحُرَّةَ الْمُسْلِمَةَ لَيْسَ تَقْتَضِيهِ الْآيَةُ أَصْلًا، وَلَا
جَاءَتْ بِهِ سُنَّةٌ قَطُّ، إلَّا أَنْ يَتَعَلَّقَ هُوَ وَأَبُو حَنِيفَةَ بِمَا
رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نا إسْمَاعِيلُ بْنُ إبْرَاهِيمَ
عَمَّنْ سَمِعَ الْحَسَنَ يَقُولُ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
أَنْ تُنْكَحَ الْأَمَةُ عَلَى الْحُرَّةِ» فَهَذَا مُنْقَطِعٌ فِي مَوْضِعَيْنِ
هَالِكٌ. وَأَيْضًا - فَلَيْسَ فِيهِ تَخْيِيرُ الْحُرَّةِ كَمَا ذَكَرَ مَالِكٌ.
وَأَمَّا تَخْيِيرُهُ الْحُرَّةَ فِي الْبَقَاءِ تَحْتَ زَوْجِهَا الْحُرِّ، أَوْ فِرَاقِهِ
إذَا تَزَوَّجَ عَلَيْهَا أَمَةً فَقَوْلٌ فَاسِدٌ لَا دَلِيلَ عَلَى صِحَّتِهِ
وَلَا نَعْلَمُ أَحَدًا قَالَ بِهِ قَبْلَهُ. وَأَمَّا مَنْعُ الشَّافِعِيِّ مَنْ
وَجَدَ طَوْلًا لِنِكَاحِ حُرَّةٍ كِتَابِيَّةٍ مِنْ نِكَاحِ الْأَمَةِ، فَقَوْلٌ
لَا تَقْتَضِيهِ الْآيَةُ - فَسَقَطَتْ هَذِهِ الْأَقْوَالُ كُلُّهَا، إذْ لَيْسَتْ
مُوَافِقَةً لِلْقُرْآنِ، وَلَا لِشَيْءٍ مِنْ السُّنَنِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ:
فَالْمَرْجُوعُ إلَيْهِ إذَا اخْتَلَفَ السَّلَفُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -
هُوَ الْقُرْآنُ، قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلا أَنْ
يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ
فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ
بَعْضٍ فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ
بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ
فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى
الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ وَأَنْ
تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ}[النساء: 25] . فَنَظَرْنَا فِي مُقْتَضَى هَذِهِ
الْآيَةِ، فَوَجَدْنَا فِيهَا حُكْمَ مَنْ لَمْ يَجِدْ الطَّوْلَ وَخَشِيَ
الْعَنَتَ، فَأَبَاحَ نِكَاحَ الْأَمَةِ الْمُؤْمِنَةِ لَهُ، وَأَنَّ الصَّبْرَ خَيْرٌ
لَنَا، فَقُلْنَا بِذَلِكَ كُلِّهِ فَنَظَرْنَا فِي حُكْمِ مَنْ يَجِدْ الطَّوْلَ
وَلَمْ يَخْشَ الْعَنَتَ، وَفِي نِكَاحِ الْمُسْلِمِ الْأَمَةَ الْكِتَابِيَّةَ
فَلَمْ نَجِدْهُ فِيهِ أَصْلًا، لَا بِإِبَاحَةٍ، وَلَا بِمَنْعٍ، وَلَا
بِكَرَاهَةٍ، بَلْ هُوَ مَسْكُوتٌ عَنْهُ فِيهَا جُمْلَةً، فَلَمْ يَجُزْ لَنَا
أَنْ نَحْكُمَ لَهُ مِنْهَا بِحُكْمِ مَنْ لَمْ يَجِدْ الطَّوْلَ وَخَشِيَ
الْعَنَتَ، وَبِحُكْمِ الْأَمَةِ الْمُؤْمِنَةِ؛ لِأَنَّهُ قِيَاسٌ عَلَى مَا فِي
الْآيَةِ، وَالْقِيَاسُ بَاطِلٌ، وَلَمْ يَجُزْ لَنَا أَنْ نَحْكُمَ لَهُ مِنْهَا بِحُكْمٍ
مُخَالِفٍ لِحُكْمِ مَنْ لَا يَجِدُ الطَّوْلَ وَيَخْشَى الْعَنَتَ، وَبِحُكْمِ
الْأَمَةِ الْمُؤْمِنَةِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ ذَلِكَ فِي الْآيَةِ، وَكِلَاهُمَا
تَعَدٍّ لِمَا فِي الْآيَةِ وَإِقْحَامٌ فِيهَا لِمَا لَيْسَ فِيهَا، فَوَجَبَ
أَنْ نَطْلُبَ حُكْمَ مَنْ يَجِدُ الطَّوْلَ وَلَا يَخْشَى الْعَنَتَ -: فَوَجَدْنَا
اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: {الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ
الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ
مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ
قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ}[المائدة: 5] . وَوَجَدْنَا
اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: {وَأَنْكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ
عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ}[النور:
32] . فَكَانَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ بَيَانٌ جَلِيٌّ فِي إبَاحَةِ نِكَاحِ
الْكِتَابِيَّاتِ جُمْلَةً لَمْ يَخُصَّ تَعَالَى حُرَّةً مِنْ أَمَةٍ. وَفِي
الْآيَةِ الْأُخْرَى إبَاحَةُ نِكَاحِ الْعَبِيدِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ عُمُومًا،
لَمْ يَخُصَّ تَعَالَى حُرَّةً مِنْ أَمَةٍ، وَإِبَاحَةُ إنْكَاحِ الْإِمَاءِ
الْمُسْلِمَاتِ لَمْ يَخُصَّ حُرًّا مِنْ عَبْدٍ. فَكَانَ فِي هَاتَيْنِ
الْآيَتَيْنِ بَيَانُ نِكَاحِ الْمُسْلِمِ الْغَنِيِّ وَالْفَقِيرِ، وَالْعَبْدِ
وَالْحُرِّ عُمُومًا، بِكُلِّ حَالٍ لِلْحُرَّةِ الْمُسْلِمَةِ
وَلِلْكِتَابِيَّةِ، وَلِلْأَمَةِ الْمُسْلِمَةِ وَالْكِتَابِيَّةِ، وَلَمْ يَأْتِ
قَطُّ فِي سُنَّةٍ، وَلَا فِي قُرْآنٍ تَحْرِيمُ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، وَلَا
كَرَاهَةٌ: - فَصَحَّ وَلَنَا بِيَقِينٍ لَا إشْكَالَ فِيهِ. وَمِنْ عَجَائِبِ
الدُّنْيَا إبَاحَةُ مَالِكٍ نِكَاحَ الْحُرِّ وَاجِدِ الطَّوْلِ غَيْرِ خَائِفِ
الْعَنَتِ نِكَاحَ الْأَمَةِ الْمُسْلِمَةِ، وَمَنْعُهُ إيَّاهُ نِكَاحَ الْأَمَةِ
الْكِتَابِيَّةِ، وَهَذَا تَحَكُّمٌ فِي التَّعَلُّقِ بِالْآيَةِ لَا يَجُوزُ -
وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَكَذَلِكَ إبَاحَتُهُ نِكَاحَ الْأَمَةِ
عَلَى الْحُرَّةِ لِلْعَبْدِ، وَمَنْعُهُ الْحُرَّ مِنْ ذَلِكَ - وَهَذَا وَإِنْ
كَانَ قَدْ رُوِيَ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ - وَلَمْ يَصِحَّ عَنْهُ -
فَقَدْ أَتَى عَنْ غَيْرِهِمَا مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -
وَالتَّابِعِينَ خِلَافُ ذَلِكَ، وَتَرَكَ الْفَرْقَ بَيْنَ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ.
وَأَمَّا كَمْ يَنْكِحُ الْعَبْدُ -: فَرُوِّينَا عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ
سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ مَوْلَى آلِ
طَلْحَةَ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ
عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ: يَنْكِحُ الْعَبْدُ اثْنَيْنِ. وَعَنْ ابْنِ
جُرَيْجٍ: أُخْبِرْت أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ سَأَلَ فِي النَّاسِ كَمْ
يَنْكِحُ الْعَبْدُ؟ فَاتَّفَقُوا عَلَى أَنْ لَا يَزِيدَ عَلَى اثْنَيْنِ. وَعَنْ
عَبْدِ الرَّزَّاقِ: عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَابْنِ جُرَيْجٍ قَالَا: نا
جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ قَالَ:
يَنْكِحُ الْعَبْدُ اثْنَتَيْنِ. نا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نَبَاتٍ نا أَحْمَدُ
بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الْبَصِيرِ نا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ نا مُحَمَّدُ بْنُ
عَبْدِ السَّلَامِ الْخُشَنِيُّ نا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى نا عَبْدُ
الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُحَارِبِيُّ عَنْ لَيْثِ بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ عَنْ
عَطَاءٍ، قَالَ: أَجْمَعَ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - أَنَّ الْعَبْدَ لَا يَجْمَعُ مِنْ النِّسَاءِ فَوْقَ اثْنَتَيْنِ -
وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ، وَعَطَاءٍ، وَأَبِي حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيِّ،
وَأَحْمَدَ، وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَاللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، وَغَيْرِهِمْ -.
وَصَحَّ عَنْ مُجَاهِدٍ، وَالزُّهْرِيِّ: أَنَّهُ يَتَزَوَّجُ أَرْبَعًا. وَرُوِيَ
عَنْ الشَّعْبِيِّ - وَلَمْ يَصِحُّ عَنْهُ - وَعَنْ عَطَاءٍ: أَنَّهُ تَوَقَّفَ فِي
ذَلِكَ - وَبِهَذَا يَقُولُ مَالِكٌ، وَأَبُو سُلَيْمَانَ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ:
وَهَذَا مِمَّا خَالَفَ فِيهِ الْمَالِكِيُّونَ صَحَابَةً لَا يُعْرَفُ لَهُمْ
مِنْ الصَّحَابَةِ مُخَالِفٌ - وَهَذَا مِمَّا يُعَظِّمُونَهُ إذَا وَافَقَ
أَهْوَاءَهُمْ؟ قَالَ عَلِيٌّ: لَا حُجَّةَ فِي كَلَامِ أَحَدٍ دُونَ كَلَامِ
اللَّهِ تَعَالَى وَرَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَقَدْ
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى
وَثُلاثَ وَرُبَاعَ}[النساء: 3] فَلَمْ يَخُصَّ عَبْدًا مِنْ حُرٍّ، فَهُمَا
سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَأَمَّا تَسَرِّي الْعَبْدِ
-: فَإِنَّ النَّاسَ اخْتَلَفُوا، فَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ
سَلَمَةَ، وَمَعْمَرٍ، كِلَاهُمَا عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ نَافِعٍ
عَنْ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّهُ كَانَ يَرَى مَمَالِيكَهُ يَتَسَرَّوْنَ وَلَا
يَنْهَاهُمْ. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ عَمْرِو
بْنِ دِينَارٍ عَنْ أَبِي مَعْبَدٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ لِعَبْدٍ
لَهُ فِي جَارِيَةٍ لَهُ: اسْتَحِلَّهَا بِمِلْكِ الْيَمِينِ. وَلَا يُعْرَفُ عَنْ
أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ خِلَافٌ لِهَذَيْنِ - وَهُوَ قَوْلُ الشَّعْبِيِّ، وَإِبْرَاهِيمَ
النَّخَعِيِّ، وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، وَعَطَاءٍ - وَصَحَّ ذَلِكَ عَنْهُمْ - وَهُوَ
قَوْلُ مَالِكٍ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ، وَمَا نَعْلَمُ خِلَافًا فِي ذَلِكَ مِنْ
تَابِعٍ، إلَّا رِوَايَةً غَيْرَ مَشْهُورَةٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ، وَالْحَكَمِ بْنِ
عُتَيْبَةَ، وَرِوَايَةً صَحِيحَةً عَنْ ابْنِ سِيرِينَ أَنَّهُمْ كَرِهُوا
لِلْعَبْدِ أَنْ يَتَسَرَّى كَرَاهِيَةً، لَا مَنْعًا - وَلَمْ يُجِزْ ذَلِكَ
أَبُو حَنِيفَةَ، وَلَا الشَّافِعِيُّ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهُمْ يُعَظِّمُونَ
خِلَافَ الصَّاحِبِ الَّذِي لَا يُعْرَفُ لَهُ مِنْ الصَّحَابَةِ مُخَالِفٌ،
وَقَدْ خَالَفُوا هَاهُنَا ابْنَ عَبَّاسٍ، وَابْنَ عُمَرَ، وَلَا يُعْرَفُ
لَهُمَا مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - مُخَالِفٌ فَوَجَبَ
الرُّجُوعُ إلَى الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ فَوَجَدْنَا اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ
يَقُولُ: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ}[المؤمنون: 5] {إِلا عَلَى
أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ
مَلُومِينَ}[المؤمنون: 6] فَلَمْ يَخُصَّ تَعَالَى حُرًّا مِنْ عَبْدٍ، وَقَدْ
تَكَلَّمْنَا فِيمَا خَلَا مِنْ كِتَابِنَا عَلَى صِحَّةِ مِلْكِ الْعَبْدِ
لِمَالِهِ فَأَغْنَى عَنْ تَرْدَادِهِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
٩:٢٦ ص
٢ مسالة نكاح
الكتابية 1821 - مَسْأَلَةٌ: وَجَائِزٌ لِلْمُسْلِمِ نِكَاحُ الْكِتَابِيَّةِ،
وَهِيَ الْيَهُودِيَّةُ، وَالنَّصْرَانِيَّةُ، وَالْمَجُوسِيَّةُ، بِالزَّوَاجِ.
وَلَا يَحِلُّ لَهُ وَطْءُ أَمَةٍ غَيْرِ مُسْلِمَةٍ بِمِلْكِ الْيَمِينِ، وَلَا
نِكَاحُ كَافِرَةٍ غَيْرِ كِتَابِيَّةٍ أَصْلًا. قَالَ عَلِيٌّ: رُوِّينَا عَنْ
ابْنِ عُمَرَ: تَحْرِيمَ نِكَاحِ نِسَاءِ أَهْلِ الْكِتَابِ جُمْلَةً.
وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ نا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ نا اللَّيْثُ
هُوَ ابْنُ سَعْدٍ - عَنْ نَافِعٍ: أَنَّ ابْنَ عُمَرَ سُئِلَ عَنْ نِكَاحِ الْيَهُودِيَّةِ،
وَالنَّصْرَانِيَّةِ؟ فَقَالَ: إنَّ اللَّهَ تَعَالَى حَرَّمَ الْمُشْرِكَاتِ
عَلَى الْمُؤْمِنِينَ، وَلَا أَعْلَمُ مِنْ الْإِشْرَاكِ شَيْئًا أَكْثَرَ مِنْ
أَنْ تَقُولَ الْمَرْأَةُ " رَبُّهَا عِيسَى " وَهُوَ عَبْدٌ مِنْ
عِبَادِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. وَأَبَاحَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَمَالِكٌ
وَالشَّافِعِيُّ: نِكَاحَ الْيَهُودِيَّةِ، وَالنَّصْرَانِيَّةِ، وَوَطْءَ
الْأَمَةِ الْيَهُودِيَّةِ، وَالنَّصْرَانِيَّةِ بِمِلْكِ الْيَمِينِ. وَحَرَّمُوا
نِكَاحَ الْمَجُوسِيَّةِ جُمْلَةً، وَوَطْأَهَا بِمِلْكِ الْيَمِينِ، إلَّا أَنَّ مَالِكًا
حَرَّمَ زَوَاجَ الْأَمَةِ الْيَهُودِيَّةِ، وَالنَّصْرَانِيَّةِ. وَأَبَاحَ
نِكَاحَ الْمَجُوسِيَّةِ بِمِلْكِ الْيَمِينِ - وَأَبَاحَ إجْبَارَهَا عَلَى
الْإِسْلَامِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَوَجَبَ الرُّجُوعُ إلَى الْقُرْآنِ،
وَالسُّنَّةِ، وَجَدْنَا اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: {وَلا تَنْكِحُوا
الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ}[البقرة: 221] فَلَوْ لَمْ تَأْتِ إلَّا هَذِهِ
الْآيَةُ لَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ ابْنِ عُمَرَ، لَكِنْ وَجَدْنَا اللَّهَ
تَعَالَى يَقُولُ: {الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ
أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ
مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ
قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ}[المائدة: 5] فَكَانَ الْوَاجِبُ
الطَّاعَةَ لِكِلْتَا الْآيَتَيْنِ، وَأَنْ لَا تُتْرَكَ إحْدَاهُمَا لِلْأُخْرَى. وَوَجَدْنَا مَنْ
أَخَذَ بِقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ قَدْ خَالَفَ هَذِهِ الْآيَةَ، وَهَذَا لَا يَجُوزُ
وَلَا سَبِيلَ إلَى الطَّاعَةِ لَهُمَا إلَّا بِأَنْ يُسْتَثْنَى الْأَقَلُّ مِنْ
الْأَكْثَرِ، فَوَجَبَ اسْتِثْنَاءُ إبَاحَةِ الْمُحْصَنَاتِ مِنْ أَهْلِ
الْكِتَابِ بِالزَّوَاجِ مِنْ جُمْلَةِ تَحْرِيمِ الْمُشْرِكَاتِ، وَيَبْقَى
سَائِرُ ذَلِكَ عَلَى التَّحْرِيمِ بِالْآيَةِ الْأُخْرَى: لَا يَجُوزُ غَيْرُ
هَذَا. وَوَجَدْنَا تَحْرِيمَ مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، نِكَاحَ الْأَمَةِ الْكِتَابِيَّةَ
بِالزَّوَاجِ لِلْآيَةِ؛ لِأَنَّهَا مِنْ جُمْلَةِ {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ
وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ}[المائدة: 5] لِأَنَّ
الْإِحْصَانَ: الْحُرِّيَّةُ، وَالْإِحْصَانَ: الْعِفَّةُ، قَالَ اللَّهُ
تَعَالَى: {وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا}[التحريم:
12] أَيْ عَفَّتْ فَرْجَهَا. وَلَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَخُصَّ بِقَوْلِهِ
تَعَالَى: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ}[المائدة:
5] الْحَرَائِرَ دُونَ الْعَفَائِفِ مِنْ الْإِمَاءِ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ قَائِلًا
عَلَى اللَّهِ تَعَالَى مَا لَا عِلْمَ لَهُ بِهِ، وَشَارِعًا فِي الدِّينِ مَا
لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ تَعَالَى وَمُدَّعِيًا بِلَا بُرْهَانٍ، وَهَذَا لَا
يَحِلُّ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ
صَادِقِينَ}[البقرة: 111] . وَقَالَ تَعَالَى: {وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ}[البقرة:
169] . فَمَنْ لَا بُرْهَانَ لَهُ عَلَى صِحَّةِ قَوْلِهِ فَلَا صِحَّةَ
لِقَوْلِهِ. وَقَدْ قَدَّمْنَا: أَنَّ تَعَلُّقَهُمْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {مِنْ
فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ}[النساء: 25] إنَّمَا فِيهِ إبَاحَةُ نِكَاحِ
الْفَتَيَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَقَطْ، وَلَيْسَ فِيهِ مَنْعٌ مِنْ نِكَاحِ
الْفَتَاةِ الْكِتَابِيَّةِ، وَلَا إبَاحَةٌ لَهَا، فَوَجَبَ طَلَبُهُ مِنْ غَيْرِ
تِلْكَ الْآيَةِ وَلَا بُدَّ. وَوَجَدْنَا إبَاحَتَهُمْ وَطْءَ الْأَمَةِ الْكِتَابِيَّةِ
بِمِلْكِ الْيَمِينِ إقْحَامًا فِي الْآيَةِ مَا لَيْسَ فِيهَا بِآرَائِهِمْ؛
لِأَنَّهُ إنَّمَا اسْتَثْنَى تَعَالَى فِي الْآيَةِ إبَاحَةَ الْكِتَابِيَّاتِ
بِالزَّوَاجِ خَاصَّةً بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ
أُجُورَهُنَّ}[المائدة: 5] وَأَبْقَى مَا عَدَا ذَلِكَ عَلَى التَّحْرِيمِ
بِنَهْيِهِ تَعَالَى عَنْ نِكَاحِ الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ، وَلَمْ يَأْتِ
قَطُّ قُرْآنٌ، وَلَا سُنَّةٌ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - بِإِبَاحَةِ كِتَابِيَّةٍ بِمِلْكِ الْيَمِينِ، فَهُمْ فِي هَذِهِ الْقَضِيَّةِ
مُخْرِجُونَ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ مَا فِيهَا مِنْ إبَاحَةِ زَوَاجِ الْعَفَائِفِ
مِنْ الْكِتَابِيَّاتِ جُمْلَةً لَمْ يَخُصَّ حُرَّةً مِنْ أَمَةٍ وَيُقْحِمُونَ
فِيهَا مَا لَيْسَ فِيهَا، وَلَا فِي غَيْرِهَا مِنْ إبَاحَةِ وَطْءِ الْأَمَةِ
الْكِتَابِيَّةِ بِمِلْكِ الْيَمِينِ.
وَمِمَّنْ قَالَ بِقَوْلِنَا فِي ذَلِكَ جَمَاعَةٌ مِنْ
السَّلَفِ -: مِنْهُمْ ابْنُ عُمَرَ، كَمَا رُوِّينَا قَبْلُ عَنْهُ مِنْ تَحْرِيمِ الْكَوَافِرِ
وَغَيْرِهِنَّ جُمْلَةً، فَخَرَجَ مِنْ قَوْلِ مَا أَبَاحَهُ الْقُرْآنُ
بِالزَّوَاجِ، وَبَقِيَ سَائِرُ قَوْلِهِ عَلَى الصِّحَّةِ. وَفِيهِ تَحْرِيمُ الْأَمَةِ بِلَا
شَكٍّ بِمِلْكِ الْيَمِينِ -: نا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نَبَاتٍ نا أَحْمَدُ
بْنُ عَبْدِ الْبَصِيرِ نا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ نا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ
السَّلَامِ الْخُشَنِيُّ نا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى نا عَبْدُ الرَّحْمَنِ
بْنُ مَهْدِيٍّ نا شَرِيكٌ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ عَنْ بَكْرِ بْنِ مَاعِزٍ
عَنْ الرَّبِيعِ بْنِ خَيْثَمَ أَنَّهُ كَانَ يَكْرَهُ أَنْ يَطَأَ الرَّجُلُ
الْمُشْرِكَةَ حَتَّى تُسْلِمَ. نا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نَبَاتٍ نا
أَحْمَدُ بْنُ عَوْنِ اللَّهِ نا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ نا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ
السَّلَامِ الْخُشَنِيُّ نا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ بِنْدَارٌ نا مُحَمَّدُ بْنُ
جَعْفَرٍ غُنْدَرٌ نا شُعْبَةُ عَنْ مُوسَى بْنِ أَبِي عَائِشَةَ قَالَ: سَأَلْت
سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ، وَمُرَّةَ الْهَمْدَانِيَّ هُوَ مُرَّةُ الطَّبِيبُ
صَاحِبُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ -: أَصَبْت الْأَمَةَ مِنْ السَّبْيِ
فَقَالَا جَمِيعًا: لَا تَغْشَهَا حَتَّى تَغْتَسِلَ وَتُصَلِّيَ. نا مُحَمَّدُ
بْنُ سَعِيدِ بْنِ نَبَاتٍ نا عَبَّاسُ بْنُ أَصْبَغَ نا مُحَمَّدُ بْنُ قَاسِمِ
بْنِ مُحَمَّدٍ نا جَدِّي قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ نا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ
الْخُشَنِيُّ نا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى نا عَبْدُ الْأَعْلَى - هُوَ ابْنُ
عَبْدِ الْأَعْلَى - نا سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ
مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: اثْنَتَا عَشْرَةَ
مَمْلُوكَةً أَكْرَهُ غَشَيَانَهُنَّ:
أَمَتُك وَأُمُّهَا، وَأَمَتُك وَأُخْتُهَا، وَأَمَتُك
وَطِئَهَا أَبُوك، وَأَمَتُك وَطِئَهَا ابْنُك، وَأَمَتُك عَمَّتُك مِنْ
الرَّضَاعَةِ، وَأَمَةٌ خَالَتُك مِنْ الرَّضَاعَةِ، وَأَمَتُك وَقَدْ زَنَتْ،
وَأَمَتُك وَهِيَ مُشْرِكَةٌ، وَأَمَتُك وَهِيَ حُبْلَى مِنْ غَيْرِك. نا حُمَامٌ
نا ابْنُ مُفَرِّجٍ نا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ نا الدَّبَرِيُّ نا عَبْدُ الرَّزَّاقِ
عَنْ جَعْفَرِ بْنِ سُلَيْمَانَ الضُّبَعِيِّ أَخْبَرَنِي يُونُسُ بْنُ عُبَيْدٍ
أَنَّهُ سَمِعَ الْحَسَنَ الْبَصْرِيَّ يَقُولُ: كُنَّا نَغْزُو مَعَ أَصْحَابِ رَسُولِ
اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - فَإِذَا أَصَابَ
الْجَارِيَةَ أَحَدُهُمْ مِنْ الْفَيْءِ فَأَرَادَ أَنْ يُصِيبَهَا أَمَرَهَا
فَغَسَلَتْ ثِيَابَهَا، ثُمَّ عَلَّمَهَا الْإِسْلَامَ، وَأَمَرَهَا بِالصَّلَاةِ،
وَاسْتَبْرَأَهَا بِحَيْضَةٍ، ثُمَّ أَصَابَهَا. وَبِهِ إلَى عَبْدِ الرَّزَّاقِ
عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ: لَا يَحِلُّ لِرَجُلٍ اشْتَرَى جَارِيَةً
مُشْرِكَةً أَنْ يَطَأَهَا حَتَّى تَغْتَسِلَ وَتُصَلِّيَ وَتَحِيضَ عِنْدَهُ
حَيْضَةً. فَإِنْ ذَكَرُوا مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نا عَبْدُ
اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْقَوَارِيرِيُّ نا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ نا سَعِيدُ بْنُ
أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ صَالِحٍ أَبِي الْخَلِيلَ غَيْرِ أَبِي
عَلْقَمَةَ الْهَاشِمِيِّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ حُنَيْنٍ بَعَثَ جَيْشًا
إلَى أَوْطَاسٍ فَلَقِيَ عَدُوًّا فَقَاتَلُوهُمْ، فَظَهَرُوا عَلَيْهِمْ وَأَصَابُوا
لَهُمْ سَبَايَا، فَكَانَ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - تَحَرَّجُوا مِنْ غَشَيَانِهِنَّ مِنْ أَجْلِ
أَزْوَاجِهِنَّ الْمُشْرِكِينَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ:
{وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ}[النساء: 24]
أَيْ فَهُنَّ لَكُمْ حَلَالٌ إذَا انْقَضَتْ عِدَّتُهُنَّ» . فَهَذَا لَا حُجَّةَ
لَهُمْ فِيهِ لِوَجْهَيْنِ -: أَقْطَعُهُمَا - أَنَّ سَبْيَ أَوْطَاسٍ كَانُوا وَثَنِيِّينَ
لَا كِتَابِيِّينَ، لَا يَخْتَلِفُ فِي ذَلِكَ اثْنَانِ، وَهُمْ لَا يُخَالِفُونَنَا
أَنَّ وَطْءَ الْوَثَنِيَّةِ بِمِلْكِ الْيَمِينِ لَا يَحِلُّ حَتَّى تُسْلِمَ -
فَإِنَّمَا فِي هَذَا الْخَبَرِ - لَوْ صَحَّ إعْلَامُهُمْ - أَنَّ عِصْمَتَهُنَّ
مِنْ أَزْوَاجِهِنَّ قَدْ انْقَطَعَتْ إذَا أَسْلَمْنَ - وَإِنْ كَانَ لَمْ
يُذْكَرْ هَاهُنَا الْإِسْلَامُ
- لَكِنْ ذَكَرَهُ تَعَالَى فِي قَوْلِهِ: {وَلا
تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ}[البقرة: 221] وَوَاجِبٌ أَنْ يُضَمَّ
كَلَامُ اللَّهِ تَعَالَى بَعْضُهُ إلَى بَعْضٍ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي - أَنَّنَا
رُوِّينَا هَذَا الْخَبَرَ مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ أَيْضًا، فَقَالَ -: نا أَبُو
بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، وَابْنُ بَشَّارٍ،
قَالُوا: أَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى - هُوَ ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى - عَنْ سَعِيدٍ
- هُوَ ابْنُ أَبِي عَرُوبَةَ - عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَبِي الْخَلِيلِ: أَنْ أَبَا
عَلْقَمَةَ الْهَاشِمِيَّ حَدَّثَ أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ حَدَّثَهُمْ
«أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - بَعَثَ
يَوْمَ حُنَيْنٍ سَرِيَّةً» بِمَعْنَى الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ. فَصَحَّ أَنَّ أَبَا
الْخَلِيلِ لَمْ يَسْمَعْهُ مِنْ أَبِي عَلْقَمَةَ فَهُوَ مُنْقَطِعٌ. وَقَالُوا:
لَمْ نَجِدْ فِي النِّسَاءِ مَنْ يَحِلُّ نِكَاحُهَا وَلَا يَحِلُّ وَطْؤُهَا بِمِلْكِ
الْيَمِينِ؟ فَقُلْنَا: هَبْكَ كَانَ كَمَا تَزْعُمُونَ فَكَانَ مَاذَا؟ وَلَا
وَجَدْنَا فِي الْفَرَائِضِ فِي الصَّلَاةِ ثَلَاثَ رَكَعَاتٍ غَيْرَ الْمَغْرِبِ؛
وَلَا وَجَدْنَا فِي الْأَمْوَالِ شَيْئًا يُزَكَّى مِنْ غَيْرِهِ إلَّا الْإِبِلَ؟
فَلَا أَبْرَدَ مِنْ هَذَا الِاحْتِجَاجِ السَّخِيفِ الْمُعْتَرَضِ بِهِ عَلَى
الْقُرْآنِ، وَالصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فَكَيْفَ وَالْحَرَائِرُ كُلُّهُنَّ
مِنْ الْمُسْلِمَاتِ يَحِلُّ وَطْؤُهُنَّ بِالزَّوَاجِ، وَلَا يَحِلُّ وَطْؤُهُنَّ
بِمِلْكِ الْيَمِينِ؟ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {أَوْ مَا
مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ}[النساء: 3] فَعَمَّ تَعَالَى وَلَمْ يَخُصَّ، فَدَخَلَتْ
فِي ذَلِكَ الْكِتَابِيَّةُ. فَقُلْنَا: فَأَدْخَلُوا بِهَذَا الْعُمُومِ فِي الْإِبَاحَةِ
بِمِلْكِ الْيَمِينِ وَطْءَ الْحَائِضِ وَالْأُخْتِ مِنْ الرَّضَاعِ، وَالْأُمِّ مِنْ
الرَّضَاعِ، وَأُمِّ الزَّوْجَةِ؛ وَاَلَّتِي وَطِئَهَا الْأَبُ، وَالْأُخْتَيْنِ
بِمِلْكِ الْيَمِينِ. فَإِنْ قَالُوا: قَدْ خَصَّ ذَلِكَ آيَاتٌ أُخَرُ؟ قُلْنَا:
وَقَدْ خَصَّ الْكِتَابِيَّةَ آيَةٌ أُخْرَى. فَإِنْ ادَّعَوْا إجْمَاعًا
أَكْذَبَهُمْ قَوْلُ طَائِفَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -
فَمَنْ بَعْدَهُمْ فِي الْأُخْتَيْنِ بِمِلْكِ الْيَمِينِ - فَظَهَرَ فَسَادُ
قَوْلِهِمْ - بِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. أَمَّا نِكَاحُ الْكَافِرَةِ غَيْرِ الْكِتَابِيَّةِ:
فَلَا يُخَالِفُنَا الْحَاضِرُونَ فِي أَنَّهُ لَا يَحِلُّ وَطْؤُهُنَّ بِزَوَاجٍ
وَلَا بِمِلْكِ يَمِينٍ. وَأَمَّا الْمَجُوسِيَّةُ - فَقَدْ ذَكَرْنَا فِي "
كِتَابِ الْجِهَادِ " وَ
" كِتَابِ التَّذْكِيَةِ " مِنْ كِتَابِنَا
هَذَا أَنَّ الْمَجُوسَ أَهْلُ كِتَابٍ، وَإِذَا كَانُوا أَهْلَ كِتَابٍ فَنِكَاحُ
نِسَائِهِمْ بِالزَّوَاجِ حَلَالٌ. وَالْحُجَّةُ فِي أَنَّهُمْ أَهْلُ كِتَابٍ:
قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {فَإِذَا انْسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا
الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا
لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ
فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ}[التوبة:
5] فَلَمْ يُبِحْ لَنَا تَرْكَ قَتْلِهِمْ إلَّا بِأَنْ
يُسْلِمُوا فَقَطْ. وَقَالَ تَعَالَى: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ
بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ
وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى
يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ}[التوبة: 29] فَاسْتَثْنَى
اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَهْلَ الْكِتَابِ خَاصَّةً بِإِعْفَائِهِمْ مِنْ الْقَتْلِ
بِغُرْمِ الْجِزْيَةِ مَعَ الصِّغَارِ مِنْ جُمْلَةِ سَائِرِ الْمُشْرِكِينَ
الَّذِينَ لَا يَحِلُّ إعْفَاؤُهُمْ إلَّا أَنْ يُسْلِمُوا. وَقَدْ صَحَّ «أَنَّ
رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَخَذَ الْجِزْيَةَ مِنْ مَجُوسِ
هَجَرَ» . وَمِنْ الْبَاطِلِ الْمُمْتَنِعِ أَنْ يُخَالِفَ رَسُولُ اللَّهِ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمْرَ رَبِّهِ إلَّا لَوْ بَيَّنَ لَنَا
أَنَّهُمْ غَيْرُ أَهْلِ كِتَابٍ، فَكُنَّا نَدْرِي حِينَئِذٍ أَنَّهُ فَعَلَ
ذَلِكَ بِوَحْيٍ. فَإِنْ احْتَجُّوا بِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ
سُفْيَانَ عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلَمٍ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ
قَالَ «كَتَبَ رَسُولُ اللَّهِ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - إلَى
مَجُوسِ هَجَرَ يَعْرِضُ عَلَيْهِمْ الْإِسْلَامَ فَمَنْ أَسْلَمَ قُبِلَ وَمَنْ
أَبَى ضُرِبَتْ عَلَيْهِ الْجِزْيَةُ عَلَى أَنْ لَا تُؤْكَلَ لَهُمْ ذَبِيحَةٌ وَلَا
تُنْكَحَ لَهُمْ امْرَأَةٌ» . فَهَذَا مُرْسَلٌ وَلَا حُجَّةَ فِي مُرْسَلٍ.
وَثَانِيَةٌ أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ: أَنَّ قَوْلَهُ «لَا تُؤْكَلَ لَهُمْ ذَبِيحَةٌ
وَلَا تُنْكَحَ لَهُمْ امْرَأَةٌ» هُوَ مِنْ كَلَامِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -. وَمِمَّنْ قَالَ: إنَّهُمْ أَهْلُ كِتَابٍ
جَمَاعَةٌ مِنْ السَّلَفِ: حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ أَنَسٍ
الْعُذُرِيُّ نا أَبُو ذَرٍّ الْهَرَوِيُّ نا عَبْدُ بْنُ أَحْمَدَ
الْأَنْصَارِيُّ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَمَّوَيْهِ السَّرَخْسِيُّ
نا إبْرَاهِيمُ بْنُ خُرَيْمٍ نا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ نا الْحَسَنُ بْنُ مُوسَى
نا يَعْقُوبُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ نا جَعْفَرُ بْنُ الْمُغِيرَةِ عَنْ إبْرَاهِيمَ
بْنِ أَبْزَى قَالَ: لَمَّا هَزَمَ اللَّهُ تَعَالَى أَهْلَ الْأَسْفِيذَارَ انْصَرَفُوا
فَجَاءَهُمْ - يَعْنِي عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -
فَأَجْمَعُوا فَقَالُوا: بِأَيِّ شَيْءٍ تُجْرِي فِي الْمَجُوسِ مِنْ الْأَحْكَامِ
فَإِنَّهُمْ لَيْسُوا بِأَهْلِ كِتَابٍ، وَلَيْسُوا بِمُشْرِكِينَ مِنْ مُشْرِكِي
الْعَرَبِ فَتُجْرِي فِيهِمْ الْأَحْكَامَ الَّتِي أَجْرَيْت فِي أَهْلِ
الْكِتَابِ أَوْ الْمُشْرِكِينَ، فَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ: بَلْ هُمْ
أَهْلُ كِتَابٍ - وَذَكَرَ الْخَبَرَ بِطُولِهِ. نا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نَبَاتٍ
نا عَبَّاسُ بْنُ أَصْبَغَ نا مُحَمَّدُ بْنُ قَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ نا مُحَمَّدُ
بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ الْخُشَنِيُّ نا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى نا عَبْدُ
الْأَعْلَى نا سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ الدَّانَاجِ
قَالَ: سَمِعْت مَعْبَدًا الْجُهَنِيَّ يُحَدِّثُ الْحَسَنَ أَنَّ امْرَأَةَ
حُذَيْفَةَ كَانَتْ مَجُوسِيَّةً، فَجَعَلَ الْحَسَنُ يَقُولُ: مَهْلًا، فَقَالَ:
أَنَا وَاَللَّهِ دَخَلْت عَلَيْهَا حَتَّى كَلَّمْتهَا، فَقَالَ لَهَا: شابر دخت،
قَالَ: فَحَدَّثَ بِهِ الْحَسَنُ بَعْدَ ذَلِكَ جَدَّهُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ
رَبِيعٍ التَّمِيمِيَّ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُثْمَانَ الْأَسَدِيُّ
نا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ نا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ ثنا الْحَجَّاجُ بْنُ
الْمِنْهَالِ نا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ الدَّانَاجِ، وَأَبِي
حَرَّةَ، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ الدَّانَاجِ عَنْ مَعْبَدٍ الْجُهَنِيِّ، وَقَالَ
أَبُو حُرَّةَ: عَنْ الْحَسَنِ، قَالَا جَمِيعًا: كَانَتْ امْرَأَةُ حُذَيْفَةَ
مَجُوسِيَّةً. نا حُمَامٌ نا ابْنُ مُفَرِّجٍ نا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ نا
الدَّبَرِيُّ نا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: يُعْرَضُ عَلَيْهَا الْإِسْلَامُ، فَإِنْ أَبَتْ،
فَلْيُصِبْهَا إنْ شَاءَ وَإِنْ كَانَتْ مَجُوسِيَّةً - وَلَكِنْ يُكْرِهُهَا
عَلَى الْغُسْلِ مِنْ الْجَنَابَةِ. وَبِهِ إلَى عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ إبْرَاهِيمَ
بْنِ يَزِيدَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ:
لَا بَأْسَ أَنْ يَطَأَ الرَّجُلُ جَارِيَتَهُ الْمَجُوسِيَّةَ. قَالَ أَبُو
مُحَمَّدٍ: وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي " كِتَابِ التَّذْكِيَةِ " إبَاحَةَ
سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَكْلَ مَا ذَبَحَهُ الْمَجُوسِيُّ وَنَحْنُ - وَإِنْ
كُنَّا نُخَالِفُ سَعِيدًا، وَطَاوُسًا فِي وَطْءِ الْأَمَةِ الْمَجُوسِيَّةِ
بِمِلْكِ الْيَمِينِ -: فَإِنَّمَا أَتَيْنَا بِهِمَا لِإِبَاحَتِهِمَا نِكَاحَ
الْمَجُوسِيَّاتِ. وَمِمَّنْ أَبَاحَ نِكَاحَ الْمَجُوسِيَّةِ أَبُو ثَوْرٍ. قَالَ
أَبُو مُحَمَّدٍ: وَمِنْ أَبْيَنِ الْخَطَأِ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ تَعَالَى
أَمَرَ أَنْ لَا تُقْبَلَ جِزْيَةٌ مِنْ مُشْرِكٍ إلَّا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ،
وَلَا أَنْ تُنْكَحَ مُشْرِكَةٌ إلَّا الْكِتَابِيَّةُ وَأَنْ لَا تُؤْكَلَ
ذَبِيحَةُ مُشْرِكٍ إلَّا كِتَابِيٌّ، ثُمَّ يُفَرَّقُ بَيْنَ الْأَحْكَامِ الْمَذْكُورَةِ،
فَيُمْنَعُ مِنْ بَعْضِهَا وَيُبِيحُ بَعْضَهَا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
٩:٢٦ ص
٣ مسالة نكاح
المسلمة غير المسلم 1822 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَحِلُّ لِمُسْلِمَةٍ نِكَاحُ غَيْرِ
مُسْلِمٍ أَصْلًا، وَلَا يَحِلُّ لِكَافِرٍ أَنْ يَمْلِكَ عَبْدًا مُسْلِمًا،
وَلَا مُسْلِمَةً أَمَةً أَصْلًا. بُرْهَانُ ذَلِكَ -: قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلا
تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا}[البقرة: 221] . وَقَالَ عَزَّ
وَجَلَّ: {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ
سَبِيلا}[النساء: 141] . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَالرِّقُّ أَعْظَمُ السَّبِيلِ وَقَدْ
قَطَعَهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ جُمْلَةً عَلَى الْعُمُومِ، وَمَنْ خَالَفَنَا
فِي هَذَا بِبَيْعِهِمَا إذَا أَسْلَمَا فِي مِلْكِ الْكَافِرِ، فَنَقُولُ لَهُمْ:
أَرَأَيْتُمْ طُولَ مُدَّةِ تَعْرِيضِكُمْ الْأَمَةَ وَالْعَبْدَ لِلْبَيْعِ إذَا
أَسْلَمَا عِنْدَ الْكَافِرِ، وَقَدْ تَكُونُ تِلْكَ الْمُدَّةُ سَاعَةً،
وَتَكُونُ سَنَةً، أَفِي مِلْكِ الْكَافِرِ هُمَا أَمْ لَيْسَ فِي مِلْكِهِ؟ وَلَا
سَبِيلَ إلَى قِسْمٍ ثَالِثٍ -: فَإِنْ كَانَا فِي مِلْكِهِ، فَلِمَ تَمْنَعُونَهُ
مِنْ اتِّصَالِ مِلْكِهِ عَلَيْهِمَا
- وَقَدْ أَبَحْتُمُوهُ مُدَّةً - مَا - وَمَا
بُرْهَانُكُمْ عَلَى هَذَا الْفَرْقِ الْفَاسِدِ؟ وَإِنْ قُلْتُمْ: لَيْسَا فِي
ذَلِكَ وَلَا فِي مِلْكِ غَيْرِهِ؟ قُلْنَا: هَذِهِ صِفَةُ الْحُرِّيَّةِ، وَمَنْ
هَذِهِ صِفَتُهُ فَلَا يَحِلُّ بَيْعُهُ وَلَا إحْدَاثُ مِلْكٍ عَلَيْهِ. فَإِنْ قَالُوا:
فَإِنَّا نَسْأَلُكُمْ عَنْ الَّذِي تَبِيعُونَهُ لِضَرَرٍ أَضَرَّ بِهِ، أَوْ فِي
حَقِّ مَالٍ وَجَبَ عَلَيْهِ؟ قُلْنَا: هُوَ فِي مِلْكِ الَّذِي يُبَاعُ عَلَيْهِ،
وَلَيْسَ مِلْكُهُ لَهُ حَرَامًا لِأَنَّهُ لَوْ قُطِعَ ضَرَرُهُ عَنْهُ لَمْ
يُبَعْ عَلَيْهِ، وَلَوْ وُجِدَ لَهُ مَالٌ غَيْرُ الْعَبْدِ أَوْ الْأَمَةِ لَمْ
يُبَاعَا عَلَيْهِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْكَافِرُ؛ لِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ عِنْدَكُمْ
مِنْ تَمَلُّكِ الْمُسْلِمِ. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَقَدْ أَعْتَقَ
رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - مَنْ خَرَجَ
إلَيْهِ مُسْلِمًا مِنْ عَبِيدِ أَهْلِ الْكُفْرِ فَتَخْصِيصُكُمْ بِذَلِكَ مَنْ
خَرَجَ إلَيْنَا مِنْهُمْ تَحَكُّمٌ بِلَا دَلِيلٍ؛ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
- لَمْ يَقُلْ: إنَّمَا أُعْتِقُكُمْ لِخُرُوجِكُمْ،
فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَقُولَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مَا لَمْ
يَقُلْ. فَإِنْ قِيلَ: قَدْ اشْتَرَى أَبُو بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -
بِلَالًا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مِنْ كَافِرٍ بَعْدَ إسْلَامِهِ؟ قُلْنَا: كَانَ ذَلِكَ
بِمَكَّةَ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ قَبْلَ نُزُولِ الْآيَةِ الْمَذْكُورَةِ كَمَا
أَنْكَحَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِنْتَهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -
مِنْ أَبِي الْعَاصِ بْنِ الرَّبِيعِ
- وَهُوَ كَافِرٌ - وَمِنْ عُقْبَةَ بْنِ أَبِي لَهَبٍ
قَبْلَ نُزُولِ تَحْرِيمِ ذَلِكَ. فَصَحَّ أَنَّ الْعَبْدَ، وَالْأَمَةَ إذَا
أَسْلَمَا - وَهُمَا فِي مِلْكِ كَافِرٍ - فَإِنَّهُمَا حُرَّانِ فِي حِينِ تَمَامِ إسْلَامِهِمَا
- وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
٩:٢٧ ص
٤ مسالة
الوليمة في النكاح 1823 - مَسْأَلَةٌ: وَفَرْضٌ عَلَى كُلِّ مَنْ تَزَوَّجَ أَنْ
يُولِمَ بِمَا قَلَّ أَوْ كَثُرَ. بُرْهَانُ ذَلِكَ: مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ
مُسْلِمٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، وَقُتَيْبَةَ، وَأَبِي الرَّبِيعِ
الْعَتَكِيِّ، كُلُّهُمْ عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَآلِهِ وَسَلَّمَ - رَأَى عَلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ أَثَرَ صُفْرَةٍ،
فَقَالَ: مَا هَذَا؟ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي تَزَوَّجْتُ امْرَأَةً عَلَى وَزْنِ
نَوَاةٍ مِنْ ذَهَبٍ؟ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ
وَسَلَّمَ -: أَوْلِمْ وَلَوْ بِشَاةٍ» . وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نا أَبُو بَكْرِ
بْنُ شَيْبَةَ نا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ نا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ نا ثَابِتٌ
الْبُنَانِيُّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ فَذَكَرَ نِكَاحَ رَسُولِ اللَّهِ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - صَفِيَّةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ،
قَالَ أَنَسٌ: «فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ
وَسَلَّمَ - وَلِيمَتَهَا التَّمْرَ وَالْأَقِطَ وَالسَّمْنَ» . وَمِنْ طَرِيقِ
الْبُخَارِيِّ نا مُحَمَّدُ بْنُ يُونُسَ نا سُفْيَانُ عَنْ مَنْصُورِ بْنِ
صَفِيَّةَ عَنْ أَمَةِ صَفِيَّةَ بِنْتِ شَيْبَةَ قَالَتْ: «أَوْلَمَ رَسُولُ
اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - عَلَى بَعْضِ نِسَائِهِ
بِمُدَّيْنِ مِنْ شَعِيرٍ» . وَهُوَ قَوْلُ أَبِي سُلَيْمَانَ، وَأَصْحَابِنَا.
٩:٢٨ ص
٥ مسالة من
دعي الى وليمة او طعام 1824 - مَسْأَلَةٌ: وَفَرْضٌ عَلَى كُلِّ مَنْ دُعِيَ إلَى
وَلِيمَةٍ أَوْ طَعَامٍ أَنْ يُجِيبَ - إلَّا مِنْ عُذْرٍ - فَإِنْ كَانَ مُفْطِرًا فَفَرْضٌ
عَلَيْهِ أَنْ يَأْكُلَ، فَإِنْ كَانَ صَائِمًا فَلْيَدْعُ اللَّهَ لَهُمْ، فَإِنْ
كَانَ هُنَالِكَ حَرِيرٌ مَبْسُوط، أَوْ كَانَتْ الدَّارُ مَغْصُوبَةً، أَوْ كَانَ
الطَّعَامُ مَغْصُوبًا، أَوْ كَانَ هُنَاكَ خَمْرٌ ظَاهِرٌ: فَلْيَرْجِعْ وَلَا يَجْلِسْ
-: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمِ بْنِ الْحَجَّاجِ نا هَارُونُ بْنُ
عَبْدِ اللَّهِ الْأَيْلِيُّ نا حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ
أَخْبَرَنِي مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ عَنْ نَافِعٍ قَالَ: سَمِعْت عَبْدَ اللَّهَ بْنَ عُمَرَ
يَقُولُ: " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -
«أَجِيبُوا الدَّعْوَةَ إذَا دُعِيتُمْ لَهَا» . وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَأْتِي
الدَّعْوَةَ فِي الْعُرْسِ وَغَيْرِهِ، وَكَانَ يَأْتِيهَا وَهُوَ صَائِمٌ. وَمِنْ
طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ نا مَعْمَرٌ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ نَافِعٍ
أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَآلِهِ وَسَلَّمَ -: «إذَا دَعَا أَحَدُكُمْ أَخَاهُ فَلْيُجِبْهُ عُرْسًا كَانَ
أَوْ نَحْوَهُ» . ثنا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نَبَاتٍ نا أَحْمَدُ بْنُ
عَوْنِ اللَّهِ نا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَسَدٍ الْكَازَرُونِيُّ نا أَبُو
يَعْقُوبَ الدَّبَرِيُّ نا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ أَيُّوبَ
السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: إنَّ ابْنَ عُمَرَ دُعِيَ يَوْمًا إلَى
طَعَامٍ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْقَوْمِ: أَمَّا أَنَا فَأَعْفِنِي؟ فَقَالَ لَهُ
ابْنُ عُمَرَ: لَا عَافِيَةَ لَك مِنْ هَذَا، فَقُمْ. وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نا
أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ نا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ عَنْ هِشَامٍ عَنْ ابْنِ
سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -: «إذَا دُعِيَ أَحَدُكُمْ فَلْيُجِبْ، فَإِنْ كَانَ
صَائِمًا فَلْيُصَلِّ وَإِنْ كَانَ مُفْطِرًا فَلْيَطْعَمْ» . وَصَحَّ عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ «مَنْ لَمْ يُجِبْ الدَّعْوَةَ فَقَدْ عَصَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ» .
فَإِنْ قِيلَ: قَدْ جَاءَ فِي بَعْضِ الْآثَارِ: «إذَا دُعِيَ أَحَدُكُمْ إلَى
وَلِيمَةِ عُرْسٍ فَلْيُجِبْ» ؟ قُلْنَا: نَعَمْ، لَكِنْ الْآثَارُ الَّتِي
أَوْرَدْنَا فِيهَا زِيَادَةً غَيْرَ الْعُرْسِ مَعَ الْعُرْسِ، وَزِيَادَةَ
الْعَدْلِ لَا يَحِلُّ تَرْكُهَا. فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ رَوَيْتُمْ مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ
عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ
وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «إذَا دُعِيَ أَحَدُكُمْ إلَى طَعَامٍ فَلْيُجِبْ،
فَإِنْ شَاءَ طَعِمَ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ» . ؟ قُلْنَا: نَعَمْ، وَأَبُو
الزُّبَيْرِ لَمْ يَذْكُرْ فِي هَذَا أَنَّهُ سَمِعَهُ مِنْ جَابِرٍ، وَلَا هُوَ
مِنْ رِوَايَةِ اللَّيْثِ عَنْهُ. وَقَدْ رُوِّينَا عَنْ اللَّيْثِ أَنَّهُ
وَقَّفَ أَبَا الزُّبَيْرِ عَلَى مَا سَمِعَهُ مِنْ جَابِرٍ مِمَّا لَمْ
يَسْمَعْهُ مِنْهُ، قَالَ اللَّيْثُ: فَأَعْلَمُ لِي عَلَى مَا أَخَذْته عَنْهُ - وَلَيْسَ هَذَا
الْحَدِيثُ مِمَّا أَعْلَمُ لَهُ عَلَيْهِ، فَبَطَلَ الِاحْتِجَاجُ بِهِ. ثُمَّ
لَوْ صَحَّ لَكَانَ الْخَبَرُ الَّذِي فِيهِ إيجَابُ الْأَكْلِ زَائِدًا عَلَى
هَذَا، وَزِيَادَةُ الْعَدْلِ لَا يَحِلُّ تَرْكُهَا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى
التَّوْفِيقُ. وَجُمْهُورُ الصَّحَابَةِ، وَالتَّابِعِينَ عَلَى مَا ذَكَرْنَا
مِنْ إيجَابِ الدَّعْوَةِ.
٩:٢٨ ص
٦ مسالة لا
يحل للمراة نكاح الا باذن وليها 1825 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَحِلُّ لِلْمَرْأَةِ
نِكَاحٌ - ثَيِّبًا كَانَتْ أَوْ بِكْرًا - إلَّا بِإِذْنِ وَلِيِّهَا
الْأَبِ، أَوْ الْإِخْوَةِ، أَوْ الْجَدِّ، أَوْ الْأَعْمَامِ، أَوْ بَنِي
الْأَعْمَامِ - وَإِنْ بَعُدُوا - وَالْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ أَوْلَى.
وَلَيْسَ وَلَدُ الْمَرْأَةِ وَلِيًّا لَهَا إلَّا إنْ كَانَ ابْنَ عَمِّهَا، لَا
يَكُونُ فِي الْقَوْمِ أَقْرَبُ إلَيْهَا مِنْهُ - وَمَعْنَى ذَلِكَ -: أَنْ يَأْذَنَ
لَهَا فِي الزَّوَاجِ، فَإِنْ أَبَى أَوْلِيَاؤُهَا مِنْ الْإِذْنِ لَهَا:
زَوَّجَهَا السُّلْطَانُ. بُرْهَانُ ذَلِكَ -: قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ جَلَّ:
{وَأَنْكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ
وَإِمَائِكُمْ}[النور: 32] وقَوْله تَعَالَى: {وَلا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ
حَتَّى يُؤْمِنُوا}[البقرة: 221] وَهَذَا خِطَابٌ لِلْأَوْلِيَاءِ لَا
لِلنِّسَاءِ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ نا ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ
سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ
عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ
- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ بِغَيْرِ
وَلِيِّهَا فَإِنْ نُكِحَتْ فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ - ثَلَاثَ مَرَّاتٍ - فَإِنْ أَصَابَهَا
فَلَهَا مَهْرُهَا بِمَا أَصَابَ مِنْهَا، فَإِنْ اشْتَجَرُوا فَالسُّلْطَانُ وَلِيُّ
مَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ» . وَمَا حَدَّثَنَا بِهِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ
الطَّلْمَنْكِيُّ نا ابْنُ مُفَرِّجٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ أَيُّوبَ الصَّمُوتُ
الرَّقِّيُّ نا أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ الْخَالِقِ الْبَزَّارُ نا
أَبُو كَامِلٍ نا بِشْرُ بْنُ مَنْصُورٍ نا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ أَبِي
إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ بْنِ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ
عَنْ أَبِيهِ عَنْ النَّبِيِّ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - قَالَ:
«لَا نِكَاحَ إلَّا بِوَلِيٍّ» . وَبِهِ إلَى الْبَزَّازِ نا مُحَمَّدُ بْنُ
مُوسَى الْحَرَشِيُّ نا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ نا شُعْبَةُ بْنُ الْحَجَّاجِ عَنْ أَبِي
إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ بْنِ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ
عَنْ أَبِيهِ - هُوَ أَبُو مُوسَى - عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ
وَسَلَّمَ -: «لَا نِكَاحَ إلَّا بِوَلِيٍّ» . فَاعْتَرَضَ قَوْمٌ عَلَى حَدِيثِ
أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ هَذَا بِأَنَّ ابْنَ عُلَيَّةَ رَوَى عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ
أَنَّهُ سَأَلَ الزُّهْرِيَّ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ؟ فَلَمْ يَعْرِفْهُ - قَالُوا:
وَأُمُّ الْمُؤْمِنِينَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ عَنْهَا
- وَقَدْ صَحَّ عَنْهَا أَنَّهَا كَانَتْ أَنْكَحَتْ بِنْتَ أَخِيهَا - عَبْدِ
الرَّحْمَنِ وَهِيَ بِكْرٌ وَهُوَ مُسَافِرٌ بِالشَّامِ قَرِيبُ الْأَوْبَةِ -
بِغَيْرِ أَمْرِهِ، فَلَمْ يُمْضِهِ، بَلْ أَنْكَرَ ذَلِكَ إذْ بَلَغَهُ، فَلَمْ
تَرَ عَائِشَةُ ذَلِكَ مُبْطِلًا لِذَلِكَ النِّكَاحِ، بَلْ قَالَتْ لِلَّذِي
زَوَّجَتْهَا مِنْهُ - وَهُوَ الْمُنْذِرُ بْنُ الزُّبَيْرِ -: اجْعَلْ أَمْرَهَا
إلَيْهِ، فَفَعَلَ، فَأَنْفَذَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ -. قَالُوا: وَالزُّهْرِيُّ
هُوَ الَّذِي رُوِيَ عَنْهُ هَذَا الْخَبَرُ. قَدْ رَوَيْتُمْ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ
الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ أَنَّهُ قَالَ لَهُ: سَأَلْت الزُّهْرِيَّ عَنْ الرَّجُلِ
يَتَزَوَّجُ بِغَيْرِ وَلِيٍّ؟ فَقَالَ: إنْ كَانَ كُفُؤًا لَهَا لَمْ يُفَرَّقْ
بَيْنَهُمَا. قَالُوا: فَلَوْ صَحَّ هَذَا الْخَبَرُ لَدَلَّ خِلَافُ عَائِشَةَ
الَّتِي رَوَتْهُ، وَالزُّهْرِيُّ الَّذِي رَوَاهُ لِمَا فِيهِ دَلِيلًا عَلَى
نَسْخِهِ؟ فَقُلْنَا: أَمَّا قَوْلُكُمْ: إنَّ الزُّهْرِيَّ سَأَلَهُ عَنْهُ ابْنُ
جُرَيْحٍ فَلَمْ يَعْرِفْهُ؟ فَإِنَّ أَبَا سُلَيْمَانَ دَاوُد بْنَ بَابْشَاذَ
بْنِ دَاوُد بْنِ سُلَيْمَانَ كَتَبَ إلَيَّ: نا عَبْدُ الْغَنِيِّ بْنُ سَعِيدٍ الْأَزْدِيُّ
الْحَافِظُ نا هِشَامُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ قُرَّةَ الرُّعَيْنِيُّ، قَالَ: نا
أَبُو جَعْفَرٍ الطَّحَاوِيَّ نا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي دَاوُد عِمْرَانُ، قَالَ: نا
يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ عَنْ ابْنِ عُلَيَّةَ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ: أَنَّهُ سَأَلَ
الزُّهْرِيَّ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ؟ فَلَمْ يَعْرِفْهُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ:
وَهَذَا لَا شَيْءَ لِوَجْهَيْنِ -: أَحَدُهُمَا مَا حَدَثْنَاهُ الْقَاضِي أَبُو
بَكْرٍ حُمَامُ بْنُ أَحْمَدَ قَالَ: نا عَبَّاسُ بْنُ أَصْبَغَ نا مُحَمَّدُ بْنُ
عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ نا غَيْلَانُ نا عَبَّاسٌ نا يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ:
حَدِيثُ ابْنِ جَرِيرٍ هَذَا - قَالَ عَبَّاسٌ: فَقُلْت لَهُ: إنَّ ابْنَ عُلَيَّةَ يَقُولُ: قَالَ
ابْنُ جُرَيْجٍ لِسُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى؟ فَقَالَ: نَسِيت بَعْدَهُ، فَقَالَ
ابْنُ مَعِينٍ: لَيْسَ يَقُولُ هَذَا إلَّا ابْنُ عُلَيَّةَ، وَابْنُ عُلَيَّةَ
عَرَضَ كُتُبَ ابْنُ جَرِيرٍ عَلَى عَبْدِ الْمَجِيدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ
أَبِي رَوَّادٍ فَأَصْلَحَهَا لَهُ؟ قَالَ ابْنُ مَعِينٍ: لَا يَصِحُّ فِي هَذَا إلَّا
حَدِيثُ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَصَحَّ أَنَّ سَمَاعَ
ابْنِ عُلَيَّةَ مِنْ ابْنِ جُرَيْجٍ مَدْخُولٌ. ثُمَّ لَوْ صَحَّ أَنَّ
الزُّهْرِيَّ أَنْكَرَهُ، وَأَنَّ سُلَيْمَانَ بْنَ مُوسَى نَسِيَهُ -: فَقَدْ
رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمِ بْنِ الْحَجَّاجِ نا ابْنُ نُمَيْرٍ قَالَ: قَالَ
لِي عَبْدَةُ، وَأَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ
عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ
- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ، «كَانَ النَّبِيُّ
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - يَسْمَعُ قِرَاءَةَ رَجُلٍ فِي
الْمَسْجِدِ فَقَالَ: - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَقَدْ أَذْكَرَنِي آيَةً كُنْتُ أُنْسِيتُهَا»
. نا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْجَسُورِ نَا وَهْبُ بْنُ مَيْسَرَةَ نا
ابْنُ وَضَّاحٍ نا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ نا وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ
عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ عَنْ ذَرِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمَرْهَبِيِّ عَنْ
سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزَى عَنْ أَبِيهِ «أَنَّ النَّبِيَّ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى الْفَجْرَ فَأَغْفَلَ آيَةً،
فَلَمَّا صَلَّى قَالَ: أَفِي الْقَوْمِ أُبَيّ بْنُ كَعْبٍ؟ فَقَالَ لَهُ أُبَيّ بْنُ
كَعْبٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَغْفَلْتَ آيَةَ كَذَا، أَوَنُسِخَتْ؟ فَقَالَ - عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: بَلْ أُنْسِيتُهَا» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَإِذَا
صَحَّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -
نَسِيَ آيَةً مِنْ الْقُرْآنِ، فَمَنْ الزُّهْرِيُّ، وَمَنْ سُلَيْمَانُ، وَمَنْ
يَحْيَى حَتَّى لَا يَنْسَى؟ وَقَدْ قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلَقَدْ عَهِدْنَا
إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ}[طه:
115] . لَكِنْ ابْنُ جُرَيْجٍ ثِقَةٌ، فَإِذَا رَوَى
لَنَا عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى - وَهُوَ ثِقَةٌ - أَنَّهُ أَخْبَرَهُ عَنْ الزُّهْرِيِّ
بِخَبَرٍ مُسْنَدٍ، فَقَدْ قَامَتْ الْحُجَّة بِهِ، سَوَاءٌ نَسَوْهُ بَعْدَ أَنْ
بَلَّغُوهُ وَحَدَّثُوا بِهِ، أَوْ لَمْ يَنْسَوْهُ. وَقَدْ نَسِيَ أَبُو هُرَيْرَةَ
حَدِيثَ لَا عَدْوَى. وَنَسِيَ الْحَسَنُ حَدِيثَ مَنْ قَتَلَ عَبْدَهُ. وَنَسِيَ
أَبُو مُحَمَّدٍ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ حَدِيثَ التَّكْبِيرِ بَعْدَ الصَّلَاةِ
بَعْدَ أَنْ حَدَّثُوا بِهَا، فَكَانَ مَاذَا؟ لَا يَعْتَرِضُ بِهَذَا إلَّا
جَاهِلٌ، أَوْ مُدَافِعٌ لِلْحَقِّ بِالْبَاطِلِ، وَلَا نَدْرِي فِي أَيِّ
الْقُرْآنِ، أَمْ فِي أَيِّ السُّنَنِ، أَمْ فِي أَيِّ حُكْمِ الْعُقُولِ
وَجَدُوا؟ أَنَّ مَنْ حَدَّثَ بِحَدِيثٍ ثُمَّ نَسِيَهُ: أَنَّ حُكْمَ ذَلِكَ الْخَبَرِ
يَبْطُلُ، مَا هُمْ إلَّا فِي دَعْوَى كَاذِبَةٍ بِلَا بُرْهَانٍ؟ وَأَمَّا
اعْتِرَاضُهُمْ بِأَنَّهُ صَحَّ عَنْ عَائِشَةَ، وَعَنْ الزُّهْرِيِّ - رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّهُمَا خَالَفَا مَا رَوَيَا مِنْ ذَلِكَ، فَكَانَ
مَاذَا؟ إنَّمَا أَمَرَنَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ
- وَقَامَتْ حُجَّةُ الْعَقْلِ بِوُجُوبِ قَبُولِ مَا
صَحَّ عِنْدَنَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ
وَسَلَّمَ -، وَبِسُقُوطِ اتِّبَاعِ قَوْلٍ مِنْ
دُونِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -. وَلَا نَدْرِي أَيْنَ وَجَدُوا:
أَنَّ مَنْ خَالَفَ - بِاجْتِهَادِهِ مُخْطِئًا مُتَأَوِّلًا - مَا رَوَاهُ أَنَّهُ
يَسْقُطُ بِذَلِكَ مَا رَوَاهُ، ثُمَّ نَعْكِسُ عَلَيْهِمْ أَصْلَهُمْ هَذَا الْفَاسِدَ،
فَنَقُولُ: إذَا صَحَّ أَنَّ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -
وَالزُّهْرِيَّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - رَوَيَا هَذَا الْخَبَرَ، وَرُوِيَ عَنْهُمَا
أَنَّهُمَا خَالَفَاهُ، فَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى سُقُوطِ الرِّوَايَةِ بِأَنَّهُمَا
خَالَفَاهُ، بَلْ بَلْ الظَّنُّ بِهِمَا أَنَّهُمَا لَا يُخَالِفَانِ مَا
رَوَيَاهُ، وَهَذَا أَوْلَى، لِأَنَّ تَرْكَنَا مَا لَا يَلْزَمُنَا مِنْ
قَوْلِهِمَا لِمَا يَلْزَمُنَا مِنْ رِوَايَتِهِمَا هُوَ الْوَاجِبُ، لَا تَرْكَ
مَا يَلْزَمُنَا مِمَّا رَوَيَاهُ لِمَا لَا يَلْزَمُنَا مِنْ رَأْيِهِمَا.
فَكَيْفَ وَقَدْ كَتَبَ إلَيَّ دَاوُد بْنُ بَابْشَاذَ قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ
الْغَنِيِّ بْنُ سَعِيدٍ نا هِشَامُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ قُرَّةَ نا أَبُو
جَعْفَرٍ الطَّحَاوِيَّ نا الْحَسَنُ بْنُ غُلَيْبٍ نا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ الْجُعْفِيُّ
نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إدْرِيسَ الْأَوْدِيُّ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ عَنْ
أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهَا أَنْكَحَتْ رَجُلًا مِنْ
بَنِي أَخِيهَا جَارِيَةً مِنْ بَنِي أَخِيهَا، فَضَرَبَتْ بَيْنَهُمْ سِتْرًا،
ثُمَّ تَكَلَّمَتْ حَتَّى إذَا لَمْ يَبْقَ إلَّا النِّكَاحُ أَمَرَتْ رَجُلًا
فَأَنْكَحَ، ثُمَّ قَالَتْ: لَيْسَ إلَى النِّسَاءِ النِّكَاحُ - فَصَحَّ يَقِينًا
بِهَذَا رُجُوعُهَا عَنْ الْعَمَلِ الْأَوَّلِ إلَى مَا نَبَّهَتْ عَلَيْهِ مِنْ
أَنَّ نِكَاحَ النِّسَاءِ لَا يَجُوزُ. وَاعْتَرَضُوا فِي رِوَايَةِ أَبِي مُوسَى:
أَنَّ قَوْمًا أَرْسَلُوهُ؟ فَقُلْنَا: فَكَانَ مَاذَا، إذَا صَحَّ الْخَبَرُ
مُسْنَدًا إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -
فَقَدْ قَامَتْ الْحُجَّةُ بِهِ، وَلَزِمَنَا قَبُولُهُ فَرْضًا، وَلَا مَعْنَى
لِمَنْ أَرْسَلَهُ، أَوْ لِمَنْ لَمْ يَرْوِهِ أَصْلًا، أَوْ لِمَنْ رَوَاهُ مِنْ
طَرِيقٍ أُخْرَى ضَعِيفَةٍ؟ كُلُّ هَذَا كَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ - وَبِاَللَّهِ
تَعَالَى التَّوْفِيقُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَمِمَّنْ قَالَ بِمِثْلِ قَوْلِنَا
جَمَاعَةٌ مِنْ السَّلَفِ -: كَمَا رُوِّينَا: مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ حَدَّثَنِي
عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ عَنْ بُكَيْرِ بْنِ الْأَشَجِّ: أَنَّهُ سَمِعَ سَعِيدَ
بْنَ الْمُسَيِّبِ يَقُولُ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: لَا تُنْكَحُ
الْمَرْأَةُ إلَّا بِإِذْنِ وَلِيِّهَا، أَوْ ذَوِي الرَّأْيِ مِنْ أَهْلِهَا،
أَوْ السُّلْطَانِ. وَمِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ
دِينَارٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَعْبَدٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ
رَدَّ نِكَاحَ امْرَأَةٍ نَكَحَتْ بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهَا. وَمِنْ طَرِيقِ
عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ
جُبَيْرِ بْنِ شَيْبَةَ أَنَّ عِكْرِمَةَ بْنَ خَالِدٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ
الطَّرِيقَ جَمَعَ رَكْبًا، فَجَعَلَتْ امْرَأَةٌ ثَيِّبٌ أَمْرَهَا إلَى رَجُلٍ
مِنْ الْقَوْمِ غَيْرِ وَلِيٍّ فَأَنْكَحَهَا رَجُلًا، فَبَلَغَ ذَلِكَ عُمَرَ بْنَ
الْخَطَّابِ، فَجَلَدَ النَّاكِحَ وَالْمُنْكِحَ وَرَدَّ نِكَاحَهَا. وَمِنْ طَرِيقِ
مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: لَيْسَ لِلنِّسَاءِ مِنْ
الْعَقْدِ شَيْءٌ، لَا نِكَاحَ إلَّا بِوَلِيٍّ، لَا تُنْكِحُ الْمَرْأَةُ
نَفْسَهَا، فَإِنَّ الزَّانِيَةَ تُنْكِحُ نَفْسَهَا. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ
عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ أَنَّ ابْنَ
عَبَّاسٍ قَالَ: الْبَغَايَا اللَّاتِي يَنْكِحْنَ أَنْفُسَهُنَّ بِغَيْرِ
الْأَوْلِيَاءِ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ
عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ قَالَ: وَلَّى عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ ابْنَتَهُ حَفْصَةَ
أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ مَالَهُ وَبَنَاتَهُ وَنِكَاحَهُنَّ فَكَانَتْ حَفْصَةُ أُمُّ
الْمُؤْمِنِينَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - إذَا أَرَادَتْ أَنْ تُزَوِّجَ
امْرَأَةً أَمَرَتْ أَخَاهَا عَبْدَ اللَّهِ فَيُزَوِّجُ. وَرُوِّينَا نَحْوَ هَذَا أَيْضًا عَنْ
عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ
- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - وَابْنِ عُمَرَ، وَعُمَرَ
بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ. وَرُوِّينَا: عَنْ
الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ نَا أَبُو هِلَالٍ، قَالَ: سَأَلْت الْحَسَنَ؟
فَقُلْت: سَأَلْت أَبَا سَعِيدٍ عَنْ امْرَأَةٍ خَطَبَهَا رَجُلٌ وَوَلِيُّهَا غَائِبٌ
بِسِجِسْتَانَ، وَلِوَلِيِّهَا هَاهُنَا وَلِيٌّ، أَيُزَوِّجُهَا وَلِيُّ
وَلِيِّهَا؟ قَالَ: لَا، وَلَكِنْ اُكْتُبُوا إلَيْهِ، قُلْت لَهُ: إنَّ الْخَاطِبَ
لَا يَصْبِرُ؟ قَالَ: فَلْيَصْبِرْ، قَالَ لَهُ رَجُلٌ: إلَى مَتَى يَصْبِرُ؟ قَالَ الْحَسَنُ:
يَصْبِرُ كَمَا صَبَرَ أَهْلُ الْكَهْفِ. وَهُوَ قَوْلُ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ، وَمَكْحُولٍ
-. وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ شُبْرُمَةَ، وَابْنِ أَبِي لَيْلَى وَسُفْيَانَ
الثَّوْرِيِّ، وَالْحَسَنِ بْنِ حَيٍّ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ،
وَأَبِي عُبَيْدٍ، وَابْنِ الْمُبَارَكِ. وَفِي ذَلِكَ خِلَافٌ قَدِيمٌ، وَحَدِيثٌ
-: كَمَا حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نَبَاتٍ نا أَحْمَدُ بْنُ عَوْنِ
اللَّهِ نا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ نا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ
الْخُشَنِيُّ نا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ بِنْدَارٌ نا أَبُو دَاوُد
الطَّيَالِسِيُّ نا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيِّ، وَسُفْيَانَ
الثَّوْرِيِّ، قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ:
كَانَتْ فِينَا امْرَأَةٌ يُقَالُ لَهَا: بَحْرِيَّةُ،
زَوَّجَتْهَا أُمُّهَا، وَكَانَ أَبُوهَا غَائِبًا، فَلَمَّا قَدِمَ أَبُوهَا
أَنْكَرَ ذَلِكَ، فَرَفَعَ ذَلِكَ إلَى عَلِيٍّ فَأَجَازَ ذَلِكَ -. قَالَ شُعْبَةُ: وَأَخْبَرَنِي
سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا قَيْسٍ يُحَدِّثُ عَنْ هُذَيْلِ بْنِ
شُرَحْبِيلَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ بِمِثْلِهِ. وَمِنْ طَرِيقِ
الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ نَا شُعْبَةُ بْنُ الْحَجَّاجِ قَالَ: أَخْبَرَنِي
سُلَيْمَانُ الشَّيْبَانِيُّ - هُوَ أَبُو إِسْحَاقَ - قَالَ: سَمِعْت
الْقَعْقَاعَ، قَالَ: إنَّهُ تَزَوَّجَ رَجُلٌ امْرَأَةً مِنَّا يُقَالُ لَهَا:
بَحْرِيَّةُ، زَوَّجَتْهَا إيَّاهُ أُمُّهَا، فَجَاءَ أَبُوهَا فَأَنْكَرَ ذَلِكَ،
فَاخْتَصَمَا إلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، فَأَجَازَهُ. وَالْخَبَرُ
الْمَشْهُورُ: عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ: أَنَّهَا زَوَّجَتْ بِنْتَ
أَخِيهَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ مِنْ الْمُنْذِرِ بْنِ الزُّبَيْرِ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ
غَائِبٌ بِالشَّامِ، فَلَمَّا قَدِمَ أَنْكَرَ ذَلِكَ، فَجَعَلَ الْمُنْذِرُ
أَمْرَهَا إلَيْهِ فَأَجَازَهُ. وَرُوِّينَا أَنَّ أُمَامَةَ بِنْتَ أَبِي
الْعَاصِ بْنِ أَبِي الرَّبِيعِ، وَأُمَّهَا زَيْنَبَ بِنْتَ رَسُولِ اللَّهِ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - خَطَبَهَا مُعَاوِيَةُ بَعْدَ قَتْلِ
عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَكَانَتْ تَحْتَ عَلِيٍّ، فَدَعَتْ
بِالْمُغِيرَةِ بْنِ نَوْفَلِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ
فَجَعَلَتْ أَمْرَهَا إلَيْهِ فَأَنْكَحَهَا نَفْسَهُ، فَغَضِبَ مَرْوَانُ،
وَكَتَبَ ذَلِكَ إلَى مُعَاوِيَةَ، فَكَتَبَ إلَيْهِ مُعَاوِيَةُ: دَعْهُ
وَإِيَّاهَا. وَصَحَّ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ فِي امْرَأَةٍ لَا وَلِيَّ لَهَا،
فَوَلَّتْ رَجُلًا أَمْرَهَا، فَزَوَّجَهَا، قَالَ ابْنُ سِيرِينَ: لَا بَأْسَ
بِذَلِكَ، الْمُؤْمِنُونَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ. وَعَنْ عَبْدِ
الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ: أَنَّهُ سَأَلَ عَطَاءً عَنْ امْرَأَةٍ نَكَحَتْ
بِغَيْرِ إذْنِ وُلَاتِهَا - وَهُمْ حَاضِرُونَ، فَقَالَ أَمَّا امْرَأَةٌ مَالِكَةٌ
أَمْرَ نَفْسِهَا إذَا كَانَ بِشُهَدَاءَ، فَإِنَّهُ جَائِزٌ بِغَيْرِ أَمْرِ
الْوُلَاةِ. وَعَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ فِي امْرَأَةٍ زَوَّجَتْ ابْنَتَهَا
بِغَيْرِ إذْنِ أَوْلِيَائِهَا، قَالَ: إنْ أَجَازَ الْوُلَاةُ ذَلِكَ إذَا عَلِمُوا،
فَهَذَا جَائِزٌ - وَرُوِيَ نَحْوُ هَذَا عَنْ الْحَسَنِ أَيْضًا. قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ
إنْ كَانَ الزَّوْجُ كُفُؤًا وَلَهَا مِنْ أَمْرِهَا نَصِيبٌ، وَدَخَلَ بِهَا،
لَمْ يَكُنْ لِلْوَلِيِّ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَهُمَا. وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ: لَا يَجُوزُ
أَنْ تُزَوِّجَ الْمَرْأَةُ نَفْسَهَا، وَلَا أَنْ تُزَوِّجَهَا امْرَأَةٌ
وَلَكِنْ إنْ زَوَّجَهَا رَجُلٌ مُسْلِمٌ جَازَ، الْمُؤْمِنُونَ إخْوَةٌ
بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ. قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ: أَمَّا الْبِكْرُ فَلَا
يُزَوِّجُهَا إلَّا وَلِيُّهَا، وَأَمَّا الثَّيِّبُ فَتُوَلِّي أَمْرَهَا مَنْ
شَاءَتْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَيُزَوِّجُهَا، وَلَيْسَ لِلْوَلِيِّ فِي ذَلِكَ
اعْتِرَاضٌ. وَقَالَ مَالِكٌ: أَمَّا الدَّنِيئَةُ، كَالسَّوْدَاءِ، أَوْ الَّتِي
أَسْلَمْت، أَوْ الْفَقِيرَةُ، أَوْ النَّبَطِيَّةُ، أَوْ الْمُوَلَّاةُ، فَإِنْ
زَوَّجَهَا الْجَارُ وَغَيْرُهُ - مِمَّنْ لَيْسَ هُوَ لَهَا بِوَلِيٍّ - فَهُوَ
جَائِزٌ - وَأَمَّا الْمَرْأَةُ الَّتِي لَهَا الْمَوْضِعُ، فَإِنْ زَوَّجَهَا
غَيْرُ وَلِيِّهَا فُرِّقَ بَيْنَهُمَا فَإِنْ أَجَازَ ذَلِكَ الْوَلِيُّ، أَوْ السُّلْطَانُ:
جَازَ، فَإِنْ تَقَادَمَ أَمْرُهَا وَلَمْ يُفْسَخْ، وَوَلَدَتْ لَهُ الْأَوْلَادَ:
لَمْ نَفْسَخْ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَزُفَرُ، جَائِزٌ لِلْمَرْأَةِ أَنْ
تُزَوِّجَ نَفْسَهَا كُفُؤًا، وَلَا اعْتِرَاضَ لِوَلِيِّهَا فِي ذَلِكَ، فَإِنْ
زَوَّجَتْ نَفْسَهَا غَيْرَ كُفْءٍ، فَالنِّكَاحُ جَائِزٌ، وَلِلْأَوْلِيَاءِ أَنْ
يُفَرِّقُوا بَيْنَهُمَا، وَكَذَلِكَ لِلْوَلِيِّ أَنْ يُخَاصِمَ فِيمَا حَطَّتْ
مِنْ صَدَاقِ مِثْلِهَا. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ: لَا نِكَاحَ
إلَّا بِوَلِيٍّ، ثُمَّ اخْتَلَفَا، فَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: إنْ تَزَوَّجَتْ بِغَيْرِ وَلِيٍّ
فَأَجَازَهُ الْوَلِيُّ جَازَ، فَإِنْ أَبَى أَنْ يُجِيزَ وَالزَّوْجُ كُفُؤٌ
أَجَازَهُ الْقَاضِي، وَلَا يَكُونُ جَائِزًا إلَّا حَتَّى يُجِيزَهُ الْقَاضِي.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ: إنْ لَمْ يُجِزْهُ الْوَلِيُّ اسْتَأْنَفَ
الْقَاضِي فِيهِ عَقْدًا جَدِيدًا. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: أَمَّا قَوْلُ
مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ، وَأَبِي يُوسُفَ: فَظَاهِرُ التَّنَاقُضِ وَالْفَسَادِ،
لِأَنَّهُمَا نَقَضَا قَوْلِهِمَا " لَا نِكَاحَ إلَّا بِوَلِيٍّ " إذْ أَجَازَا
لِلْوَلِيِّ إجَازَةَ مَا أَخْبَرَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ. وَكَذَلِكَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ،
لِأَنَّهُ أَجَازَ لِلْمَرْأَةِ إنْكَاحَ نَفْسِهَا مِنْ غَيْرِ كُفْءٍ ثُمَّ
أَجَازَ لِلْوَلِيِّ فَسْخَ الْعَقْدِ الْجَائِزِ، فَهِيَ أَقْوَالٌ لَا
مُتَعَلِّقَ لَهَا بِقُرْآنٍ، وَلَا بِسُنَّةٍ لَا صَحِيحَةٍ، وَلَا سَقِيمَةٍ،
وَلَا بِقَوْلِ صَاحِبٍ، وَلَا بِمَعْقُولٍ، وَلَا قِيَاسٍ، وَلَا رَأْيٍ سَدِيدٍ
- وَهَذَا لَا يُقْبَلُ إلَّا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَآلِهِ وَسَلَّمَ - الَّذِي لَا يَنْطِقُ عَنْ الْهَوَى، إلَّا عَنْ الْوَحْيِ مِنْ
الْخَالِقِ، الَّذِي {لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ}[الأنبياء: 23] وَأَمَّا مِنْ
غَيْرِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَهُوَ دِينٌ جَدِيدٌ، يُعَذِّبُ
اللَّهُ بِهِ فِي الْحَشْرِ. وَأَمَّا قَوْلُ مَالِكٍ: فَظَاهِرُ الْفَسَادِ، لِأَنَّهُ
فَرَّقَ بَيْنَ الدَّنِيَّةِ وَغَيْرِ الدَّنِيَّةِ، وَمَا عَلِمْنَا الدَّنَاءَةَ
إلَّا مَعَاصِيَ اللَّهِ تَعَالَى. وَأَمَّا السَّوْدَاءُ، وَالْمَوْلَاةُ: فَقَدْ
كَانَتْ أُمُّ أَيْمَنَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - سَوْدَاءَ وَمَوْلَاةً،
وَوَاللَّهِ مَا بَعْدَ أَزْوَاجِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي
هَذِهِ الْأُمَّةِ امْرَأَةٌ أَعْلَى قَدْرًا عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى وَعِنْدَ أَهْلِ
الْإِسْلَامِ كُلِّهِمْ مِنْهَا. وَأَمَّا الْفَقِيرَةُ: فَمَا الْفَقْرُ
دَنَاءَةٌ، فَقَدْ كَانَ فِي الْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ
- الْفَقِيرُ الَّذِي أَهْلَكَهُ الْفَقْرُ - وَهُمْ أَهْلُ الشَّرَفِ
وَالرِّفْعَةِ حَقًّا - وَقَدْ كَانَ قَارُونُ، وَفِرْعَوْنُ، وَهَامَانُ: مِنْ
الْغِنَى بِحَيْثُ عُرِفَ - وَهُمْ أَهْلُ الدَّنَاءَةِ وَالرَّذَالَةِ حَقًّا -.
وَأَمَّا النَّبَطِيَّةُ: فَرُبَّ نَبَطِيَّةٍ لَا يَطْمَعُ فِيهَا كَثِيرٌ مِنْ
قُرَيْشٍ لِيَسَارِهَا، وَعُلُوِّ حَالِهَا فِي الدُّنْيَا، وَرُبَّ بِنْتِ
خَلِيفَةٍ هَلَكَتْ فَاقَةً وَجَهْدًا وَضَيَاعًا. ثُمَّ قَوْلُهُ "
يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا فَإِنْ طَالَ الْأَمْرُ وَوَلَدَتْ مِنْهُ الْأَوْلَادَ
لَمْ يُفَرَّقْ بَيْنَهُمَا " فَهَذَا عَيْنُ الْخَطَأِ، إنَّمَا هُوَ حَقٌّ
أَوْ بَاطِلٌ، وَلَا سَبِيلَ إلَى ثَالِثٍ، فَإِنْ كَانَ حَقًّا فَلَيْسَ لِأَحَدٍ
نَقْضُ الْحَقِّ إثْرَ عَقْدِهِ وَلَا بَعْدَ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ بَاطِلًا فَالْبَاطِلُ
مَرْدُودٌ أَبَدًا، إلَّا أَنْ يَأْتِيَ نَصٌّ مِنْ قُرْآنٍ أَوْ سُنَّةٍ عَنْ
رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - فَيُوقَفُ
عِنْدَهُ. وَمَا نَعْلَمُ قَوْلَ مَالِكٍ هَذَا قَالَهُ أَحَدٌ قَبْلَهُ وَلَا
غَيْرُهُ، إلَّا مَنْ قَلَّدَهُ، وَلَا مُتَعَلِّقَ لَهُ بِقُرْآنٍ، وَلَا
بِسُنَّةٍ صَحِيحَةٍ، وَلَا بِأَثَرٍ سَاقِطٍ، وَلَا بِقَوْلِ صَاحِبٍ، وَلَا
تَابِعٍ، وَلَا مَعْقُولٍ، وَلَا قِيَاسٍ، وَلَا رَأْيٍ لَهُ وَجْهٌ يُعْرَفُ.
وَأَمَّا قَوْلُ أَبِي ثَوْرٍ: فَإِنَّ قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -: «فَإِنْ اشْتَجَرُوا فَالسُّلْطَانُ وَلِيُّ مَنْ
لَا وَلِيَّ لَهُ» مَانِعٌ مِنْ أَنْ يَكُونَ وَلِيُّ الْمَرْأَةِ كُلَّ مُسْلِمٍ،
لِأَنَّ مُرَاعَاةَ اشْتِجَارِ جَمِيعِ مَنْ أَسْلَمَ مِنْ النَّاسِ مُحَالٌ،
وَحَاشَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنْ يَأْمُرَ بِمُرَاعَاةِ مُحَالٍ
لَا يُمْكِنُ فَصَحَّ أَنَّهُ -
عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَنَى قَوْمًا
خَاصَّةً يُمْكِنُ أَنْ يَشْتَجِرُوا فِي نِكَاحِ الْمَرْأَةِ، لَا حَقَّ
لِغَيْرِهِمْ فِي ذَلِكَ. قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -
«فَالسُّلْطَانُ وَلِيُّ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ» بَيَانٌ جَلِيٌّ بِمَا قُلْنَا
إذْ لَوْ أَرَادَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كُلَّ مُسْلِمٍ لَكَانَ
قَوْلُهُ: «مَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ» مُحَالًا بَاطِلًا، وَحَاشَ لَهُ مِنْ فِعْلِ ذَلِكَ،
فَصَحَّ: أَنَّهُمْ الْعَصَبَةُ الَّذِينَ يُوجَدُونَ لِبَعْضِ النِّسَاءِ وَلَا
يُوجَدُونَ لِبَعْضِهِنَّ. وَأَمَّا قَوْلُ أَبِي سُلَيْمَانَ فَإِنَّمَا عُوِّلَ
عَلَى الْخَبَرِ الثَّابِتِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - مِنْ قَوْلِهِ «الْبِكْرُ يَسْتَأْذِنُهَا أَبُوهَا وَالثَّيِّبُ
أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا لَوْ لَمْ
يَأْتِ غَيْرُهُ لَكَانَ كَمَا قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ، لَكِنَّ قَوْلَهُ -
عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَيُّمَا امْرَأَةٍ نَكَحَتْ بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهَا
فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ» عُمُومٌ لِكُلِّ امْرَأَةٍ ثَيِّبٍ أَوْ بِكْرٍ. وَبَيَانُ
هَذَا الْقَوْلِ: أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -
«وَالثَّيِّبُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا» أَنَّهُ لَا يَنْفُذُ فِيهَا
أَمْرُهُ بِغَيْرِ إذْنِهَا، وَلَا تَنْكِحُ إلَّا مَنْ شَاءَتْ، فَإِذَا
أَرَادَتْ النِّكَاحَ لَمْ يَجُزْ لَهَا إلَّا بِإِذْنِ وَلِيِّهِمَا، فَإِنْ
أَبَى أَنْكَحَهُمَا السُّلْطَانُ عَلَى رَغْمِ أَنْفِ الْوَلِيِّ الْآبِيِّ.
وَأَمَّا مَنْ لَمْ يَرَ لِلْوَلِيِّ مَعْنًى فَإِنَّهُمْ احْتَجُّوا بِقَوْلِ
اللَّهِ تَعَالَى: {حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ}[البقرة: 230] وَبِقَوْلِ اللَّهِ
تَعَالَى: {فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ
فِي أَنْفُسِهِنَّ}[البقرة: 234] . وَقَدْ قُلْنَا: إنَّ قَوْله تَعَالَى:
{وَأَنْكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ}[النور: 32] بَيَانٌ فِي أَنَّ نِكَاحَهُنَّ
لَا يَكُونُ إلَّا بِإِذْنِ الْوَلِيِّ.
وَاحْتَجُّوا بِأَنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ أُمَّ
الْمُؤْمِنِينَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - زَوَّجَهَا النَّجَاشِيُّ مِنْ رَسُولِ
اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهَذَا لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ،
لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ
وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ}[الأحزاب: 6] فَهَذَا خَارِجٌ مِنْ قَوْلِهِ -
عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَيُّمَا امْرَأَةٍ نَكَحَتْ بِغَيْرِ إذْنِ
وَلِيِّهَا فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ» . وَوَجْهٌ آخَرُ: وَهُوَ أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ
مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هُوَ الزَّائِدُ
عَلَى مَعْهُودِ الْأَصْلِ، لِأَنَّ الْأَصْلَ - بِلَا شَكٍّ - أَنْ تَنْكِحَ
الْمَرْأَةُ مَنْ شَاءَتْ بِغَيْرِ وَلِيٍّ، فَالشَّرْعُ الزَّائِدُ هُوَ الَّذِي
لَا يَجُوزُ تَرْكُهُ، لِأَنَّهُ شَرِيعَةٌ وَارِدَةٌ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى، كَالصَّلَاةِ
بَعْدَ أَنْ لَمْ تَكُنْ، وَالزَّكَاةِ بَعْدَ أَنْ لَمْ تَكُنْ وَسَائِرِ
الشَّرَائِعِ، وَلَا فَرْقَ. وَاحْتَجُّوا بِخَبَرٍ فِيهِ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ
أَبِي سَلَمَةَ هُوَ زَوَّجَ أُمَّ سَلَمَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ - رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهَا - مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ
-. وَهَذَا خَبَرٌ إنَّمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ عُمَرَ بْنِ أَبِي
سَلَمَةَ وَهُوَ مَجْهُولٌ. ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَكَانَ الْقَوْلُ فِيهِ كَالْقَوْلِ
فِي حَدِيثِ أُمِّ حَبِيبَةَ سَوَاءً سَوَاءً، مَعَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ أَبِي سَلَمَةَ
كَانَ يَوْمَئِذٍ صَغِيرًا لَمْ يَبْلُغْ، هَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ بَيْنَ أَحَدٍ
مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْأَخْبَارِ، فَمِنْ الْبَاطِلِ أَنْ يَعْتَمِدَ رَسُولُ
اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى عَقْدِ مَنْ لَا يَجُوزُ
عَقْدُهُ. وَيَكْفِي فِي رَدِّ هَذَا كُلِّهِ مَا حَدَّثَنَاهُ يَحْيَى بْنُ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَسْعُودٍ نا أَحْمَدُ بْنُ دُحَيْمِ بْنِ خَلِيلٍ نا
إبْرَاهِيمُ بْنُ حَمَّادٍ نا إسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ نا عَارِمٌ - هُوَ
مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ - نا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ فِي زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ {فَلَمَّا قَضَى
زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا}[الأحزاب: 37] قَالَ: فَكَانَتْ تَفْخَرُ عَلَى
نِسَاءِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - تَقُولُ:
زَوَّجَكُنَّ أَهْلُوكُنَّ وَزَوَّجَنِي اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ فَوْقِ سَبْعِ
سَمَوَاتٍ. فَهَذَا إسْنَادٌ صَحِيحٌ مُبَيِّنٌ أَنَّ جَمِيعَ نِسَائِهِ -
عَلَيْهِ السَّلَامُ - إنَّمَا زَوَّجَهُنَّ أَوْلِيَاؤُهُنَّ حَاشَ زَيْنَبَ - رَضِيَ اللَّهُ
تَعَالَى عَنْهَا - فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى زَوَّجَهَا مِنْهُ - عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -. وَصَحَّ بِهَذَا مَعْنَى قَوْلِ أُمِّ حَبِيبَةَ -
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّ النَّجَاشِيَّ زَوَّجَهَا أَيْ تَوَلَّى أَمْرَهَا
وَمَا تَحْتَاجُ إلَيْهِ وَكَانَ الْعَقْدُ بِحَضْرَتِهِ، قَدْ كَانَ هُنَالِكَ
أَقْرَبُ النَّاسِ إلَيْهَا عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ بْنِ
أُمَيَّةَ، وَعَمْرٌو، وَخَالِدٌ، ابْنَا سَعْدِ بْنِ الْعَاصِ بْنِ أُمَيَّةَ،
فَكَيْفَ يُزَوِّجُهَا النَّجَاشِيُّ - بِمَعْنَى يَتَوَلَّى عَقْدَ نِكَاحِهَا - وَهَؤُلَاءِ
حُضُورٌ رَاضُونَ مَسْرُورُونَ آذِنُونَ فِي ذَلِكَ بِيَقِينٍ لَا شَكَّ فِيهِ؟ .
وَأَمَّا تَزْوِيجُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - الْمَرْأَةَ
بِتَعْلِيمِ سُورَةٍ مِنْ الْقُرْآنِ فَلَيْسَ فِي الْخَبَرِ أَنَّهُ كَانَ لَهَا
وَلِيٌّ أَصْلًا فَلَا يُعْتَرَضُ عَلَى الْيَقِينِ بِالشُّكُوكِ. وَهَكَذَا
الْقَوْلُ فِي كُلِّ حَدِيثٍ ذَكَرُوهُ، كَخَبَرِ نِكَاحِ مَيْمُونَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ
وَإِنَّمَا جَعَلَتْ أَمْرَهَا إلَى الْعَبَّاسِ فَزَوَّجَهَا مِنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ -. وَنِكَاحِ أَبِي طَلْحَةَ أُمَّ سُلَيْمٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - عَلَى
الْإِسْلَامِ فَقَطْ، أَنْكَحَهَا إيَّاهُ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، وَهُوَ صَغِيرٌ
دُونَ عَشْرِ سِنِينَ. فَهَذَا كُلُّهُ مَنْسُوخٌ بِإِبْطَالِهِ - عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - النِّكَاحَ بِغَيْرِ وَلِيٍّ، وَسَائِرُ الْأَحَادِيثِ الَّتِي
فِيهَا أَنَّ نِسَاءً أُنْكِحْنَ بِغَيْرِ إذْنِ أَهْلِهِنَّ، فَرَدَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ - نِكَاحَهُنَّ وَجَعَلَ إلَيْهِنَّ إجَازَةَ ذَلِكَ إنْ شِئْنَ -
فَكُلُّهَا أَخْبَارٌ لَا تَصِحُّ إمَّا مُرْسَلَةٌ، وَإِمَّا مِنْ رِوَايَةِ
عَلِيِّ بْنِ غُرَابٍ - وَهُوَ ضَعِيفٌ - فَظَهَرَ صِحَّةُ قَوْلِنَا.
وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَأَمَّا قَوْلُنَا: إنَّهُ لَا يَجُوزُ
إنْكَاحُ الْأَبْعَدِ مِنْ الْأَوْلِيَاءِ مَعَ وُجُودِ الْأَقْرَبِ، فَلِأَنَّ
النَّاسَ كُلَّهُمْ يَلْتَقُونَ فِي أَبٍ بَعْدَ أَبٍ إلَى آدَمَ - عَلَيْهِ
السَّلَامُ - بِلَا شَكٍّ، فَلَوْ جَازَ إنْكَاحُ الْأَبْعَدِ مَعَ وُجُودِ
الْأَقْرَبِ لَجَازَ إنْكَاحُ كُلِّ مَنْ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ لِأَنَّهُ
يَلْقَاهَا بِلَا شَكٍّ فِي بَعْضِ آبَائِهَا، فَإِنْ حَدُّوا فِي ذَلِكَ حَدًّا
كُلِّفُوا الْبُرْهَانَ عَلَيْهِ، وَلَا سَبِيلَ إلَيْهِ - فَصَحَّ يَقِينًا
أَنَّهُ لَا حَقَّ مَعَ الْأَقْرَبِ لِلْأَبْعَدِ، ثُمَّ إنْ عُدِمَ فَمَنْ فَوْقَهُ
بَابٌ هَكَذَا أَبَدًا مَا دَامَ يُعْلَمُ لَهَا وَلِيٌّ عَاصِبٌ، كَالْمِيرَاثِ
وَلَا فَرْقَ. وَأَمَّا إنْ كَانَ الْوَلِيُّ غَائِبًا فَلَا بُدَّ مِنْ
انْتِظَارِهِ، فَإِنْ قَالُوا: إنَّ ذَلِكَ يَضُرُّ بِهَا؟ قُلْنَا: الضَّرُورَةُ
لَا تُبِيحُ الْفُرُوجَ - وَقَدْ وَافَقَنَا الْمَالِكِيُّونَ عَلَى أَنَّهُ إنْ
كَانَ لِلزَّوْجِ الْغَائِبِ مَالٌ يُنْفَقُ مِنْهُ عَلَى الْمَرْأَةِ لَمْ
تَطْلُقْ عَلَيْهِ - وَإِنْ أَضَرَّتْ غَيْبَتُهُ بِهَا فِي فَقْدِ الْجِمَاعِ
وَضَيَاعِ كَثِيرٍ مِنْ أُمُورِهَا - وَوَافَقَنَا الْحَنَفِيُّونَ فِي أَنَّهُ
وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ فَإِنَّهَا لَا تَطْلُقُ عَلَيْهِ وَلَا ضَرَرَ
أَضَرَّ مِنْ عَدَمِ النَّفَقَةِ. ثُمَّ نَسْأَلُهُمْ فِي حَدِّ الْغَيْبَةِ
الَّتِي يَنْتَظِرُونَ الْوَلِيَّ فِيهَا مِنْ الْغَيْبَةِ الَّتِي لَا يَنْتَظِرُونَهُ
فِيهَا، فَإِنَّهُمْ لَا يَأْتُونَ إلَّا بِفَضِيحَةٍ، وَبِقَوْلٍ لَا يُعْقَلُ
وَجْهُهُ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى نَتَأَيَّدُ.
٩:٢٩ ص
٧ مسالة
انكاح الاب ابنته الصغيرة 1826 - مَسْأَلَةٌ: وَلِلْأَبِ أَنْ يُزَوِّجَ ابْنَتَهُ
الصَّغِيرَةَ الْبِكْرَ - مَا لَمْ تَبْلُغْ - بِغَيْرِ إذْنِهَا، وَلَا خِيَارَ
لَهَا إذَا بَلَغَتْ فَإِنْ كَانَتْ ثَيِّبًا مِنْ زَوْجٍ مَاتَ عَنْهَا أَوْ
طَلَّقَهَا لَمْ يَجُزْ لِلْأَبِ وَلَا لِغَيْرِهِ أَنْ يُزَوِّجَهَا حَتَّى تَبْلُغَ،
وَلَا إذْنَ لَهُمَا قَبْلَ أَنْ تَبْلُغَ. وَإِذَا بَلَغَتْ الْبِكْرُ
وَالثَّيِّبُ لَمْ يَجُزْ لِلْأَبِ وَلَا لِغَيْرِهِ أَنْ يُزَوِّجَهَا إلَّا
بِإِذْنِهَا، فَإِنْ وَقَعَ فَهُوَ مَفْسُوخٌ أَبَدًا. فَأَمَّا الثَّيِّبُ
فَتَنْكِحُ مَنْ شَاءَتْ، وَإِنْ كَرِهَ الْأَبُ. وَأَمَّا الْبِكْرُ فَلَا
يَجُوزُ لَهَا نِكَاحٌ إلَّا بِاجْتِمَاعِ إذْنِهَا وَإِذْنِ أَبِيهَا. وَأَمَّا الصَّغِيرَةُ
الَّتِي لَا أَبَ لَهَا فَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يُنْكِحَهَا لَا مِنْ ضَرُورَةٍ
وَلَا مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ حَتَّى تَبْلُغَ، وَلَا لِأَحَدٍ أَنْ يُنْكِحَ
مَجْنُونَةً حَتَّى تُفِيقَ وَتَأْذَنَ، إلَّا الْأَبَ فِي الَّتِي لَمْ تَبْلُغْ
وَهِيَ مَجْنُونَةٌ فَقَطْ. وَفِي بَعْضِ مَا ذَكَرْنَا خِلَافٌ -: قَالَ ابْنُ
شُبْرُمَةَ: لَا يَجُوزُ إنْكَاحُ الْأَبِ ابْنَتَهُ الصَّغِيرَةَ إلَّا حَتَّى
تَبْلُغَ وَتَأْذَنَ، وَرَأَى أَمْرَ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -
خُصُوصًا لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -، كَالْمَوْهُوبَةِ، وَنِكَاحُ أَكْثَرَ مِنْ
أَرْبَعٍ. وَقَالَ الْحَسَنُ، وَإِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ: إنْكَاحُ الْأَبِ
ابْنَتَهُ الصَّغِيرَةَ وَالْكَبِيرَةَ الثَّيِّبَ، وَالْبِكْرَ - وَإِنْ
كَرِهَتَا - جَائِزٌ عَلَيْهِمَا. كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ
مَنْصُورٍ نا هُشَيْمٌ نا مَنْصُورُ بْنُ الْمُعْتَمِرِ، وَعُبَيْدَةُ، قَالَ
مَنْصُورٌ: عَنْ الْحَسَنِ، وَقَالَ عُبَيْدَةُ: عَنْ إبْرَاهِيمَ، قَالَا جَمِيعًا: إنَّ نِكَاحَ
الْأَبِ ابْنَتَهُ بِكْرًا أَوْ ثَيِّبًا جَائِزٌ. وَرُوِّينَا عَنْ إبْرَاهِيمَ قَوْلًا
آخَرَ -: كَمَا حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نَبَاتٍ نا أَحْمَدُ بْنُ
عَبْدِ الرَّحِيمِ نا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ نا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ
الْخُشَنِيُّ نا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى نا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ
نا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ مَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ عَنْ إبْرَاهِيمَ
النَّخَعِيِّ قَالَ: الْبِكْرُ لَا يَسْتَأْمِرُهَا أَبُوهَا وَالثَّيِّبُ إنْ
كَانَتْ فِي عِيَالٍ اسْتَأْمَرَهَا. وَقَالَ مَالِكٌ: أَمَّا الْبِكْرُ فَلَا
يَسْتَأْمِرُهَا أَبُوهَا - بَلَغَتْ أَوْ لَمْ تَبْلُغْ، عَنَسَتْ أَوْ لَمْ
تَعْنِسْ - وَيَنْفُذُ إنْكَاحُهُ لَهَا وَإِنْ كَرِهَتْ، وَكَذَلِكَ إنْ دَخَلَ
بِهَا زَوْجُهَا إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَطَأْهَا، فَإِنْ بَقِيَتْ مَعَهُ سَنَةً
وَشَهِدَتْ الْمَشَاهِدَ لَمْ تَجُزْ لِلْأَبِ أَنْ يُنْكِحَهَا بَعْدَ ذَلِكَ
إلَّا بِإِذْنِهَا - وَإِنْ كَانَ زَوْجُهَا لَمْ يَطَأْهَا. قَالَ: وَأَمَّا
الثَّيِّبُ فَلَا يَجُوزُ إنْكَاحُ الْأَبِ وَلَا غَيْرِهِ عَلَيْهَا إلَّا
بِإِذْنِهَا. قَالَ: وَالْجَدُّ بِخِلَافِ الْأَبِ فِيمَا ذَكَرْنَا، لَا يُزَوِّجْ الْبِكْرَ
وَلَا غَيْرَهَا إلَّا بِإِذْنِهَا كَسَائِرِ الْأَوْلِيَاءِ. وَاخْتَلَفَ قَوْلُهُ فِي الْبِكْرِ
الصَّغِيرَةِ الَّتِي لَا أَبَ لَهَا فَأَجَازَ إنْكَاحَ الْأَخِ لَهَا إذَا كَانَ
نَظَرًا لَهَا فِي رِوَايَةِ ابْنِ وَهْبٍ، وَمَنْ مَنَعَهُ رِوَايَةُ ابْنِ
الْقَاسِمِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَأَبُو سُلَيْمَانَ يُنْكِحُ الْأَبُ الصَّغِيرَةَ
مَا لَمْ تَبْلُغْ - بِكْرًا كَانَتْ أَوْ ثَيِّبًا - فَإِذَا بَلَغَتْ نَكَحَتْ مَنْ
شَاءَتْ وَلَا إذْنَ لِلْأَبِ فِي ذَلِكَ كَسَائِرِ الْأَوْلِيَاءِ، وَلَا يَجُوزُ
إنْكَاحُهُ لَهَا إلَّا بِإِذْنِهَا - بِكْرًا كَانَتْ أَوْ ثَيِّبًا. وَقَالَ
أَبُو حَنِيفَةَ: وَالْجَدُّ كَالْأَبِ فِي كُلِّ ذَلِكَ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ:
يُزَوِّجُ الْأَبُ وَالْجَدُّ لِلْأَبِ إنْ كَانَ الْأَبُ قَدْ مَاتَ: الْبِكْرَ
الصَّغِيرَةَ وَلَا إذْنَ لَهَا إذَا بَلَغَتْ، وَكَذَلِكَ الْبِكْرُ
الْكَبِيرَةُ. وَلَا يُزَوِّجُ الثَّيِّبَ الصَّغِيرَةَ أَحَدٌ حَتَّى تَبْلُغَ،
سَوَاءٌ بِإِكْرَاهٍ ذَهَبَتْ عُذْرَتُهَا أَوْ بِرِضًا، بِحَرَامٍ أَوْ حَلَالٍ.
وَأَمَّا الثَّيِّبُ الْكَبِيرَةُ فَلَا يُزَوِّجُهَا الْأَبُ وَلَا الْجَدُّ
وَلَا غَيْرُهُمَا إلَّا بِإِذْنِهَا، وَلَهَا أَنْ تَنْكِحَ مَنْ شَاءَتْ إذَا
كَانَتْ بَالِغًا. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: الْحُجَّةُ فِي إجَازَةِ إنْكَاحِ الْأَبِ
ابْنَتَهُ الصَّغِيرَةَ الْبِكْرَ إنْكَاحُ أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
- النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهَا - وَهِيَ بِنْتُ سِتِّ سِنِينَ، وَهَذَا أَمْرٌ مَشْهُورٌ غَنِيٌّ عَنْ
إيرَادِ الْإِسْنَادِ فِيهِ، فَمَنْ ادَّعَى أَنَّهُ خُصُوصٌ لَمْ يُلْتَفَتْ
لِقَوْلِهِ، لِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ
اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ
الآخِرَ}[الأحزاب: 21] فَكُلُّ مَا فَعَلَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -
فَلَنَا أَنْ نَتَأَسَّى بِهِ فِيهِ، إلَّا أَنْ يَأْتِيَ نَصٌّ بِأَنَّهُ لَهُ
خُصُوصٌ. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَإِنَّ هَذَا فِعْلٌ مِنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ - وَلَيْسَ قَوْلًا، فَمِنْ أَيْنَ خَصَّصْتُمْ الْبِكْرَ دُونَ
الثَّيِّبِ، وَالصَّغِيرَةَ دُونَ الْكَبِيرَةِ، وَلَيْسَ هَذَا مِنْ أُصُولِكُمْ؟
قُلْنَا: نَعَمْ، إنَّمَا اقْتَصَرْنَا عَلَى الصَّغِيرَةِ الْبِكْرِ لِلْخَبَرِ
الَّذِي رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نا ابْنُ أَبِي عُمَرَ نا سُفْيَانُ -
هُوَ ابْنُ عُيَيْنَةَ - عَنْ زِيَادِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
الْفَضْلِ سَمِعَ نَافِعَ بْنَ جُبَيْرٍ يُخْبِرُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ "
أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «الثَّيِّبُ
أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا وَالْبِكْرُ يَسْتَأْذِنُهَا أَبُوهَا فِي
نَفْسِهَا وَإِذْنُهَا صُمَاتُهَا» . فَخَرَجَتْ الثَّيِّبُ صَغِيرَةً كَانَتْ
أَوْ كَبِيرَةً بِعُمُومِ هَذَا الْخَبَرِ، وَخَرَجَتْ الْبِكْرُ الْبَالِغُ بِهِ
أَيْضًا، لِأَنَّ الِاسْتِئْذَانَ لَا يَكُونُ إلَّا لِلْبَالِغِ الْعَاقِلِ
لِلْأَثَرِ الثَّابِتِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
«رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثٍ» فَذَكَرَ فِيهِمْ «الصَّغِيرِ حَتَّى يَبْلُغَ» فَخَرَجَ
الْبِكْرُ الَّتِي لَا أَبَ لَهَا بِالنَّصِّ الْمَذْكُورِ أَيْضًا، فَلَمْ تَبْقَ
إلَّا الصَّغِيرَةُ الْبِكْرُ ذَاتُ الْأَبِ فَقَطْ. فَإِنْ قِيلَ: فَلِمَ لَمْ
تُجِيزُوا إنْكَاحَ الْجَدِّ لَهَا كَالْأَبِ؟ قُلْنَا: لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَلا تَكْسِبُ
كُلُّ نَفْسٍ إِلا عَلَيْهَا}[الأنعام: 164] فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ
هَذَا الْعُمُومِ إلَّا مَا جَاءَ بِهِ الْخَبَرُ فَقَطْ، وَهُوَ الْأَبُ
الْأَدْنَى، وَبِالْخَبَرِ الْمَذْكُورِ يَبْطُلُ قَوْلُ الْحَسَنِ،
وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي ذَكَرْنَا آنِفًا. وَأَمَّا قَوْلُ مَالِكٍ فِي الَّتِي
بَقِيَتْ مَعَ زَوْجِهَا أَقَلَّ مِنْ سَنَةٍ - وَلَمْ يَطَأْهَا - أَنَّ أَبَاهَا
يُزَوِّجَهَا بِغَيْرِ إذْنِهَا، فَإِنْ أَتَمَّتْ مَعَ زَوْجِهَا سَنَةً
وَشَهِدَتْ الْمَشَاهِدَ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُزَوِّجَهَا إلَّا بِإِذْنِهَا.
فَفِي غَايَةِ الْفَسَادِ، لِأَنَّهُ تَحَكُّمٌ لَا يَعْضُدُهُ قُرْآنٌ، وَلَا
سُنَّةٌ، وَلَا رِوَايَةٌ ضَعِيفَةٌ، وَلَا قَوْلُ أَحَدٍ قَبْلَهُ جُمْلَةً،
وَلَا قِيَاسٌ، وَلَا رَأْيٌ لَهُ وَجْهٌ. وَأَمَّا إلْحَاقُ الشَّافِعِيِّ الصَّغِيرَةَ
الْمَوْطُوءَةَ بِحَرَامٍ بِالثَّيِّبِ، فَخَطَأٌ ظَاهِرٌ، لِأَنَّنَا
نَسْأَلُهُمْ إنْ بَلَغَتْ فَزَنَتْ: أَبِكْرٌ هِيَ فِي الْحَدِّ أَمْ ثَيِّبٌ؟
فَمِنْ قَوْلِهِمْ: إنَّهَا بِكْرٌ، فَظَهَرَ فَسَادُ قَوْلِهِمْ، وَصَحَّ
أَنَّهَا فِي حُكْمِ الْبِكْرِ. وَأَمَّا مَنْ جَعَلَ لِلثَّيِّبِ وَالْبِكْرِ
إذَا بَلَغَتْ أَنْ تَنْكِحَ مَنْ شَاءَتْ - وَإِنْ كَرِهَ أَبُوهَا - وَمَنْ
جَعَلَ لِلْأَبِ أَنْ يُنْكِحَهَا
- وَإِنْ كَرِهَتْ - فَكِلَاهُمَا خَطَأٌ بَيِّنٌ،
لِلْأَثَرِ الثَّابِتِ الَّذِي ذَكَرْنَا آنِفًا مِنْ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الثَّيِّبُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ
وَلِيِّهَا وَالْبِكْرُ يَسْتَأْذِنُهَا أَبُوهَا» . فَفَرَّقَ - عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بَيْنَ الثَّيِّبِ وَالْبِكْرِ فَجَعَلَ لِلثَّيِّبِ أَنَّهَا
أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا، فَوَجَبَ بِذَلِكَ أَنَّهُ لَا أَمْرَ
لِلْأَبِ فِي إنْكَاحِهَا، وَأَنَّهَا أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْهُ وَمِنْ
غَيْرِهِ، وَجَعَلَ الْبِكْرَ بِخِلَافِ ذَلِكَ، وَأَوْجَبَ عَلَى الْأَبِ أَنْ
يَسْتَأْمِرَهَا، فَصَحَّ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ اجْتِمَاعِ الْأَمْرَيْنِ:
إذْنُهَا، وَاسْتِئْذَانُ أَبِيهَا، وَلَا يَصِحُّ لَهَا نِكَاحٌ وَلَا عَلَيْهَا
إلَّا بِهِمَا جَمِيعًا. وقَوْله تَعَالَى: {وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلا
عَلَيْهَا}[الأنعام: 164] مُوجِبٌ أَنْ لَا يَجُوزَ عَلَى الْبَالِغَةِ الْبِكْرِ
إنْكَاحُ أَبِيهَا بِغَيْرِ إذْنِهَا، وَقَدْ جَاءَتْ بِهَذَا آثَارٌ صِحَاحٌ -:
نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ الْمَرْوَزِيُّ نا أَحْمَدُ
بْنُ شُعَيْبٍ أَخْبَرَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ نا الْحَكَمُ بْنُ مُوسَى نا
شُعَيْبُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ
عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ: «أَنَّ رَجُلًا زَوَّجَ ابْنَتَهُ وَهِيَ
بِكْرٌ مِنْ غَيْرِ أَمْرِهَا، فَأَتَتْ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَآلِهِ وَسَلَّمَ - فَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: مُعَاوِيَةُ
بْنُ صَالِحٍ هَذَا هُوَ الْأَشْعَرِيُّ - ثِقَةٌ مَأْمُونٌ - لَيْسَ هُوَ
الْأَنْدَلُسِيَّ الْحَضْرَمِيَّ، ذَلِكَ ضَعِيفٌ، وَهُوَ قَدِيمٌ. وَبِهِ إلَى
أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ نَا مُحَمَّدُ بْنُ دَاوُد الْمِصِّيصِيُّ نا حُسَيْنُ
بْنُ مُحَمَّدٍ نا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ عِكْرِمَةَ
عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، «أَنَّ جَارِيَةً بِكْرًا أَتَتْ النَّبِيَّ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَتْ: إنَّ أَبِي زَوَّجَنِي - وَهِيَ
كَارِهَةٌ - فَرَدَّ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -
نِكَاحَهَا» . نا أَبُو عُمَرَ أَحْمَدُ بْنُ قَاسِمٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي
قَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ قَاسِمٍ قَالَ: حَدَّثَنِي جَدِّي قَاسِمُ بْنُ
أَصْبَغَ نا مُحَمَّدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ نا عِمْرَانُ نا دُحَيْمٌ نا ابْنُ أَبِي
ذِئْبٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: «إنَّ رَجُلًا زَوَّجَ ابْنَتَهُ بِكْرًا
فَكَرِهَتْ فَأَتَتْ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -
فَرَدَّ نِكَاحَهَا» . نا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ نا
إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ الْبَلْخِيُّ نا الْفَرَبْرِيُّ نا الْبُخَارِيُّ نا
مُعَاذُ بْنُ فَضَالَةَ نَا هِشَامٌ
- هُوَ الدَّسْتُوَائِيُّ - عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي
كَثِيرٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ أَنَّ أَبَا
هُرَيْرَةَ حَدَّثَهُمْ أَنَّ النَّبِيَّ قَالَ: «لَا تُنْكَحُ الْأَيِّمُ حَتَّى تُسْتَأْمَرَ،
وَلَا تُنْكَحُ الْبِكْرُ حَتَّى تُسْتَأْذَنَ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ
فَكَيْفَ إذْنُهَا؟ قَالَ: أَنْ تَسْكُتَ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: الْآثَارُ
هَاهُنَا كَثِيرَةٌ، وَفِيهِ ذَكَرْنَا كِفَايَةً، وَقَدْ جَاءَ فِي رَدِّ نِكَاحِ
الْأَبِ ابْنَتَهُ الثَّيِّبَ بِغَيْرِ إذْنِهَا حَدِيثُ خَنْسَاءَ بِنْتِ
خِدَامٍ. قَالَ عَلِيٌّ: وَقَالَ بَعْضُهُمْ: «زَوَّجَ النَّبِيُّ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَنَاتِهِ وَلَمْ يَسْتَأْذِنْهُنَّ» . فَقُلْنَا: هَذَا لَا
يُعْرَفُ فِي شَيْءٍ مِنْ الْآثَارِ أَصْلًا، وَإِنَّمَا هِيَ دَعْوَى كَاذِبَةٌ،
بَلْ قَدْ جَاءَتْ آثَارٌ مُرْسَلَةٌ بِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ
- كَانَ يَسْتَأْمِرُهُنَّ. وَقَدْ تَقَصَّيْنَا فِي " كِتَابِ الْإِيصَالِ " مَا
اعْتَرَضَ بِهِ مَنْ لَا يُبَالِي مِمَّا أَطْلَقَ بِهِ لِسَانَهُ فِي الْآثَارِ
الَّتِي أَوْرَدْنَا، بِمَا لَا مَعْنَى لَهُ مِنْ رِوَايَةِ بَعْضِ النَّاسِ
لَهَا بِلَفْظٍ مُخَالِفٍ لِلَّفْظِ الَّذِي رُوِّينَا، وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَكُلُّ
ذَلِكَ لَا مَعْنَى لَهُ، لِأَنَّ اخْتِلَافَ الْأَلْفَاظِ لَيْسَ عِلَّةً فِي
الْحَدِيثِ، بَلْ إنْ كَانَ رَوَى جَمِيعَهَا الثِّقَاتُ وَجَبَ أَنْ تُسْتَعْمَلَ
كُلُّهَا، وَيُحْكَمَ بِمَا اقْتَضَاهُ كُلُّ لَفْظٍ مِنْهَا، وَلَا يَجُوزُ
تَرْكُ بَعْضِهَا لِبَعْضٍ، لِأَنَّ الْحُجَّةَ قَائِمَةٌ بِجَمِيعِهَا وَطَاعَةَ
كُلِّ مَا صَحَّ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَرْضٌ عَلَى
الْجَمِيعِ، وَمُخَالَفَةَ شَيْءٍ مِنْهُ مَعْصِيَةٌ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ،
وَإِنْ كَانَ رَوَى بَعْضَهَا ضَعِيفٌ فَالِاحْتِجَاجُ بِهِ عَلَى مَا رَوَاهُ
الثِّقَاتُ ضَلَالٌ. وَقَدْ جَاءَ مِثْلُ قَوْلِنَا عَنْ السَّلَفِ -: نا عَبْدُ
اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُثْمَانَ نا
أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ نا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ نا الْحَجَّاجُ بْنُ
الْمِنْهَالِ نا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ نا أَيُّوبُ السِّخْتِيَانِيُّ عَنْ
عِكْرِمَةَ: أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ كَانَ إذَا أَرَادَ أَنْ يُنْكِحَ إحْدَى بَنَاتِهِ
قَعَدَ إلَى خِدْرِهَا فَأَخْبَرَهَا أَنَّ فُلَانًا يَخْطُبُهَا. نا حُمَامُ بْنُ
أَحْمَدَ نَا ابْنُ مُفَرِّجٍ نَا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ نا الدَّبَرِيُّ نا
عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ حَبِيبٍ عَنْ نَافِعٍ قَالَ: كَانَ ابْنُ
عُمَرَ يَسْتَأْمِرُ بَنَاتِهِ فِي نِكَاحِهِنَّ. وَبِهِ إلَى عَبْدِ الرَّزَّاقِ
عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي ابْنُ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: تُسْتَأْمَرُ
النِّسَاءُ فِي أَبْضَاعِهِنَّ -. قَالَ ابْنُ طَاوُسٍ: الرِّجَالُ فِي ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ
الْبَنَاتِ لَا يُكْرَهُونَ وَأَشَدُّ شَأْنًا. وَبِهِ إلَى عَبْدِ الرَّزَّاقِ
عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ قَالَ: يَسْتَأْمِرُ
الْأَبُ الْبِكْرَ وَالثَّيِّبَ. وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ،
وَالْأَوْزَاعِيِّ، وَالْحَسَنِ بْنِ حَيٍّ، وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ،
وَأَبِي سُلَيْمَانَ، وَأَصْحَابِنَا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَمَا
نَعْلَمُ لِمَنْ أَجَازَ عَلَى الْبِكْرِ الْبَالِغَةِ إنْكَاحَ أَبِيهَا لَهَا بِغَيْرِ
إذْنِهَا مُتَعَلِّقًا أَصْلًا، إلَّا أَنْ قَالُوا: قَدْ ثَبَتَ جَوَازُ
إنْكَاحِهِ لَهَا وَهِيَ صَغِيرَةٌ فَهِيَ عَلَى ذَلِكَ بَعْدَ الْكِبَرِ. قَالَ
أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا لَا شَيْءَ لِوَجْهَيْنِ -: أَحَدُهُمَا - أَنَّ النَّصَّ
فَرَّقَ بَيْنَ الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ بِمَا ذَكَرْنَا مِنْ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ - فَذَكَرَ: الصَّغِيرِ
حَتَّى يَكْبَرَ» . وَالثَّانِي - أَنَّ هَذَا قِيَاسٌ، وَالْقِيَاسُ كُلُّهُ
فَاسِدٌ، وَإِذْ صَحَّحُوا قِيَاسَ الْبَالِغَةِ عَلَى غَيْرِ الْبَالِغَةِ فَلْيَلْزَمْهُمْ
أَنْ يَقِيسُوا الْجَدَّ فِي ذَلِكَ عَلَى الْأَبِ، وَسَائِرَ الْأَوْلِيَاءِ
عَلَى الْأَبِ أَيْضًا، وَإِلَّا فَقَدْ تَنَاقَضُوا فِي قِيَاسِهِمْ، وَيَكْفِي
مِنْ ذَلِكَ النُّصُوصُ الَّتِي أَوْرَدْنَا فِي رَدِّ إنْكَاحِ الْبِكْرِ
بِغَيْرِ إذْنِهَا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ:
وَإِذَا بَلَغَتْ الْمَجْنُونَةُ - وَهِيَ ذَاهِبَةُ الْعَقْلِ - فَلَا إذْنَ
لَهَا وَلَا أَمْرَ، فَهِيَ عَلَى ذَلِكَ لَا يُنْكِحُهَا الْأَبُ وَلَا غَيْرُهُ
حَتَّى يُمْكِنَ اسْتِئْذَانُهَا الَّذِي أَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
٩:٢٩ ص
٨ مسالة
انكاح الاب ابنه الصغير 1827 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَجُوزُ لِلْأَبِ وَلَا
لِغَيْرِهِ إنْكَاحُ الصَّغِيرِ الذَّكَرِ حَتَّى يَبْلُغَ فَإِنْ فَعَلَ فَهُوَ
مَفْسُوخٌ أَبَدًا، وَأَجَازَهُ قَوْمٌ - لَا حُجَّةَ لَهُمْ إلَّا قِيَاسُهُ
عَلَى الصَّغِيرَةِ. قَالَ عَلِيٌّ: وَالْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ، وَلَوْ كَانَ
الْقِيَاسُ حَقًّا لَكَانَ قَدْ عَارَضَ هَذَا الْقِيَاسَ قِيَاسٌ آخَرُ مِثْلُهُ،
وَهُوَ أَنَّهُمْ قَدْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الذَّكَرَ إذَا بَلَغَ لَا مَدْخَلَ
لِأَبِيهِ وَلَا لِغَيْرِهِ فِي إنْكَاحِهِ أَصْلًا، وَأَنَّهُ فِي ذَلِكَ
بِخِلَافِ الْأُنْثَى الَّتِي لَهُ فِيهَا مَدْخَلٌ: إمَّا بِإِذْنٍ، وَإِمَّا بِإِنْكَاحٍ،
وَإِمَّا بِمُرَاعَاةِ الْكُفْءِ - فَكَذَلِكَ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ حُكْمُهُمَا
مُخْتَلِفَيْنِ قَبْلَ الْبُلُوغِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ
وَجَلَّ: {وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلا عَلَيْهَا}[الأنعام: 164] مَانِعٌ مِنْ
جَوَازِ عَقْدِ أَحَدٍ عَلَى أَحَدٍ إلَّا أَنْ يُوجِبَ إنْفَاذَ ذَلِكَ نَصُّ
قُرْآنٍ، أَوْ سُنَّةٍ، وَلَا نَصَّ، وَلَا سُنَّةَ فِي جَوَازِ إنْكَاحِ الْأَبِ
لِابْنِهِ الصَّغِيرِ - وَقَدْ قَالَ بِهَذَا طَائِفَةٌ مِنْ السَّلَفِ: رُوِّينَا
مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ ابْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ
قَالَ: إذَا أَنْكَحَ الصَّغِيرَيْنِ أَبَوَاهُمَا فَهُمَا بِالْخِيَارِ إذَا
كَبَرَا، وَلَا يَتَوَارَثَانِ إنْ مَاتَا قَبْلَ ذَلِكَ. وَبِهِ إلَى مَعْمَرٍ
عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: إذَا أَنْكَحَ الصَّبِيَّيْنِ أَبَوَاهُمَا فَمَاتَا قَبْلَ
أَنْ يُدْرِكَا فَلَا مِيرَاثَ بَيْنَهُمَا، قَالَ مَعْمَرٌ: سَوَاءٌ
أَنْكَحَهُمَا أَبَوَاهُمَا أَوْ غَيْرُهُمَا - وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ
الثَّوْرِيِّ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
٩:٣٠ ص
٩ مسالة اذا
اسلمت البكر ولم يسلم ابوها او كان مجنونا : 1828 - مَسْأَلَةٌ: وَإِذَا
أَسْلَمَتْ الْبِكْرُ وَلَمْ يُسْلِمْ أَبُوهَا، أَوْ كَانَ مَجْنُونًا فَهِيَ فِي
حُكْمِ الَّتِي لَا أَبَ لَهَا؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَطَعَ الْوِلَايَةَ
بَيْنَ الْكُفَّارِ وَالْمُؤْمِنِينَ قَالَ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُوا لا تَتَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ}[الممتحنة: 13] .
وَقَالَ تَعَالَى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ
بَعْضٍ}[التوبة: 71] . وَصَحَّ فِي الْمَجْنُونِ قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ» فَذَكَرَ
مِنْهُمْ «الْمَجْنُونِ حَتَّى يُفِيقَ» . وَقَدْ صَحَّ أَنَّهُ غَيْرُ
مُخَاطَبٍ بِاسْتِئْمَارِهَا وَلَا بِإِنْكَاحِهَا، وَإِنَّمَا خَاطَبَ عَزَّ
وَجَلَّ أُولِي الْأَلْبَابِ، فَلَهَا أَنْ تَنْكِحَ مَنْ شَاءَتْ بِإِذْنِ غَيْرِهِ
مِنْ أَوْلِيَائِهَا أَوْ السُّلْطَانِ. وَكَذَلِكَ الَّتِي أَسْلَمَ أَبُوهَا
وَلَمْ تُسْلِمْ هِيَ، فَإِنْ أَسْلَمَ أَوْ أَسْلَمَتْ أَوْ عَقَلَ: رَجَعَتْ
إلَى حُكْمِ ذَاتِ الْأَبِ لِدُخُولِهِ فِي الْأَمْرِ بِإِنْكَاحِهَا
وَاسْتِئْذَانِهَا. وَالْأَمَةُ الصَّغِيرَةُ - بِكْرًا كَانَتْ أَوْ ثَيِّبًا -
لَيْسَ لَهَا أَبٌ فَلَا يَجُوزُ لِسَيِّدِهَا إنْكَاحُهَا، لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ
ذَلِكَ إلَّا فِي الْأَبِ فَقَطْ، وَلَيْسَ لِأَبِيهَا وَإِنْ كَانَ حُرًّا
إنْكَاحُهَا إلَّا بِإِذْنِ سَيِّدِهَا، لِأَنَّهُ بِذَلِكَ كَاسِبٌ عَلَى
سَيِّدِهَا، إذْ هِيَ مَالٌ مِنْ مَالِهِ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {وَلا تَكْسِبُ
كُلُّ نَفْسٍ إِلا عَلَيْهَا}[الأنعام: 164] . وَالْبُرْهَانُ عَلَى مَا قُلْنَا مِنْ
أَنَّهُ يَجُوزُ لِلسَّيِّدِ إنْكَاحُ أَمَتِهِ الَّتِي لَمْ تَبْلُغْ قَوْلُ
اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَأَنْكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ
عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ}[النور: 32] وَالصَّغِيرُ لَا يُوصَفُ بِصَلَاحٍ فِي
دِينِهِ وَلَا يَدْخُلُ فِي الصَّالِحِينَ، وَكُلُّ مُسْلِمٍ فَهُوَ مِنْ
الصَّالِحِينَ بِقَوْلِ: لَا إلَه إلَّا اللَّهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
-.
٩:٣٠ ص
١٠ مسالة اذن
الوصي في النكاح 1829 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا إذْنَ لِلْوَصِيِّ فِي إنْكَاحٍ
أَصْلًا، لَا لِرَجُلٍ، وَلَا لِامْرَأَةٍ: صَغِيرَيْنِ كَانَا، أَوْ كَبِيرَيْنِ،
لِأَنَّ الصَّغِيرَيْنِ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ
الذَّكَرَ مِنْهُمَا لَا يَجُوزُ أَنْ يُنْكِحَهُ أَبٌ وَلَا غَيْرُهُ وَأَنَّ
الْأُنْثَى مِنْهُمَا لَا يَجُوزُ أَنْ يُنْكِحَهَا إلَّا الْأَبُ وَحْدَهُ،
وَأَمَّا الْكَبِيرَانِ فَلَا يَخْلُوَانِ مِنْ أَنْ يَكُونَا مَجْنُونَيْنِ أَوْ
عَاقِلَيْنِ. فَإِنْ كَانَا مَجْنُونَيْنِ فَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّهُ لَا
يُنْكِحُهَا أَحَدٌ، لَا أَبٌ وَلَا غَيْرُهُ. وَأَمَّا الْعَاقِلَانِ
الْبَالِغَانِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِمَا وَصِيٌّ عَلَى مَا
بَيَّنَّا فِي " كِتَابِ الْحَجْرِ " فَأَغْنَى عَنْ إعَادَتِهِ.
وَمِمَّنْ قَالَ: لَا مَدْخَلَ لِلْوَصِيِّ فِي الْإِنْكَاحِ: أَبُو حَنِيفَةَ،
وَالشَّافِعِيُّ، وَأَبُو سُلَيْمَانَ، وَأَصْحَابُهُمْ - فَإِنْ مَوَّهَ
مُمَوِّهٌ بِالْخَبَرِ الَّذِي رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ يَحْيَى
بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَبِيبَةَ عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ مَنَعَ يَتِيمًا لَهُ
النِّكَاحَ فَزَنَى فَالْإِثْمُ بَيْنَهُمَا» ؟ قُلْنَا: هَذَا مُرْسَلٌ وَلَا حُجَّةَ فِي
مُرْسَلٍ -. وَأَيْضًا فَهُوَ مِنْ رِوَايَةِ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ
بْنِ أَبِي لَبِيبَةَ وَهُوَ ضَعِيفٌ. وَأَيْضًا: فَلَيْسَ فِيهِ لِلْوَصِيِّ
ذِكْرٌ - وَقَدْ يَكُونُ أَرَادَ سَيِّدَ الْعَشِيرَةِ يَمْنَعُ يَتِيمًا مِنْ
قَوْمِهِ النِّكَاحَ ظُلْمًا.
٩:٣١ ص
١١. مسالة اوصى اذا
مات ان تزوج ابنته البكر الصغيرة او البالغ 1830 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ أَوْصَى
إذَا مَاتَ أَنْ تُزَوَّجَ ابْنَتُهُ الْبِكْرُ الصَّغِيرَةُ أَوْ الْبَالِغُ
فَهِيَ وَصِيَّةٌ فَاسِدَةٌ لَا يَجُوزُ إنْفَاذُهَا. بُرْهَانُ ذَلِكَ -: أَنَّ الصَّغِيرَةَ
إذَا مَاتَ أَبُوهَا صَارَتْ يَتِيمَةً وَقَدْ جَاءَ النَّصُّ بِأَنْ لَا تُنْكَحَ
الْيَتِيمَةُ حَتَّى تُسْتَأْذَنَ، وَأَمَّا الْكَبِيرَةُ فَلَيْسَ لِأَبِيهَا
أَنْ يُزَوِّجَهَا فِي حَيَاتِهِ بِغَيْرِ إذْنِهَا فَكَيْفَ بَعْدَ مَوْتِهِ.
وَقَدْ صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا
مَاتَ أَحَدُكُمْ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إلَّا مِنْ ثَلَاثٍ» وَلَيْسَ مِنْ تِلْكَ
الثَّلَاثِ - وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ، وَأَصْحَابِهِمْ.
٩:٣١ ص
١٢ مسالة
النكاح بلفظ الهبة وغيرها مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَجُوزُ النِّكَاحُ إلَّا بِاسْمِ الزَّوَاجِ
أَوْ النِّكَاحِ، أَوْ التَّمْلِيكِ، أَوْ الْإِمْكَانِ. وَلَا يَجُوزُ بِلَفْظِ
الْهِبَةِ، وَبِلَفْظٍ غَيْرِهَا لِمَا ذَكَرْنَا، أَوْ بِلَفْظِ الْأَعْجَمِيَّةِ
يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ الْأَلْفَاظِ الَّتِي ذَكَرْنَا لِمَنْ يَتَكَلَّمُ بِتِلْكَ
اللُّغَةِ وَيُحْسِنُهَا. بُرْهَانُ ذَلِكَ -: قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى:
{فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ}[النساء: 3] . وقَوْله تَعَالَى:
{وَأَنْكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ
وَإِمَائِكُمْ}[النور: 32] . وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا
وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا}[الأحزاب: 37] . وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ نا
سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ نا أَبُو غَسَّانَ - هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ مُطَرِّفٍ
الْمَدَنِيُّ - حَدَّثَنِي أَبُو حَازِمٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ
«أَنَّ امْرَأَةً عَرَضَتْ نَفْسَهَا عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ -» فَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَالرَّجُلَ الَّذِي خَطَبَهَا، فَقَالَ لَهُ
رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَقَدْ أَنْكَحْنَاكَهَا
بِمَا مَعَكَ مِنْ الْقُرْآنِ» . وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ
مَعْمَرٍ، وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَكِلَاهُمَا عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ سَهْلِ
بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِلرَّجُلِ: «قَدْ مَلَّكْتُكَهَا بِمَا مَعَكَ مِنْ
الْقُرْآنِ» . وَرُوِّينَا أَيْضًا: مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي
حَازِمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ فَقَالَ فِيهِ «فَقَدْ
مَلَّكْتُكَهَا بِمَا مَعَكَ مِنْ الْقُرْآنِ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَإِنْ
قِيلَ: فَقَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ أَبِي
حَازِمٍ عَنْ سَهْلٍ فَقَالَ فِيهِ «قَدْ أَنْكَحْتُكَهَا» . وَرَوَاهُ:
زَائِدَةُ، وَحَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، وَعَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ
الدَّرَاوَرْدِيُّ، كُلُّهُمْ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ سَهْلٍ، فَقَالُوا فِيهِ
«فَقَدْ زَوَّجْتُكَهَا فَعَلِّمْهَا مِنْ الْقُرْآنِ» وَهُوَ مَوْطِنٌ وَاحِدٌ، وَرَجُلٌ
وَاحِدٌ، وَامْرَأَةٌ وَاحِدَةٌ؟ قَالَ: نَعَمْ، كُلُّ ذَلِكَ صَحِيحٌ.
وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ نا عَبْدَةُ - هُوَ ابْنُ سُلَيْمَانَ
الصَّفَّارُ - نا عَبْدُ الصَّمَدِ - هُوَ ابْنُ عَبْدِ الْوَارِثِ - نا عَبْدُ
اللَّهِ بْنُ الْمُثَنَّى نَا ثُمَامَةُ بْنُ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ أَنَسِ
بْنِ مَالِكٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّهُ كَانَ
إذَا تَكَلَّمَ بِالْكَلِمَةِ أَعَادَهَا ثَلَاثًا حَتَّى تُفْهَمَ عَنْهُ»
فَصَحَّ أَنَّهَا أَلْفَاظٌ كُلُّهَا قَالَهَا - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ
- مُعَلِّمًا لَنَا مَا يَنْعَقِدُ بِهِ النِّكَاحُ - وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
وَمِمَّنْ قَالَ بِهَذَا: الشَّافِعِيُّ، وَأَبُو سُلَيْمَانَ. وَقَالَ أَبُو
حَنِيفَةَ، وَمَالِكٌ: إنَّ النِّكَاحَ يَنْعَقِدُ بِلَفْظِ " الْهِبَةِ
" -: قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا عَظِيمٌ جِدًّا؛ لِأَنَّ اللَّهَ
تَعَالَى يَقُولُ: {وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ
إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ
الْمُؤْمِنِينَ}[الأحزاب: 50] فَصَحَّ أَنَّ النِّكَاحَ بِلَفْظِ " الْهِبَةِ "
بَاطِلٌ لِغَيْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَالْعَجَبُ قَوْلُهُمْ:
إنَّ الْهِبَةَ الْمُحَرَّمَةَ إنَّمَا هِيَ إذَا كَانَتْ بِلَا صَدَاقٍ، فَكَانَ
هَذَا زَائِدًا فِي الضَّلَالِ وَالتَّحَكُّمِ بِالْكَذِبِ، وَالدَّعَاوَى فِي
الدِّينِ. وَمِنْ الْعَجَبِ أَنْ أَتَوْا إلَى الْمَوْهُوبَةِ، وَقَدْ قَالَ
اللَّهُ تَعَالَى إنَّهَا لِرَسُولِهِ
- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مِنْ دُونِ
الْمُؤْمِنِينَ فَجَعَلُوهُ عُمُومًا لِغَيْرِهِ، ثُمَّ أَتَوْا إلَى مَا حَكَمَ
بِهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ إبَاحَةِ النِّكَاحِ
بِخَاتَمٍ حَدِيدٍ، وَبِتَعْلِيمِ شَيْءٍ مِنْ الْقُرْآنِ فَجَعَلُوهُ خُصُوصًا
لَهُ - فَلَوْ عَكَسُوا أَقْوَالَهُمْ لَأَصَابُوا - وَنَسْأَلُ اللَّهَ الْعَافِيَةَ.
٩:٣٢ ص
١٣ مسالة لا يتم
النكاح الا باشهاد عدلين فصاعدا او باعلان عام 1832 - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَتِمُّ
النِّكَاحُ إلَّا بِإِشْهَادِ عَدْلَيْنِ فَصَاعِدًا، أَوْ بِإِعْلَانٍ عَامٍّ،
فَإِنْ اسْتَكْتَمَ الشَّاهِدَانِ لَمْ يَضُرَّ ذَلِكَ شَيْئًا. نا مُحَمَّدُ بْنُ
إسْمَاعِيلَ الْعُذْرِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى قَالَا: نا مُحَمَّدُ بْنُ
عَلِيٍّ الرَّازِيّ الْمُطَّوِّعِيُّ نا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَاكِمُ
النَّيْسَابُورِيُّ قَالَ: سَمِعْت أَبَا بَكْرِ بْنَ إِسْحَاقَ الْإِمَامَ يَقُولُ:
حَدَّثَنِي أَبُو عَلِيٍّ الْحَافِظُ قَالَ الْحَاكِمُ: ثُمَّ سَأَلْت أَبَا
عَلِيٍّ فَحَدَّثَنِي قَالَ: نا إِسْحَاقُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ إِسْحَاقَ الرَّقِّيُّ
نا أَبُو يُوسُفَ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَجَّاجَ الرَّقِّيُّ نا عِيسَى
بْنُ يُونُسَ نا ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى عَنْ الزُّهْرِيِّ
عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - «أَيُّمَا امْرَأَةٍ نَكَحَتْ بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهَا وَشَاهِدَيْ
عَدْلٍ فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ، وَإِنْ دَخَلَ بِهَا فَلَهَا الْمَهْرُ، وَإِنْ اشْتَجَرُوا
فَالسُّلْطَانُ وَلِيُّ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: لَا
يَصِحُّ فِي هَذَا الْبَابِ شَيْءٌ، غَيْرُ هَذَا السَّنَدِ - يَعْنِي ذِكْرَ شَاهِدَيْ عَدْلٍ -
وَفِي هَذَا كِفَايَةٌ لِصِحَّتِهِ.
فَإِنْ قِيلَ: فَمِنْ أَيْنَ أَجَزْتُمْ النِّكَاحَ
بِالْإِعْلَانِ الْفَاشِي، وَبِشَهَادَةِ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ عُدُولٍ،
وَبِشَهَادَةِ أَرْبَعِ نِسْوَةٍ عُدُولٍ؟ قُلْنَا: أَمَّا الْإِعْلَانُ:
فَلِأَنَّ كُلَّ مَنْ صَدَقَ فِي خَبَرٍ فَهُوَ فِي ذَلِكَ الْخَبَرِ عَدْلٌ
صَادِقٌ بِلَا شَكٍّ، فَإِذَا أُعْلِنَ النِّكَاحُ، فَالْمُعْلِنَانِ لَهُ بِهِ
بِلَا شَكٍّ صَادِقَانِ عَدْلَانِ فِيهِ فَصَاعِدًا، وَكَذَلِكَ الرَّجُلُ وَالْمَرْأَتَانِ
فِيهِمَا شَاهِدَا عَدْلٍ بِلَا شَكٍّ، لِأَنَّ الرَّجُلَ وَالْمَرْأَةَ إذَا
أُخْبِرَ عَنْهُمَا غَلَبَ التَّذْكِيرُ. وَأَمَّا الْأَرْبَعُ النِّسْوَةِ
فَلِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «شَهَادَةُ
الْمَرْأَةِ بِنِصْفِ شَهَادَةِ الرَّجُلِ» وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي " كِتَابِ
الشَّهَادَاتِ ". وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. وَقَالَ قَوْمٌ:
إذَا اُسْتُكْتِمَ الشَّاهِدَانِ فَهُوَ نِكَاحُ سِرٍّ، وَهُوَ بَاطِلٌ. قَالَ
أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا خَطَأٌ لِوَجْهَيْنِ -: أَحَدُهُمَا - أَنَّهُ لَمْ يَصِحَّ
قَطُّ نَهْيٌ عَنْ نِكَاحِ السِّرِّ إذَا شَهِدَ عَلَيْهِ عَدْلَانِ. وَالثَّانِي
- أَنَّهُ لَيْسَ سِرًّا مَا عَلِمَهُ خَمْسَةٌ: النَّاكِحُ، وَالْمُنْكِحُ،
وَالْمُنْكَحَةُ، وَالشَّاهِدَانِ - قَالَ الشَّاعِرُ: أَلَا كُلُّ سِرٍّ جَاوَزَ
اثْنَيْنِ شَائِعٌ وَقَالَ غَيْرُهُ: السِّرُّ يَكْتُمُهُ الِاثْنَانِ بَيْنَهُمَا
وَكُلُّ سِرٍّ عَدَا الِاثْنَيْنِ مُنْتَشِرُ وَمَنْ أَبَاحَ النِّكَاحَ الَّذِي يُسْتَكْتَمُ
فِيهِ الشَّاهِدَانِ: أَبُو حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَبُو سُلَيْمَانَ؛
وَأَصْحَابُهُمْ.
٩:٣٢ ص
١٤ مسالة النكاح
بغير ذكر صداق 1833 - مَسْأَلَةٌ: وَالنِّكَاحُ جَائِزٌ بِغَيْرِ ذِكْرِ صَدَاقٍ،
لَكِنْ بِأَنْ يَسْكُتَ جُمْلَةً فَإِنْ اشْتَرَطَ فِيهِ أَنْ لَا صَدَاقَ
عَلَيْهِ فَهُوَ نِكَاحٌ مَفْسُوخٌ أَبَدًا. بُرْهَانُ ذَلِكَ -: قَوْلُ اللَّهِ
عَزَّ وَجَلَّ: {لا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ
تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً}[البقرة: 236] . فَصَحَّحَ
اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ النِّكَاحَ الَّذِي لَمْ يُفْرَضْ فِيهِ لِلْمَرْأَةِ
شَيْءٌ، إذْ صَحَّحَ فِيهِ الطَّلَاقَ، وَالطَّلَاقُ لَا يَصِحُّ إلَّا بَعْدَ
صِحَّةِ النِّكَاحِ. وَأَمَّا لَوْ اشْتَرَطَ فِيهِ أَنْ لَا صَدَاقَ فَهُوَ
مَفْسُوخٌ، لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
«كُلُّ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَهُوَ بَاطِلٌ» وَهَذَا شَرْطٌ
لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَهُوَ بَاطِلٌ. بَلْ فِي كِتَابِ
اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ إبْطَالُهُ، قَالَ تَعَالَى: {وَآتُوا النِّسَاءَ
صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً}[النساء: 4] فَإِذْ هُوَ بَاطِلٌ فَالنِّكَاحُ
الْمَذْكُورُ لَمْ تَنْعَقِدْ صِحَّتُهُ إلَّا عَلَى تَصْحِيحِ مَا لَا يَصِحُّ،
فَهُوَ نِكَاحٌ لَا صِحَّةَ لَهُ
- وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
٩:٣٣ ص
١٥ مسالة اذا
طلبت المنكحة التي لم يفرض لها صداق 1834 - مَسْأَلَةٌ: فَإِذَا طَلَبَتْ
الْمُنْكَحَةُ الَّتِي لَمْ يُفْرَضْ لَهَا صَدَاقٌ قُضِيَ لَهَا بِهِ، فَإِنْ
تَرَاضَتْ هِيَ وَزَوْجُهَا بِشَيْءٍ يَجُوزُ تَمَلُّكُهُ، فَهُوَ صَدَاقٌ، لَا
صَدَاقَ لَهَا غَيْرُهُ، فَإِنْ اُخْتُلِفَ قُضِيَ لَهَا بِصَدَاقِ مِثْلِهَا -
أَحَبَّ هُوَ أَوْ هِيَ، أَوْ كَرِهَتْ هِيَ أَوْ هُوَ. بُرْهَانُ ذَلِكَ -:
أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي صِحَّةِ مَا يَتَرَاضَيَانِ بِهِ مِمَّا يَجُوزُ
تَمَلُّكُهُ، وَإِنَّمَا خَالَفَ قَوْمٌ فِي بَعْضِ الْأَعْدَادِ عَلَى مَا
نُبَيِّنُ بَعْدَ هَذَا - إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى - وَقَوْلُهُمْ سَاقِطٌ
نُبَيِّنُهُ بَعْدُ، بِحَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَقُوَّتِهِ. وَأَمَّا الْقَضَاءُ
عَلَيْهِ وَعَلَيْهَا بِمَهْرِ مِثْلِهَا، فَإِنَّهُ قَدْ أَوْجَبَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ
لَهَا الصَّدَاقَ، وَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ يُقْضَى لَهَا بِهِ إذَا طَلَبَتْهُ.
وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَلْزَمَ مَا طَلَبَتْهُ هِيَ، إذْ قَدْ تَطْلُبُ مِنْهُ مَا
لَيْسَ فِي وُسْعِهِ. وَكَذَلِكَ لَا يَجُوزُ أَنْ تُلْزَمَ هِيَ مَا أَعْطَاهَا،
إذْ قَدْ يُعْطِيهَا فَلْسًا، وَلَمْ يَأْتِ نَصٌّ بِإِلْزَامِهَا ذَلِكَ، وَلَا
بِإِلْزَامِهِ مَا طَلَبَتْ، فَإِذْ قَدْ بَطَلَ هَذَانِ الْوَجْهَانِ فَلَمْ
يَبْقَ إلَّا صَدَاقُ مِثْلِهَا، فَهُوَ الَّذِي يُقْضَى لَهَا بِهِ -
وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
كتاب النكاح لاين حزم
له بقية حوالي ٧٠ باب بالاهلي منهم ١٥ .باب نبدا بمشيئة
الله فيهم من رقم ١٦